أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - المجتمع المدني - سعد هجرس - سر أجنحة كلمات الأبنودى















المزيد.....

سر أجنحة كلمات الأبنودى


سعد هجرس

الحوار المتمدن-العدد: 2302 - 2008 / 6 / 4 - 10:40
المحور: المجتمع المدني
    


حبانى زمانى بأن أتعرف شخصياً على فؤاد حداد، وصلاح جاهين، وسيد حجاب وأمل دنقل.. وعبد الرحمن الأبنودى، أى خمسة من أهم شعراء مصر فى القرن العشرين وبدايات الألفية الثالثة.
ومع ذلك لم أصب بـ "التسمم الشعرى" حسب التعبير اللاذع للشاعر العراقى الكبير عبدالوهاب البيانى الذى قاله لنا يوماً ما ونحن نتابع فى العاصمة العربية الجميلة، بغداد، مهرجان المربد "الشعرى" الذى كان يغص بأعداد مرعبة من أنصاف الشعراء سامحهم الله.
على العكس تماماً من هؤلاء .. أجد نفسى مديناً لكل واحد من هؤلاء الشعراء الأربعة العظام بجزء من الاتزان النفسى والوجدانى والسلام الروحى الذى أستمتع به .ز أحياناً.
وفى الأغلب الأعم .. تكون قراءة ابداعات كبار الشعراء – والأدباء عموماً – دون الاحتكاك بهم شخصياً، أفضل كثيراً من التعامل المباشر معهم. وأحد أسباب ذلك هى النرجسية الزائدة (والمستحقة) المصحوبة بـ "تورم الذات" لهؤلاء العباقرة القاطنين فى مملكة الشعر أو "المخاوين" لشياطينه!
لكن صحبة هؤلاء الخمسة ربما كانت الاستثناء الذى أكد القاعدة.
من هؤلاء .. عبدالرحمن الأبنودى.
هذا ليس مجرد شاعر، فالشعراء كثيرون، وربما أكثر من الهم على القلب.
إنه شاعر كبير جداً، شاعر حقيقى، شاعر مصرى صميم، أشعاره معجونة بعبق مصر وأفراحها النادرة وأحزانها الطويلة ، وكلماته ممزوجة بحكمة الأجيال المتعاقبة من المصريين الذين ربما كانوا أكثر من عاش على ظهر الكرة الأرضية تعرضاً للأذى والظلم والاستغلال "الوطنى" والاحتلال "الأجنبى".
ثم إنه أحد قلائل المبدعين المصريين الذين كسروا أطواق العزلة والحصار، واستطاعت كلماتهم ورسائلهم الابداعية أن تنبت أجنحة تحلق بها فوق الأسوار العالية وتصل بها إلى الهواء الطلق حيث الناس الحقيقيين فى الكفور والنجوع والمصانع والورش والحوارى والأزقة والأسواق والحقول .. وقلوب الصبايا والعاشقين.
فكثير منا لديه رسائل مهمة ونبيلة، لكن معظمنا يعجز عن توصيلها إلى الناس ونظل نجترها مع أنفسنا أو نتبادلها مع بعضنا البعض، بالضبط مثل الواعظ فى المسجد الذى يخصص مواعظه لجزاء تارك الصلاة، بينما تارك الصلاة خارج المسجد وليس داخله!
عبدالرحمن الأبنودى كسر هذا الحصار، وهذا جزء مهم من عبقريته، واستطاع أن يحقق أكبر درجة من التواصل مع الناس.
وليس السر فى ذلك فقط أغانيه التى وصل عددها إلى أكثر من سبعمائة أغنية غناها كبار المطربين: عبدالحليم حافظ، ومحمد رشدى، وفايزة أحمد، ووردة، وماجدة الرومى، ومحمد منير، فضلاً عن المقدمات الغنائية لمسلسلات درامية تليفزيونية لها شعبيتها الطاغية، مثل مسلسل "النديم"، وأفلام سينمائية مهمة مثل "البرئ" و "الطوق والأسورة" و "شئ من الخوف".
السر – إلى جانب الموهبة الأصيلة أولاً وقبل كل شئ – يتمثل – فى رأيى – فى عدد من الأمور.
أولها علاقته بقريته فى أبنود، تلك القرية القابعة على شمال السماء فى محافظة قنا، والتى تشكل جزءاً لا يتجزأ من كيان "الأبنودى".
لدرجة جعلت البعض يتندر عليه قائلاً: أنك إذا قلت لعبد الرحمن الأبنودى "صباح الخير" رد عليك قائلاً "أبنود".
وهى قرية عجيبة فعلاً، أصر الأبنودى أن يصحبنا إليها قبيل سفره فى رحلة علاجه إلى فرنسا، وكان معنا فى هذه الزيارة الصديقة والزميلة فريدة الشوباشى والأصدقاء والزملاء نبيل زكى ورياض سيف النصر وأبو العباس محمد والنائب الصعيدى الجميل أحمد أسعد.
فهى قرية فقيرة جداً، لا تحتاج إلى جهد لتكتشف على ملامحها بقايا وآثار فقر "تاريخى".
ومع ذلك فإنها قرية "تغنى"، أبناؤها لا يتوقفون عن الغناء. فهم يغنون فى العمل وفى أوقات الراحة.
ولا تحتكر "أبنود" ميزة إنجاب المبدعين، فهناك منطقة "سحرية" فى محافظة قنا، فى "الصعيد الجوانى" لا تنتج القصب والذرة فقط وإنما تنتج الأدباء أيضاً.
