أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - عبد الجبار منديل - مقتل عبد السلام عارف - ذكريات شخصية















المزيد.....

مقتل عبد السلام عارف - ذكريات شخصية


عبد الجبار منديل

الحوار المتمدن-العدد: 2295 - 2008 / 5 / 28 - 08:21
المحور: دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
    


عدت الى الوطن بعد الانتهاء من دراساتي الجامعية في عام 1965 بعد غيبة ست سنوات . كان كل شي فد تغير بعد هذه السنوات الست. فعندما غادرت العراق في نهاية عام 1959 كان الصراع على اشده بين الشيوعيين والبعثيين. واذا كان خطاب الشيوعيين وشعاراتهم واحدة في كل انحاء العراق، فان الامر بالنسبة للبعثيين كان يختلف . ففي الموصل مثلا كان الوزن السياسي الحقيقي هو للقوميين ( اي انصار جمال عبد الناصر اضافة الي بعض العوائل المتنفذة )، وفي كردستان كان الوزن السياسي للاغوات وملاك الاراضي، اما في الجنوب الذي ليس فيها نفوذ للبعثيين باستثناء قلة قليلة في الناصرية والحلة فان النفوذ السياسي المضاد للشيوعيين كان للديمقراطيين، او حسب التعبير الشعبي السائد انذاك (المقراطين) . والديمقراطيون او المقراطيون هم اشارة الى الاتحاد الفلاحي الذي شجع على تشكيله وزير الزراعة في حكومة عبد الكريم قاسم (هديب الحاج حمود) وهو عضو في الحزب الوطني الديمقراطي ( حزب كامل الجادرجي). وقد تم تشكيل هذا الاتحاد حتى يكون بديلا او منافسا للاتحاد الفلاحي العراقي ذي الصبغة الشيوعية.

كانت الاغتيالات التي يقوم بها البعثيون وانصارهم للناشطين الشيوعيين تتم بشكل يومي ومستمر لذلك فان جريدة (اتحاد الشعب) والتي هي لسان الحزب الشيوعي كانت تطفح يوميا باخبار الاغتيالات في كل انحاء العراق. وعلى رغم ان الحزب الشيوعي كان يمتلك قوة عاتية وله جماهيرية كاسحة الا انه كان يميل الى استخدام العمل السياسي الجماهيري على عكس حزب البعث الذي كان يعتمد على قوة الارهاب.

