أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - دعاء شقيرات - في الحافلة














المزيد.....

في الحافلة


دعاء شقيرات

الحوار المتمدن-العدد: 2286 - 2008 / 5 / 19 - 07:09
المحور: الادب والفن
    




عدّلت رأسي على مسند كرسي الحافلة مرة أخرى، وجلست باعتدال، حتى أطرد عن عيني خيالات النوم والنعاس التي بدأت تنصب خيامها على جفني.. وأخذت أبحث عن شيء أسلي به نفسي حتى أقطع هذه الطريق كما تقطعها عجلات الحافلة، وأخذت أتمعن في وجوه الناس الواجمة والتي يبدو أن جيوشا من النعاس قد حاصرتها وخيمت حولها، فاستسلمت هذه الأعين بدورها وراحت في سبات عميق على أنغام اهتزازات الحافلة العشوائية التي تداعب الأجساد المنهكة فتأسرها وتساعدها على المضي قدما في حكاية النوم...
أما من استطاع النجاة من هذه الشباك، شباك النعاس المحكمة التي يلقيها النوم على رؤوس الجميع.. فقد أخذ يفتح نافذة الحافلة تارة ويغلقها تارة أخرى، مرة يشكو الحر الشديد ومرة لفحة الهواء السريع، فلا يستقر على حال، وعندها أضحك -من فرط الملل- على هذه الحركات التي تتصنع الجدية والمبطنة بعبث متعمد، يحاول صاحبها أن يسلي نفسه أو يسلي الركاب الذين تجذبهم أي حركة يقدم عليها أحد الجالسين،، وأضحك أكثر بلا محاولة مني لكبت هذه الضحكات عندما أرى الرؤوس تتطاير والأعناق تشرئب وتتطاول والأعين تتمحور على باب الحافلة الأوتوماتيكي عندما يفتح ليلتقط راكبا جديدا أو اثنين من جنبات الطريق، فتتفحصه الأعين وتتفرس فيه جيدا، ثم يعود كلٌ الى حاله والى ما كان عليه قبل توقف الحافلة، وهكذا يمضي بنا السائق في كل يوم ويقطع بنا الطرقات على هذه الحال.
أشرقت شمس هذا اليوم الذي قطعت فيه الطريق نفسه وحضرت فيه محاضراتي الاعتيادية ثم قمت بواجباتي البسيطة التي كانت تأسرني خلف قضبان من الملل في دائرة مفرغة كحالي في كل يوم، وعندما أنهيت كل ما علي كان التعب قد أخذ مني كل مأخذ، فصرت أنتظر بفارغ الصبر ان أرمي نفسي جثة هامدة على مقعد الحافلة لأحاول ان أرتاح،، وهممت بالرحيل ولم أنس رداء الملل الذي كنت قد ارتديته بمجرد ركوب الحافلة،، اليوم وفي هذه الحافلة كل شيء مختلف؛ والوجوه غريبة ذات ملامح قاسية.. لم أتعرف على أيّ منها، وثمة شيء آخر مختلف يتعلق بنوعية الحديث الذي يتداوله هؤلاء الركاب، لكنني لم أعر هذا كله اهتماما ورحت أنتظر تحرك الحافلة، وما هي الا لحظات قليلة حتى خضع السائق لالحاح الركاب وبدأ بنا الحركة في باصه الضخم، تجاوز بنا المنعطف الأول الذي يوصل الى الطريق العام لمدينتنا، وهنا خيل إلي أنه سيسلك الطريق الأطول، وهذا ما أكدته في نفسي لما رأيته يسلك طريقا قديمة كنت أعرفها سابقا، ولكن هذا لم يمنعني من التساؤل: لماذا غير الطريق؟؟
لكن التعب الذي أثقل كاهلي منعني من مواصلة التفكير، ورحت ابتسم لجمال المناظر التي أراها في الخارج لأول مرة في حياتي، وهنا كانت الصاعقة: أيعقل هذا؟ هل يمكن أن أكون..!؟، سألت الفتاة الجالسة قربي بنبرة حادة وقلق جلي:
- أليست هذه الحافلة متجهة الى العاصمة؟
لكنها لم تفدني بشيء ، حيث غمغمت بكلمات أعتقد بأن مفادها كان أنها تركب الحافلة لأول مرة وأنها في زيارة لصديقتها.. وأشياء أخرى لم يكن عندي الصبر الكافي لسماعها،، التفت الى الوراء وسألت فتاة أخرى بنفاد صبر واضح:
- إلى أين تتجه هذه الحافلة ، أليست ذاهبة الى العاصمة..؟
فقالت:
- هذه الحافلة...مممممم.
ثم عادت لتغفو من جديد، فانتفضت من مكاني كمن لدغته أفعى سامة، ورحت أترنح في جنبات الحافلة المسرعة بي نحو اللامكان، حتى وصلت السائق وسألته:
- ألن تذهب الى العاصمة..؟
فعلت وجهه ابتسامة صفراء ونفى، ثم صار يكيل النصائح والتوبيخ الى الفتاة شاردة الذهن مشتتة الأفكار الواقفة امامه، واستجمعت أنفاسي وسألت بيأس:
- وكيف أعود..؟؟؟
حاول الرجل الجالس خلف عجلة القيادة – ذلك الرجل الذي لم أكن أثق به والذي كان يشعرني بالريبة لمجرد النظر الى شاربه الطويل والمفتول الى أعلى، والى عينيه اللتين أكسبهما الكحل سوادا مظلما كئيبا، ورأسه الأصلع-، باختصار كان هذا الرجل صورة عن الذئب البشري الذي كنت أتخيله ولم ألقه يوماً ، كانت مجرد صورة حبيسة خلف أسوار خيالي.. والآن تجسد هذا الخيال وجاء بوحشه ليجلسه أمامي في هذه الحافلة، حاول هذا الرجل طمأنتي قائلا أنه سيعيدني الى الجامعة اما معه أو مع حافلة أخرى متجهة الى هناك، وطلب مني أن أعود فأجلس مكاني، وهذا ما حاولته لكنني كنت أتقلب على جمر إتقد على لهيب أفكاري التي ضلت طريقها وأضلتني معها..، ولمعت في قلبي البائس بارقة أمل لما أوقف السائق حافلة ونزل ليحدث صاحبها، لكنه ما لبث أن عاد إلينا خالي الوفاض، وعاد ليحرك الحافلة ويتوغل بنا أكثر فأكثر في الشوارع الغريبة، وأنا أرقب كل هذا والأمل ينسل من بين أصابعي عاجزة عن جمعه أو إحكام قبضتي عليه، وهنا.. انطلقت الأفكار السوداء تنهشني؛ ماذا لو لم يكن هذا الرجل صادقا؟ ماذا لو أوهمني أنه عائد بي..؟ وتذكرت أنني لم أستيقظ لصلاة الفجر اليوم.. ورحت أستغفر الله وأسأله بكل عمل صالح قمت به أن ينجيني، وقفزت على قدمي المرتجفتين ثانية.. وسألته:
- ألا توجد طريقة أستطيع أن أعود بها من هنا أو هناك..؟
فأجابني بحدة:
- صارت الطريق الآن بعيدة، أنا سأرجعك الى الجامعة لا توجد حافلة عائده غير هذه ، الحافلة التي يفترض أن تعود ستذهب الى الضواحي، لا يوجد حل إلا أن تنتظري معي.
وتقطعت بي السبل؛ إن كان ما يقوله هو الصدق، فأنا فعلا أغرق في وحل هذه المصيبة..، هل سيعود بي حقا..؟ هل سيوصلني الى بر الأمان..؟ هل أثق به رغم شكوكي الكثيرة التي تحوم حول شكله...؟ ثم ماذا لو حل الظلام ولم نكن قد وصلنا بعد..، وصرت أحس كل من حولي يعلمون بأنني لست في مكاني الصحيح وكلهم يتربصون بي.. وعندها اخترت أن أنزل، سأنزل وأتدبر أمري كيفما اتفق.. وأي مكان سيكون أفضل من هذا يا ترى..؟؟؟، هما أمران أحلاهما مر، ومرهما سم زعاف أتجرعه وأنا أرى عينيه ترقبانني في مرايا الحافلة، لهذا علي أن أختار.. علي أن أنزل وليكن بعد ذلك ما يكون....

دعاء شقيرات
كلية الهندسة -الجامعة الأردنية





#دعاء_شقيرات (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295





- مصر.. دفن صلاح السعدني بجانب فنان مشهور عاهده بالبقاء في جوا ...
- -الضربة المصرية لداعش في ليبيا-.. الإعلان عن موعد عرض فيلم - ...
- أردوغان يشكك بالروايات الإسرائيلية والإيرانية والأمريكية لهج ...
- الموت يغيب الفنان المصري صلاح السعدني
- وفاة الفنان صلاح السعدني عن عمر يناهز الـ 81 عام ….تعرف على ...
- البروفيسور منير السعيداني: واجبنا بناء علوم اجتماعية جديدة ل ...
- الإعلان عن وفاة الفنان المصري صلاح السعدني بعد غياب طويل بسب ...
- كأنها من قصة خيالية.. فنانة تغادر أمريكا للعيش في قرية فرنسي ...
- وفاة الفنان المصري الكبير صلاح السعدني
- -نظرة إلى المستقبل-.. مشاركة روسية لافتة في مهرجان -بكين- ال ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - دعاء شقيرات - في الحافلة