أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - فاخر السلطان - بين معيار الحقيقة.. ومعيار الحرية














المزيد.....

بين معيار الحقيقة.. ومعيار الحرية


فاخر السلطان

الحوار المتمدن-العدد: 2294 - 2008 / 5 / 27 - 09:43
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


فيما كانت "الحقيقة الدينية" تمثّل معيار جميع القضايا والمسائل في الحياة في الماضي، بدت اليوم فاقدة ذلك الدور وحل محلها معيار "الحرية"، وهذا لايعني أن الإنسان الحديث يرفض أن يولي اهتماما بـ"الحقيقة الدينية" أو إن الحقيقة فقدت جميع مواقعها في الحياة أو تم معاداتها، إنما يعني أنها فقدت الدور الذي كانت تلعبه بالحياة في الماضي في مرحلة ما قبل الحداثة.
إن من النتائج المهمة التي أفرزها بروز معيار "الحرية" في الحياة الراهنة، أن الإنسان أصبح محورا رئيسيا في جميع القضايا والمسائل، وأن احترام حقوق الإنسان بات ميزانا يستخدم كوسيلة لقياس جميع الأعمال، من سياسية واجتماعية وأخلاقية ودينية. فجميع الأشياء أصبحت تقاس في إطار احترام حقوق الإنسان لا في إطار ما تقرره "الحقيقة الدينية"، التي أصبح لزاما عليها أن تخدم الإنسان لا أن تضرّه وتقف في طريق تطوره وتقدمه. ففي حين كان الإنسان في الماضي يستسلم لـ"الحقيقة الدينية"، باتت الأخيرة مستسلمة للإنسان في الوقت الراهن بشكل واضح وصريح.
إن معيار "الحرية" لايشير فحسب إلى الحرية السياسية وإنما إلى مسائل أكبر وأشمل. فالحرية السياسية هي إحدى نتائج "الحرية"، وهذه الأخيرة حلت محل معيار "الحقيقة الدينية" لأنها استطاعت أن تهضم جميع أسئلة الحياة الحديثة واستفساراتها، في حين عجز معيار "الحقيقة الدينية" عن ذلك وبالتالي فقد دوره المعياري. فالإنسان الحر في العصر الحديث، هو ذلك الذي تسير الحرية بسلاسة في أعماقه لتؤثر بعد ذلك على جميع تصرفاته. ورغم أن الحرية، وفق مفهومها الجديد وموقعها المعياري الأول في العصر الحديث، هي التي تساهم في أن يختار الإنسان "الحقيقة الدينية"، نجد أن "الحقيقة الدينية" كانت تفرض فرضا على الإنسان في الماضي الذي لم يكن أمامه من سبيل سوى أن يخضع لها دون أي مجال لممارسة الاختيار أو الانتخاب. فـ"الحقيقة الدينية" هي التي كانت تختار الإنسان، الذي بدوره كان يستسلم لها. لكن بمجرد أن اختلف مفهوم "الحقيقة" في العصر الحديث، حيث بدا غير مرتبط فحسب بالدين واستطاع التحرر من أسر الأديان ولم يعد ينطلق منها فقط إذ أصبح للعلم حقيقة وللدين حقيقة وللأخلاق حقيقة ولأشياء أخرى حقائق أيضا، بات غير واردِ الاستسلام لحقيقة معينة، وحل محل ذلك أن برزت عملية الاختيار كنتيجة من نتائج معيار "الحرية". وكان لابد في هذا الإطار أن يتم احترام ذلك الاختيار بوصفه يعبّر عن إرادة الإنسان وحريته. لذلك برز حق الإنسان في التدخل في شؤون جميع المسائل والقضايا من أجل اكتشاف حقائقها، التي بدورها تسهل مسيرة الحرية ولا تقف ضد إرادة الإنسان.
