أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - القضية الكردية - حسام مطلق - الوزير والسكرتيرة وزوجة الرئيس















المزيد.....

الوزير والسكرتيرة وزوجة الرئيس


حسام مطلق

الحوار المتمدن-العدد: 2278 - 2008 / 5 / 11 - 01:37
المحور: القضية الكردية
    


في 12 -3 - 2004 اقتحمت مجموعة من العناصر الأمنية في مدينة السليمانية, وهي محافظة كردية تخضع لنفوذ الإتحاد الوطني الكردستاني, مكتب وزير العدل بعد ساعات الدوام الرسمي وقيل أنه كان يمارس الجنس مع سكرتيرته. الوزير لم يعطى الفرصة كي يدافع عن نفسه, أي لم تجري أي مسائلة إدارية مسلكية علنية, كما يفترض في دولة تدعي أنها تطبق الديمقراطية. تحت وطأة البلبلة التي رافقت ما نسب للوزير لم يكن أمامه من بد سوى تقديم استقالته كمخرج لطي الموضوع. إلا أنه لاحقا تبين أن الحادث كان مدبرا وأن جهاز الآسايش, أي الحرس القومي الكردي والذي يمارس أيضا مهام المخابرات, كان وراء القضية. السكرتيرة, وهي قريبة أحد كبار المسئولين في الحزب كانت قد كلفت بالإيقاع بوزير العدل. قريبها ثارت ثائرته, كما يفترض السيناريو المعد مسبقا للإيقاع بالوزير ووضعه تحت ضغوط نفسية مناسبة, وبدأ يلقي بالتهديد بقتل الوزير متعمدا إيصالها إلى مسامع الوزير عبر وسطاء. الضغط النفسي سهل قبول الوزير بحل الاستقالة, رغم أنه من المفروض ألا يكون لما يحدث في الحياة الشخصية انعكاس على المهام الوظيفية في بلد يدعي التحرر ويدعي النظام القائم فيه صيانة القانون والحفاظ على الدستور وتطبيق المبادىء العلمانية والإقتداء بالنموذج الأوربي. وطبعا في أضعف الأحوال كان من المفروض أن يقود التحقيق المسلكي إلى نتيجة خصوصا وأن الوزير من البداية إلى النهاية وهو ينفي أن يكون على علاقة جنسية بالسكرتيرة وظل يؤكد أن تواجدهما معا بعد وقت الدوام كان بدواعي العمل. شيئا فشيئا تبين أن الآسايش, أي الحرس القومي, قاموا بتوظيف قريبة أحد رجالهم المخلصين كسكرتيرة لوزير العدل والقريبة بدورها هي احد عناصرهم كي يضمنوا إلا يحل الموضوع عشائريا كأن يقترح وسيط ما أن يتزوج الوزير السكرتيرة وتطوى القصة. وأن السيناريو البديل كان في أن تتهم السكرتيرة الوزير بالتحرش الجنسي بعد أن تجمع ما يكفي من الأدلة في حال انتقال الموضوع للمحاكم. هذا النموذج في العمل المخابراتي يسمى " باور بروكر " وهو بديل عن الاغتيال البدني ويسمى مصطلحا بالاغتيال السياسي.
نموذج الـ " باور بروكر " يقوم على مراقبة الهدف بدقة, معرفة التفاصيل الحياتية اليومية, تحليل نفسي دقيق, وعبر هذه البيانات تحدد نقطة ضعف الهدف ويرسل شخص متمرس كي يقترب منه بشكل كبير بناء على تخطيط مسبق لسيناريو ما بما يسمح بأن يقوم الهدف بكشف نفسه أمام الطعم ومن خلال نقاط الضعف, أو احدها, وعندها يتم توجيه الضربة القاضية لمستقبل الهدف سياسيا.
أما لماذا قام الحرس القومي التابع للإتحاد الوطني الكردستاني بذلك ففي التفاصيل أن وزير العدل قبل عدة قضايا عن تجاوزات على حقوق الإنسان ومخالفات قانونية ودستورية تقدم بها مواطنون ضد جهاز الآسايش وقد طلبوا منه رفض النظر بتلك الدعاوى بعد أن نجح الحرس القومي في الضغط على القضاة كي يتلاعبوا بشكلية الإجراءات خصوصا وأن التحقيقات أساسا تخضع لنفوذهم كونهم الجهة الأمنية الأعلى رتبة في حال تقاطع الاختصاص بينهم وبين أي جهاز أمني آخر كالشرطة أو الأمن الجنائي. الوزير تمسك بالقانون, وهو من النوع الذي نادرا ما يسافر خارج المحافظة, وبالنظر للانقسامات الحاصلة داخل الاتحاد الوطني الكردستاني خشي المتنفذون في الحرس القومي أن يؤدي اغتياله الجسدي إلى تحقيقات تضطرهم إلى تقديم كبش فداء, وهو أمر لا تضمن عقباه, فكان القرار بأن يكون الاغتيال سياسيا لا جسديا. لقد كانت حبكة محكمة ومدروسة بإتقان لم يدفع وزير العدل مستقبله السياسي ثمنا لها بل إن العدالة في محافظة السليمانية اغتيلت أيضا بها. طبعا من جاء بعده كان من جماعة تيار الكوملة وهو التيار القومي اليميني المتشدد في الاتحاد الوطني الكردستاني وهو المسيطر على جهاز الحرس القومي وبذلك لم يعد عناصر الآسايش مطالبين بأي مذكرة قضائية قبل الاعتقال ولا بتقديم تبرير لأي احتجاز للمواطنين والمقيمين وذلك بغض النظر عن الحيثيات أو المدة الزمنية. هذا التجاوز هو أمر أورده تقرير هيومن رايت واتش حيث عرج بالتفصيل على بعض الحالات وشرح التجاوزات وتحدث عن التعذيب والممارسات الأخرى المنتقصة لحقوق الإنسان التي يقوم بها جهاز الآسايش في مدينة السليمانية ضد الحريات العامة. كما أن المطلعين على الأمور يعرفون أن الرغبة في الحفاظ على هذا النفوذ هو ما عطل توحيد جهاز آسايش السليمانية مع آسايش اربيل التابع للحزب الديمقراطي الكردستاني مما يدفعنا للقول بثقة أن جهاز الآسايش في مدينة السليمانية وقف عائق أمام تحقيق وحدة فعلية في إقليم كردستان حفاظا على نفوذ قادته والمراجع السياسية التي يتبعون لها أدبيا, أي الكوملة الذي يتزعمه السيد آناشيروان مصطفى.
