أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الطبيعة, التلوث , وحماية البيئة ونشاط حركات الخضر - سعد هجرس - اعتذار ل »دمياط«.. ورسالة حب ل »رأس البر«















المزيد.....

اعتذار ل »دمياط«.. ورسالة حب ل »رأس البر«


سعد هجرس

الحوار المتمدن-العدد: 2290 - 2008 / 5 / 23 - 10:29
المحور: الطبيعة, التلوث , وحماية البيئة ونشاط حركات الخضر
    


أحسست بالخجل وأنا اقترب من مدينة دمياط، حيث تنبهت ـ فجأة ـ إلي أنني لم أقم بزيارة هذه المدينة المصرية المهمة من قبل، وسألت نفسي باستنكار: كيف تزور بلادا في الشرق وبلاد في الغرب وبلادا تركب الأفيال ولا تزور مدينة مصرية مثل دمياط، والأدهي والأمر أنها متاخمة لمسقط رأسي في محافظة الدقهلية، بل إننا دأبنا في مرحلة الطفولة والصبا أن نرتاد مصيف رأس البر، الذي يقع علي مرمي حجر من دمياط، ومع ذلك كله لم تطأ قدمي أرضها؟!
وفي محاولة لتخفيف توبيخي لنفسي تذكرت المثل الإنجليزي القائل: »أن تصل متأخرا خير من ألا تصل أبدا«.
المهم.. هاآنذا في دمياط بدعوة من مكتبة مبارك العامة للحديث عن مشروع نهضة مصر الذي لا أكف عن الكتابة عنه وأحث غيري علي الإسهام في بلورته ودفعه إلي الأمام.
اكتفيت بكلمة افتتاحية ركزت فيها علي عدد من الخطوط العريقة وفضلت تخصيص الجانب الأكبر من الوقت للحوار مع الحاضرين.
أذهلني »الدمايطة« بمستواهم الراقي في المناقشة، ومستوي وعيهم المتقد الذكاء بقضايا الساعة، محليا وإقليميا ودوليا.
ولفت نظري كذلك اهتمامهم بربط معظم هذه القضايا بالصراع الذي تخوضه مدينتهم ضد مصنع »أجريوم« الذي يصر ملاكه علي إنشائه علي أرض جزيرة رأس البر، وهو ربط منطقي وذكي بين الآثار الجانبية المضرة والسلبية لهذا المصنع من جهة وبين العولمة المتوحشة والعلاقات غير المتكافئة بين دول الشمال ودول الجنوب من جهة أخري، ناهيك عن علاقة ذلك كله بالفساد وسياسة الكيل بمكيالين.
لم أكن أجامل أو ادعي التواضع عندما قلت لهم إنني حضرت إلي دمياط لأتعلم وأسمع من الدمايطة عن خبراتهم في هذا النضال المتحضر والراقي الذي يخوضونه ضد المصنع الذي يجسد كل هذه التحديات المخيفة.
فبعد الحديث في المكتبة اصطحبني مديرها المثقف والمتحمس د. مجدي في جولة بدأت بتفقد مجهودات تطوير دمياط القديمة، بخاصة الكورنيش بطول ثمانية كيلو مترات وإنهاء كارثة الصرف الصحي في النيل، وإنقاذ كوبري دمياط القديم الذي كان معروضا للبيع كقطع خردة فتم انتشاله وتحويله إلي معلم حضاري ومنارة ثقافية.
وامتدت الجولة السريعة إلي مصيف رأس البر العريق، الذي توقفت ذكرياتي معه عندما كان مجرد »عشش« ـ بالمعني الحرفي ـ فإذا به وقد أصبح منتجعا فائق الحداثة والنظافة والتخطيط.. وعند »اللسان« ـ الذي يتكون من التقاء نهر النيل بالبحر الأبيض المتوسط شاهدت »صرحا« جميلا من الناحية المعمارية والعملية والوظيفية يشبه التاج علي رأس هذه الجزيرة المتفردة في جمالها، جزيرة رأس البر.
