أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - ناس حدهوم أحمد - البسيط والهيئة العليا - 9 - سيرة















المزيد.....

البسيط والهيئة العليا - 9 - سيرة


ناس حدهوم أحمد

الحوار المتمدن-العدد: 2289 - 2008 / 5 / 22 - 05:06
المحور: الادب والفن
    



لم يعد بالجيب إلا بضعة بسيطات لا تفيد في شيء . العمل في تلك الفترة نادر للغاية . إسبانيا ضعيفة وباقتصاد ضعيف والعملة الإسبانية منخفضة بالمقارنة مع الدرهم المغربي بنسبة خمسين في المائة . لا أتوفر على مأوى وكذلك هو الشأن
بالنسبة لرفيقي . فأصبحت محطة القطار ( atocha ) هي بيتنا وقاعة الإنتظار هي حجرة نومنا لفترة زمنية محددة
في يومين أو ثلاثة . حتى مستخدمو المحطة إنتبهوا إلى تشردنا فكان عليهم أن يقوموا بطردنا . لكننا إكتشفنا مكانا
آخر للنوم داخل قطار مركون غير بعيد عن نفس المحطة بمقطورات فخمة كنا ننام داخلها مع بعض المشردين
من أبناء البلد . وفي النهار كنا نبحث عن العمل وأخيرا وجدناه . أحسست بفرحة عارمة عندما ضرب لنا المسؤول
موعدا في الغد لاستئناف العمل. أحسست وكأنني ولدت من جديد وشعرت بالأمان . كان العمل مرهقا ووسخا وصعبا
لكنني كنت سعيدا به . إنه عمل شحن وتفريغ وتوزيع الفحم الحجري على مخابيء العمارات وأماكن أخرى . ورغم
صعوبة هذا العمل فقد كان برنامج الشغل لا يخضع لعدد الساعات بل لعدد الحمولات المفرغة والمشحنة وبعدها يمكن
للعامل أن يغتسل ويذهب لبيته ولو في العاشرة صباحا وفي حالة مضاعفة الحمولة تكسب الضعف من الأجر. لهذا كان
العمل بهذه الشركة يتميز بالجدية والخفة والإتقان في شحن وتفريغ الحمولة وكان العمال يتفرقون على شكل مجموعات
وكل مجموعة تتكون من أربعة أفراد . وكنا أنا وصديقي عبارة عن صبيين بالنسبة للإسبان فكانوا يتهربون منا لعدم
خبرتنا وعدم قدرتنا على إنجاز العمل بمثل مستواهم . لأننا غير مدربين على هذا العمل الشاق. وحينما كنا نغتسل
تبقى عيوننا سوداء بدرجة مفرطة فنبدو كما لو أننا من الشواد الذين يكتحلون لتحسين مظهرهم . وهذه هي المشكلة
التي كانت تقلقني . لم نشتغل سوى أيام معدودة . فقد أصبح العمال يشنون الإضراب لامتناعهم عن العمل معنا . ولهم الحق
في ذلك فقد تساهلوا معنا أكثر من اللازم ولن يبقوا كذلك إلى مالا نهاية. حتى الإدارة تعاطفت معنا حينما لاحظوا مهنتي
بالجواز كطالب أو تلميذ ( estudiante ) خلال تلك الأيام المعدودة وقعت لي حوادث لا تنسى . في اليوم الأخير
تم إرسالي مع فوج من أربعة إسبان ورفيقي مع فوج آخر مماثل . إشتغلت من الثامنة صباحا حتى العاشرة ليلا لإتمام
أربع حمولات شحناها لنفرغها في مخزن ( تحت الأرض ) بعمارة شاهقة . ولأنني لا أتقن عملية الإفراغ فقد تم إنزالي
إلى المخزن ومعى أداة - الرفش – لكي أسهل المأمورية بساعدي مستعملا الأداة لإنجاز المهمة المضنية وكنت
أستنشق غبار الفحم الأسود وكدت أختنق وطلبت التناوب على هذه المهمة لأخرج من ذلك القبر لكن الثلاثة رفضوا بدعوى
عدم قدرتي على العمل وعدم إلمامي به. باختصار كان يوما أسودا أكثر من سواد الفحم لن أنساه طوال حياتي . وفي
العشرة ليلا إنتهى العذاب فقصدت الشركة كي أغتسل فكانت مقفلة . أصبت بصدمة صاعقة . رباه كيف أستقل الحافلة
وأنا على تلك الحال بينما أفراد الفوج لم أدري كيف اختفوا متعمدين تركي لورطتي . إنني على حال سيء لا يبدو مني
سوى أسناني البيضاء . كان موقفي أفظع مما يتصور وعلي أن أتدبر أمري في الوصول إلى الفندق الجماعي وهو عبارة
عن مأوى العمال غير قريب عن مكان وجودي . كان الوقت ليلا . خلال هذه الظروف القاهرة يستطيع الإنسان أن يبدع
حلولا لورطته لا يقدر على خلقها في ظروفه الطبيعية . إستحضرت في الحين الخطوط العريضة لجغرافيا العاصمة وبدأت
أخطط كيف أسلك بتلك الحال نقط العاصمة دون اللجوء إلى وسيلة المواصلات . وأخطط كيف أتسلل وكيف أختصر
التقاطعات كي أتفادى نظرات ودهشة الناس وجزعهم من حالتي . كنت كجندي في معركة يخشى الوقوع تحت نظرات العدو . وفعلا خرجت سالما بأقل الخسارات – رغم بعض المفاجآت البسيطة – وأنا أقطع المسافات الطويلة كاللص الذي
لم يسرق شيئا ولكنه في موقف لص . كنت أهرب من عيون الناس كالمجنون أريد أن أحقق هدفا واحدا بأي ثمن وهو
الوصول إلى المأوى الجماعي العمالي وسط العاصمة حيث العمال كالجنود ينامون كالعبيد في صالة شاسعة كأيام الحرب
خلال العالميتين . حيث يخرج العمال كل صباح في صفوف كل واحد يقبض على كسكروطه ويختفي إلى غاية المساء .
وصلت البنسيون وأنا لا أصدق بأنني وصلت لكنني كنت قد وصلت فعلا . لما رأتني السيدة المسنة التي تدير المكان صرخت لم تكن تعرف بأنني واحد من ضيوفها البؤساء لقد كانت حالتي حالة أسطورية . دخلت للإغتسال من غبار الفحم وأحسست بسعادة مدهشة وأنا تحت الماء الساخن أستعرض يومي التاريخي الكالح داخل ذاكرتي التي كانت
كآلة تسجيل راقنة . لقد نجحت في أن أصون كرامتي وأتجنب سخرية الماكرين والخبثاء أو إشفاق المشفقين .
حينئذ والصابون على جسدي أحسست في رغبة جامحة لكي أستمني ففعلت . أوقفت الرشاشة والتحفت بالمنشفة
ولبست لباسي ودخلت صالة الموتى وأخذت مكاني بجانب قبور الحياة ( هنا الإسبان هنا البرتغال هنا المغر ب هنا
الجزائر ) خليط من الأمم البائسة . دخلت في نوم عميق حلمت خلاله أنني على قمة جبل شاهق وأنا مهدد بالسقوط
أتفادى السقوط أتجنبه لكنه يرافقني في كل خطواتي ولكنني نجوت . ولم أسقط .
إستيقظت صباحا على إثر هزات خفيفة فإذا بي أمام علال وشخص آخر يضحكنا كثيرا بسبب كلامه وحديثه عن نسيبته
ليس له من حديث إلا عن والدة زوجته التي تركها بالمغرب تحرس لع الزوجة . أخبرني ( علال ) بأن العمال سيشنون
إضرابا ضدنا . وفعلا ما أن وصلنا الشركة تم استدعائنا من طرف الإدارة وأخبرنا المسؤول باستحالة العمل بسبب رفض
العمال لنا . توصلنا بأجرة الأيام التي بذمة الشركة ووقف طاقم الإدارة إحتراما لنا وصافحنا الواحد تلو الآخر ونصحنا
المسؤوول بأن نبحث عن عمل أفضل وأضاف بأنه مستعد لقبولنا من جديد في حالة عدم إيجاد بديل . كانت مجاملة إنسانية طيبة ترفع المعنويات فحسب . كنا نعرف بأننا لن نعود إلى هذه الشركة مهما كانت الظروف . وانصرفنا .



