أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - أوراق كتبت في وعن السجن - فاطمة ناعوت - أعوامٌ من النضال والاعتقال-مشوار فخري لبيب















المزيد.....

أعوامٌ من النضال والاعتقال-مشوار فخري لبيب


فاطمة ناعوت

الحوار المتمدن-العدد: 2292 - 2008 / 5 / 25 - 03:27
المحور: أوراق كتبت في وعن السجن
    


"أي رجلٍ هذا! ومِن أيّ معدن صيغت حياتُه؟ أُقرُّ أن "فخري لبيب" هو أحدُ اللبناتِ الإنسانية الكبرى لهذا الوطن". هكذا يقول الشاعرُ شعبان يوسف في مقدمته كتاب "المشوار"، الأكثر مبيعا حسب الناشر مكتبة مدبولي المصرية. يعرض مشوار أحد كبار مناضلي مصر المعاصرين ممن نهبتِ المعتقلاتُ أعمارَهم. على أن اقتناصَ حريته، وانتقاصَ بعض عمره لم يَحُل دون نضاله وإبداعه وإصداره أكثر من أربعين كتابا ما بين التأليف والترجمة. وعلى الرغم من أن "المشوار" يندرج تحت مظلّة أدب السير-ذاتيّ، إلا أن التقنية الفنية الرفيعة التي اتبعّها المؤلفُ جعلت منه روايةً ممتعة لا يملك القارئُ إلا أن يركض بين سطورها، ومشاعرُ متناقضةٌ تتملّكُه وتتناوبه بين صفحة وأخرى. شغفٌ وحيرةٌ وفرحٌ وخوفٌ وإشفاقٌ واحترامٌ ودهشة، وفي الأساس رغبةٌ في استكشاف تلك الأروقة السريّة الغامضة لعالم السلطة السياسية والمخابرات والمعتقلات. إضافة إلى العداء غير المبرر بين المواطن والمواطن. حينما يعتلي الأول كرسي السلطة الوثيرَ الآمن، بينما يمتطي الآخر عربة النضال الجامحة الخطرة.
ويضيف يوسف في مقدمته: "فخري لبيب الحركةُ والإنسانُ والكاتبُ والمترجم، ليس أيقونةً نحتفي بها، كما يفعل السدنةُ والكهنةُ في معابدهم، بل هو الرجل الذي نتعلم من مشواره النبيل كلَّ المعاني الإنسانية التي ناضل من أجلها الأنبياءُ والقديسون والمناضلون البررة على مدى التاريخ الإنساني".
انتهج المؤلف لعبة الفلاش باك وتشظية الزمن عبر فصول الكتاب الأولى، ثم احترمَ كرونولوجية الأحداث في بقية الفصول الثمانية عشر. بدأ مشواره بأولى لحظات "الاختطاف"، عنوان الفصل الأول، حين انقضّ البوليسُ على مسكنه، بعدما عاد من عمله كمدرس بمدرسة الأقباط الإعدادية بطنطا، فأوسعوا الغرفة تفتيشا وتحطيما حتى عثروا على "عزيزة"، وهو الاسم الحركيّ لمطبعة بدائية يستخدمها المناضلون الشيوعيون في إنتاج منشوراتهم السرية. ثم الرحلة الوعرة في عربات الترحيلات مرورا بالنيابة ثم التخشيبة عبر سلسلة لا تنتهي من سخافات التحقيق على يد ضباط شرسين، حتى يستقر به المقام في سجن "قَرَه ميدان" بتهمة "تأسيس وإدارة منظمة شيوعية"، هي طليعة جبهة الشيوعيين المصريين.
وفي الفصل الثاني "قيد وقضبان" يحكي كيف كانت المخابرات تزرع جواسيس وعيونا داخل السجون لكي يُفقدوا المناضلين الثقةَ بأنفسهم وبرفقائهم، ومن ثم تُفرّغ طاقاتُهم النضالية فيخورون. وفي نهاية الفصل يحدِّق صوب الكوّة الصغيرة، في زنزانته المظلمة، التي تفصل بينه وبين الحياة. ويسمح لروحه وذاكرته أن تتحررا من محبسيْ المكان والزمان: ظلمة الزنزانة وظلمة عام 1954، تاريخ معتقله الأول. يتسلل فكرُه عبر القضبان الضيقة ليسيح نحو الفضاء الوسيع في رحلة الزمان والمكان ليعود بنا إلى يوم مولده في فبراير عام 1928 لكي يبدأ مشواره الطويل الوعر والأخضر، في آن.
"سنورس- طما" 1928-1936 عنوان الفصل الثالث الذي يبدأ بتعارف الأب "لبيب"، المعاون بمكتب التلغراف، بالأم "إيلين"، التي تصغره بعقد. ثم زواجهما وإنجابه في بيت الجد. ذلك البيت الذي سيكون مرتعا لطفولته وشقاواته وأفراحه وهواجسه وكذا مخاوفه من أساطير العفاريت التي هي جزء أساسي من ثقافة الناس وقتذاك. التنقل مع الجد من بلدة إلى بلدة وألعاب الطفولة مع الأخوات والإخوة وأولاد العمومة والأخوال الصغار شكّل جانبا من شخصية فخري لبيب "المغامراتي" الذي يسعى نحو المخاطر دونما هيبة مادام يلوح وراءها هدفُ العدالة الاجتماعية وتذويب البون الطبقيّ.
الفصل الرابع يحكي عن سنواته الأربع بين عامه الثامن والثاني عشر في بلدة أبي قرقاص. عن مدرسته الجميلة وفنائها الواسع والمكتبة الثرية التي تعرَّفَ فيها على مجلتيْ "ألمقتطف، والرسالة" عطفا على أمهات الكتب المهمة التي بدأت تشكّل وعيه ومكوّنه الثقافيّ. ويحكي عن زيارة ولي العهد أمير الصعيد، الأمير فاروق بن فؤاد الأول في باخرته "المحروسة" واستقبال حشود التلاميذ له بأناشيد الوطن: "بلادي بلادي فداكِ دمي/ وهبتُ حياتي فدا فاسلمي/ غرامُكِ أولُ ما في الفؤادِ/ ونجواكِ آخرُ ما في فمي".
