أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سعيدي المولودي - ذكر ما جاء في باب التفويت















المزيد.....

ذكر ما جاء في باب التفويت


سعيدي المولودي

الحوار المتمدن-العدد: 2281 - 2008 / 5 / 14 - 06:57
المحور: الادب والفن
    



قالت"الحكومة"للقطاع الخاص: اضرب القطاع العام.قال القطاع الخاص:أنا ضاربه. قالت الحكومة: اضربه الضرب المبرح الشديد. قال القطاع الخاص: إني سأمثل به تمثيلا، وأفترسه افتراسا..
قالت الحكومة: طوبى لك، أنت المخصوص بسلاسل المحبة والتأييد وموائد الدعم، فاشدد قبضك، ولا تلن ، يا فولاذ امتدادنا، وانحر تاريخا يشدنا لقطاع يعمينا عن المدى وشهوة الافتراس...
وخرج القطاع الخاص في رحلة السيف، والصيف والشتاء، يلوح بالهوى العتيق، وبيعة هذه الدروب الساقطة في حمى الدولار، أسرج رغوته ومضى في نجواه يقطف الجذور اليانعة..

قالت"الحكومة": أنا عاشقة هذا القطاع الخاص، يفتتنني الماء الدافق من بين الضرائب ورسوم الفواجع الكالحة. فتحت بابها، والأحضان، وأعطاف النوافذ والممرات والأسواق، وقواديس الحريق، وصدرها المشرع لريح الشماتات ( يا صدرها القائظ، فضاء الموبقات ). كان قد جاءها هذا القطاع الخاص،أكل مخها، واصطادها كغيمة دخان، أطلقت ضفائرها البلورية، وغطت مرافيء الرحيل والإقلاع... سكن روع القطاع الخاص،أو انتشى، أطلق ريح الهراوات في غابات الوقت، استثار لعاب غبار الطرقات والمسارب وأجراس المدائن المغلقة ، الهادئة، الهائمة...

قال"الحكومة":حبيبي العاتي، أنت البدء، عليك توكلت، وإليك الرجعى، إني الوله الصائح، فلا تكن السراب... هذه طريقي ممدودة، فاركب شتاتي وخطوي في السراة، إني من هواك أكون أو لا أكون. فكن الشجرة التي تحجب هذه الغابات الموحشة الزاحفة..
اصطفق الهديل في سرو القطاع الخاص، بسط خطوه الرهيب مشدودا لخصر الحكومة البض، ربت على أردافها الملغومة، مسح دموعها الطينية، وهوت بهما السيرة في مدارج اللحام. قال وهو يكفكف لبالب الفرحة الندية عن كأس الاشتهاء:
ـ إني عبدك الشقي، أرضعتني هواك، يا ظلي الوارف، من خدرك أصعد يا رباب الغرة، نابك إذا ضاقت بي الحال. ضعي مفاتيح الكنز في شفتي، أنا آكل هذه المرار، أبني الرغبة في جوف الرغبة، وأصنع الرهبة في قلب الرهبة، وأحمي غمرات الربح في مسعاك...
ونضجت بحار صغيرة من الشرار في جسد الحكومة الذابل، عانقت خوذة القطاع الخاص، وسارا معا على شاطيء الغزو، يداها في يديه، وقدماها في قدميه، يضحك فتضحك حتى سقوف الوهم، وتفرش صدره بالولادات ورمل القوادم، والنبوءات الجارحة، وتملأ قلبه ثلوجا بيضاء تتأجج في أعواد السماء..