ولم يكن من قبيل المبالغة اللغوية أن استخدم عبارة الجزيرة »المتفردة« في جمالها.. فهذه الجزيرة ـ رأس البر ـ فريدة في العالم بأسره.
فأين تجد جزيرة يحدها البحر من جهة ويحدها النهر من جهة أخري، ويلتقي البحر والنهر في عناق بديع ومذهل؟!
وقبل أن أفيق من نشوة هذا الجمال الاستثنائي الذي استنشقه فوق لسان رأس البر باغتني د. مجدي عندما اصطحبني إلي نهاية الجولة، نهاية كئيبة ومأساوية، حيث أخذني من الدار إلي النار، ووجدت نفسي بعد لحظات معدودات أمام موقع مصنع »أجريوم« الذي اعتزم ملاكه إنشاءه لإنتاج اليوريا والأمونيا ليكون أكبر مجمع للبتروكيماويات في العالم بأسره.
هنا.. وعلي أرض جزيرة رأس البر بالذات؟!
هل هذا معقول؟!
هل ضاقت الدنيا أمام أصحاب هذا المصنع ولم يجدوا مكانا ليقيموا عليه مصنعهم سوي أرض هذه الجزيرة التي يصعب أن نجد مثيلا لها في العالم؟!
وأنا لا أريد أن أدخل في جدل حول تفاصيل من قبيل هل هذا المصنع الذي يزمع الكنديون ـ وبعض حلفائهم من »المصريين« ـ إقامته هنا ملوث للبيئة حقا أم أنه مزود بتكنولوجيا حديثة تمنع أو تقلل هذا التلوث؟
فحتي إذا كان غير ملوث للبيئة، فإن إنشاءه هنا بالذات، داخل جزيرة رأس البر، يصبح جريمة ليس فقط ضد الدمايطة، أو ضد المصريين كلهم، بل جريمة ضد البشرية كلها لأن هذه الجزيرة النادرة والفريدة التي يتعانق فيها الماء العذب مع الماء المالح، والنهر مع البحر، وديعة للعالم بأسره.
والجريمة الأكبر أن يصر أصحاب مصنع »أجريوم« الأجانب ـ وحلفاؤهم من »المصريين« ـ علي الاستمرار في استعداء الدمايطة، والمصريين، وكل المحبين للطبيعة في العالم، بينما تتواصل الجهود الوطنية لتحويل هذه الجزيرة الاستثنائية إلي »محمية« طبيعية!
والجريمة الأشنع أن يحاول أنصار إقامة هذا المصنع الكيماوي علي أرض جزيرة رأس البر بالذات »رشوة« الدمايطة بإطلاق الوعود التافهة عن الفوائد المالية التي ستعود عليهم من »خيرات« المصنع الذي سيقوم بتشغيل 250 فردا ستكون حصة المصريين منهم 198 شخصا. وهو عدد يقوم بتشغيله مطعم واحد أو منشأة سياحية واحدة قائمة علي أرض رأس البر!
والجريمة الأسوأ أن »يتفاني« بعض »المصريين« في الترويج لهذا المشروع الأجنبي، أو في »التخويف« من عواقب رفض إقامته علي أرض رأس البر بالذات.. فهؤلاء يتطوعون ـ أو لعلهم ليسوا متطوعين أصلا ـ لتشويش العقول ومحاولة تجميل وجه هذا المصنع.. وإذا فشلت محاولات »الترغيب« فإنهم يتحولون علي الفور إلي »الترهيب« محذرين من أن مصر ستكون مضطرة لدفع مبلغ قد يصل إلي 500 مليون دولار إلي أصحاب المصنع كتعويض.
وهذا ترهيب خائب.. فلم يكن أهالي دمياط هم الذين أعطوا الموافقة علي إنشاء المصنع في هذا المكان.. ثم إن الدمايطة هم الذين يستحقون الحصول علي تعويض، لأن الشركة الكندية زورت إرادتهم وحصلت بالتدليس علي موافقات جهات حكومية، مثل وزارة البيئة، حيث قدمت إليها أوراقا مزورة تزعم موافقة منظمات المجتمع المدني الدمياطية إلي إقامة المصنع علي أرض رأس البر، وهو ما لم يحدث.. كما أنها أقدمت علي دق »خوازيق« في الأرض التي حصلوا عليها دون الحصول علي ترخيص من الجهات المختصة.
