أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عبدالوهاب النعيمي - في مشغل الفنان التشكيلي عوني سامي صياغة الواقع .. برؤية الحلم















المزيد.....

في مشغل الفنان التشكيلي عوني سامي صياغة الواقع .. برؤية الحلم


عبدالوهاب النعيمي

الحوار المتمدن-العدد: 2289 - 2008 / 5 / 22 - 04:40
المحور: الادب والفن
    



في مشغله المثقلة جدرانه بعشرات اللوحات الفنية، القابع في اعلى تلة ينبسط فوقها حي النصارى بمدينة زاخوالجبلية ،يحاول الفنان التشكيلي عوني سامي،خلق تركيبة فنية جديدة،تهدف الى اعادة تكوين مفردات منسية تمثل موروث بيئته وشعبه، في تلك المدينة الحدودية الصغيرة بقصدتحويلها الى اعمال واقعية ،بنمطية من التفاعل غير المباشر،مع حقيقة ذلك الموروث بمكانه وزمانه الماضيين ،متجاوزا الواقع المرئي الى واقع آخر اكثر شفافية،يعطي للعمل الفني انسيابية التعبير الحر لمكونات اللوحة ،بما تعبر عنه من مضمون مستمد من ذلك الواقع البعيد ، ولكن بتكوينات جديدة ،هي الاقرب الى روح العصر،بما تحمله من مضامين متطورة في الفعل والتكوين معا.

لقداعادالفنان في مشغله الجديد هذا تجربة ناجحة حققها قبل الآن، اي خلال فترة تواجده
( مغتربا ) في واحدة من مدن اقاصي شمال هولندا ، حيث اطل بتجربته الفريدة الاولى هناك، من خلال مشغله الاول الذي احتل صالون الشقة التي يسكنها في الطابق التاسع ضمن عمارة وفرت له اسباب الابداع باطلالتها على تشكيلة لونية متباينة في الاشكال الهندسية وانواع الاشجار وتفرعات الطرقات التي تتشابك مثل لوحة سوريالية يمتزج فيها اللون بالضوء ، وتتماهى اشراقاتها في ليل تمتد ظلمته من سماء المعبر ذي الخطوط المتوازية البيضاء في الشارع الذي اعتاد اجتيازه في صباحات الشتاء الهولندية القارسة البرد ، لتمتد الى تلك المدينة الجبلية الجميلة - زاخو - المنضوية في سفح جبل الجودي حيث استقرت سفينة نوح بعد طوفان الارض لتبدا من جديد ولادة الكون والانسان في اطرافها وفوق ارضها الطيبة الخضراء
صياغة جديدة للواقع من
خلال الكرافيـــــــــــــــــك
/////////////////////////////////