منذ ثلاثة أيام تعرضت السيدة هيرو عقيلة الرئيس العراقي جلال الطالباني لمحاولة اغتيال. الإعلام توقف عند الحدث وكأنه يندرج ضمن سلسلة الأعمال الإرهابية التي يمر بها العراق منذ استحلته القوات الأميركية, هذا غير صحيح.
السيدة هيرو هي أحد قادة حملة مكافحة الفساد في السليمانية, إن في القضايا المالية أو الحريات العامة. وهي تدير تلفزيون كرد سات الفضائي الرسمي بالإضافة إلى محطات تلفزيونية أرضية أخرى وعدد من الصحف والنشرات الصحفية بين الأسبوعية والشهرية وقد مارست بنفوذها الإعلامي دورا كبيرا في ردع جهاز الآسايش وتقليص نفوذه بتهديدها بفضح ممارساتهم إعلامية مما دفعهم للتراجع في المرات التي كان الملف فيها مكتملا لدى السيدة هيرو أما في الحالات الأخرى فلم يكن بالإمكان وقف تجاوزاتهم فكان لهم ما أرادوا.
السيدة هيرو امرأة متقدمة في السن وهي أحد رموز الحركة الكردية ومن مؤسسي الاتحاد الوطني الكردستاني وابنة أحد منظري الحركة القومية الكردية, بل إن زوجها جلال الطالباني تتلمذ أيديولوجيا على يد والدها. وهي ذات سلوك بسيط غير متكلف فحتى في المرات التي كان فيها زوجها السيد جلال الطالباني يقيم في أوربا خلال مرحلة الثورة والتمرد على نظام السيد صدام حسين كانت تصر على البقاء في الجبل لتعيش مع أسر المقاتلين ولم تكن تقبل بأي خصوصية لها أو استثناء في الحياة اليومية عن باقي البشمركة. بكل بساطة يلقبها الأكراد بالأم, أي أم الأكراد, ولها مكانة أدبية عالية في نفوس المواطنين الأكراد بغض النظر عن توجهاتهم السياسية أو الانتماء الحزبي الذي يوالون له. بل إنه حتى عند اندلاع الحرب الأهلية بين الاتحاد الوطني الكردستاني والديمقراطي الكردستاني, وكانت حين انطلاقها متواجدة في أربيل العاصمة الكردية التي كان يسيطر عليها الديمقراطي الكردستاني, عوملت من قبل عناصر الديمقراطي الكردستاني باحترام. مع أن حزبها كان يسيل دماء عناصر الديمقراطي الكردستاني على امتداد كردستان. الجميع يتفق على أن السيدة هيرو شخصية وطنية كردية فوق الخلافات الحزبية, هي هكذا في نفوس الأكراد البسطاء منهم والنخبويين.
هذا التاريخ العميق والرصيد الكبير لم يبقيا أي فرصة لجهاز الآسايش كي يلفق تهمة تمس بكرامة السيدة هيرو على طريقة الـ " باور بروكر ". كما أن الاغتيال الجسدي لشخصية بحجمها ما كان له إلا أن يستدعي الكثير من التحقيقات وتعاون كل أفراد المجتمع للوصول إلى القتلة لذا كان الحل في استهدافها في بغداد. أود أن أذكر بأن جهاز الآسايش في مدينة السليمانية متورط في العديد من عمليات التصفية الجسدية لمعارضين لممارساته, حتى من المنتمين للاتحاد الوطني الكردستاني, سواء من صحفيين أو أساتذة جامعات أو شخصيات سياسية من الدرجة الثانية والثالثة. ويمكن لمن يرغب بالمزيد من التفاصيل أن يعود إلى تقارير المنظمات الحقوقية ويضطلع على سلسلة الاغتيالات التي حدثت في السليمانية منذ إنشاء هذا الجهاز و التي, وياللعجب, سجلت جميعها ضد مجهول, في وقت يباهي جهاز الآسايش فيه بدقته وقدرته على صون الأمن في محافظة السليمانية. أن تسجل جريمة اغتيال ضد مجهول في بغداد لاشك أننا جميعا نعرف الواقع اليومي هناك. ولكن أن تسجل جرائم تصفية عديدة ضد مجهول في مدينة آمنة مثل السليمانية تعادل بحجمها الصغير أحد الأحياء في عاصمة مثل عمان أو دمشق أو الرياض ويكون عدد من تلك الجرائم قد وقع حتى قبل وصول القوات الأميركية وانطلاق الأعمال الإرهابية في العراق فمن حقنا جميعا أن نسأل: كيف؟. وأي غباء يتطلبه العقل كي يقبل بهذه الكذبة؟. كيف يمكن لأي جهة أن تنجح في الاستتار كل هذه السنوات من يد العدالة وأجهزتها مع ما يوفر لها من إمكانيات تقنية تقدم من الأميركيين حتى قبل احتلالهم للعراق ومن تعاون أجهزة استخبارات كثيرة معهم إن إقليميا أو دولية ليس فقط على صعيد المعلومات ولكن على صعيد الدورات الإعدادية التي ينفق عليها ملايين الدولارات سنويا وبعد كل هذا تقع عشرات عمليات التصفية دون أن يحدد الفاعل في أي منها؟. الجواب في المثل العامي : حاميها حراميها.
حسام مطلق
كاتب كردي سوري مقيم في الأردن