فمن يعوض من؟!
إن من حق أبناء دمياط، بل من واجب جميع المصريين، الدفاع عن بقاء جزيرة رأس البر كمنتجع سياحي بالكامل، بل والعمل علي تحويله إلي محمية طبيعية.. ومن المدهش أن تنازعنا شركة »أجريوم« في ذلك بينما دأبت الهيئات المحلية الدمياطية منذ سنوات طويلة علي رفض إقامة أية منشآت صناعية علي جزيرة رأس البر.
ونذكر علي سبيل المثال أن السلطات المعنية رفضت طلبا للغرفة التجارية بإقامة ورش للنجارة علي قطعة أرض في رأس البر لأن ذلك يتنافي مع طبيعة الجزيرة.. فهل نرفض نشارة الخشب الناجمة عن ورش بدائية ونسمح باليوريا والأمونيا الناتجة عن أكبر مجمع للبتروكيماويات في العالم؟!
إننا لا يجب أن نترك أهالي دمياط يخوضون هذه المعركة الشرسة ضد شركة »أجريوم« وحدهم.. فهذه قضية أمن قومي تهم كل المصريين وليس أبناء دمياط فقط.
وأرجو أن يتحول هذا النداء إلي جهد جماعي في كل ربوع مصر لإنشاء لجان شعبية للتضامن مع أبناء دمياط دفاعا عن جزيرة رأس البر والحفاظ عليها كمنتجع سياحي.. فإذا ما كانت »أجريوم« مصرة علي الاستثمار في هذا المكان بالذات فأهلا بها، إذا قررت استثمار هذا المكان البديع لإقامة منشأة سياحية.
وقد بدأ الدمايطة هذا الجهد الوطني بنضال محتدم ومحتضر ومشروع.. حيث علقوا اللافتات السوداء علي بيوتهم، وكتبوا عليها شعارات منضبطة وعاقلة، ونظموا المظاهرات السلمية التي شارك في آخرها 17 ألف شخص، وعقدوا المؤتمرات والندوات، وأنشأوا عشرات ومئات المواقع علي شبكة الإنترنت، ورفعوا دعاوي قضائية.
ووصل الحال منذ بضعة أيام إلي أن قدم قادة كل منظمات المجتمع المدني استقالاتهم الجماعية، بدءا من أعضاء مجلس الشعب ومجلس الشوري، والمنظمات المهنية، وغرفة التجارة، ومنظمات المرأة.. كل هؤلاء الذين يمثلون »جميع« منظمات المجتمع المدني اجتمعوا علي قلب رجل واحد، وقدموا استقالة جماعية، واشترك في ذلك من ينتمون إلي الحزب الوطني ومن ينتمون إلي أحزاب المعارضة.
ولولا مناشدة المحافظ الدكتور محمد فتحي البرادعي، لهم لكان هناك الآن »فراغ« كامل ومطلق في دمياط.
علما بأنهم استجابوا لمناشدة المحافظ ـ الذي اختار هو الآخر أن يقف في خندق الدفاع عن محافظة دمياط وعن الأمن القومي المصري ـ رفض إقامة المصنع الكيماوي علي جزيرة رأس البر ـ وقالوا إنهم وافقوا علي »تعليق« هذه الاستقالة الجماعية مؤقتا.
وفي رأيي أن شعب دمياط يكتب صفحة جديدة ورائعة في تاريخ مصر الحديث، ويعطون مثلا يحتذي لجميع المصريين، أهالي وحكومة، فهم يقولون بكل بساطة وشجاعة: نحن مواطنون ولسنا رعايا.. ويجب أخذ رأينا قبل اتخاذ أي قرار يتعلق بنا وبأبنائنا وأحفادنا.
وربما يكون هذا هو الدرس الأكبر والأهم في هذه المعركة الحضارية بين الدمايطة »وأجريوم«.
وهي معركة عظيمة لا يجب أن نترك أبناء دمياط يخوضونها وحدهم.



