أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سنان أحمد حقّي - خليف الأعمى وسرُّهُ الصغير!














المزيد.....

خليف الأعمى وسرُّهُ الصغير!


سنان أحمد حقّي

الحوار المتمدن-العدد: 2287 - 2008 / 5 / 20 - 10:03
المحور: الادب والفن
    



لا أعتقد أن قوام المدينة هو مجموعة الدور والمباني والأزقة بل هو مجتمعها الداخلي ، هو الثقافة الشعبية ومجموعة العادات والتقاليد والأعراف والطبائع الشعبية والعامة والمتوارثة، هو مجموعة الأشخاص ذوي السمات المميّزة والسلوك المشترك والمتداخل مع بعضه البعض.
إننا حين نزور مدينة مهما كانت صغيرةً أو كبيرة سنشاهد المظاهر الطبيعية ولكن الإطلاع على مخبرها ووجهها الخفي سيكون ممتنعا على الزائر فترةً طويلة وربما مهما طالت مدة زيارته إلاّ إذا فتحت المدينة لذلك الزائر ذراعيها كما يُقال فإنه حينذاك سيرى ما لم يتسنَّ له أن يراه من قبل.
تلك هي أهم مظاهر السعادة الحقيقيّة!
بلغني أن أحد حكماء الصين كان قد سُئِلَ عن السعادة؟ فقال السعادةُ هي في أن ترى ما لم تكن رأيته وأن تسمع ما لم تكن قد سمعته وأن تأكل(ربما تهضمَ) ما لم تكن أكلته ( أو هضمته) فقيل له وكيف السبيل إلى ذلك ؟ قال: في السّفر!
حتّى المدن التي نعيش فيها فإننا لا نفهمها إلاّ بعد أن نغوص قليلا في أعماقها ونتعرّف على بعض شخوصها الذين يُشكّلون سماتها وميّزاتها وملامحها التي تتفرد بها.
خْليف..!
ومن سفر الغوص في مدينتي البصرة أقدّم بعض الصور التي تختصّ بها وأترك الباب مفتوحا لأولئك الذين غاصوا عميقا في لجّتها الزرقاء وما أكثر ما استخرجوا لنا منها لؤلؤاً ومرجانا ومحاراً وأصدافاً تخلب الألباب.
أعمى يجلس في أحد الميادين يرتدي دشداشة بسيطةً يُخبركَ بالوقت كلما طلبت منه ذلك! وكلما مرّت سيّارة بالقرب منه ذكر بصوت مسموع رقمها واسم سائقها ونوعها بل ربما لونها ، وبعد ذلك يختم أجوبته بعبارة( عفية قلب لا يقرأ ولا يكتب!) ورجل آخر يُخبر عن الوقت أيضا ولكن بخطأ يسير ربما لا يتجاوز الخمسة دقائق في احسن الأحوال ، وآخرون لهم أخبار ونوادر كثيرة ولكن أغرب ما عرفته هو ذلك الأعمى المدعو (خليف) وهو تصغير خلف لقد كان خليف عجيبا غريبا فقد كان يميّز الناس عندما يقبلون عليه أو يقتربون منه ويحدس أشياء كثيرة غريبة وفي احدى المرات كان لي نسيب أراد زيارة خليف فقصده في البستان الذي يعمل فيه وكان خليف هذا يقوم بتلقيح النخل أي أنه كان فوق النخلة وعندما اقترب الزائر من النخلة صاح خليف : أهلا دكتور!إذ كان الزائر طبيبا
واكمل : يا أهلا، وهلاّ ورحّب ونزل بأسرع ما يمكن من النخلة
كان خليف يحب الطرب والمرح كثيرا ويقول لو سمعت صوت الطبل من بعيد تهتزّ فرائصي كما تهتزّ فرائص الجبان من القتال، ويتعاطى شرب المدام عندما يكون العرض مجانيا ،وفي إحدى المرّات راهن بعض ممن يعرفونه على قدرته على تمييز الموضع الذي يطلب توقف السيارة فيه على طريق أبي الخصيب وهو طريق كثير التعرج وقد كان أيامها أكثر تعرّجا بما يشبه المتاهة التي تعدّها بعض مجلاّت الأطفال، فأخبروه فقال إنه يستطيع أن يتعرف على موضع التوقف حتى لو شرب زجاجة عرق أبو كلبجة! كاملة وفعلا تمت دعوته إلى أحد النوادي بالعشار وبعد أن شرب زجاجةً من عرق ابو كلبجة كاملة تم وضعه في صندوق السيارة وأُقفل الصندوق تماما وساروا في موكب معه وعند ما بلغوا الطريق المتفرع من الطريق العام ضرب خليف بقبضة يده من داخل الصندوق بقوّة وصاح (نازل! نازل!) وما أشدّ دهشة الجميع الذين انفجروا بين ضاحكٍ ومتعجّب مندهش.
وربما يحفظ عدد من الناس لخليف نوادر كثيرة أخرى ولكنه من ناحية أخرى كان يخدم البستان العائد له ويزرع ويقوم بالتسوّق ولا يحتاج احدا لمساعدته ولم يتزوج أبداً بسبب سرّ صغير في حياته وما أنبله ! ذلك أنه كانت له أخت مريضة بمرض جلدي لا شفاء منه وأشفق عليها من تركها في مستشفيات العزل فأخفاها عن أعين الناس وخدمها طوال حياته بنفسه في مرضها وشيخوختها ! يُساعدها على قضاء حاجتها ويحممها ويطهو لها الطعام ويؤانسها بالحديث وأخبار الناس إلى أن قضى الله أمراً كان مفعولا.