إن الشأن السياسي المنبني على معيار "الحقيقة الدينية" يختلف اختلافا كليا عن ذلك الذي ينبني على أساس معيار "الحرية". فالمتديّن الذي يدّعي احتكار "الحقيقة" ومن ثَمّ يمارس السياسة من خلال خنق إرادة المعارضة وحريتها بوصفها معادية للدين أو لفهمه الديني، لايمكن أن يتعايش مع العمل السياسي المنطلق من معيار "حرية" المعارضة. بمعنى أن "الحقائق"، بما فيها الدينية وغيرها، يجب ألا تعترض طريق حرية الإنسان وإرادته في جميع مجالات الحياة بما فيها المجال السياسي. ففي العصر الحديث لايمكن قبول نهج سياسي يستند إلى "الحقيقة" وبالذات الدينية، أولا، لأن معيار "الحقيقة" تلاشى وحل محله معيار "الحرية"، الأمر الذي جعل المزج بين السياسة والدين أمرا غير واقعي ومناهضا لحرية الإنسان، وثانيا، بسبب أن الحقائق، ومنها الحقيقة الدينية، فقدت دورها المعياري في الحياة، وكذلك، ثالثا، بسبب أن الحرية لا يمكن أن تتعايش مع الثقافة التي تنتجها "الحقائق"، وبالذات الدينية، والتي تعني الاحتكار والتضييق على حرية الإنسان وإرادته.
يجب ألا نعتقد بأن أنصار الأديان هم وحدهم الذين يدّعون امتلاك "الحقيقة". فأنصار الإيديولوجيات العلمانية الحديثة، كالماركسية، يسبحون أيضا في نفس البحر. فهم، كالمتديّنين من أنصار مدرسة الإسلام السياسي، يرفعون شعار "الحقيقة المطلقة" ويدافعون عنه ويعتبرونه حكرا لهم ما يجعلهم متعصبين ومتشددين، ورافضين للآخر الذي يختلف مع ذلك الشعار، وبالتالي رافضين أن يكون معيار "الحرية" هو السائد في الحياة. لذلك يعتبر المزج بين الدين والسلطة السياسية بالنسبة للإسلام السياسي، كالمزج بين الحكومة والإيديولوجيا بالنسبة للعلمانية. كما أن المشكلة التي تعاني منها المجتمعات العربية والمسلمة مرتبطة باحتكار "الحقيقة الدينية" من جانب جماعات الإسلام السياسي أكثر من ارتباطها باحتكار "الحقيقة" من جانب الإيديولوجيات العلمانية التي انطفأ نورها بشكل كبير.
لذلك على جماعات الإسلام السياسي أن يختاروا بين معيارين، إما القبول بالواقع العالمي الراهن الذي باتت فيه "الحرية" هي معيار الحياة، وإما الاستمرار ببث الروح بالحياة الماضوية التي كانت "الحقيقة الدينية" تشكل معيارها وبالتالي الاصطدام بمقومات الحياة الراهنة التي من أبرزها أن تكون الحرية والإرادة والإختيار بأيدي عامة الناس وألا يتم احتكار "الحقيقة" وأسر الإرادة الإنسانية وسجن حريتها. لابد أن تكون القضية شفافة بشأن موقف أنصار الإسلام السياسي من معيار "الحرية"، وأن تتم الإجابة على السؤالين التاليين: من هو الأصل ومن الفرع فيما بين الحقيقة والحرية؟ وأي واحد فيهما يجب أن يتبع الآخر؟ إن من شأن الدين أن يبدو في صورة متسامحة إذا استطاع أنصاره أن يتنازلوا عن اعتباره "حقيقة مطلقة" ومعيارا للحياة في الوقت الراهن، لكن ذلك بحاجة إلى تنازلات كبيرة قد تهدم بنيانهم السياسي والاجتماعي، وعلى رأس تلك التنازلات الاعتراف بمعيار الحياة الجديد الذي يجعل الإنسان حرا في اختيار دينه وطريقة عيشه من دون تكفير وإلغاء وقتل من قبل طرف ديني ضد أطراف دينية وغير دينية. فمعيار "الحرية" يجعل الجميع يعيش في إطار من الاختلاف دون إلغاء طرف لآخر، في حين يقوم معيار "الحقيقة الدينية المطلقة" باحتكار فهم الدين ونشر ثنائيات تنبذ التعايش والاختلاف وتشجع الإلغاء داخل المجتمع.

