أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - وديع العبيدي - الزمن نقطة والانسان دائرة..















المزيد.....

الزمن نقطة والانسان دائرة..


وديع العبيدي

الحوار المتمدن-العدد: 2289 - 2008 / 5 / 22 - 04:41
المحور: الادب والفن
    


الزمن نقطة والانسان دائرة..
في رواية (رائحة الصابون) لألياس خوري
رواية ما بعد الحرب..

ليس ثمة ما يوحي بشيء غير عادي. كلّ شيء على ما يرام، والجميع يرفلون برضا وقناعة مع سبق الاصرار والترصد. هذا توصيف بسيط ومباشر للرواية اللبنانية الجديدة. والمقصود بالجديدة أي (لبنان) الجديد. لبنان ما بعد السبعينيات والحرب.. لبنان الطائفية والضياع وعدم الاستقرار. ليس لبنان ايزيس وعشتار وأثينا ربّة الجمال والحبّ. لكن الوجه الثاني لألهة الحبّ المشروخة بالراء. و(وجيع) الصافي وصف (الحبّ هالحرفين) وليس الثلاثة، والثالث (راء) – حوّل الجنّة العامرة إلى (صحراء)، وصار الشعب في كل أرض.
هذه المقدمة، لا تعني أن الحرب شيء بشع، - على الاطلاق-، ولا تتوجه بلائمة لأبطال الحروبات وتجار الخردة، أو الذين يكتبون عن الحرب، على العكس، الحرب هي الحياة، ومن ركام الجثث ونتانة الدم المتيبس وصور (الآدمية) الوحشية ، تولد الحياة الجديدة، وفق مقولة (ولكم في القصاص حياة) - تماماً-. الحرب ولّدت (أدب جديد)، وعقلية جديدة، وتفكير مختلف غير قابل للضلالة والتزويغ، وأجيال جديدة تولد وتنمو وتبني لبنان فينقيا وراء البحر. هناك وجد نفسه (الكاتب) عام 1981 فكتب روايته في نيويورك. نيويورك، المدرسة القلمية وجريدة السمير وجبران ومطران وميخائيل نعيمه وشيء إسمه (أدب المهجر) و(النبي) قبل قرن من الزمان. لبنان مثل أرزة، أينما تلقيها تنبت لبنان جديدة، ثمارها محبّة وجمال. نوع من غرور التحدي. لكننا، كما قرأنا (أدب المهجر والمهاجر) دون أن نشعر بغربة المكان وعقدة الجغرافيا، نقرأ اليوم أدب لبنان الجديد بألفة وحميمية نادرة. يقال أن الجغرافيا علم (عربي)، أما المكان، فمن منتجات اليوم (الثالث) في سفر التكوين. ثمة نيّة مبيّتة لتمويه هذا (المكان) في الرواية. نيّة لا تنفصل في مسبباتها عن فلسفة الحرب ومنطق العولمية. شيء مثل : الأرض لله والوطن للجميع والولاء للدولة. الأرض كائن غير محدد، والوطن مشلوخ من كل الجوانب وليس له آباء ولا أبناء، لذلك يغزوه الغرباء لقضاء أوطارهم، والباقي سياسة تدعمها القوانين والسنن. المكان غير معرّف. وهذا أحد مميزات الرواية الجديدة من الرواية العاديّة. الرواية الحافلة والمملوءة بالمكان، كما في (كوابيس بيروت) لغادة السمان أو (أنا هي أنت) لإلهام منصور أو (تقنيات البؤس) لرشيد الضعيف. فـ(العمارة) في هذه الروايات صورة للمكان ورفض مغادرة العمارة هو صورة التعلق والانتماء والايمان بالمكان. أما الحرب، فهي (نعمة!) طارئة تمضي وتترك آثارها في أحشاء الوطن. والياس خوري ليس بعيداً عن رشيد الضعيف، فهما يجلسان متقابلين على طاولة واحدة، وأمام كل منهما دفتر وقلم، ولكن الرؤية التي لكل منهما ليست واحدة. الضعيف يكتب رواياته (في) الوطن، والمكان ثيمة، والحرب والجنس حاضرة في كل مكان. (عدم التحديد).. لا ينحصر في المكان لدى الياس خوري، ولكنه يشمل كل شيء. العلاقات والعائلة والانتماء (لا يوجد انتماء!) والأفكار والثيمة. عكس الحالة لدى رشيد الضعيف، فالعلاقات والعائلة والثيمة مركزة محددة.
*

المكان في الرواية بين الخفاء والتجلي..

