أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - فاطمة ناعوت - ولم يكنِ الفستانُ أزرق!














المزيد.....

ولم يكنِ الفستانُ أزرق!


فاطمة ناعوت

الحوار المتمدن-العدد: 2295 - 2008 / 5 / 28 - 08:29
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


أسخفُ ما في الظاهرة البشرية أن أحدا لا يشهدُ أهمَّ حدثين في حياته: لحظةَ ميلاده، ولحظةَ موته! في الأولى يكون وعيه بالعالم لم يتكوّن بعد، وفي الثانية يكون الوعي قد انتقل إلى منطقة أخرى لا تخصُّ هذا العالم. أيُّ ظلم!
وأنا طفلة كنت أتأمل عروستي. أُبدّل فساتينها وشرائط شعرها وأفكر: ما لونُ الفستان الذي جئت به إلى العالم؟ بالتأكيد كان أزرق. هو لوني الأثير. وهل كان شعري معقوصا في ضفيرة أم ذيل حصان؟ أسئلةٌ تشغلنيّ! وكلما سألت أمي ضحكت وجعلتني أكرر السؤال أمام صديقاتها فيضحكن. وبقدر ما كانت تدهشني بلاهتهن ليضحكن من مثل هذا السؤال "المهم"، بقدر ما لم أتنازل عنه. كبرتُ قليلا وعرفت. وصُدمت. لم نجئ إذن في صندوق من الكرتون الملون مربوط بفيونكة عريضة من الساتان مثلما جاءت عروستي! والأسوأ أنّا جئنا دون ملابسَ أو ألوان! ياللسخف! وإذن ضاع سؤالي الأول إلى الأبد، ليحلَّ محلّه سؤالٌ آخر، ليس ملونا كالأول، بل سؤالٌ يحفّه السواد. طيب، كيف سيكون شكل العالم حين أتركه؟ كيف ستحزن أمي وأخي وأصدقائي؟ هل سيحزنون أصلا؟ وماذا سيفعلون بمكتبي وسريري وكتبي وعرائسي وغرفتي؟ إلى مَن ستؤول؟ أتخيّلُ مشهدا يقف فيه المعزّون حول تابوتي الأنيق، في حديقة كثيفة الشجر (متأثرةً بالأفلام الأجنبية حين يتحلّقُ الأصدقاءُ بالميت ليقولوا كلاما طيبا عنه وهم يجهدون ليبتسموا محولين الحزن إلى طقسٍ عذبٍ دون صراخ ودموع!). هل ستحكي أمي عن شغبي؟ وأخي عن معاركنا؟ أم سينساها مؤقتا، بما يليق باللحظة الصعبة؟ أخطط قبل نومي أن "أستموّت" في الصباح وبينما يلقون كلماتهم "الطيبة" أفاجئهم بقيامتي! في الصباح أنسى خُطتي وأرتدي ماريول المدرسة! والأخطر هو بعد موتي، كيف ستطير روحي "عند ربنا" وأنظرُ إلى العالم من "فوق"؟ وأعيدُ ترتيب غرفتي بحيث يظهر أكبر قدر من أثاثها عبر النافذة حين أراقبها من السماء!
وكبرتُ، للأسف! وبرحتْ تلك الأسئلة "الكبرى" رأسي. حلّت محلها أسئلةٌ أكثرُ قتامةً وعبوسا وأقلُّ شعريةً وألوانًا. ولم أتنازل عن الإجابات أبدا. ولم أصل للإجابات أبدا. حتى اكتشفت الطريق الفذ للميلاد والموت كل يوم.
الكتابة. في الشعر ليس فقط ستقدر أن تشهد لحظة ميلادك وموتك كثيرا جدا، بل تقدر أن تجعل من نفسك بشرا كثيرين. فأنا اليوم زنجية وغدا عمياء وبعد غد "عبيط القرية" وإسكافيّ ودلاي لاما وغاندي وجان دارك وفلورانس نايت إنجل، وهتلر أيضا. أنا اليوم إلهة وغدا شيطان وبعد غدٍ نحلةٌ ودودة وشرنقةُ وشجرةٌ وعمود إنارة. كل هؤلاء وأكثر أشهد ميلادَهم، ثم أقتلهم، فأشهد موتَهم. ألوّن حياتهم وملابسهم كما يحلو لي. أحاكمهم: أُثيبهم، أعاقبهم، أتوّجهم بأكاليل الغار أو الشوك أو أشنقهم حتى. ومحدش منهم يقدر يقول لي "بِمْ". أنا حرة محدش شريكي اعمل زي مانا عاوزة في صفحة ورقتي البيضاء! ألوّنها، أمزّقها، أعملها مراكبَ وطياراتٍ وعرائسَ وبشرا.
كل هذا طبعا بفرض أن لا شيخَ سلفيًّا من قتلة القلم وسافكي الحبر سيطلع عليّ ليحاكم خيالي ويقول لي هذا حرام هذا كفر هذه زندقة! ثم يقيم عليّ دعوى حِسْبة لأرسمَ بقية خيالاتي وراء قضبان قفص!