في سنة 1965 كانت الصراعات قد هدأت والنفوس قد سكنت. فبعد انقلابين دمويين ومتلاحقيين في شباط 1963 وقي تشرين الثاني من نفس السنة ، كان اغلب العراقيين قد نبذوا السياسة ونفضوا ايديهم منها. ففي الانقلاب الاول (شباط 1963) قام البعثيون بالتنكيل بالشيوعيين بلا رحمة . اعدموا قياداتهم وسحقوا قواعدهم سحقا وبشكل لا سابقة له في تاريخ العراق الحديث . ومع ان الجرح كان غائرا في صدور الشيوعيين الا انهم كانوا يدارونه بالصبر والتقية وانتظار الفرصة المواتية.
اما ما قام به الجيش في تشرين 1963 ضد البعثيين او بالأحرى ضد ( الحرس القومي ) الذي هو الميليشيا البعثية فقد كان اشبه ما يكون بضرب الولد الشقي حتى يخفف من غلوائه ويثوب الى رشده . حيث كانت ضربات خفيفة قام بها بعثيون عسكريون ضد بعثيين مدنيين بسب المنافسة على السلطة والنفوذ، وبمجرد ان حصل العسكريون على السلطة انتهى الخلاف وبقي تنظيم حزب البعث كاملاً، وان كان قد تعرض للأنشقاق الى جناح يميني وجناح يساري بقيادة علي صالح السعدي الذي مات تحت تأنيب الضمير بسبب تعذيبه الجنوني وقتله بدم بارد قادة الحزب الشيوعي الذي كان يقطع اوصالهم ويقلع عيونهم بيديه .
في تلك السنين كان يتعين على كل خريج ان ينتسب الى كلية الضباط الإحتياط الواقعة في معسكر الرشيد، في دورة لمدة خمسة اشهر يتخرج بعدها برتبة ملازم احتياط . وهكذا دخلت الدورة العشرين / الوجبة الثانية في 5/2/1966 وكانت تلك اكبر وجبة في تاريخ الكلية وربما في تاريخ العراق الى ذلك الحين . فقد كان عدد المنتسبين اكثر من ( 900 ) خريج حيث انتسب اليها الكثير من خريجي السنوات السابقة ومنهم بعض قادة البعث وقد اصبح بعضهم وزراء واعضاء قيادة قطرية بعد سنة 1968 عندما استلم حزب البعث الحكم .
كانت الدولة قد اوقفت نشاط هذه الكلية لفترة قصيرة وقللت من اعداد المنتسبين خوفا من تسرب الأفكار السياسية الى داخل الجيش ولكنها اصبحت في الوقت الحاضر بحاجة الى المزيد من الضباط بعد تزايد الحركات في كردستان ولكن حسابات الحقل غير حسابات البيدر فبعد مقتل عبد السلام عارف في حادث الطيارة واستلام اخوه الأكبر كرسي رئاسة الجمهورية والذي كان مسالما وقع مع الأكراد وثيقة للسلام في 30 حزيران 1966 وعاد الهدوء الى كردستان .
في كلية الإحتياط التي انتسبت اليها تم تشكيل 12 فصيل من الخريجين حيث يضم كل فصيل ما بين ( 60 – 70 ) خريج . كما تم تنسيبي الى الفصيل الأول الذي يضم خريجي الجامعات الأجنبية في حين ان الفصائل الأخرى تضم خريجي الجامعات العراقية .
في الشهر الاول تم تدريبنا على المسيرات والإستعدادات ، الإنتظام في الصفوف ( الى اليمن در ) و ( الى اليسار در ) وكأنها علوم خارقة او معقدة . ولكن ذلك هو ديدن الجيوش العربية باعتبارها جيوش للإستعراضات وليس للحروب العلمية . فقد كان كل هم المسؤولين هو كيف يتم اداء التحية بشكل جيد وكيف يتم ضرب الأرض بقوة او كما كانوا يقولون ( طلع مي ) او ( طلع نفط ) او( سوي حفرة جوه رجليك ) الخ . وقد كان من المضحك حقاً ان يتعاملوا مع الخريجين كما لو كانوا اميين او ادنى مستوى من الأميين حيث كانوا يعلموننا اين اليمين واين الشمال واين جهة اليمين واين جهة اليسار .
في الشهر الثاني استلمت بندقية اسمها ( سيمونوف ) من ذات الطلقات الخمس حيث لم تكن توجد في حينه سوى اعداد قليلة من بندقية ( كلاشينكوف ) واستمرينا لمدة شهرين او اكثر على وتيرة ( تنكب سلاح ) ( جنبك سلاح ) . وكان المسؤولون ينظرون الى العملية كلها بقداسة وكأنهم من ضمن القيمين على علم اللاهوت .
كان التدريب يبدأ من الساعة السابعة وحتى العاشرة وبعدها يبدأ الفطور وهو عبارة عن باكيت تمر ورأس بصل وصمونة عسكرية، في الحادية عشرة تبدأ المحاضرات التي تتضمن معلومات بسيطة وذات طابع سطحي عن الجغرافية العسكرية والتاريخ العسكري والتعبئة العسكرية وغيرها من المواد في ملازم ورقية لا يتعدى حجم الملزمة الواحدة عدة عشرات من الصفحات . بعد الظهر فعاليات رياضية ثم التجمع مساءً من اجل التعداد .