تبدأ الرواية في الخارج. والخارج مكان، خارج (المكان) وكل شيء، خارج البلد، خارج البيت، خارج العادة. والمؤلف حاذق ومرهف في معالجة المفردة. [عادل يقف. وأنا أقف.]. الجملة عند العرب فعل وفاعل ومفعول به. وهذه ليست جملة. ولن يتأخر المعلّم في توبيخ التلميذ لعدم الاتيان بجملة عربية تامة أو مفيدة. أيش يعني [يقف/ أقف]، واقف في الهواء. في… . لا بدّ من جملة مكتملة. لكن جمل المؤلف القصيرة التي تذكر بلغة إرنست همنغوي، - وهو من كتاب الحرب في رواياته المعروفة-، تبتدئ بالفاعل (الاسم) على غرار الجملة الأوربية، وليس بالفعل على الغرار العربي، ففي الآنجليزية يأتي الفعل في المرتبة الثانية بعد الفاعل، وفي الألمانية يتأخر الفعل حتى نهاية الجملة. إلا عند العرب فالفعل له الصدارة، والفاعل أقل قيمة، فهو مجرد فاعل (أوتوماتيكي)، تسيّره (مشيئة) غيبية مجهولة. من الممكن رصد عدة إشارات تتعلق بالمكان، خلال النص. بدء بالاستهلال يستعير الكاتب طريقة (التوصف) من الرواية الكلاسيكية، لكن التوصيف يبقى مجرداً محلقاً معوّماً خارج (التحديد). [كل شيء رمادي، حيطان رمادية وطرقات رمادية. والناس،… الأعمدة الكهربائية، السيارات، الأضواء والوجوه. كل شيء رمادي، وأنا أقف.]/ ص9. فالمكان حاضر في كل مفردة وجملة هنا، بدلالاته. ولكنه يبقى غير محدد. ويمكن تأمل (شدهة) الكاتب غير الوجيزة، وهو يضع جملته الأخيرة. (وأنا أقف). فقد وقف فعلاً واستغرق في (صفنة) طويلة داخل المكان والذاكررة(*)، ليزداد إصرارراً وتصميماً، على تعويم المكان على الورقة، وترك الأحداث تنزلق من الشمال لليمين ومن الشرق إلى الغرب، بين نيويورك ونيوبيروت. [المكان يشبه سينما “الأمبير”.. لكننا لسنا في سينما “الأمبير”…. وقفنا خارجاً، اتكأنا على الحائط..]. أي حائط؟!!.. هل يمكن لحرب أن تخلق كل هذا الاستغراق والتوحدّ في (المكان)، بحيث يغيب الانسان في المكان ويغيب المكان في الانسان، ويصير كل منهما دالة لـ(الآخر) على طريقة الصوفية الباطنية. هل يفعل الياس خوري هذا. هل (رائحة الصابون) المكتوبة في نيويورك رواية نوستالجية؟.. هل تمويه وتغييب (المكان) في الرواية، انتقام مقصود من [نظرية] الحرب القائمة على تدمير البيئة؟. رغم كل شيء، يشعر القارئ بـ(نموّ) المكان داخل الرواية وأهميته الاستثنائية. ومن الممكن القول أن [ظروف] المكان، إذا تهيأ لأحد، (إحصاؤها)، لها تفوق ملحوظ في قاموس النص الروائي، إلى حدّ يقارب (ثلث) نسبة اللغة المستعملة في البناء. فالشارع والحجرة والسينما والمقبرة والبيت وسيارة الجنرال والسرير والمطبخ والحائط والتابوت والجسد، كلّها أمكنة. ولها سلطة مهيمنة في النص تنعكس في لا وعي القارئ، في تماهٍ مقابل داخل المكان. وإذا كانت الأصوات الأولى في الرواية نابعة من (المكان) - المغّيب- ودالة عليه، فأن الأصوات الأخيرة تعود إلى المكان وتلتصق به بصورة أزلية [تركني ومشى.. أصوات قدميه تقرع إسفلت الشوارع الخالية]. فالمشي، صوت القدم، القدم، قرع الإسفلت، الإسفلت، الشوارع، الخالية. كلها دوال على المكان وإشارات مركّزة، غنية عن الشرح والتفصيل. ولا وجود لها خارج (المكان). بدأت الرواية، في مكان عام، مفتوح، في شارع، أمام سينما، حالة من غربة ومصادفة وعلاقة مموّهة غير مخططة، وانتهت في (شوارع خالية.). في البداية كان عادل يقف لوحده. والكاتب يقف لوحده. في غربة تامة. وفي النهاية ينفصل الاثنان، غير المتحدين وغير الملتقيين أصلاً، [تركني ومشى..]. عودة لغربة المكان والجغرافيا والحياة. تقنية الرواية، ضمن هذا التصوير، تعتمد التدوير. خط يبدأ من نقطة ويعود لينتهي فيها ويذوب. وتنحصر أحداث الرواية بينهما. وهو ما يذكر برواية (خسوف برهان الكتبي) للعراقية لطفية الدليمي، التي تتناول دوامة (حياة) في ظل حصار التسعينيات، يبيع فيها المثقف كتبه من أجل لقمة (عيش).
*