فعلى مرمى حجر من أبنود قرية عبد الرحمن الأبنودى تجد قرية "القلعة" التى أنجبت الشاعر الكبير أمل دنقل، وعلى مسافة قصيرة تجد قرية ثالثة أنجبت يحيى الطاهر عبدالله الروائى المبدع الذى اختطفه الموت وهو فى الثانية والأربعين من عمره فى حادث سيارة عبثى، وإذا اتجهت قليلاً إلى الشمال ستجد الأقصر التى أنجبت الروائى الرائع بهاء طاهر.
فما هو يا ترى سر هذه "التربة" التى تنجب تلك القامات الأدبية الشامخة؟!
ثم إن الأهم هو أن علاقة الأبنودى بـ "أبنود" ليست مجرد علاقة عابرة بين شخص ومسقط رأسه مثل الكثير منا. بل إنها علاقة عضوية.
حتى أن عبدالرحمن الأبنودى يردد دائماً أنه من "دود الأرض"، فهو عمل فى الغيط فى جنى القطن، وجمع سنابل القمح وذهب إلى النهر ليصطاد السمك، وعاش فى طفولته فقيراً مع الفقراء يعمل معهم ويغنى معهم.
وعندما اشتد عود عبدالرحمن الأبنودى ورحل عن أبنود، ومحافظة قنا بأسرها، وجاء إلى القاهرة ، جاء ومعه هذه القرية المسحورة حاملاً ربابته فوق ظهره ومشبعاً بالفولكلور الحى الذى يسكن كل بيت من بيوتها. والأهم أن الأبنودى لم يقطع صلته بقريته – مثلما فعل معظمنا وأنا من هؤلاء التعساء – بل استمر على علاقة وثيقة بها حتى هذه اللحظة. وربما كان هذا هو "سر" الأبنودى الأول الذى جعل أشعاره ممتلكة لهذه الأجنحة التى تعطى كلماته القدرة على الطيران واختراق الحواجز والوصول إلى الناس. فهذه العلاقة الوثيقة مع قريته، ومع الفلاحين، هى التى أعطت شعره إحدى خصائصه الفريدة التى تميزه عن سائر الشعراء.
***
الأمر الثانى هو أن الأبنودى لم يعش فقط تجربة الحياة الحقيقية فى القرية، والمدينة بعد ذلك، فأعطته هذه التجربة الاحساس العميق بهموم المصريين الكثيرة وأحلامهم المتواضعة، فعبر عنها بصدق، وإنما هو عاش أيضاً تجربة أخرى كانت مدرسة لكثير من المبدعين فى مصر وسائر بلدان العالم، هى تجربة السجن. حيث تم اعتقاله فى الفترة من عام 1966 إلى 1967 مع عدد من المثقفين الثوريين، مفكرين وأدباء ومبدعين، منهم سيد حجاب ومحمد العزبى وصلاح عيسى وجمال الغيطانى وغالب هلسا.
والسجن ليس مدرسة للثوار فقط، وإنما هو تجربة إنسانية فريدة لعشق الحرية وحب الحياة وإكتشاف مكنونات الذات ورؤية الوطن والأمة من وراء الأسوار بعين مختلفة.
ولا يستطيع الكتابة عن الحرية مثل من حرم منها مثلما لا يشعر بالعشق إلا من يكابده، ولهذا فان تبشير أشعار الأبنودى بالحرية – بكافة أشكالها – جاء صادقاً. ولأنه خرج من القلب فإنه وصل إلى قلوب الناس مباشرة. وهذا هو سر الأبنودى الثانى.
***
الأمر الثالث هو "السيرة الهلالية" .. فهذا الرجل، ولأنه مخلص فى علاقته بالتراث الشعبى، أفنى ما يقرب من ثلاثين عاماً من عمره فى جمع السيرة الهلالية باعتبارها أحد أهم عيون التراث الشعبى المصرى، والتى كانت مهددة بالضياع. ومن أجل هذا الهدف ركب القطار القشاش وسيارات الأرياف المتهالكة والجمال والحمير ليذهب إلى رواة السيرة الهلالية فى الكفور والنجوع.
وإذا كان عبد الرحمن الأبنودى لم يفعل فى حياته شيئاً غير جمع السيرة الهلالية لكان ذلك كافياً لتخليده، فما بالك وأنه فعل ذلك إلى جانب نهر من الإبداع الذى جعل الشعر صديقاً للفلاحين والعمال والفقراء وأبناء السبيل، والذى أعاد الاعتبار "الجماهيرى للشعراء والأدباء الذين طالما تعرضوا للاتهام بأنهم من سكان "الأبراج العاجية"، أو بأنهم من "المؤذنين فى مالطة".
والأبنودى لم يفعل ذلك كله على مدار عشر سنوات أو عشرين سنة أو ربع قرن. وإنما ظل يبدع منذ عام 1956 حتى الآن أى أنه يمتعنا بشعر حقيقى، غير مغشوش، على مدار اكثر من نصف قرن.
وهذا إنجاز هائل يستحق أن ننحنى أمامه تقديراً وإجلالاً.
وفى عيد ميلاده السبعين، أقول للشاعر "الشاب" عبد الرحمن الأبنودى: شكراً.. وأطال الله فى عمرك وفى عطائك الابداعى العبقرى.. فما أحوج ملايين المصريين الواقفين فى طوابير "رغيف العيش" إلى الاتكاء على كلماتك الساحرة حتى يستطيعوا مواصلة الحياة .. والحلم بعالم أفضل.