#ناس_حدهوم_أحمد (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- البسيط والهيئة العليا -8- سيرة
- البسيط والهيئة العليا - 7 - سيرة
- لحظة ضعف
- أبو الهول
- البسيط والهيئة العليا - 6 - سيرة
- سأكتب قصيدة
- البسيط والهيئة العليا - 5 - سيرة
- اللغو
- البسيط والهيئة العليا - 4 - سيرة
- البسيط والهيئة العليا - 3 - سيرة
- أوتار الكمنجة
- البسيط والهيئة العليا - 2 - سيرة -
- تيه ومتاهة
- للاعربية
- نفاق عل سهول المرآة
- وادي الزمن الأخير
- البسيط والهيئة العليا
- حان la esmeralda
- تيه وتفاهة
- سلوك


المزيد.....




- مصر.. الفنان أحمد عبد العزيز يفاجئ شابا بعد فيديو مثير للجدل ...
- الأطفال هتستمتع.. تردد قناة تنة ورنة 2024 على نايل سات وتابع ...
- ثبتها الآن تردد قناة تنة ورنة الفضائية للأطفال وشاهدوا أروع ...
- في شهر الاحتفاء بثقافة الضاد.. الكتاب العربي يزهر في كندا
- -يوم أعطاني غابرييل غارسيا ماركيز قائمة بخط يده لكلاسيكيات ا ...
- “أفلام العرض الأول” عبر تردد قناة Osm cinema 2024 القمر الصن ...
- “أقوى أفلام هوليوود” استقبل الآن تردد قناة mbc2 المجاني على ...
- افتتاح أنشطة عام -ستراسبورغ عاصمة عالمية للكتاب-
- بايدن: العالم سيفقد قائده إذا غادرت الولايات المتحدة المسرح ...
- سامسونج تقدّم معرض -التوازن المستحدث- ضمن فعاليات أسبوع ميلا ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - ناس حدهوم أحمد - البسيط والهيئة العليا - 9 - سيرة