وصقي السامرائي
الحوار المتمدن-العدد: 2298 - 2008 / 5 / 31 - 07:33
المحور:
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق
تأثير المطبوعات المصرية
شهدت مصر في منتصف القرن التاسع عشر نهضة طباعة وصحفية زاهرة , وقد ساهم فيها الكتاب المسيحيون الذين هاجروا إلى مصر من بلاد الشام فراراً من الاستبداد الحميري كيعقوب صروف وفارس نصرة وشبلي شميل وجرجي زيدان وغيرهم وصار نتاج تلك النهضة يأتي إلى العراق بكثرة فأحدثت به أثراً فكيراً لا يستهان به أصبحت مصر كأنها الواسطة الفكرية ودار التعريب بين أوربا وبلاد العرب فيترجمها الكتاب والمؤلفون المصريون بعد أن يضيفوا لها طعماً عربياً ثم ترسل إلى العراق وبقية البلدان العربية عن طريق البواخر .
أهم المجلات التي كانت تأتي إلى العراق هما المقتطف والهلال وكانت النزعة الغالبة على كلتا المجلتين هي نحو تبني الحضارة والعلوم الحديثة , وبناء المجتمع على أساسها .
تأثر العديد من العراقيين بهذه المطبوعات نختار منهم شخصيات أحدهما في بغداد والآخر في النجف هما جميل صدقي الزهاوي وهبة الدين الشهرستاني . كان الزهاوي من قراء المقتطف وأول من أحف بنظرية داروين في العراق ومن اكبر دعاة الحضارة الحديثة فيه , وقد صار في نظر المعممين زنديقاً , وفي نظر الأفندية فيلسوفاً .ولمك يكتف بالدعوة إلى الأفكار الحديثة بل صار ينتقدها ليبرهن أنه صار فيلسوفاً . أما الشهرستاني فكان يشبه الزهاوي في وجوه ويختلف عنه في وجوه أخرى . كان الشهرستاني في أوائل القرن العشرين من أكثر الناس ولعاً بالمطبوعات المصرية بحيث صار مرجعاً لها عند الراغبين فيها من شبان الملائية ومجدديها وقد اتخذ له حلقة دراسية في جامع الطوبي كان يدرس فيها العلوم الحديثة التي استمدها من المطبوعات المصرية . فأثار بذلك شيئاً من الضجة واعتبره المتزمتون متفرنجاُ زنديقاً .
نشأ الإنسان نشأة دينية إذ كانت أسرتهما من الأسر الدينية المعروفة , غير أن الشهرستاني ظل محافظاً على زيه الديني حتى آخر يوم من حياته وبينما خلع الزهاوي عمامته ولبس الطربوش وحلق لحيته ودخل في سلك الأفندية .
قد يصح القول أن الفرق بين الرجلين هو كالفرق بين بغداد والنجف من الناحية الاجتماعية , فالنجف بيئة اجتماعية مغلقة عكس بغداد المنفتحة اجتماعياً .
كان كل من الزهاوي والشهرستاني يسير في تجديده على طريقة تلاءم البيئة التي يعيش فيها , فالزهاوي كان يريد من الدين أن يحلق بالعلوم الحديثة ويتفق معها . بينما كان الشهرستاني يريد من العلوم الحديثة أن تواكب الدين وتتفق معه , لذلك نلاحظ أنه في جميع كتبه ومقالاته يحاول أن يبرهن أن الدين الإسلامي قد سبق العلوم الحديثة بنظرياته وأن تلك العلوم لم تأت بالشيء يناقض الإسلام .
في سنة ( 1910 ) نادى الزهاوي بتحرير المرأة ورفع الحجاب عنها , فقامت عليه في بغداد ضجة كادت تودي بحياته . بينما نادى الشهرستاني في العام التالي بتحريم نقل الجنائز فقامت عليه ضجة في النجف تشبه تلك التي ثارت على الزهاوي . أن كل واحد من الرجلين كان ينظر إلى الدنيا من خلال إطاره الفكري الخاص بهما . فالزهاوي كان يريد أن يقفز بالمجتمع إلى العلوم الحديثة دون مبالاة بالدين والتقاليد بينما كان الشهرستاني يريد عودة المجتمع إلى حظيرة الدين بعد تنقيته من الأدران التي لحقت به في العهود المتأخرة .
نجحت دعوة الزهاوي بينما أخفقت دعوة الشهرستاني . ذلك لأن تيار الحضارة جارف لا يقبل أنصاف الحلول دون أن نقس أن العالم كان أيامها يمور بالأفكار التقدمية فحركات التحرر ومدعومة من ثورة أكتوبر التي كانت لا تدخر جهداً في دعم حركات التحرر والسعي لنشر أفكارها في جميع أنحاء العالم .
تطور الوعي السياسي في العراق / الحلقة الثالثة /
حركة الوعي العربي وأثرها في العراق : -
لم يكن للعرب في العصور المتأخرة وعي قومي بالشكل الواضح الذي نشهده في عصرنا , وذلك لأن الوعي الديني كان سائداً بينهم , وكان المسلمون منهم يعتبرون أن الأتراك أخواناً لهم في الدين ضمن إطار الدولة العثمانية .
