أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - صبحي حديدي - صانع الشرائع














المزيد.....

صانع الشرائع


صبحي حديدي

الحوار المتمدن-العدد: 707 - 2004 / 1 / 8 - 03:43
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


قبل ثلاث سنوات تمكنت الحكومة التركية من تلقين الكونغرس الأمريكي درساً بليغاً في الأخلاق، أخلاق الكيل بمكيالين أوّلاً، ثمّ أخلاق التنقيب في ملفاّت التاريخ ثانياً. وكان الأتراك قد أجبروا الكونغرس ــ الذي أخذ أعضاؤه في حينها يأنسون في أنفسهم حسّ عضوية كونغرس المعمورة وليس أمريكا وحدها، وحسّ تمثيل البشرية قاطبة وكابراً عن كابر ــ على سحب مشروع قرار ينصّ على إدانة مذابح الأرمن.
وبالطبع لم يكن مشروع القرار يهدف إلى إدانة تلك المذابح لأغراض إنصاف الملفّ التاريخي، أو تعزية أحفاد الضحايا، أو لملمة جراح الماضي بما يتيح مصالحته مع الحاضر والمستقبل. كان مشروع القرار أقرب إلى إدانة ثقافية لـ "آخَر" تركي من حيث المظهر فقط، وشرقي/ مسلم من حيث المحتوي الحقيقي، على نحو يعيد تذكيرنا بطراز (كدنا نعتقد أنه آيل إلي انقراض) من الحروب الصليبية الثقافية بين "التراث اليهودي ـ المسيحي"، أي "الغرب"، و"التراث الإسلامي" الذي ينبغي أن يمثّل "الشرق" بالضرورة، وقسراً في معظم الأحيان. وباختصار، كان مشروع القرار كلمة حقّ يُراد بها باطل، وكانت الرائحة العنصرية والتمركز الغربي حول الذات تفوح من حيثياته وبنوده.
والأتراك هدّدوا بما يملكون من أوراق ضغط: تريدون إدانتنا؟ حسناً، إفعلوا! ولكن تذكّروا أننا لا يمكن أن نظلّ أصدقاء وحلفاء وأبناء خندق واحد بعد ذلك. ولقد كتبوا إلى الرئيس الأمريكي السابق بيل كلينتون يهدّدون، أوّلاً، بإغلاق القواعد العسكرية الأمريكية؛ وثانياً، بمنع الطائرات الأمريكية من استخدام قاعدة إنشلريك في أيّ نشاط عسكري ضدّ العراق (وغير العراق!)؛ وثالثاً، باتخاذ خطوات دراماتيكية لخرق الحصار ضدّ الجار العراقي. وكلينتون، بدوره، كتب إلى السادة أعضاء الكونغرس يقول إنّ مصالح الولايات المتحدة وأولويات أمنها القومي على المحكّ، وتمنّى طيّ الموضوع. استجاب الكونغرس، فرفُعت الأقلام وجفّت الصحف!
في المقابل، ليست جميع تشريعات الكونغرس الأمريكي من نوع مشروع قانون مذابح الأرمن هذا، أو "قانون هلمز ـ برتون" و" قانون داماتو" حول عقاب العالم إذا تجاسر على التعامل التجاري مع كوبا وليبيا وإيران، أو إذا لم يتجاسر على نقل السفارات إلي القدس بدل تل أبيب. هنالك تشريعات يتوجّب على المرء أن ينتظر إقرارها على أحرّ من الجمر، وأن يرحّب بها ويهلّل لها حين تصبح قانوناً ملزماً للأمّة الأمريكية، وبالتالي للعالم بأسره بوصفه القرية الصغيرة الواقعة في الباحة الخلفية لتلك الأمّة.
بين هذه التشريعات، على سبيل المثال فقط، "قانون حرية المعتقد وحظر الإضطهاد الديني"، والذي وقفت وراءه أكثر من مجموعة ضغط واحدة: "التحالف المسيحي" وأتباع بات روبرتسون، اليمين المسيحي المتشدّد إجمالاً، جناح القيم الروحية في الحزب الجمهوري، اليهود المحافظون الجدد، و... السيد أ. م. روزنتال فارس الحروب الطاحنة التي يثور نقعها علي صفحات الرأي في "نيويورك تايمز". وهذا القانون ينصّ، مثل أشقائه القوانين المشار إليها أعلاه، على التهديد بفرض الحصار والعقوبات الإقتصادية وغير الإقتصادية ضدّ الدول الأجنبية التي تقمع المعتقدات الدينية. وفرسان الكونغرس، ثم مجموعات الضغط هذه، انطلقوا من مثالَيْن أساسيين: قمع اليهود في البلدان العربية والإسلامية، وقمع المسيحيين في الصين الشعبية.
ولكن القانون قانون، وليس في وسع الكونغرس أن يحصر تطبيقاته في هاتين الحالتين فقط. وبذلك فإنّ المرء، لسوء حظّ السيد روزنتال، يمكن أن يفكّر في تطبيق القانون على الدولة العبرية تحديداً، وفي هذه الأيّام بالذات. الدولة هنا، بوصفها كتلة تشريعات ومؤسسات ودساتير وأنظمة مرعية، تقوم على مبدأ التمييز القانوني العنصري بين اليهودي وغير اليهودي (أي العربي المسلم والمسيحي على حدّ سواء)، بل وبين اليهودية الأرثوذكسية (الأصولية لمن يشاء) وبين الفروع اليهودية الأخرى المحافظة أو الإصلاحية أو "التكوينية".
ثمّ في الولايات المتحدة ذاتها، وفي ولاية ألاباما تحديداً، كيف سيسري القانون على مجموعات "التحالف المسيحي" وأنصار بات روبرتسون، الذين مارسوا ويمارسون الإضطهاد المباشر (حرق البيوت، الإعتداء بالضرب، الطرد من الوظائف) على مسيحيين آخرين لا يشاطرون التحالف آراءه في هذه أو تلك من قضايا العقيدة؟ وماذا سيفعل الكونغرس إزاء عشرات الإنتهاكات المباشرة وغير المباشرة، الرسمية والشعبية، المنظّمة والعفوية، والتي باتت ثقافة شبه يومية بعد 11/9، ضدّ مسلمي الولايات المتحدة من كلّ جنس ومحتد ولون؟
إنها أسئلة لا تُطرح إلا لكي تُطرح جانباً على الفور: لكلّ قانون استثناءات، والعمّ سام مخوّل بما يشاء من تطبيق واستثناء، وخذوا الدليل الأحدث من الإجراءات المذلّة الأخيرة التي قرّرت أمريكا تطبيقها ضدّ أكثر من 23 مليون مواطن عالمي، زوّار أمريكا. ولِمَ لا يفعل العمّ سام، وهو صانع الشرائع وقابض روح الشرائع في آن؟



