أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سنان أحمد حقّي - حكاية المعمّر الحاج علي أبو سريح!















المزيد.....

حكاية المعمّر الحاج علي أبو سريح!


سنان أحمد حقّي

الحوار المتمدن-العدد: 2277 - 2008 / 5 / 10 - 08:08
المحور: الادب والفن
    



منذ نشأتي الأولى وأنا أسمع حكايات كثيرة عن رجل مسنّ أو قل معمّر اسمه الحاج علي أبو سريح .
يُقال أنه عمّر أكثر من(145 ) مائة وخمسة وأربعين عاما بالتمام والكمال ،طويل القامة ساحن البشرة أسمرها ولكنه ليس بأسود ،يعتمر العقال العربي المقصّب ،لم ينحنِ ظهره قطّ طيلة عمره وقد كان من شان عمره الطويل أن يورثه شهرةً واسعة ليس في البصرة وحدها بل في العالم أجمع بعد أن نشرت إحدى الصحف الأوربية خبرا عنه في احد الأيام .
يقولون أنه ذكر لمحدّثيه أنه معتاد على طعام يوميٍّ يتكون من التمر واللبن ولم يكن يطلب تحضير لبن حار أو مغلي بل كان يشرب من ضرع الشاة التي يحملها معه في حلّهِ وترحاله وهو لا يشرب الشاي ولا القهوةولا يُدخّن التبغ رغم أنه عربيٌّ حتى النخاع ويندر أن يتناول اللحوم إذا استثنينا المآدب التي يُدعى لها بين الحين والآخر .
عندما سُئِلَ عن مسقط رأسه قال :نجد ! وطُلِبَ منه أن يحدد الزمن الذي حضر فيه إلى البصرة قال: عندما كنت صغيرا لا يتجاوز عمري الخمسة عشر سنةً أو يزيد قليلا وأنه جاء في قافلة مع بعض الأعراب وقال أنه لم يكن في البصرةِ حينذاك أبنية ولا عمران كثير إذا استثنينا مبنى الكمارك في نفس الموضع الحالي على شط العرب وسراي الولاية وشركة الهند الشرقية البريطانية بالبصرة في منطقة السيمر وباقي المناطق كان يغلب عليها المظهر الزراعي وكثرة النخيل والأنهار الصغيرة التي لا تعدّ ولا تُحصى وإذ لم يتمكن من تحديد تلك السنة فإنه سُئِلَ عن أهم أحداث ذلك العام فقال كان هو العام الذي هاجم فيه إبراهيم باشا نجدا وابراهيم باشا هذا هو نجل محمد علي باشا الكبير حاكم مصر الأشهر وعند التمحيص والتدقيق نجد أن حملة ابراهيم باشا حصلت في حوالي سنة 1812 ميلادية تقريبا وبذلك يكون ميلاد الحاج علي أبو سريح على الأغلب صحيحا وهو حوالي عام 1800 ميلادية وحيث انه توفي في عام 1945 فإنه يكون قد عاش مائة وخمسة وأربعين عاما كما ورد ذكره.
وبسبب الكثير من الروايات والحكايات التي وردت عنه فإن بعض الناس يعتقدون أنه شخصية خيالية ولكن القاريء يمكن أن يجد صورته الشخصية في كتاب (التحفة النبهانيّة) وهو من كتب التاريخ المتاخّر.
كان تقيّا ملتزما بتعاليم الدين الحنيف مؤمنا بإخلاص وكانت له بنتان كبرتا وشاختا دون أن تتزوجا وهما الحاجتين سارة وماهيّة وأظن أن الأصوب هو ماويّة! والله أعلم ..من تقواه أنه كان يجد أغلب معاشه في العطايا التي يُنعم عليه بها الأغنياء بسبب احترامهم وحبهم له وشعورهم بكبر سنّه إذ لا يتيسّر له عمل مناسب سوى بعض المصالح له ولأهل الخير في بساتين أبي الخصيب وقلعة صالح قرب مدينة العمارة الحاليّة وهو مطبوع على الإمساك في الإنفاق ويكره الإسراف كرها شديدا ومع هذا فإن توفرله بعض المال فإنه يشتري به بعض حاجات البيت الضرورية وبعض الملابس ويقوم بعد صلاة الفجر بقصد بعض بيوت الأرامل واليتامى والذين تقطّعت بهم السبل ويضع صرّةً فيها ما قسم الله ويضرب على الباب بخيزرانته ضربا شديدا ليوقظ أهل الدار ثم يُسرع في التواري بين الأزقة الضيقة التي يسميها الناس حينذاك(السكّة)فلا يعرف أهل الدار من هو الذي وضع تلك المواد بباب دارهم ويتعمد فعل ذلك لئلا يُحرج من يكرمهم وبسبب اعتقاده أن أفضل العطاء ما جادت به يدٌ ولم تعلم به اليد الأخرى.