عفوية النص أو اختزال الزمن..

قول أحد الكتاب الروس، أن “الروائي الذي يذهب إلى النص وكل شيء مجهز في ذهنه هو روائي فاشل”، قد يكون فيه بعض العسف، أو كثيره. لكن رواية (رائحة الصابون) وغيرها كثير من الأدب الجديد، تبدو أكثر انسجاماً معها. من الممكن الزعم هنا، بعدم وجود موضوع أو قصة مفبركة. أن الكلمات هي التي تخلق الحدث.. والكلمة تلد كلمة وحدث يستتبع حدث. والكاتب يستخدم إسلوب (الذهان) دون أن يفقد السيطرة على دفة الرواية. لأجل ذلك قسم (الواقع) إلى قسمين رئيسين، واقع مباشر يتمثل في (فيلم) يفترض أنه يعرض في السينما التي شوهد أمامها البطل/ الكاتب. وواقع غير مباشر كائن في ذاكرة القصّ. السينما مكان في الخارج. والذكريات نسبة مكان في الداخل (الوطن). وفي الذاكرة (المكان) ينقسم القص على عدة زوايا ومشاهد، عائلة الكاتب وعلاقة والده بماتيلد. جميل والعود وأمه و..، الكاتب ورفقة الحرب [غسان وعلي] ، هل للأسماء دلالة معينة تشير على البعد الطائفي للحرب!. في حقيقة الأمر، ان هذه الرواية المحتفية أو الحافلة بالمكان، تعاني من (فقر) في الزمان. ان الزمن في (رائحة الصابون) = (صفر). نقطة مجمدة في لحظة قدام سينما الأمبير.، حيث تبدأ الرواية وتنتهي بدون حركة الزمن أو القدم. أما الزمن الذي تتحرك عليك قماشة النص/ الفيلم فهو زمن (اصطناعي) داخل الفيلم أو (افتراضي) في الذاكرة. حالة من حالات الهذيان والتداعي بينما هو واقف ، لا ينتظر أحداً، يفترقان. يبقى لوحده. هذا التغييب (المقصود) داخل النص يمثل موقفا من (الراهن!). موقف من الحياة ومن النص في آن. كما هو موقف من المكان الكائن خارج المكان وخارج الجغرافيا. الياس خوري في (رائحة الصابون) يرسم يوتوبيا ذهنوية حلمية قائمة على التداعي و(فوضى الحواس) إذا جاز استعارة (تعبير) أحلام مستغانمي في هذا الخصوص. إشكالية أو (إشكالوية) المكان والزمان الخاصة جداً في النص يجعل منه نصاً (ذهنياً) تقدحه معالجة (تداعيات) واعية تؤرخ – كما نصوص أخرى- لحكاية [موبوءة] ما زالت تعجن كل شيء. تنهض فيه سلطة النوستالجيا وأصالة الموقف وعمق الانتماء واسترخاء الذاكرة.
اللجوء للذاكرة أتاح للرواية الغاء الحاجز الزمني بعد إلغاء حواجز المكان، فاتصل القص بأيام السيطرة (الفرنساوية) والجنرال وعهد الاستقلال والحرب الطائفية والشتات. وفي كل عهد تشابهت الرموز وتناوبت. في كل عهد كانت الإشكالية قائمة، لقمة العيش والجنرال والحرب، الزوجة والمومس، البحث عن الأبن (رمزية الابن!). فالأبن الأول (شقيق الكاتب) سافر إلى فرنسا ولم يعد. وابن (ماتيلد) سافر (ربما) كذلك. وابن المرأة (اعتذار) قتله أحد المسلّحين.
*