سنون قاضمة كالإعياء، والحكومة تملأ شيح راحتيها بذرات من الهوس والأمل القارس، تدفع بالتي كانت أهول، تعري الأشجار من أوراقها،ومن خضرتها الفاتنة، وتنتف ريش العصافير من ربيعها، أطبقت في سيرتها قبضة القوي على الضعيف كالجفن، وارتدت أطباق الغلاء المترسب في مرايا الحاجات، واندلقت صحراء الضوء في صحون الكبار. سلت الحكومة يديها من كل شأن، واشتعلت فينا حروب الكساد ومفازات البطالات وعوادي البطانات. رقد التاريخ مهلوكا، ونام رجع الحكومة على انطفاء السواعد القابلة، استحال الغيث في دوالينا عيثا، وتولت الأعناق نحو جحيم تتوجس الأنهار طوفانه. لم يبق في امتداد القامات غير صقيع اللي ، والكي والشي...
من حجر الأخمص لثمرة الرأس تعرونا جوارح البلاء، نتساقط في مخالبها كمطايا الجراد، حصادا ينزف الدم المهدور، والعشب الأعزل. تمتصنا هوادة الأسعار النافذة لأقطار السماوات، وشرفات الضرائب الصفيقة، والقيم المضافة لرأس مال الزحافات التي تفرخ في لهب الساعات وأعشاش الرغبات. في كل خطوة فأس ضريبة تحفر، كل دمعة قذيفة يأس. في كل بيت موج عاطل، وفي طلقة كل صباح عصا نذيرة بالرحيل، تكر على الجدران وأصابع قوة الشراء، حطب البلدان، تغرينا النار في وريف الهواء، تحت نير الإخطبوط الصاغر الراقد في تجاويف العادات، يقرض الطرقات القرض الغادر.. دم الأفق المراق على شجر الظهيرة ترميه دواب الربح المعصوب، السارح وراء جريد الفقراء يصعد في مائهم كالمعجزات ترشح أملا وإحصاء لنباتات الأنفاس، كما تفعل دورات الماء السائح للشرب.... في الظل والشمس تنتابنا السطوة وتهتز أباريق المعاناة، وفي كل رجع الأصداء توقظ الحكومة زلازل الرنين وكلام الفضة، والوعود المدفونة في زئير القرن الواحد والعشرين. وماذا فعلت في العشرين؟ وما عساها أن تفعل في الواحد والعاشر بعده؟... هكذا يبدأ الحلم: الصحة لكل الأبواب، والحليب المعقم لكل الجائعين، والنعيم للجميع.. والجميع للجميع.. من لا يملك شهوة القبض على جمر الراهن فليركب وطأة الآتي. في قيعان العجز لا تهون سوى لغة الحلم، والعاجز أبدا لا يمكن إلا أن يكون حالما. هذا أوان الشد، فطوبى لكل أحصنة الحروب السرية الساخنة والباردة..

قالت "الحكومة": ألا في سبيل الربح ما أنا فاعلة. رجت في صديدي أفواه الجفاف وصلصال السنوات العجاف، ومات صرير الغيث في أحوال الطقس، وارتفعت أعواد الدولار في سوق الأنقاض والبورصات الحائضة.. لا يقر قرار هذا المارد المولع بغبار البطولات، كل قطرة دم تحتمي بالدولار، أبانا لا تقطف الكوة التي تشدنا. هربت من نبعنا وشوشات النفط مفاتيح الرغد ودعة الأحجار، فشدوا الأنفاس حتى عناد الموت. إنما قدر الرايات أن ترتفع إذا الدولار ارتفع، وإذا النفط انهمر، وليس للفقراء غير هذه الكآبات التي تثمر وتزهر في يقطينها جيوب الوسطاء الساحقة، وبطون سماسرة النزيف الزاحف..

قال القطاع الخاص: إني الباري، الباريء، تذرفني عزة الأرض المورقة، على غير عجلة، كلما انغلق نجم الريح، قلت للربح يأتيني، فأقتلع من فجره رماد هذا الوقت، كل مرمى يفتح لي مدائن المسيل، أحمي الشجرة والهواء الراقص، والبقرة والطفل والقبرة، والصدر والقفا، والمقبرة، صمام هذه الأزمنة الواقي، وبدر هذه العشايا الحالكة، أقطع دابر الوقت الضاج، وأرسم تاريخ الظفر، حامي السلة، والقلة، والعلة، باب التخمة وقلعة الكنوز، أسترق نوارس الصباحات من توابيت اليقظة، كلما أمسكت برأس الخيط تمادت البشرى في الضفاف، وارتجت غمرات الانبهار، أبني عروة المحال في خردة اليباب، إني البدء ـ النهاية، أمشي أماما، وكل غبار الغايات يبرر زبد الوسيلة...

قالت "الحكومة": طوبى لك أيها البدر الساطع. أنا اصطفيتك، بايعتك على البلوى حتى مطلع الخزي، قد أوقعني طريقي في طوافات الزيغ، انفلت الصبر من حديدي. أنا من كان بيتي زجاجا ورميت الفقراء بالحجارات، ووقف شيخي والحمار في نسيج العقبة. أنت القطاع القاطع، لك أن تقطع صلتي الآن بكل عباب الأوزار، وأن أستظل هبوبك.. لك الخلف والأمام، والفوق والتحت، والما بين، لك السماء وخلود الأرض، حريتك تبدأ من طلوع الفجر ، ولا تغرب بغروب الشمس، فافتح جذوة ذراعيك، والأبواب على المصاريع. هذه فرصة العمر، أخليت لك الساحات، والأجواء فاملأني فيضا ودلالا، كل المخططات تتهاوى من قبضتي كحفيف الحرب الوشيكة على الانتهاء، فامدد شظاياك، قد تموت في ربيعي كومات الأرقام... آه، كم أورثني هذا القطاع العام بذور الهوان...