كاتب كويتي



#فاخر_السلطان (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الإنسان.. وفصل الدين عن السياسة
- في صراع الدين والحداثة
- لنُسقط العمامة المسيّسة
- الإسلاميون غير تواقين للديموقراطية
- المرأة.. قاصرة.. متبوعة.. غير حرة
- الليبراليون.. وإصلاح الدين
- في نقد الخطاب الليبرالي الكويتي
- يفخخ المجتمع.. ثم يتبرأ من تبعات الانفجار
- الزرقاوي ومغنية.. وسؤال الطائفية
- حزب الله.. والفكر الوصائي لنظام التقليد
- حزب الله.. ومغنية.. والكويت
- الدين والدنيا
- الخطاب الأسطوري.. والتديّن العقلاني
- التفسير الأسطوري.. ومفهوم التعددية الإيمانية
- التفسير الأسطوري.. وكربلاء.. والحياة الحديثة
- في نقد التفسير الأسطوري لحادثة عاشوراء
- أعداء المرأة
- الخطاب الديني.. والأخلاق.. وحقوق الإنسان
- قضايا الأمة أهم من حقوق الإنسان
- العلمانية والأخلاق:رفض تدخل الدين


المزيد.....




- بالأرقام.. حصة كل دولة بحزمة المساعدات الأمريكية لإسرائيل وأ ...
- مصر تستعيد رأس تمثال عمره 3400 عام للملك رمسيس الثاني
- شابة تصادف -وحيد قرن البحر- شديد الندرة في المالديف
- -عقبة أمام حل الدولتين-.. بيلوسي تدعو نتنياهو للاستقالة
- من يقف وراء الاحتجاجات المناهضة لإسرائيل في الجامعات الأمريك ...
- فلسطينيون يستهدفون قوات إسرائيلية في نابلس وقلقيلية ومستوطنو ...
- نتيجة صواريخ -حزب الله-.. انقطاع التيار الكهربائي عن مستوطنت ...
- ماهي منظومة -إس – 500- التي أعلن وزير الدفاع الروسي عن دخوله ...
- مستشار أمريكي سابق: المساعدة الجديدة من واشنطن ستطيل أمد إرا ...
- حزب الله: -استهدفنا مستوطنة -شوميرا- بعشرات صواريخ ‌‏الكاتيو ...


المزيد.....

- فيلسوف من الرعيل الأول للمذهب الإنساني لفظه تاريخ الفلسفة ال ... / إدريس ولد القابلة
- المجتمع الإنساني بين مفهومي الحضارة والمدنيّة عند موريس جنزب ... / حسام الدين فياض
- القهر الاجتماعي عند حسن حنفي؛ قراءة في الوضع الراهن للواقع ا ... / حسام الدين فياض
- فلسفة الدين والأسئلة الكبرى، روبرت نيفيل / محمد عبد الكريم يوسف
- يوميات على هامش الحلم / عماد زولي
- نقض هيجل / هيبت بافي حلبجة
- العدالة الجنائية للأحداث الجانحين؛ الخريطة البنيوية للأطفال ... / بلال عوض سلامة
- المسار الكرونولوجي لمشكلة المعرفة عبر مجرى تاريخ الفكر الفلس ... / حبطيش وعلي
- الإنسان في النظرية الماركسية. لوسيان سيف 1974 / فصل تمفصل عل ... / سعيد العليمى
- أهمية العلوم الاجتماعية في وقتنا الحاضر- البحث في علم الاجتم ... / سعيد زيوش


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - فاخر السلطان - بين معيار الحقيقة.. ومعيار الحرية