#صبحي_حديدي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- سورية في العام الجديد: لا بشائر خير والقادم أدهى
- مديح الجندي رايان!
- الفيلسوف والحرب
- يا طيرة طيري...
- صدّام حسين سجيناً: الثوابت التي لن تتغيّر
- حداثة فدوى طوقان
- حقوق الإنسان في يوم الإعلان العالمي : مَن كان منهم بلا خطيئة ...
- فلسطين سويسرية!
- الإعلام الرسمي حذف 2000 كلمة من حديثه إلى «نيويورك تايمز» من ...
- الحجاب والمحجوب
- هل بات انهيار بيت سعود هو السيناريو الأكثر مصداقية؟
- في بيت ثيودوراكيس
- فرنسا وتهمة العداء للسامية: هل انطوى عهد -المكانة الخاصة-؟
- سارتر وصنع الله
- يمارس السياسة كمَنْ يعقد صفقة خشب أو خشخاش: برلسكوني والطبعة ...
- عاصفة أخرى في فنجان
- الفارق الجسيم
- علي هامش الدعوة إلى تأسيس حزب ينفي عروبة مصرفكر اصطفائي شوفي ...
- المرتدّ الضحية
- التابعيات العربية في واشنطن: صمٌ بكمٌ عميٌ فهم لا يعقلون!


المزيد.....




- مراهق اعتقلته الشرطة بعد مطاردة خطيرة.. كاميرا من الجو توثق ...
- فيكتوريا بيكهام في الخمسين من عمرها.. لحظات الموضة الأكثر تم ...
- مسؤول أمريكي: فيديو رهينة حماس وصل لبايدن قبل يومين من نشره ...
- السعودية.. محتوى -مسيء للذات الإلهية- يثير تفاعلا والداخلية ...
- جريح في غارة إسرائيلية استهدفت شاحنة في بعلبك شرق لبنان
- الجيش الأمريكي: إسقاط صاروخ مضاد للسفن وأربع مسيرات للحوثيين ...
- الوحدة الشعبية ينعي الرفيق المؤسس المناضل “محمد شكري عبد الر ...
- كاميرات المراقبة ترصد انهيار المباني أثناء زلازل تايوان
- الصين تعرض على مصر إنشاء مدينة ضخمة
- الأهلي المصري يرد على الهجوم عليه بسبب فلسطين


المزيد.....

- في يوم العمَّال العالمي! / ادم عربي
- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - صبحي حديدي - صانع الشرائع