لكنه عندما يدخل السوق لا يشتري من الباعة إلاّ بعد أن يساومهم مدى نصف نهار وحتى يسأموا التعامل معه.
حدّثني رجلٌ من معارفي وكان يعمل سائقا لسيارة على خط بصرة ــ زبير ، أنه كان يجد الحاج علي في موقف السيارات ويسأل بكم توصلني؟ يقول له بكذا ويرد الحاج عليه :لا بأقل من ذلك قيابى السائق ويصرّ الحاج علي ويساوم السائق طويلا حتى يابى إلاّ أن يستمرّ في سيره إلى البصرة والسائق يسير خلفه محاولا أن يكفيه مشقّة السير في الجو الحار ولكن الحاج يأبى إلاّ أن يسير أو أن يرضى السائق بما عرض عليه من أجر وهكذا حتى يبلغا البصرة دون أن يركب الحاج إلاّ بالأجر الذي عرضه!
عندما قبل الملك فيصل الأول أن يتولى عرش العراق ارتآى القدوم عن طريق البحر وعلى ظهر سفينة بريطانية كما هو معروف، حدثت فوضى بالبصرة حيث تنافس شيوخ القبائل والوجهاء والشخصيات المعروفة على شرف استقباله وكادت أن تحصل فتنة فأبرق بعض الأعيان بالموضوع إلى الملك الذي كان يلقّب بالأمير في حينه لأنه لم يُتوّج بعد ،فأجابهم أنه يريد أن يستقبله أكبر أهالي البصرة سنّاً وذلك فضّاً للنزاع وعلى الأصول العربية والتقاليد القديمة فبحثوا عمّن هو أسنّ شخص فلم يجدوا سوى الحاج علي أبو سريح فطلبوه وأخبروه فاستبشر خيرا وقال سمعا وطاعة ولكنهم طلبوا منه أن يستقبل الملك على ظهر جواد أصيل وعلى مشارف البصرة الغربية حيث ستفام مضارب عربية ومراسم للأستقبال..لكنه قال لهم أنه لم يسبق له أن ركب جواداً من قبل فصاح أحدهم كيف هذا يا حاج ألست عربياً؟ قال :نعم ولكنني من أهل الأبل ووجد احدهم حلاًّ إذ استقدموا جوادا غير أصيل وكسوه بالزي المطلوب وركب الجواد واستقبل الملك في المكان والزمان المحددين ودخل هو والملك السرادق المضروب بالمناسبة وتناولا التمر واللبن وهو الزاد الذي تعوّد الحاج علي ابو سريح عليه طوال حياته ولم يعلم أحد حينها بما دار بينهما ولكنه قال فيما بعد قلت للملك: مرحبا يا ملك الزمان فردّ عليّ: ومرحبا بك يا شيبة الرحمن وسالني عمن أدركت من الشيوخ وألأمراء والولاة فذكرت له أسمائهم ثم انصرف الحاج
وبعد أن استقبل الملك سراة المستقبلين والمهنئين انصرف هو الآخر حيث اتخذ له الدار التي تُدعى بقصر أبو السباع عند التقاء نهر السراجي بشط العرب اتخذها دارا للإستراحةوهي نفس الدار التي أنشأ عليها صدام حسين قصوره الرئاسيّة بالبصرة وهي ذاتها أيضا التي اتخذتها القوات البريطانية المحتلة عام 2003 مقرّاً لها.لذلك نقول لعلها أرض الغرائب والعجائب!
وفي اليوم التالي وبعد استقبال المودعين للملك استدعى الملك الحاج علي أبو سريح مع متصرف البصرة وكان من أبناءعائلة الصانع وأمره تخصيص راتب تقاعدي للحاج علي أبو سريح بالروبيات الهندية بما يُعادل ثلاثين دينارا(وقد عُثِرَ على وثيقة ضمن وثائق البلاط بعد انهيار العهد الملكي تتضمن الموافقة على استمرار عيال المرحوم الحاج علي وأعتقد باسم الحاجة سارة أو إحدى بناته رحمهن الله إستمرارهنّ باستلام راتب التقاعد البالغ ثلاثين دينارا عراقيا ) وكان ذلك مبلغٌ كبيرٌ جدا إذ فرح الحاج علي به كثيرا وأسرع يبشّر ابنتيه بهذه البشرى .