#سعد_هجرس (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مطلوب تفسير من وزير الصحة
- هوامش على دفتر النكبة (2)
- دمياط تتحدى دافوس !
- هوامش على دفتر النكبة
- الفوضى -الهدامة-
- علاوة الأسعار (2)
- علاوة الاسعار !
- من جزارين إلي رشيد نقطة نظام
- هذا السونامى القادم .. يا حفيظ (2)
- ديموقراطية جديدة لمجتمع المعلومات (1)
- هذا السونامى القادم ... يا حفيظ!
- سيناء: ثنائية التحرير والتعمير
- محافظ دمياط... تعظيم سلام!
- لماذا يطالب الناس بالتغيير .. ثم يتحسرون على الماضى؟!
- -طالبان- مصريون فى 4 شارع عبدالخالق ثروت!
- مسئولية المجتمع (1)
- نقابات عثمانلية!
- إذا كانت أغلبية الصحفيين مع التمييز الدينى لا أريد عضوية هذه ...
- إضراب.. وحريق.. وبينهما خيط رفيع
- والله العظيم ...تحسين الأحوال المعيشية للناس..ممكن


المزيد.....




- حمم ملتهبة وصواعق برق اخترقت سحبا سوداء.. شاهد لحظة ثوران بر ...
- باريس تعلق على طرد بوركينا فاسو لـ3 دبلوماسيين فرنسيين
- أولمبياد باريس 2024: كيف غيرت مدينة الأضواء الأولمبياد بعد 1 ...
- لم يخلف خسائر بشرية.. زلزال بقوة 6.6 درجة يضرب جزيرة شيكوكو ...
- -اليونيفيل-: نقل عائلاتنا تدبير احترازي ولا انسحاب من مراكزن ...
- الأسباب الرئيسية لطنين الأذن
- السلطات الألمانية تفضح كذب نظام كييف حول الأطفال الذين زعم - ...
- بن غفير في تصريح غامض: الهجوم الإيراني دمر قاعدتين عسكريتين ...
- الجيش الروسي يعلن تقدمه على محاور رئيسية وتكبيده القوات الأو ...
- السلطة وركب غزة


المزيد.....

- ‫-;-وقود الهيدروجين: لا تساعدك مجموعة تعزيز وقود الهيدر ... / هيثم الفقى
- la cigogne blanche de la ville des marguerites / جدو جبريل
- قبل فوات الأوان - النداء الأخير قبل دخول الكارثة البيئية الك ... / مصعب قاسم عزاوي
- نحن والطاقة النووية - 1 / محمد منير مجاهد
- ظاهرةالاحتباس الحراري و-الحق في الماء / حسن العمراوي
- التغيرات المناخية العالمية وتأثيراتها على السكان في مصر / خالد السيد حسن
- انذار بالكارثة ما العمل في مواجهة التدمير الارادي لوحدة الان ... / عبد السلام أديب
- الجغرافية العامة لمصر / محمد عادل زكى
- تقييم عقود التراخيص ومدى تأثيرها على المجتمعات المحلية / حمزة الجواهري
- الملامح المميزة لمشاكل البيئة في عالمنا المعاصر مع نظرة على ... / هاشم نعمة


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الطبيعة, التلوث , وحماية البيئة ونشاط حركات الخضر - سعد هجرس - اعتذار ل »دمياط«.. ورسالة حب ل »رأس البر«