قالت" الحكومة ": أتدري ما القطاع العام؟ القطاع الآكل،الجامد، المتجمد، الميت، العابث، السافل، الراشح بقلة النفس، أوردني مر المنتظر، وانقطع خبره إلا من ثلاث: مزيدا من العناء، ومزيدا من البلوى، ومزيدا من الأعباء. آمره فلا يأتمر، آخذه فلا يأخذني، أبدأه فيبدأني، يا ما أهرقت ودي في لظاه، هو البارد القلب، ويوليني الأدبار، ويكبح جماح الجرعة في عزائي. ضاقت به الرأس وأعطاف النفس، فأطلق عنان الهواتف، أنت وحدك الساعد الأسعد... لما قضينا منه الوطر فوتناه لك، كي لا يكون علينا حرج..

قال القطاع الخاص: على رسلك أيتها الحكومة الدائلة، الحبلى بالأقدار، أنا عبدك الطائع، فحا الينابيع الشامخة، سأدك رايات هذا القطاع العام دكا، وأعلمه لهيب الرماية، وأثأر من سنوات اليباب، أنا من لا يبقي ولا يذر، المخصوص ببراري الحظوة، المسكون بجيش الرغبة الجارفة في الانتقام: حق الميت أن نتولى مدفنه، وحق الساري أن نقطع عليه عناء الطريق، وحق المريض أن نعلمه فرط السقام، وحق العاطل أن نشغله عن الشغل، وحق العامل أن يسرح مع دخان المصانع، وحق الفلاح علينا أن نفلحه، وحق المأجور أن نهجره، وحق المواطن أن نستوطنه، وحق الحقوق أن نفتح خزائن التخمة والنهب الأعظم، فمن ليس قاطع طريق ليس منا...

وقالت الأطباء:
التفويت ذو فعالية كبيرة ضد الآفات الاقتصادية، له مفعول أكيد كمقو، وكمساعد على هضم شتى الحقوق، مضاد للتضخم، جالب للربح والراحة، وله مفعول مهديء في جميع حالات النوبات الاقتصادية، وقدرته على حل مشاكل التقهقر الاجتماعي معروفة، منشط ومقو عام لحالات الضعف والانحطاط السياسي والاقتصادي بشكل خاص، مقو للمبادرات الحرة، ومنشط معروف للقدرات الشرائية، فهو ينشط الصادرات ويطرد زوائد الواردات، وينقي شرايين التجارة الخارجية، ويعيد للمجتمع العافية كمضاد لانحلال طبقاته، وهو نافع لعلاج تقرحات البطالة، ودمامل قلة الشغل، وانعدام المرافق، فاتح لشهية المرابين، والمضاربين، وإذا احتملته الحكومة في ضيقها منع الأزمة، وينصح أن يكون في الظل حتى لا يفقد فعاليته، كما يجب التنبيه إلى أن التفويت لا يكون إلا من القطاع العام إلى القطاع الخاص، والعكس قد تنجم عنه مضاعفات خطيرة، وبسبب مفعوله الفريد فإن الحكومات تنصح باستعماله وقت الحيض. هذا، وثمة طرق عديدة لتمرير عمليات التفويت، ترجى فيها الدقة واستشارة أخصائيي صندوق النقد الدولي عند الاقتضاء، لكي يكون مستحضر التفويت أفضل للعلاج.

قالت" الحكومة": الحق ما شهدت به الأطباء.

1988.



#سعيدي_المولودي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- باب التدشين
- لماذا تأسيس نقابة بالتعليم العالي
- بصدد الجدل الدائر حول الإطار النقابي للتعليم العالي: -إصابة ...
- في أن تحويل إطار نقابة التعليم العالي إلى -جمعية- أمر مقصود ...
- في حضرة الإمام مولانا الغلاء
- في الحاجة إلى تأسيس نقابة للأساتذة الباحثين بالتعليم العالي
- رسالة مفتوحة إلى الوزير الأول
- ما تحت جلباب الإصلاح الجامعي ( 1 )-المراقبة- و-المعاقبة-المس ...


المزيد.....




- فوز -بنات ألفة- بجائزة مهرجان أسوان الدولي لأفلام المرأة
- باريس تعلق على حكم الإعدام ضد مغني الراب الإيراني توماج صالح ...
- مش هتقدر تغمض عينيك.. تردد قناة روتانا سينما الجديد على نايل ...
- لواء اسرائيلي: ثقافة الكذب تطورت بأعلى المستويات داخل الجيش ...
- مغنية تسقط صريعة على المسرح بعد تعثرها بفستانها!
- مهرجان بابل يستضيف العرب والعالم.. هل تعافى العراق ثقافيا وف ...
- -بنات ألفة- و-رحلة 404? أبرز الفائزين في مهرجان أسوان لأفلام ...
- تابع HD. مسلسل الطائر الرفراف الحلقه 67 مترجمة للعربية وجمي ...
- -حالة توتر وجو مشحون- يخيم على مهرجان الفيلم العربي في برلين ...
- -خاتم سُليمى-: رواية حب واقعية تحكمها الأحلام والأمكنة


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سعيدي المولودي - ذكر ما جاء في باب التفويت