#سعد_هجرس (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- قنبلة طلخا... الموقوتة
- عش الدبابير !
- عصر الاضطراب (1)
- -طوارئ- .. فى الزمان والمكان فقط
- هوامش على دفتر النكبة (3)
- أزمة رئاسة مجلس الدولة: ضعف البصر له حل.. وعمى البصيرة ليس ل ...
- ثلاثية التراجعات
- اعتذار ل »دمياط«.. ورسالة حب ل »رأس البر«
- مطلوب تفسير من وزير الصحة
- هوامش على دفتر النكبة (2)
- دمياط تتحدى دافوس !
- هوامش على دفتر النكبة
- الفوضى -الهدامة-
- علاوة الأسعار (2)
- علاوة الاسعار !
- من جزارين إلي رشيد نقطة نظام
- هذا السونامى القادم .. يا حفيظ (2)
- ديموقراطية جديدة لمجتمع المعلومات (1)
- هذا السونامى القادم ... يا حفيظ!
- سيناء: ثنائية التحرير والتعمير


المزيد.....




- مفوض حقوق الإنسان يشعر -بالذعر- من تقارير المقابر الجماعية ف ...
- مسؤول أميركي يحذر: خطر المجاعة مرتفع للغاية في غزة
- اعتقال أكثر من 100 متظاهر خارج منزل تشاك شومر في مدينة نيويو ...
- مسؤولان أمميان يدعوان بريطانيا لإعادة النظر في خطة نقل لاجئي ...
- مفوض أوروبي يطالب بدعم أونروا بسبب الأوضاع في غزة
- ضابط المخابرات الأوكراني السابق بروزوروف يتوقع اعتقالات جديد ...
- الأرجنتين تطلب من الإنتربول اعتقال وزير داخلية إيران
- -الأونروا- تدعو إلى تحقيق في الهجمات ضد موظفيها ومبانيها في ...
- الولايات المتحدة: اعتقال أكثر من 130 شخصا خلال احتجاجات مؤيد ...
- مسؤول أميركي: خطر المجاعة -شديد جدا- في غزة خصوصا في الشمال ...


المزيد.....

- أية رسالة للتنشيط السوسيوثقافي في تكوين شخصية المرء -الأطفال ... / موافق محمد
- بيداغوجيا البُرْهانِ فِي فَضاءِ الثَوْرَةِ الرَقْمِيَّةِ / علي أسعد وطفة
- مأزق الحريات الأكاديمية في الجامعات العربية: مقاربة نقدية / علي أسعد وطفة
- العدوانية الإنسانية في سيكولوجيا فرويد / علي أسعد وطفة
- الاتصالات الخاصة بالراديو البحري باللغتين العربية والانكليزي ... / محمد عبد الكريم يوسف
- التونسيات واستفتاء 25 جويلية :2022 إلى المقاطعة لا مصلحة للن ... / حمه الهمامي
- تحليل الاستغلال بين العمل الشاق والتطفل الضار / زهير الخويلدي
- منظمات المجتمع المدني في سوريا بعد العام 2011 .. سياسة اللاس ... / رامي نصرالله
- من أجل السلام الدائم، عمونيال كانط / زهير الخويلدي
- فراعنة فى الدنمارك / محيى الدين غريب


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - المجتمع المدني - سعد هجرس - سر أجنحة كلمات الأبنودى