الكرافيك يعني للفنان عوني سامي اكثر من لوحة واكثر من تكوين واكثر من مضمون ، انه يعني تلك الصورة الحية المجسدة لتراكمات الهم المكاني والزماني عبر جراحات كثيرة توازعها الانسان في اماكن متباعدة وازمنة متفرقة ، قد لاتكون هي نفسها الاماكن التي تحتضن آلامنا في الزمن الراهن ، بل ان امتداد العذابات ظلت ملازمة للانسان في كل مكان وزمان عاش فيهما ، وان الاقرب تشكيليا لمثل هكذا انسان تعذب وقهر واغترب ثم مات هو الكرافيك ، انه يجسد مثل هذه الحقائق بالوانها الواقعية القاتمة .
في لوحاته حرص الفنان عوني سامي على التركيز والغوص في اعماق الفكرة والوجود وبناء الشكل معا ، معتمدا على خزين الذاكرة حيث الثراء المعرفي لموروث فكري وحضاري يشتمل الزمان والمكان في ان واحد ، صورة تعقب صورة عن تلك الوجوه التي ظلت معلقة ، بل وظلت شاخصة ومرسومة في ذاكرة الفنان مذ كان صبيا في الابتدائية حيث بدأ يداعب الطين لابتداع وتكوين مرئيات من واقعه حاول ان يصوغها اشكالا فنية ، ومن ثم بدات مداعباته للفرشاة واللون وهو يحاول محاكاة
( بورتريت ) لفتاة رسمها الفنان الهولندي بان فرمير ، بما يمتلك او بما تواجدت بين يديه من ادوات بدائية هي عن اصباغ دهنية تستخدم في طلاء الشبابيك والابواب ، بعد ان احكم قفل الباب على نفسه في غرفة صغيرة، خشية ان يراه احد من افراد العائلة، فيمنعه من ممارسة حقه في الهواية التي احب .
هذا الخزين المعرفي في الوجوه والاماكن انتقل معه من مرحلة الصبا الى مرحلة الشباب لاحقا ، حيث وجد في مرسم المتوسطة التي درس فيها ضالته من خلال استاذ مادة الرسم انور جزراوي الذي مهد امامه سبل الدخول الى مرحلة الحلم" معهد الفنون الجميلة في بغداد" حيث اختار في السنوات الاخيرة التي سبقت التخرج مادة الكرافيك لانها شكلت جزء من همومه الفنية وكانت هي الحاضرة في ضميره ووجدانه دائما .
فهو كما يقول : انه ابن البيئة ولهذه البيئة الغنية بما تمتلكه من صور وتناقضات والوان صارخة او قاتمة ، شكلت نشأته الاولى وساعدت حالة البحث والمغامرة والتمرد في نفسه على المواصلة والاصرار للاتيان بشيء فني كبير على الرغم من حالة الاحباط التي واجهته واحاطت به وقيدت خطواته لكي لايمتد الى افق اوسع في الحياة الفنية ، وبدلا مما يتقدم كما كان طموحه ، فانه توقف ، لا بل تراجع امام هول الفاجعة التي اطاحت بكل اماله وتطلعاته الفنية التي كان يأمل من خلالها تحقيق ذاته في سلم الصعود نحو القمة فيها.