في صباح احد الأيام في نهاية اذار وكنا نتدرب في ساحة العرضات على القوانة المعهودة في السلاح وقفت في اطراف الساحة مجموعة من السيارات الرسمية السوداء وفي مقدمتها سيارة ( رولزرايس ) سوداء وهي احدى السيارات الملكية التي كانت ملكة بريطانيا ( اليزابيت ) قد اهدتها للملك فيصل الثاني عند تتويجه بعد بلوغه سن الرشد في عام 1952 . جرت حركة غير اعتيادية وجرى الهمس بعد ذلك بأن رئيس الجمهورية عبد السلام عارف قد حضر الى الكلية في زيارة تفقدية . حضر عبد السلام عارف الى مجموعتنا او ما كان يسمونه ( الرهط ) وابدى ملاحظاته حول التدريب وكان ذلك مثار فخر وتباهي العريف الكردي الطيب ( صحبت ) . بعد جولة قصيرة له في ساحة التدريب تمت دعوة الجميع الى انهاء التدريب و التوجه الى بهو الكلية لسماع كلمة رئيس الجمهورية .
في كلمته فينا تكلم بشكل اساسي ضد حلفاء الأمس وخصوم اليوم .. البعثيين وكيف انهم حولوا البلد الى فوضى . وكيف انه ساندهم ولكنهم حاولوا ان يغدروا به . واستمر يتكلم اكثر من ساعة وما اتذكره بعد حوالي خمس واربعين سنة تأكيده المتكرر على دوره في كتابة البيان الأول لثورة 14 تموز . ومن المعروف انه كان يؤكد على هذه النقطة دائماً كما لو كان ذلك البيان كلاماً منزلاً مع ان اسلوب البيان ومحتواه كان عادياً جداً يتكلم عن التزام العراق بالمواثيق الدولية والحياد الإيجابي وغير ذلك من الكلام الذي كان يرد في كثير من الأعمدة الصحفية لأي صحيفة من الصحف المحلية . ويقال انه حتى عند محاكمة عبد الكريم قاسم في الإذاعة والتي لم تزد على عشر دقائق قبيل اعدامه كان عبد السلام يلح عليه بأن يعترف بأنه هو الذي كتب البيان مع ان ذلك البيان لا علاقة له بالإنقلاب ولا بالسبب الذي يحاكم من اجله عبد الكريم .
وخرجت بعد كلمته باستنتاج بانه رجل ذو ثقافة محدودة وشخصية ذات بعد واحد ولا يرى من الأشياء الا الأحداث القريبة من انفه، ولكن ما يذكر له هو انه كان ضابطا شجاعاً وكان له فضل كبير في ثورة 14 تموز .
لقد سمع منه كل الشعب العراقي بعد ثورة 14 تموز خطبه المشهورة والتي يعلن فيها ( لا ثلاجات ولا غسالات ولا تلفزيونات ولا طباخات الخ ) او قوله مخاطبا اهل البصرة ( طاسة ببطن طاسة وبالبحر غطاسة ) وغير ذلك من التعابير التي لا يليق بمسؤول تردادها في تلك الظروف الحساسة وامام كل الشعب .
بعد اسبوعين اوثلاثة من زيارته للكلية وتحديدا في يوم 14 نيسان 1966 استدعونا صباحاً من ساحة العرضات وبشكل مفاجئ لتسليم السلاح وقبل اكثر من ساعة من الموعد المعتاد وطلبونا بعد ذلك للإحتماع في بهو الكلية ووقف بنا خطيبا امر الكلية وهو العميد سعدون حسين وكان بنفس الوقت يعطينا مادة ( التاريخ العسكري ) الذي لا يفقه منه شيئاً وكان الموضوع كله يتحدث عن احتلال الإنكليز للعراق عام 1915 بعد نزولهم في الفاو واحتلال البصرة بقيادة القائد ( كاوزند ) . وترك كل التاريخ العسكري ليتحدث عن كاوزند حديثا عاما لذلك كان البعض يطلق عليه تندرا اسم كاوزند . ونفس هذا الشخص ( سعدون حسين ) كان في عهد عبد الكريم قاسم امرًا لمحطة الإذاعة حيث اسندت له مهمة حمايتها من المغامرين والإنقلابيين ولكنه خان العهد وسلمها للبعثيين في 8 شباط .
قال سعدون حسين ( ارجو ان تكونوا رجالا وتتحملوا الخبر الذي سأقوله لكم .. صباح هذا اليوم تحطمت طيارة السيد الرئيس قرب البصرة وانتقل الى رحمة الله ) واستغربت عندما سمعت بكاءً وصراخاً لان عبد السلام لم يكن يتمتع بالشعبية ولا ادري هل كان السبب المفاجئة ام انها عواطف حقيقية .
في اليوم التالي تم تشييع جنازة رئيس الجمهورية ، ووقف طلبة الكلية امام القصر الجمهوري ولم تكن انذاك ثمة منطقة خضراء، فقد كان القصر الجمهوري بين بقية البيوت داخل كرادة مريم مثل اي دائرة حكومية حين تمر امامها السيارات الخاصة والعامة وباصات نقل الركاب . حيث تجري الحركة في المنطقة كما تجري في بقية احياء بغداد بشكل اعتيادي .
وقد جرى تشييعا كبيرا شاركت فيه الوفود العربية و الأجنبية كما شاركت فيه نساء الحي اللواتي كن يصرخن ويبكين وبعضهن يلطم الخدود والصدور . وتم دفن عبد السلام في خان ضاري في ابو غريب .
وهكذا انطوى اخر صفحة لحياة حافلة كان لها دور في تاريخ العراق الحديث المليئ بالصفحات الدموية . وتم تنصيب اخاه الأكبر عبد الرحمن رئيسا بإصرار قيادات الجيش وبعد اقل من شهرين من تسنمه المنصب حدثت محاولة انقلابية فاشلة قام بها عارف عبد الرزاق الذي فر الى القاهرة واستمر عبد الرحمن بالحكم حتى اطاح به البعثيون في تموز 1968 .