ومضت الأيام والحاج يباشر سعيه وراء رزقه ومن الجدير بالذكر أنه كان وفي عمره المتقدم كما وصفنا لا يركب أية واسطة نقل عندما يريد الإنتقال بين مدينة الزبير ومدينة البصرة بل يقطع المسافة سيراً على الأقدام وهي ربما تتجاوز التسعة كيلومترات ولا يهم إن كان الجو حارّاً أم بارداً وقد يُضاعف المسافة هذه عندما يتجه إلى بعض قرى أبي الخصيب التي يتوجه إليها مباشرةً من الزبير عبر أراضي الصبخ.
لم يرَ أحدٌ الحاج علي أبو سريح مقوّس الظهر ولم تنحنِ له قامة، كما ذكرنا ولم يشكُ من أي مرض فيما عدا ثقل في سمعه فقط كما أن كثيراً من أسنانه كان سليما .
إنقضت شهورٌ عديدة ولم يُطلب بشأن الراتب التقاعدي ولم يقبض شيئا فأشارت عليه ابنتاه أن يراجع الملك واستعطفنه وذكرن له أنهن بنات وما عساهنّ أن يفعلن بعد أن يأخذ الله أمانته وشجّعنه على السفر إلى بغداد ومراجعة الملك بشأن الراتب وقد كان هذا
استُقبِلَ في البلاط الملكي استقبالا كريما وكان الحاج قد وصل البلاط في ساعة مبكّرةٍ جداً من الصباح حيث كان الملك نائما وبعد أن استيقظ الملك من النوم وعلم بحضور الحاج علي أبو سريح طلب أن يدخل عليه غرفة نومه ويتناول الفطور معه وكان ما أراد الملك بعد أن اُحرج الحاج علي أيما إحراج وبعد مجاذبة الحديث والسلام وتبادل التحيات سأله الملك إن كانت له حاجة؟ قال الحاج: والله يا صاحب الجلالة لم يصلني بعد الراتب الذي أمرت به فانزعج الملك ونادى على مسؤول الديوان الملكي وأمره بأن يكتب كتابا أو إرادةً ملكيّة موجهة إلى متصرفية لواء البصرة بان يتم صرف رواتب الحاج علي أبو سريح للأشهر المنصرمة وابتداءً من الإستقبال المذكور سابقا لغايته من حساب متصرّف لواء البصرة الشخصي وأن يتم الإستمرار بصرف الراتب كما أمر الملك سابقا وكلما تأخر صرف الراتب يتحمل المتصرف دفع مستحقات الحاج علي من كيسه الخاص.
عندما راجع الحاج متصرف البصرة وقدم له الإرادة الملكيّة أوشك المتصرف أن يسقط أرضا ولامه على تجاوزه بالذهاب مباشرةً إلى البلاط لأنه كما قال: الله ستر هذه المرة وإلاّ كان ممكن يفصلني جلالته!
إستمرّ الحاج علي أبو سريح على نفس الصحة والعافية ولم يشكُ من أي مرض ولم يرقد في الفراش أبداً أما وفاته فقد كانت بسبب حادث سيارة في حوالي عام 1945 في الطريق إلى قلعة صالح ومن يدري إن لم يحدث هذا الحادث فماعسى الحاج علي أبو سريح أن يبلغ من العمر؟
وتجدر الإشارة أنه بعد أن نشرت إحدى الصحف خبرا عنه ذاع صيته في أوربا بعثت له إحدى ملكات أوربا دعوة لزيارة بلادها للتعرف عليه وأن حكومتها ستتحمّل كل تكاليف الضيافة وغنيٌّ عن القول ما كان سيحضى به من هدايا وهبات إذ ربما توجه له دعوات أخرى من ملوك آخرين ولكنه رفض بشكل قاطع وعندما استفسروا منه عن السبب قال: كيف أكون ضيفا على بلاد كافرة وماذا سأتناول من طعام وهل سأصافح النساء إن هذا صعب عليّ واعتذر عن تلبية الدعوة ولكنه كان حتى اليوم الأخير ممتدّ القامة قويّاً معافى ولا يشكو من أي مرض.