#حسام_مطلق (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- السببية بين السحر والدين والعلم
- اخوان القردة بكلمات فلاسفة العرب
- الاسلام في التفكيك والتركيب - الجزء الثالث - في الوحدانية وا ...
- الاسلام في التفكيك والتركيب - الجزء الرابع - في القصص وأخبار ...
- الاسلام في التفكيك والتركيب - الجزء الخامس - في الاعجاز العل ...
- الاسلام في التفكيك والتركيب - الجزء السادس - في الصلاة وتماث ...
- الاسلام في التفكيك والتركيب - الجزء السابع - الخلية الأبيوني ...
- الاسلام في التفكيك والتركيب - الجزء الثامن - في الصفات المحم ...
- الاسلام في التفكيك والتركيب - الجزء التاسع - الاضطهاد والتعت ...
- الاسلام في التفكيك والتركيب - الجزء العاشر والأخير - محاكمة ...
- الاسلام في التفكيك والتركيب - الجزء الثاني ( في اللغة و الاض ...
- الاسلام في التفكيك والتركيب - مقدمة
- اخوان القردة
- الدماغ رحلة 300 مليون سنة من التطور
- تزامن المسارات : الخيار الإستراتيجي الذي غير التاريخ
- سباق بين بورش وديزل
- جنس - حب - ارتباط
- المثلية الجنسية - حدد جنسك ذاتيا
- آليات خلق الجماعات الدينية - الصلاة كمثال
- الفاتيكان والقضية الفلسطينية موقف و دور