رموزية (الأبن) في النص..

لشخصية الأبن حضور طاغٍ في (رائحة الصابون)، في إشارة غير خافية لارتباط اليوم بالأمس ودفع أخطاء الحاضر حسب فواتير (خطايا) الماضي. فالكاتب نفسه، كما تكشف شخصية الراوي (صيغة المتكلم)، هو (أبن)، ولوالديه لحمة رئيسية في القصّ. وبقية الشخصيات آباء أو أبناء. حتى جميل البطل الوهمي بين فيلم السينما وفيلم الذاكرة هو أبن. [عندما نسألها عن إسمها تتحدث عن ابنها.]/48 فالاسم هنا تحديد للهوية [شو اسم ابنك حتى نقدر نساعدك]. وحتى ماتيلد [قالت أنها تنام معه لأنها تحبّه، لأنه يذكرها بأبيها الذي مات وهو يركض في الشوارع بحثا عنها.]/58. وفي قصة الأم [حكيت عن الولاد وبلشت تبكي]/59. [خيّك راح على فرنسا وانت بدال ما تغنى لاحق الفقرا وعامل اشتراكي وشيوعي وشو يعرفني، وبعدين نحنا شو طالعلنا من هالشغله]/32. وبطل القصة يحلم [سأتزوج عندما تنتهي القصة (تنتهي حكاية الطائفية ويبدأ الجديد). ساعتها أرفع قدمي إلى الأعلى -(تعبير مثنوي استعاري!)-، وأرتاح وألعب مع أولادي.]/75. وتتكرر صورة الأبن في صيغ التخاطب (اسمع يا ابني)32، [كلون يا ابني اجو لهون بس كلون كذابين.. روح يا ابني روح]47، (شو إسمك يا ابني)62. والملاحظ أنه في الحوارين الأخيرين، تتكرر جملة (ابني) في الحوار من قبل ماتيلد أو المرأة (اعتذار) التي ترمزان للمومس في مرحلتين، مرحلة الأب (الاحتلال الفرنسي)، ومرحلة الابن (الحرب الأهلية). ثمة تداخل وتشابه كبير في الحوارات بحيث لا تبقى حدود زمنية أو معالم مميزة لشخصية العلاقات داخل النص (المجتمع). فالمومس لها صفة الأم ولغة الأمومة منعكسة في الخطاب.
*

الفيلم والشخوص..