#سنان_أحمد_حقّي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- توسيع دراسة الظواهر الدينيّة بين الماركسيّة والعلمانيّة ورجا ...
- ألتاريخ لا يُخطيء!
- بكم نبتدي وإليكم نعودُ ومن فيضِ أفضالكم نستزيدُ
- زكيّة الدكّاكة!
- إلى أنظار دولتي رئيسي مجلسي الوزراء ومجلس النواب الموقرين
- بأي حقّ..؟!
- ستراتيجية العصر..في كل (جوكه)لنا خيّال!!!
- إحنا سباع..! وشكّينا الكاع.
- قل أريب ولا تقل مثقف..!
- أمّتان!
- أخطاءٌ منهجيّة!
- قضايا المرأة والمزايدات السياسيّة!
- فنطازيا على فنطازيا
- الحرف التاسع والعشرون!
- رحلةٌ من محطّة قطار المعقل!
- مدنيّون!..وماذا بعد؟
- رِفقاً بِلُغَة السَّماء!
- الفاشوش والقراقوش!
- المرحلة الراهنة..والمهام الوطنيّة.
- إنها رسالة..!


المزيد.....




- بايدن: العالم سيفقد قائده إذا غادرت الولايات المتحدة المسرح ...
- سامسونج تقدّم معرض -التوازن المستحدث- ضمن فعاليات أسبوع ميلا ...
- جعجع يتحدث عن اللاجئين السوريين و-مسرحية وحدة الساحات-
- “العيال هتطير من الفرحة” .. تردد قناة سبونج بوب الجديد 2024 ...
- مسابقة جديدة للسينما التجريبية بمهرجان كان في دورته الـ77
- المخرج الفلسطيني رشيد مشهراوي: إسرائيل تعامل الفنانين كإرهاب ...
- نيويورك: الممثل الأمريكي أليك بالدوين يضرب الهاتف من يد ناشط ...
- تواصل فعاليات مهرجان بريكس للأفلام
- السعودية تتصدر جوائز مهرجان هوليوود للفيلم العربي
- فنانون أيرلنديون يطالبون مواطنتهم بمقاطعة -يوروفيجن- والوقوف ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سنان أحمد حقّي - حكاية المعمّر الحاج علي أبو سريح!