أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - ثائر العذاري - الفضاء الفاعل في نصوص خالدة خليل














المزيد.....

الفضاء الفاعل في نصوص خالدة خليل


ثائر العذاري

الحوار المتمدن-العدد: 2293 - 2008 / 5 / 26 - 10:21
المحور: الادب والفن
    


تحاول خالدة خليل في كل أعمالها تقمص تجربة شخصية امرأة عراقية مغتربة نمطية، فالثيمة الرئيسة في كتاباتها هي التعبير عن خليط من هموم الوطن المنكوب وهموم الغربة القاسية، ومع أنها تعبر عن تلك الهموم بصدق يصور الكثير من تجربتها الشخصية، فإن وعيها الفني والجمالي، بوصفها ناقدة، يجعلها تلبس تجربتها الشخصية تلك في إطار نمطي يبعدها عن الإيغال في الفردانية ويكسبها الطابع الإنساني العام.
والفلسفة التي تقوم عليها تلك التجربة تتلخص بكلمة واحدة هي (العجز)، فشخصية السارد في كل نصوصها تعبر دائما عن الخيبة والعجز إزاء عالم متجبر ظالم لا يفهم خطاب الشعراء، وأول انعكاس لهذه الفلسفة يظهر جليا في الشكل (أو اللا شكل) الذي اختارته خالدة لنصوصها، فالنص المفتوح الذي يمثل الأسلوب الرئيس لنصوصها، يعبر بفقدانه الشكل الفني القار عن العجز عن الفعل المؤثر الذي يستطيع أن يشكل العالم بحسب رغبة الشاعر.
من هنا نجد في نصوص خالدة خليل أن الفضاء الشعري الذي يفترض أن يكون البيئة التي يحدث فيها الفعل الشعري، يتحول الى الفاعل الأوحد في نصوصها ويتحول السارد الى محض مفعول به لا يقدر الا على التأثر بذلك الفضاء والخضوع له والاندفاع بدوافعه.

تمد السماء يدا
تعصر بها الوقت
كلما مزقت الكلمات شرانق سياقاتي البريئة
وهرب المعنى من زنزانته الانفرادية

هكذا يبدأ نصها (حرائق الظل)، ويمكن أن نلاحظ أن هذه البداية تستهل بفعل (تمد) غير أنه مسند الى الفضاء الشعري لا السارد، فالفاعل هو (السماء)، التي تعصر الوقت من غير أن يكون للسارد يد قادرة على التأثير في هذا الفعل. وفي هذه البداية التي اختارت الشاعرة أن تجعلها مقطعا مستقلا في الإخراج الطباعي، هناك أربعة أفعال هي:
تمد، تعصر، مزقت، هرب
أما الفعلان الأولان فهما مسندان الى السماء (من مكونات الفضاء الشعري)، وأما الثانيان فمسندان الى الكلمات والمعاني بوصفها عناصر من دواخل شخصية السارد، تفصل بينهما (الأولان والثانيان) كلمة (كلما) لتكون الشكل الآتي:

تمد وتعصر كلما مزقت وهرب

ويمكننا ملاحظة التعبير عن العجز في الشكل اللغوي، فالفعلان المسندان الى الفضاء الشعري جاءا بصيغة الاستمرار، أما الفعلان المسندان الى السارد فجاءا بصيغة الماضي، ففي الوقت الذي تحدث أفعال الفضاء الشعري بنمط مستمر دائم، حدثت أفعال السارد في الماضي الذي يشعر أنها حدثت مرة واحدة أو لا تحدث الا نادرا، والزنزانة الانفرادية تعبير يؤكد هذا الفهم ويزيده وضوحا.
ولو نظرنا الى اتجاه تأثير الأفعال في نصوص خالدة خليل، سنلاحظ بوضوح أن أفعال الفضاء الشعرية مؤثرة بما حولها أما أفعال السارد فهي لا تؤثر الا فيه هو:

وحين يفر الزمن باتجاه الغروب
يتحرر لجام الذهول
أمام شرائع شيدتها موائد مهجورة
لتدونها الحمى على أصابع الريح
فوق سنواتها الباردة
تلقح الكذب
هذه الأيام
ويسيل لها لعاب القدر
رأى فرائسه مشفرة
تورم الأسرار في أحشاء النهار
ما زال نزيف الحرف يحفر أخاديده في أرصفة العمر
ما زالت ثمار الصبر المتدلية
تتهاوى على الورق

فالأفعال المسندة الى الزمن واللجام والحمى والقدر كلها تتجه الى الخارج لتفعل فعلها فيما حولها، ولكن ما إن يحدث فعل في داخل السارد حتى ينكمش على نفسه ويفعل فعله في السارد نفسه، فنزيف الحرف يحفر أخاديده في عمر السارد نفسه وثمار صبره هو تتدلى على ورقه هو. وحتى حين تتمرد الأفعال وتحاول أن تمتد الى الخارج تأتي الشاعرة بأداة النفي لتكبح جماحها وتلغي عملها:

في المرآة
يحترق الظل
لم تعد تزمر في ناي القصيدة أمنية
او تفرش ألوانها
فوق وسائد انتظار

فحين تحاول أماني السارد أن تفعل فعلا ما وهو يتأمل نفسه في المرآة تفرض (لم) سطوتها عليها وتلغي كل أثر ممكن لها.
وفي نصها (زجاج ذاكرة ما) يأتي المقطع الاستهلالي:

عند انتصاف العمر، يدق ناقوس الضجر، على إيقاع منجل السنوات وهو يحصد غنائم أثقل من انهزاماتي، وتلف ما يحصد بعباءة لونها رماد أرق وملل الوسادة المحشوة بأحلامي.
الأيام المتشابهة ترتمي مع الأقدار في حضني لحظة غفوتي. أما الزمن فأراه يتهاوى في
أعماق مجهول. هذا البذر المغروس في طوالعنا منذ الأزل لا ينمو إلا في متاهات حروب،
ربما ليذر رماد طواحينها في أعيننا، ربما لنصبح بلا رؤية، بلا تاريخ، بلا مستقبل، يالتلك
الشعارات المعلقة فوق أعمدة التخلف، آم ترعبنا.

فبمجرد أن نسأل من الذي يفعل ومن الذي لا يفعل يتكشف لنا العجز والخيبة الكبيران اللذان يشعر بهما السارد، فالزمن ومفرداته من أيام وسنوات وعمر كلها تذوي وتتهاوى من غير أن يملك السارد أدنى سلطة عليها، بل أن الأيام المتشابهة ترتمي مع الأقدار في حضني لحظة غفوتي. فالفضاء الشعري يفعل فعله بمعزل عن إرادة السارد، وتحدث الأفعال في غفوته كما تحدث في صحوته.
ومن الغريب أ، السارد في نصوص خالدة خليل غير قادر على الفعل حتى في الأماني والأحلام ففي أمنياته أيضا يكون هو مفعولا به لأفعال الفضاء الشعري، في هذا المقطع من (مفترق طرق):

واحريتاه
افطمي أنوثتي من صمتها
امتطي صهوة نهار وضوء
وأمطريني في الغروب
باقة أحلام لا تذبل،
خطيني شهادة ميلاد
فوق جبين قدر جديد
أو احفريني وشما لقصائد امرأة
أضاعها عشق
وركع عند ركبتيها الشمس
التمس يا قمر العذر
من بين ساقيّ
كاهنة أرضعتك الضوء

فالسارد الذي هو هنا امرأة كما في كل نصوص خالدة تتمنى أن (تفطم الحرية أنوثتها) و(تمطرها باقة أحلام لا تذبل) و..........
وليس في كل ذلك أي فعل منسوب الى الساردة نفسها، فهي عاجزة عن الفعل، أو هي ناكصة خائبة الآمال لا تستطيع غير الاستسلام لسطوة الفضاء الشعري القاهرة.



#ثائر_العذاري (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- علم الأدب
- في البلاغة الرقمية
- البطولة في الوعي العربي /حول مسلسل (باب الحارة)
- من أجل توضيح التباس القصد في عصر المعرفة الرقمية
- عصر المعرفة الرقمية
- سوق النساء أو ص.ب 26
- في التشكيل الشعري
- (السرد الخفي وتنميط العالم) تأملات في أدب الأمثال
- القافية بين التراث والمعاصرة
- (حمالة الدلع) وفخاخ القصة القصيرة
- ابن قتيبة وإغفال التجربة الشعورية
- شعرية القصة القصيرة جدا
- تناقضات الغذامي في القصيدة والنص المضاد
- نمر سعدي .. الرومانسي الجديد
- جيكور أمي – قراءة ثانية في تجربة السياب العروضية
- الأخطل الصغير..شاعر الهوى والشباب
- نضال نجار .. الإيقاع والتصرف الصوتي
- الصورة اللغوية في نصوص آمنة عبد العزيز
- مقدمة نهج البردة الطللية بين البوصيري وشوقي
- المرأة الحلم في شعر المتنبي


المزيد.....




- وفاة الفنان المصري المعروف صلاح السعدني عن عمر ناهز 81 عاما ...
- تعدد الروايات حول ما حدث في أصفهان
- انطلاق الدورة الـ38 لمعرض تونس الدولي للكتاب
- الثقافة الفلسطينية: 32 مؤسسة ثقافية تضررت جزئيا أو كليا في ح ...
- في وداع صلاح السعدني.. فنانون ينعون عمدة الدراما المصرية
- وفاة -عمدة الدراما المصرية- الممثل صلاح السعدني عن عمر ناهز ...
- موسكو.. افتتاح معرض عن العملية العسكرية الخاصة في أوكرانيا
- فنان مصري يكشف سبب وفاة صلاح السعدني ولحظاته الأخيرة
- بنتُ السراب
- مصر.. دفن صلاح السعدني بجانب فنان مشهور عاهده بالبقاء في جوا ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - ثائر العذاري - الفضاء الفاعل في نصوص خالدة خليل