الغربة انعطاف نحو التألق
الفنان عوني سامي كما المح في اكثر من منبر ثقافي واعلامي وجد ضالته مجددا في ارض بعيدة عن ارضه ومدينه شمالية باردة لاتشبه ولاتمت بصله لمدينته التي ولد فيها وترعرع وهوى واحب وغامر ورسم وحلم وعاش مرحلة الشباب بكثير من السرابية والتطلعات نحو افق بعيد لم يتحقق سوى في هولندا حيث ركن في شقة تطل علىالعالم الجديد الذي راح يتطلع الى مفرادته بجدية، يختزن منها مايراه مجديا لحياته وفنه ويرفض الترهات وصغائر الاشياء، وهو بما يمتلك من رصيد الموهبة مقترنة بدراسته الاكاديمية ، ابتدا رحلته، وهي (باعتقادي)الرحلة الاولى في مساره الفني اذ ان ما حققه في العراق سواء على مستوى مدينته الحدودية الصغيرة زاخو او على نطاق العاصمة بغداد بما تمتلكه من مسالك فنية متعددة مثل معاهد وقاعات العرض وورش الرسم وتعدد المدارس والوجوه الفنية الكبيرة التي كان لها شانها الكبير والثقيل في ذلك الوقت ، فانه لم يحقق ذلك الطموح الذي راوده، بل انه لم يحقق ايا من مخططاته الفنية التي اعتمدها كمفردات متعاقبة
لبناء كيونة مسيرته الفنية التي كان من المفترض لها ان تتفتح وتنمو وتتالق في سماء بغداد سواء على مستوى النتاج الفني او على مستوى العروض بمعارض نوعية او تخصصية، توثق خطواته نحو مستقبل واعد يؤسسه على ارضية ثابته ورصينة في الكرافيك الذي اختاره واحبه
في بغداد لم يتمكن بسبب ظروفه القسرية ان يحقق ذاته كما حققها في هولندا من خلال تفاعله الحاد ،الاكثر ايجابية مع الحالات الغائبة عنه والبعيدة عن مرمى بصره، مستخدما الذاكرة بما تحمله من خزين الاشياء ، المكان ، بما يزخر به من موروث سواء في بغداد – المدينة الواسعة المتعددة الاشكال والصور- او في زاخو المدينة الاصغر والمحددة الصور والمفردات.. في الغربة نهل من الذاكرة ذلك الخزين الكبير من صور الموروث، ليشكل من خلالها مجمل منتجه الفني، في حالتي الوعي و اللاوعي معا ،حيث المعاناة الحادة التي تختلج في صدره كمغترب يعاني البعد او يعاني ظروفا صعبة في استحضار الموروث الايجابي الذي حمله عبر الذاكرة الى زمن الغربة خارج الوطن
يقول الفنان عوني سامي :ان الغربة تجعلك تستحضر بقوة خارقة جميع الحالات المرئية السابقة وانت في حالة تأمل ذاتي. وهذه تعد احدى الحالات الايجابية التي تحفزها اجواء الغربة للمغترب وخاصة اذا كان فنانا او اديبا ، فان حالة التامل الطويلة، تخلق فرص الابداع وتحقق فعله من خلال الحالة الجديدة التي يمر بها المغترب وهو في طريقه الى تأسيس وجوده ضمن تلك الحالة وظهوره وتألقه وابداعه في مجتمع غريب عنه، كل مفردة من مفردات المجتمع الجديد تحقق عونا للمبدع في ساحة العطاء الذي عادة مايكون كبيرا وغير محدود اومقنن في مجمل فعله اليومي
ان مجرد الانبهار في الاشياء تعد حالة خلق وتجديد للمبدع أيا كان موقفه في جوانب الابداع، وعين المغترب تلتقط دائما غرائب الاشياء وتبحث في كل مشهد جديد عليها، فهي تستقي الوجه الاخر للطبيعة التي قد لاتشعر بها عيون مواطنيها في ذلك المكان، وهذا الاستيفاء يقود المبدع الى استمرارية التواصل من خلال تفجر احساسه للمشهد الجديد والمكان الجديد والوجوه غير المألوفة ومجمل المشهد العام الذي يظهر للعين في حركة الناس ، ملبسهم ، عاداتهم ، فهذه المفردات الجديدة تخلق في نفس الفنان تحفزا اكثر للابداع