#سنان_أحمد_حقّي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- خليف الأعمى وسرُّه الصغير!
- قولٌ على قول..!( في الماديّة الدايلكتيكيّة)
- حكاية المعمّر الحاج علي أبو سريح!
- توسيع دراسة الظواهر الدينيّة بين الماركسيّة والعلمانيّة ورجا ...
- ألتاريخ لا يُخطيء!
- بكم نبتدي وإليكم نعودُ ومن فيضِ أفضالكم نستزيدُ
- زكيّة الدكّاكة!
- إلى أنظار دولتي رئيسي مجلسي الوزراء ومجلس النواب الموقرين
- بأي حقّ..؟!
- ستراتيجية العصر..في كل (جوكه)لنا خيّال!!!
- إحنا سباع..! وشكّينا الكاع.
- قل أريب ولا تقل مثقف..!
- أمّتان!
- أخطاءٌ منهجيّة!
- قضايا المرأة والمزايدات السياسيّة!
- فنطازيا على فنطازيا
- الحرف التاسع والعشرون!
- رحلةٌ من محطّة قطار المعقل!
- مدنيّون!..وماذا بعد؟
- رِفقاً بِلُغَة السَّماء!


المزيد.....




- هتستمتع بمسلسلات و أفلام و برامج هتخليك تنبسط من أول ما تشوف ...
- وفاة الفنان المصري المعروف صلاح السعدني عن عمر ناهز 81 عاما ...
- تعدد الروايات حول ما حدث في أصفهان
- انطلاق الدورة الـ38 لمعرض تونس الدولي للكتاب
- الثقافة الفلسطينية: 32 مؤسسة ثقافية تضررت جزئيا أو كليا في ح ...
- في وداع صلاح السعدني.. فنانون ينعون عمدة الدراما المصرية
- وفاة -عمدة الدراما المصرية- الممثل صلاح السعدني عن عمر ناهز ...
- موسكو.. افتتاح معرض عن العملية العسكرية الخاصة في أوكرانيا
- فنان مصري يكشف سبب وفاة صلاح السعدني ولحظاته الأخيرة
- بنتُ السراب


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سنان أحمد حقّي - خليف الأعمى وسرُّهُ الصغير!