هذا التداخل والتماهي بين الشخصيات والحوارات ينفذ إلى نتيجة معينة، تتعلق بتقنيات الاخراج الفني للنص. فالرواية بدأت أمام بوابة سينما وانتهت في المكان نفسه. و الأحداث جرت بين النقطتين. مما يعطي الرواية صفة الفيلم، وكأن الأحداث انما جرت على شاشة بيضاء. وليس لها علاقة بالواقع فلا تترتب عليها أية تبعات. يؤيد هذا ما يرد خلال السرد من تفنيد وتمويه ومراوغة في الخطاب. [- دخلك يا إبني بتعرفوا لعادل؟ - مين عادل؟.. - عادل، الشاب المسلّح يللي بيحرس هون. هيدا ابن حلال. – ما أنا عادل يا خالتي. – صحيح، يقطعني كيف نسيت، نسيت كان بدي إسألك عن أبني. – شو إسم إبنك؟..- اسمه عادل شو باك صرت تنسى. – ووينو إبنك؟..- يا (ابني!) أوعا تكون أنت يللي قتلتلّي (ابني!). – ليش ابنك مات؟.. – لا بعيد الشرّ، ابني ما مات، ابني سافر بالبابور، بس ما عم يبعتلي مكاتيب. هيك الولاد، أنا كمان ما كنت ابعث لأمي مكاتيب. – ليش انت لوين سافرت. - قلتلك سافرت بالبابور. وابني كمان سافر بالبابور. بس يمكن قتلوه. – مين بدو يقتله؟.. المسلحين. يمكن أجه شي مسلح وقتله. – لا. المسلحين ما بيقتلو.]- 63-64. ان الحوار لا يجري بصفة التراسل والعفوية، وانما يتساوى فيه النفي والاثبات والقصدية والهذيان. وفي مكان آخر تقول له الفتاة [- أنت تكذب. – وأنا أكذب. لماذا لا نكذب. أنا لا أعرف أن أقول الحقيقة.]/35. فالحرب لا تلغي حدود الجغرافيا القيمية وطقوس الحياة العادية واللغوية، وانما تساوي وتماهي بين الأشياء. فلا يبقى لشيء قيمة حقيقية. وكل ما يسعى له الجميع البقاء على قيد الحياة.
هذا التماهي بين الشخوص والتفنيد الضمني المتواصل للأحداث، يجعل من الصعب على القارئ ، الامساك بورقة وتحديد نقاط عليها وربطها بخط أفقي. التعويل الرئيس هنا على الفكرة المتصاعدة نحو الأعلى خلل هذا المزيج والبخار المتدافع لا على التعيين. من الممكن تشبيه الحال بمسرحية يقوم بأدائها شخص أو شخصان أو حتى ثلاثة، يضطران خلال العرض لتبادل الأدوار لتمثيل أكثر من شخصية لاستكمال بنية النص. وإلا.. ما يبرر تشابه اسم المسلّح مع ابن المرأة (القاتل والقتيل). أو بين المرأة وماتيلد [كنت أنادي تلك المرأة ماتيلد، أنا لا أعرف إسمها ، ندعوها المرأة..]/48 . ولكن المراوغة الأخرى، هي حالة التماهي بين (عادل) وشخصية الراوي (السارد)/ 63، وهذا يقود إلى لقطتي البداية والنهاية في الفيلم/ الرواية. [عادل يقف. وأنا أقف]/ 9. واللقطة الأخيرة [ ضحك عادل، أنت تحلم، قال. تركني ومشى.]/89. بمعنى أن عادل والكاتب شخص واحد [يحلم (يهذي)!] وليس أثنين. وأن ما جرى يتعلق بشخصية (ذهانية) منشطرة (شيزوفرينينا). وهي حالة تكررت في روايات (دابادا) لحسن مطلك، و(إمرأة القارورة) لسليم مطر، و(مجرد أثنين فقط) لابراهيم نصرالله. كما يبرز مستوى آخر من التماهي بين الكاتب (الابن ذي الميول الشيوعية)/32 ووالده [أبي يحبّ ستالين]/29. وإذا صحّ افتراض أن الكاتب هو عادل وعادل هو نفسه المسلّح والمسلّح هو نفسه ابن المرأة، فأن المرأة في النتيجة هي أم (الراوي). وإذا كان عادل يدعو المرأة (ماتيلد)، فقد التقت شخصيتا ماتيلد و(الأم) في ذات واحدة، ساهمت كوارث الحرب في تشطيرها وفصلها عن نفسها و(سويتها). بمعنى آخر، يمكن مواصلة خيوط التماهي بين الشخوص، وصولاً إلى مفهوم الحرب (الأهلية)، أي تقاتل الأهل، وقتل الانسان لنفسه. الحرب بمعنى الانتحار [يا (ابني!) أوعا تكون أنت يللي قتلتلّي (ابني!).]. وليس من الصعب بعد ذلك، إعادة قراءة الرواية، أو تنقيطها وتوصيفها على الورقة وفق جغرافيا زمنية تستعرض تاريخ لبنان خلال القرن العشرين، وانعكاساتها النفسية والاجتماعية على الانسان والبيئة.
ان رواية (رائحة الصابون) القصيرة، والتي صدرت طبعتها الأولى عام 1985 ضمن مجموعة (قصص) [المبتدأ والخبر]، على درجة من التكثيف والايحاء، جعلتها حافلة بالرموز والدلالات، وبيئة خصبة للتأويل وتعدد القراءات، وليست هذه المحاولة، غير (مدخل) لتعددية القراءة.