ان مفردات الفنان عوني سامي كما يشير اليها بوضوح الناقد التشكيلي العراقي كريم النجارالمقييم حاليا في هولندا والذي لازم الفنان في مجمل عطائه اليومي ، هي تشكيلات تجريدية تنمو وتتسع وتتردد وتكاد تغطي مساحة امتار ممتدة لكنه، وهو سبب راجع لطبيعة المكان وظروف العرض يكثفها ويربطها بعمل صغير لايتعدى المتر متفجر بالافكار والصور واللون والخط ، فمن استرجاعه للمفردات التي تحفل بها القرى والمدن حيث النهر والشلالات الصغيرة وبيوت الطين والصفيح المتاكسد التي علقت بذاكرته، الى خطى الطرقات واشواكها ووعورتها، الى براءة الصبايا ووقت الحصاد والرعي وزرائب الحيوانات ومزاغل الطيور، في كل بيت تتجمع لديه بشكل هائل لكنها مموهة الخطوط والاشكال كما تتوضح اكثر في تجربته الكرافيكية التي امتدت على مساحة كبيرة من الزمن حيث قدم اعمالا في غاية الاتقان تزدحم بالافكار والمأساة معا ، فهو لايحب التشخيصية بقدر بناء العمل واعادة رؤيته من جديد كأنه يثبت لنا ان بالامكان صياغة الواقع مرة اخرى لكن بتشذيب واسئصال ماعلق في الحياة من مأس
الفنان عوني سامي بعد عودته الى بلدته الاثيرة زاخو اراد ان يعوض عما فاته في الماضي ولم يتمكن من القبض على مفرداته حين كان بريعان الصبا والشباب، وهذا التعويض يكون بديلاعن حرمان الفتي الذي حرم من اشياء كثيرة وفقد فرصا اكثر واضاع من عمره سنوات طوال في البحث والتنقيب عن كيونة يحدد فيها هويته، حتى وجدها بفعل الغربة في مشغله الاثير في هولندا الذي ازدحم بكبار الشخصيات من السياسين والفنانين والادباء ،ونال اعجاب من زاره من الهولنديين والعراقيين المغتربين ، وغيرهم ..اراد ان يضع نجاح تجربته هذه، وايجابية فعله الفني الكبير الذي حقق له هوية فنية متميزة وحقق له الحضورالفاعل في معظم قاعات العرض وصالاته في هولندا ويوغسلافيا وكندا والمانيا، اضافة الى حضوره القابل والذي يعد له حثيثا لاقامة معارضه الشخصية في عواصم العالم الاخرى.
اراد ان تكون تجربة الغربة ممرا لفعل قابل بعدان وضع اولى خطواته على ارض الوطن متحفزا بنجاح تلك التجربة الفريدة لتعظيم فعلها في واقع مدينته زاخو، فأسس (مركز الكرافيك) فيها ليكون عونا لكل محبي الفن من تلامذة صغار، مايزالون في مقتبل حياتهم، او رجال اضاع عليهم الزمن فرص التعليم اوالدرس، في مجال الفن، فجاءتهم الفرصة مؤاتية الان، لذلك نجد ان الفنان عوني متفائلا بمستقبل مشغله كثيرا فهو يتطلع الى ان يكون نواة لمعهد فنون اواكثر من ذلك ،ان يكون بمثابه معهد او متحف ومركز حضاري يستمد فيه الانسان في مدينة زاخو كل تطلعاته الفنية التي لم يرها الاعلى شاشات التلفزة او في صالات المدن الكبيرة ، حيث تتهيب اقدام ابناء المدينة الصغيرمن اختراق ابوابها اوالتواجد فيها.
انها رغبة الفنان وهذا المركز هواحد تطلعاته الكبرى نحو افاق المستقبل المفتوح ، حيث تكون حصة المدينة الصغير متنوعة في العطاء مفتوحة الافق في مجال الابداع الانساني الشامل
*صحفي وناقد فني من العراق



#عبدالوهاب_النعيمي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295





- -كلاب نائمة-.. أبرز أفلام -ثلاثية- راسل كرو في 2024
- «بدقة عالية وجودة ممتازة»…تردد قناة ناشيونال جيوغرافيك الجدي ...
- إيران: حكم بالإعدام على مغني الراب الشهير توماج صالحي على خل ...
- “قبل أي حد الحق اعرفها” .. قائمة أفلام عيد الأضحى 2024 وفيلم ...
- روسيا تطلق مبادرة تعاون مع المغرب في مجال المسرح والموسيقا
- منح أرفع وسام جيبوتي للجزيرة الوثائقية عن فيلمها -الملا العا ...
- قيامة عثمان حلقة 157 مترجمة: تردد قناة الفجر الجزائرية الجدي ...
- رسميًا.. جدول امتحانات الدبلومات الفنية 2024 لجميع التخصصات ...
- بعد إصابتها بمرض عصبي نادر.. سيلين ديون: لا أعرف متى سأعود إ ...
- مصر.. الفنان أحمد عبد العزيز يفاجئ شابا بعد فيديو مثير للجدل ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عبدالوهاب النعيمي - في مشغل الفنان التشكيلي عوني سامي صياغة الواقع .. برؤية الحلم