#فاطمة_ناعوت (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- أعوامٌ من النضال والاعتقال-مشوار فخري لبيب
- إلى أين تذهبُ الشمسُ... يا جوجان؟
- انظرْ حولك في غضب
- ثقافةُ الوقوف في البلكونة !
- بالطباشير: فقدانُ الهالة
- داخل رحم
- الأحدب والجميلة
- ناعوت: «الهدم والبناء» في الوعي أصعب من «المعمار!-
- السوبر قارئ
- عينا الأبنودي
- اِصمتْ حتى أراك!
- كلام شُعَرا...!
- أنفي والجيرُ المبتّل
- الجميلُ الذي أخفقَ أن يكونَ عصفورًا
- بالطباشير : عزيزي الله، من رسم الخطوط حول الدول؟
- بالطباشير: آخرُ مُعتزلةِ هذا الزمان
- بالطباشير:يا باب الورد، حِصَّة وين؟
- الشَّحّاذ
- بالطباشير: -سُرَّ مَنْ رآكِ- أيتها الغيوم
- بالطباشير: يحدثُ هذا، وشكرا لفلسفة المصادفة


المزيد.....




- فيديو كلاب ضالة في مدرج مطار.. الجزائر أم العراق؟
- الناتو يقرر تزويد أوكرانيا بمزيد من أنظمة الدفاع الجوي
- طهران: لا أضرار عقب الهجوم الإسرائيلي
- آبل تسحب تطبيقات من متجرها الافتراضي بناء على طلب من السلطات ...
- RT ترصد الدمار الذي طال مستشفى الأمل
- نجم فرنسا يأفل في إفريقيا
- البيت الأبيض: توريدات الأسلحة لأوكرانيا ستستأنف فورا بعد مصا ...
- إشكال كبير بين لبنانيين وسوريين في بيروت والجيش اللبناني يتد ...
- تونس.. الزيارة السنوية لكنيس الغريبة في جربة ستكون محدودة بس ...
- مصر.. شقيقتان تحتالان على 1000 فتاة والمبالغ تصل إلى 300 ملي ...


المزيد.....

- فيلسوف من الرعيل الأول للمذهب الإنساني لفظه تاريخ الفلسفة ال ... / إدريس ولد القابلة
- المجتمع الإنساني بين مفهومي الحضارة والمدنيّة عند موريس جنزب ... / حسام الدين فياض
- القهر الاجتماعي عند حسن حنفي؛ قراءة في الوضع الراهن للواقع ا ... / حسام الدين فياض
- فلسفة الدين والأسئلة الكبرى، روبرت نيفيل / محمد عبد الكريم يوسف
- يوميات على هامش الحلم / عماد زولي
- نقض هيجل / هيبت بافي حلبجة
- العدالة الجنائية للأحداث الجانحين؛ الخريطة البنيوية للأطفال ... / بلال عوض سلامة
- المسار الكرونولوجي لمشكلة المعرفة عبر مجرى تاريخ الفكر الفلس ... / حبطيش وعلي
- الإنسان في النظرية الماركسية. لوسيان سيف 1974 / فصل تمفصل عل ... / سعيد العليمى
- أهمية العلوم الاجتماعية في وقتنا الحاضر- البحث في علم الاجتم ... / سعيد زيوش


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - فاطمة ناعوت - ولم يكنِ الفستانُ أزرق!