ــــــــــــــــــــ
- رائحة الصابون (رواية)- تأليف: الياس خوري
منشورات دار الآداب – بيروت سنة 2000- ص90

• تكرار (الراء) في المفردة (رتم) مقصود من الكاتب، يحيل على [ذاكرة، حرب، اصرار،..].
• وديع العبيدي (1960) شاعر وناقد، مقيم في لندن. له عدة إصدارات شعرية ونقدية منها: أغنية الغبار، منفيون من جنة الشيطان، دخول في خبر كان، أنطولوجيا الشعر العراقي 1980- 2000 بعنوان (أحفاد جلجامش).



#وديع_العبيدي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- تلك الرائحة..
- قبل أن تبرد!
- رباعيات
- مثلَ عُودٍ يَحترقُ..
- شجرة اصطناعية
- العولمة (و) العمال.. حركة المفاهيم والتحديات
- ذاكرة السور
- لم تفرغ الكأس..
- مسكين من لا يعرف الحبّ
- أب
- لاجئ لدبليو ه. أودن
- (أطلس الغبار).. بين قلق المحلي وإشكالية العولمة
- - ظاهرة الهجاء في الشعر المعاصر-
- قصيدة [الوعل].. دراسة صوتية – سوسيولوجية في مادة الأسى
- أيام سائطة..
- أحلام مكّيسة
- المرأة العربية.. خطوات جريئة إلى أمام (2)
- المرأة العربية.. خطوات جريئة للامام.. (1)
- ضفاف داخلية
- صورة تخطيطية في حديقة


المزيد.....




- بالإحداثيات.. تردد قناة بطوط الجديد 2024 Batoot Kids على الن ...
- العلاقة الوثيقة بين مهرجان كان السينمائي وعالم الموضة
- -من داخل غزة-.. يشارك في السوق الدولية للفيلم الوثائقي
- فوز -بنات ألفة- بجائزة مهرجان أسوان الدولي لأفلام المرأة
- باريس تعلق على حكم الإعدام ضد مغني الراب الإيراني توماج صالح ...
- مش هتقدر تغمض عينيك.. تردد قناة روتانا سينما الجديد على نايل ...
- لواء اسرائيلي: ثقافة الكذب تطورت بأعلى المستويات داخل الجيش ...
- مغنية تسقط صريعة على المسرح بعد تعثرها بفستانها!
- مهرجان بابل يستضيف العرب والعالم.. هل تعافى العراق ثقافيا وف ...
- -بنات ألفة- و-رحلة 404? أبرز الفائزين في مهرجان أسوان لأفلام ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - وديع العبيدي - الزمن نقطة والانسان دائرة..