نجولُ منذ الفصل الخامس وحتى السابع من بلدة إلى بلدة في ربوع مصر حيث يتنقل عملُ الوالد. حتى يتم الصبي عامه الثامن عشر عام 1945 في مدينة أسوان بجنوب مصر. ليبدأ بعد ذلك فصلان من أمتع ما في الكتاب ينقل فيهما المؤلف رسائله التي تبادلها مع صديقه عبد الله كامل. نعرف خلال تلك الرسائل الأسئلة التي كانت تملأ عقل الفتى الواعد فخري لبيب حول مدى إمكانية قيام ثورة بمصر شبيهة بالثورة الفرنسية: مَن بوسعه القيام بها؟ مَنْ لدينا يشبه "ميرابو ودانتون ومارا وربسبير"؟ هل بوسع الملك الشاب فاروق الأول أن يشعل مثل تلك الثورة ليطرد الإنجليز من مصر؟ أسئلة وجهها لمدرس التاريخ فحيّره. لكن الثورة الفرنسية أطاحت بالملكية، فكيف لملك أن يثور على الإقطاع؟ طيب، هتلر عدو الإنجليز، هل بوسعه أن يكون صديقا؟ لا، ليس بالضرورة أن يكون عدوُّ العدوِّ صديقًا! هتلر عدوٌّ آخر! وترتبك الأسئلة في عقل الولد لتتوحد في سؤال ضخم ونهائيّ: مَن بوسعه أن يثور ضد الإنجليز وضد الملكية في آن؟
ويكبر الفتى ويلتحق بكلية العلوم جامعة فؤاد الأول عام 45. يحكي عن حبه الأول: سعاد. وكيف صُدم أبوه حينما اكتشف أن ابنه شيوعيّ. فيقول لأبيه: ألم تقل إنك سعيت وضحيت لكي يكون أولادك أحسن منك؟ "أنا بقا وسّعت المسألة شوية وعاوز أولادي وأولاد كل الناس يبقوا أحسن مني! عاوز الجيل الجاي يبقى أحسن من جيلي". يواصل نضاله شاهدا نضال رفقاء كبار مثل أنور عبد الملك، وسلامة موسى، ورمسيس يونان، ولطيفة الزيات، وإنجي أفلاطون، وعبد العظيم أنيس، وشهدي عطية، وكمال عبد الحليم وسواهم، في معاركهم ضد الإخوان السلفيين الذين لم يتوقفوا يوما عن شد مصر إلى الوراء.
21 فبراير 46 إعصارٌ ضخم من كتل بشرية قوامها طلبة جميع كليّات مصر في مظاهرة، من أشرس ما شهدت مصر، لمطالبة الإنجليز بالجلاء عن الوطن. فتح جنودُ الاحتلال النيران الحيّة، والقوات الجوية أفرغت رشاشاتها في صدور المتظاهرين العُزّل. ثم أعلنت مصرُ حدادَها الصامتَ النبيل واحتجبتِ الصحفُ يوم 4 مارس حَزَنًا على شهدائها. وشاركت الجاليات الأجنبية مصرَ حدادَها بتغطية اللافتات الأجنبية. وتضامن المصريون مسلمين ومسيحيين ويهودًا في قبضة واحدة نبيلة عزّ مثيلُها. وسقط شهداءُ آخرون. فانطلقت مظاهراتٌ مسانِدة في بيروت ودمشق وسواهما من المدن العربية في 15 مارس. ضاقتِ الدوائرُ حول المستعمِر الإنجليزي فانسحبَ صاغرا من القاهرة والإسكندرية نحو مدن القناة.
وتتوالى الشهورُ والسنواتُ والأحداث. قضية فلسطين وقضايا الوطن: ديموقراطية، إصلاح، حرية، جلاء، ملكية، جمهورية، استبداد، قمع، اعتقالات وهلم جرا. أفراحٌ قليلة لانتصارات صغيرة وأشباه انتصارات. وأوجاعٌ وهزائمُ ومرارات لا تنتهي. يحكيها الكاتبُ فخري لبيب مازجًا، بفنيّة، بين الذاتيّ الخاص، مما هو عائليّ أو عاطفيّ، وبين الموضوعيّ العام مما هو اجتماعيّ وسياسيٌّ محليّ، وبين الموضوعيّ الأعم مما يخصُّ العربَ والعالمَ والحربَ العالمية الثانية وتداعياتها.
ويأتي عام 1952، ويُجبر الملك فاروق على التنازل عن العرش لوليّ عهده الأمير الطفل أحمد فؤاد، ويغادر البلاد يوم 26 يوليو. وتتوالى الصراعات على السلطة بين الأحزاب وبين أفراد الضباط الأحرار الذين أشعلوا ثورة 23 يوليو. محمد نجيب ثم جمال عبد الناصر. ثم يحكي لبيب عن رحلته من سجن "قره ميدان" إلى معتقل "أبي زعبل" لنبدأ من لحظة "اختطافه" الأولى فتكتمل الدائرة الأولى من سلسة "مشواره" التي بدأها عام 28 حيث لحظة الميلاد، وحتى عام 1955 لحظة المحاكمة. يقدّم فخري لبيب، بهذا الكتاب الثري، القوسَ الأول من مشواره الطويل، وقد أتم الثمانين هذا العام. واعدا بتقديم بقية الأقواس التي تحكي تاريخ مصر منذ العهد الناصريّ مرورا بالساداتيّ وانتهاء باللحظة الحرجة التي تعيشها البلاد الآن، ليقدم لنا شهادةً عميقة وموضوعية ترصدها عينُ مناضل دفع الكثير من أجل مصر، الثرية بأبنائها، رغم كل شيء. الحياة- 19/5/08