لم يظهر الوعي القومي بين العرب إلا في النصف الثاني من القرن التاسع عشر , وكان أول ظهوره بين المسيحيين الشاميين , ويعزو ساطح الحصري ذلك أسباب منها : أنهم كانوا أكثراً اتصالاً من المسلمين بالدول الغربية , وأنه فضلا عن ذلك أنهم كانوا يعتبرون الدولة العثمانية غريبة عنهم ومتسلطة عليهم , لذا فهم كانوا يختلفون في هذا المضمار عن أخوانهم المسلمين . في هذا الكلام الكثير من الصحة فكانت الدولة العثمانية تمارس التمييز على أساس الدين بالنسبة لمعتنقي الأديان الأخرى . أم عن اتصالهم بالدول الغربية أكثر من المسلمين فقد جعلهم يتأثرون بالفكر القومي الأوربي والذي نشأ على أثر صعود البرجوازية الأوربية الراغبة في توحيد دولها لغرض فتح الأسواق أمام بضائعها .
أن أول جهد منظم في تاريخ الوعي العربي الحديث اتضح في سنة ( 1875 ) حين ألف خمسة شبان مسيحيين من الذين درسوا في الكلية الأمريكية ( جمعية ثورية سرية ) . وقد استطاع هؤلاء الخمسة بمرور الزمن أن يضموا قد استطاع هؤلاء الخمسة بمرور الزمن أن يضموا إلى جمعيتهم أعضاء من مختلف الطوائف الدينية وأن يفتحوا لها فروعاً في دمشق وطرابلس وصيدا .
وصف فارس نمر وهو أحد المؤسسين لتلك الجمعية كيف نشأت الفكرة في أذهانهم فقال : أن فكرة القومية لم تكن يوم ذاك قد وجدت طريقها إلى أذهان العامة , وكان ولاء الناس يقوم على أساس ديني وطائفي وكانت الوحدة العربية في مثل تلك الظروف أمراً يستحيل قيامه , غير أن مجموعة صغيرة معظمهم من المسيحيين كانوا يريدون تحرير لبنان من الحكم التركي فأسسوا جمعية وراحوا يجتمعون مساءً على الروشة في رأس بيروت للتداول والتشاور , وكان أشد ما يقلقهم هو شعورهم أنهم غرباء في الوطن واحتقار الأتراك لهم , وقد أدركوا أنهم إذا أرادوا بلوغ هدفهم ينبغي لهم أن يتعاونوا مع المسلمين لكي يظهروا كجهة واحدة أمام الأتراك ولم يكن من قاسم مشترك بين المسلمين والمسيحيين سوى ( العروبة ) فالعروبة كشعار كان في وسعها أن تثير في نفوس العرب شعوراً بالقومية وأن توحد بين المسلمين والمسيحيين الناقمين على الأتراك .
في عهد مدحت باشا : -
كان مدحت باشا قد عين والياً في بلاد الشام في سنة ( 1878 ) وقد تميز عهده بشيء مكن اليقظة الفكرية , على نحو ما تميز في العراق من قبل .
أخذ أعضاء الجمعية يكتبون منشورات فيها تنديد بالحكم التركي وإهابة بالعرب كي يثوروا عليهم . ويلصقونها على الجدران في شوارع بيروت ليلاً ثم وسعوا نشاطهم بعدئذ وصاروا ينشرون منشوراتهم في دمشق وطرابلس وصيدا . واستمروا على ذلك حتى سنة ( 1880 ) وقد أصيب المسئولون في اسطنبول والشام بالحيرة والذهول من جراء هذا النشاط السري . سرت الإشاعات بين الناس أن الوالي مدحت باشا مطلع على سر الجمعية وأنه إن لم يكن مؤسسها الحقيقي فهو على الأقل يسبغ عليها حمايته . ونسب إليه أنه يريد أن يستقل ببلاد الشام كما استقل محمد علي باشا في مصر قبله . وأرسل السلطان عبد الحميد بعض جواسيس خفية إلى بيروت ففتشوا المساكن واعتقلوا بعض المشتبه بهم . ورفع أعيان بيروت إلى الحكومة عريضة يعربون فيها عن ولائهم للسلطان واستنكارهم لكل حركة ثورية . وبعث القنصل البريطاني في بيروت عريضة إلى حكومته في 28 حزيران 1880 هذا نصها ( ظهرت في بيروت منشورات تحض على الثورة , يشك في أن مدحت باشا ورائها ومع ذلك فالهدوء يسود البلاد ..... ) ولم يمض وقت طويل حتى نقل مدحت باشا من بلاد الشام فتسرب الضعف إلى الجمعية الثورية السرية وبدأ الانقسام يظهر بين أعضاءها حول الهدف الأعلى للجمعية فكان المسلمون يطلبون الحكم الذاتي ضمن إطار الدولة العثمانية بينما كان المسيحيون يريدون الاستقلال التام . وقد أدى الخلاف لى أن تحل الجمعية نفسها وأحرقت أوراقها .
مصدر البحث كتاب لمحات اجتماعية من تاريخ العراق الحديث
الجزء الثالث للدكتور علي الدوري
#وصقي_السامرائي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
اليوتيوب
لينكدإن
تيلكرام
تمبلر
بلوكر
الموبايل