#عبد_الجبار_منديل (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- تنامي روح القطيع في بعض الكيانات السياسية العراقية
- تفجيرات الجامعة المستنصرية ومحاولة اغتيال طارق عزيز - ذكريات ...
- مدينة الصدر ..مدينة البؤس والغضب
- محاولة اغتيال عبد الكريم قاسم - ذكريات شخصية
- تأسيس وتوحيد الدول وتفتيتها - العراق نموذجا
- المحاكمات السياسية في العراق - محكمة المهداوي نموذجا
- البحث عن المدينة الفاضلة
- البحث عن البطل المنقذ
- دور الشائعات في حياة المجتمع العراقي
- العولمة بين انصارها وخصومها
- الفساد في العراق... الوباء القديم الجديد
- الجامعه المفتوحه


المزيد.....




- اتهام 4 إيرانيين بالتخطيط لاختراق وزارات وشركات أمريكية
- حزب الله يقصف موقعين إسرائيليين قرب عكا
- بالصلاة والخشوع والألعاب النارية.. البرازيليون في ريو يحتفلو ...
- بعد 200 يوم من الحرب.. الفلسطينيون في القطاع يرزحون تحت القص ...
- فرنسا.. مطار شارل ديغول يكشف عن نظام أمني جديد للأمتعة قبل ا ...
- السعودية تدين استمرار القوات الإسرائيلية في انتهاكات جسيمة د ...
- ضربة روسية غير مسبوقة.. تدمير قاذفة صواريخ أمريكية بأوكرانيا ...
- العاهل الأردني يستقبل أمير الكويت في عمان
- اقتحام الأقصى تزامنا مع 200 يوم من الحرب
- موقع أميركي: يجب فضح الأيديولوجيا الصهيونية وإسقاطها


المزيد.....

- تاريخ البشرية القديم / مالك ابوعليا
- تراث بحزاني النسخة الاخيرة / ممتاز حسين خلو
- فى الأسطورة العرقية اليهودية / سعيد العليمى
- غورباتشوف والانهيار السوفيتي / دلير زنكنة
- الكيمياء الصوفيّة وصناعة الدُّعاة / نايف سلوم
- الشعر البدوي في مصر قراءة تأويلية / زينب محمد عبد الرحيم
- عبد الله العروي.. المفكر العربي المعاصر / أحمد رباص
- آراء سيبويه النحوية في شرح المكودي على ألفية ابن مالك - دراس ... / سجاد حسن عواد
- معرفة الله مفتاح تحقيق العبادة / حسني البشبيشي
- علم الآثار الإسلامي: البدايات والتبعات / محمود الصباغ


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - عبد الجبار منديل - مقتل عبد السلام عارف - ذكريات شخصية