المزيد.....




- تخوف إسرائيلي من صدور أوامر اعتقال بحق نتنياهو وغالانت ورئيس ...
-  البيت الأبيض: بايدن يدعم حرية التعبير في الجامعات الأميركية ...
- احتجاجات أمام مقر إقامة نتنياهو.. وبن غفير يهرب من سخط المطا ...
- الخارجية الروسية: واشنطن ترفض منح تأشيرات دخول لمقر الأمم ال ...
- إسرائيل.. الأسرى وفشل القضاء على حماس
- الحكم على مغني إيراني بالإعدام على خلفية احتجاجات مهسا
- -نقاش سري في تل أبيب-.. تخوف إسرائيلي من صدور أوامر اعتقال ب ...
- العفو الدولية: إسرائيل ترتكب جرائم حرب في غزة بذخائر أمريكية ...
- إسرائيل: قرار إلمانيا باستئناف تمويل أونروا مؤسف ومخيب للآما ...
- انتشال 14 جثة لمهاجرين غرقى جنوب تونس


المزيد.....

- سعید بارودو. حیاتي الحزبیة / ابو داستان
- العنصرية في النظرية والممارسة أو حملات مذابح الأنفال في كردس ... / كاظم حبيب
- *الحياة الحزبية السرية في كوردستان – سوريا * *1898- 2008 * / حواس محمود
- افيستا _ الكتاب المقدس للزرداشتيين_ / د. خليل عبدالرحمن
- عفرين نجمة في سماء كردستان - الجزء الأول / بير رستم
- كردستان مستعمرة أم مستعبدة دولية؟ / بير رستم
- الكرد وخارطة الصراعات الإقليمية / بير رستم
- الأحزاب الكردية والصراعات القبلية / بير رستم
- المسألة الكردية ومشروع الأمة الديمقراطية / بير رستم
- الكرد في المعادلات السياسية / بير رستم


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - القضية الكردية - حسام مطلق - الوزير والسكرتيرة وزوجة الرئيس