أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - حسن مدن - عن الصفح والغفران














المزيد.....

عن الصفح والغفران


حسن مدن

الحوار المتمدن-العدد: 2287 - 2008 / 5 / 20 - 11:05
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


بعد خروجه من سجنه الطويل لم‮ ‬يدعُ‮ ‬نيلسون مانديلا إلى الانتقام من جلاديه هو شخصياً‮ ‬ومن منتهكي‮ ‬حقوق بني‮ ‬جلدته من السود في‮ ‬جنوب إفريقيا إنما دعا إلى الصفح‮. ‬لكنه قال أيضاً‮: ‬نعم للصفح،‮ ‬لا للنسيان‮. ‬ قريبة من هذه العبارة عبارة أحد المعارضين في‮ ‬بلد أوروبي‮ ‬شرقي‮ ‬مكث طويلاً‮ ‬في‮ ‬السجن،‮ ‬تقول‮: "‬عفو عام‮.. ‬لا فقدان للذاكرة‮". هذا السلوك المتسامي‮ ‬على الجرح من قبل الثوار أو الرجال العظماء الذين تعرضوا للأذى‮ ‬يُذكر بمقولة لكارل ماركس فحواها أن ضحايا الاستغلال هم الأقدر على التمتع بما‮ ‬يدعونه الأخلاق الكونية‮. ‬إنهم أكثر حساسية من جلاديهم ومستغليهم تجاه القيم الإنسانية العليا،‮ ‬لذلك فإنهم من‮ ‬يظهر نبله واستعداده للغفران والصفح‮.
يبدو نيلسون مانديلا بالذات واحداً‮ ‬من هؤلاء المشبعين بتلك القيم الكونية التي‮ ‬تشرّبها من قراءاته المبكرة للفكر اليساري‮ ‬سنوات شبابه،‮ ‬لذلك فإنه بعد خروجه من السجن مرفوع الرأس رسم لنفسه هدفاً‮ ‬يقضي‮ ‬لا بتفكيك جنوب إفريقيا وإنما بالعمل على إدماج السود فيها،‮ ‬وحين أصبح في ‬موقع السلطة ممثلاً‮ ‬للأغلبية السوداء سعى لإدماج البيض في‮ ‬النظام السياسي‮ ‬الجديد الذي‮ ‬جاء هو على رأسه‮.‬ لقد أدرك برهافة الثائر وبعد نظره وتكوينه الإنساني‮ ‬المنفتح والواسع الأفق أن العقاب والانتقام‮ ‬يمكن أن‮ ‬يقودا البلاد الى مخاطر كبرى،‮ ‬وإلى جانب هذا التقدير السياسي ‬الصائب أظهر مانديلا نبله الشخصي‮ ‬المثالي‮ ‬الذي‮ ‬فيه شيء من نبل القديسين‮.‬
برأي‮ ‬جاك دريدا أن الصفح عن أشياء قابلة للصفح عنها ليس هو الصفح بحد ذاته،‮ "‬فما هو قابل للصفح مصفوح عنه مقدماً‮". ‬المعضلة تكمن في‮ الصفح عن الأشياء التي‮ ‬لشدة فداحتها لا تحتمل الصفح‮. ‬ومن هنا تجيء أهمية العبارة المدوية لنيلسون مانديلا‮: ‬نعم للصفح‮.. ‬لا للنسيان‮.‬ ذلك أن الصفح قرين الذاكرة الحية،‮ ‬فالصفح لا‮ ‬يتم بتذكر واستحضار الأعمال الشريرة كما وقعت من دون المساس بتفاصيلها،‮ ‬وإنما باستحضارها،‮ ‬كما وقعت من دون رتوش أو ماكياج أو تلطيف،‮ ‬وفق الشرح الذي‮ ‬كان دريدا قد بسطه وهو‮ ‬يتناول الموضوع‮. ‬
أما مواطنه إدغار موران فيرى أن الأمم العظيمة لا تستذكر فقط اللحظات المجيدة في‮ ‬تاريخها وإنما تستذكر كذلك اللحظات القاتمة والمعيبة،‮ ‬تلك التي‮ ‬يمكن أن ندعوها البقع السوداء في‮ ‬هذا التاريخ،‮ ‬لا برغبة مازوخية في‮ ‬إعادة تعذيب الذات بتذكر عذاب سابق،‮ ‬وإنما برغبة العظة واستخلاص الدروس لكي‮ ‬لا تنشأ مجدداً‮ ‬تلك الظروف التي‮ ‬أنتجت تلك المعاملة الحاطة بكرامة الإنسان‮. ‬
لا تبدو هذه الأفكار مجرد تهويمات نظرية،‮ ‬وإنما تتصل بمعضلات تواجه الكثير من المجتمعات،‮ ‬التي‮ ‬تعبر من مرحلة قمع الدولة وعسفها الى مرحلة التحول نحو الديمقراطية والتعددية السياسية‮.‬ فالمرحلة السابقة تلقي‮ ‬بكل ثقلها على الحاضر جراء ما ضجّت به من آثام وخطايا بحق الضحايا الذين كانوا معارضين لسطوة الدولة وانتهاكها للحريات العامة والفردية‮. ‬
وهو أمر مطروح اليوم في‮ ‬بلدنا البحرين أيضاً،‮ ‬حيث لا‮ ‬يبدو الصفح ممكناً‮ ‬من دون مداواة جروح هذه الضحايا عبر اعتراف الدولة بما اقترفته أجهزتها من خطايا بحقهم‮.‬




#حسن_مدن (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- المنبر ليس مجبراً‮ ‬على الموافقة على أجندة التيا ...
- توضيح من نقابي‮ ‬قديم
- على البرابرة أن‮ ‬يأتوا
- تشريعات مستنيرة لصحافةٍ‮ ‬حرة
- البحرين‮ ‬ ليست للأغنياء فقط
- عوالم مفتوحة
- حول مؤتمر اتحاد النقابات
- تعميم الفقر
- باب المجهول وقد انفتح
- عن خراب البصرة
- كلمة في حفل تدشين -القاموس الموسيقي- للفنان مجيد مرهون
- كلمة في يوم الوفاء
- انتفاضة مارس‮٥٦٩١‬
- إلى المبتهجين باستقلال كوسوفو
- ما قبل الدولة
- فضاء لن‮ ‬يعُد حراً
- فيدل كاسترو‮: ‬القائل لا
- -عودة- التعذيب
- فرصة أمام الدولة
- الأربعون مليون‮ ‬ دينار وحبة‮ »‬البن ...


المزيد.....




- أبو عبيدة وما قاله عن سيناريو -رون آراد- يثير تفاعلا.. من هو ...
- مجلس الشيوخ الأميركي يوافق بأغلبية ساحقة على تقديم مساعدات أ ...
- ما هي أسباب وفاة سجناء فلسطينيين داخل السجون الإسرائيلية؟
- استعدادات عسكرية لاجتياح رفح ومجلس الشيوخ الأميركي يصادق على ...
- يوميات الواقع الفلسطيني الأليم: جنازة في الضفة الغربية وقصف ...
- الخارجية الروسية تعلق على مناورات -الناتو- في فنلندا
- ABC: الخدمة السرية تباشر وضع خطة لحماية ترامب إذا انتهى به ا ...
- باحث في العلاقات الدولية يكشف سر تبدل موقف الحزب الجمهوري ال ...
- الهجوم الكيميائي الأول.. -أطراف متشنجة ووجوه مشوهة بالموت-! ...
- تحذير صارم من واشنطن إلى Tiktok: طلاق مع بكين أو الحظر!


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - حسن مدن - عن الصفح والغفران