#فاطمة_ناعوت (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- إلى أين تذهبُ الشمسُ... يا جوجان؟
- انظرْ حولك في غضب
- ثقافةُ الوقوف في البلكونة !
- بالطباشير: فقدانُ الهالة
- داخل رحم
- الأحدب والجميلة
- ناعوت: «الهدم والبناء» في الوعي أصعب من «المعمار!-
- السوبر قارئ
- عينا الأبنودي
- اِصمتْ حتى أراك!
- كلام شُعَرا...!
- أنفي والجيرُ المبتّل
- الجميلُ الذي أخفقَ أن يكونَ عصفورًا
- بالطباشير : عزيزي الله، من رسم الخطوط حول الدول؟
- بالطباشير: آخرُ مُعتزلةِ هذا الزمان
- بالطباشير:يا باب الورد، حِصَّة وين؟
- الشَّحّاذ
- بالطباشير: -سُرَّ مَنْ رآكِ- أيتها الغيوم
- بالطباشير: يحدثُ هذا، وشكرا لفلسفة المصادفة
- بالطباشير: أنا الأديبُ الألْمَعيُّ مِنْ حَيِّ أَرْضِ المُوصِ ...


المزيد.....




- قطر تؤكد اهتمامها بمبادرة استخدام حق الفيتو لأهميتها في تجسي ...
- الكويت ترحب بنتائج تقرير أداء الأونروا في دعم جهود الإغاثة ل ...
- كيان الاحتلال يستعد لسيناريو صدور مذكرات اعتقال بحق قادته
- سويسرا تؤجّل اتّخاذ قرار حول تمويل الأونروا
- السودان: خلاف ضريبي يُبقي مواد إغاثة أممية ضرورية عالقة في م ...
- احتجاجات أمام سجن محلي في تكساس للإفراج عن طلبة تظاهروا دعما ...
- بالصور..اعتقال عشرات الطلاب في تكساس بسبب مشاركتهم في مظاهرا ...
- تأييدًا لغزة.. طلاب وأساتذة يتظاهرون في جامعة سيدني
- شبح المجاعة لا يغيب.. غزيون يشتكون شح السلع وغلاءها
- الحكم على مغنٍ إيراني بالإعدام على خلفية احتجاجات مهسا


المزيد.....

- في الذكرى 103 لاستشهادها روزا لوكسمبورغ حول الثورة الروسية * / رشيد غويلب
- الحياة الثقافية في السجن / ضرغام الدباغ
- سجين الشعبة الخامسة / محمد السعدي
- مذكراتي في السجن - ج 2 / صلاح الدين محسن
- سنابل العمر، بين القرية والمعتقل / محمد علي مقلد
- مصريات في السجون و المعتقلات- المراة المصرية و اليسار / اعداد و تقديم رمسيس لبيب
- الاقدام العارية - الشيوعيون المصريون- 5 سنوات في معسكرات الت ... / طاهر عبدالحكيم
- قراءة في اضراب الطعام بالسجون الاسرائيلية ( 2012) / معركة ال ... / كفاح طافش
- ذكرياتِي في سُجُون العراق السِّياسِيّة / حـسـقـيل قُوجـمَـان
- نقش على جدران الزنازن / إدريس ولد القابلة


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - أوراق كتبت في وعن السجن - فاطمة ناعوت - أعوامٌ من النضال والاعتقال-مشوار فخري لبيب