هايل نصر
الحوار المتمدن-العدد: 2271 - 2008 / 5 / 4 - 10:43
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
أزمات سياسية, واقتصادية, واجتماعية, وتعليمية, وحقوقية, وأخلاقية في دولنا العربية, القريبة والبعيدة من وعن مركز القضية, مسؤولها الأول المعلن دون كلل, وباختصار: الاستعمار و القضية. مجاعات متفشية أو "مقنعة", وسعي مذل لا ينتهي للحاق برغيف خبز: من إرهاصات القضية. إجراءات قمع وقهر وسجن وتشريد: لأجل القضية. تهم تخوين وعمالة: للمساس بالقضية.
وعلى مشجب القضية تُعلّق كل جرائم الحكومات, منذ عقود, من إضاعة المواطنين والأوطان وحقوق وكرامة الإنسان. ليكن الله بعون الفلسطينيين فرادى وجماعات, وقضية.
شباب في عمر الورود أضاعوا, أو يكادوا, شبابهم ومستقبلهم و كل قضية. جهتهم البحث عن أوطان غير أوطانهم, ولقمة عيش عز وجودها في بلاد آبائهم وأجدادهم, وعن كرامة مفقودة علهم يجدونها في مكان ما من المعمورة. يركبون البحار ــ وأي ركوب !! قوارب الموت ــ غير عابئين بالمخاطر, ويسلكون كل الدروب, وان تقطعت بالبعض منهم السبل, المفترض أنها توصل لبر الأمان ونهاية الأحزان. ومع ذلك لا تساورهم الأوهام فيما ينتظرهم, ففي حسابهم الأخير خياران أحلاهما مر: البقاء أو الهجرة. يرون الهجرة, اقل مرارة, وفيها أمل ولو خادع.
هجرة مغايرة غالبا لقول الشاعر"اغترب تلقى عن الأهل بدل". هجرة تُذكّر, في بعض وجوهها, برحيل الأعراب عن الحمى في سنين القحط والسنوات العجاف, للبحث عن الكلأ والمرعى, باكين المرابع غُداة, ذارفين على الأطلال إيابا أحر البكاء. هجرة من جور طغاة الوطن. هجرة يأس. هجرة بصيغه اللفظ, ولكنه لفظ ليس بفعل الطبيعة وتقلباتها, من تصحر وكوارث, وإنما بفعل من اخرجوا الطبيعة عن طبيعتها.
وجوه عربية شابة تكاد تطغى أعداد حامليها على كل أعراق وألوان المهاجرين, وكأن عصب الهجرة غير الشرعية وعمودها الفقري مقدر أن يكون عربيا. وكأن قوامها مجرد منتجات وصادرات من طبيعة بشرية,عربية, ملفوظة, فائضة عن حاجة أوطانها, وغير مرغوب بها في أوطان الآخرين.
ونسوق هنا ما أوردته مجلة Fortress Europe لإظهار بعض المصير الذي يلقاه المهاجرون غير الشرعيين: بلغ عدد الذين لاقوا حتفهم على الحدود الأوروبية منذ عام 1988 إلى عام 2007 , 12012 بينهم 4255 غرقا في البحر المتوسط والمحيط الأطلسي. و1587 لاقوا حتفهم في الصحراء. ( لمعرفة المزيد عن طرق إسلام الأرواح لخالقها راجع المجلة المذكورة ( [email protected].
وحتى لا تكون مقالتنا بكائية نواحية, رغم عمق المأساة, نضع بين يدي القارئ, والمهاجر, أو متحين الهجرة إلى أوروبا, بعض ما تعد له أوروبا عند وصوله بالسلامة إلى الضفة الأخرى.
تتوحد القارة اليوم ضد هجرته. لعل تاريخها الحديث لم يعرف تصد للهجرة, ولدخول وإقامة الأجانب, وتنسيق بصددها, يشابه ما هو الحال عليه في أيامنا هذه. جهود لتوحيد القوانين والإجراءات في جميع الدول الأعضاء. ليس فقط لتتلاءم مع القوانين والإجراءات الأكثر تشددا, في أكثر دولها معاداة للأجانب, وإنما كذاك لتجعلها أكثر تصلبا, رغم إضفاء اللهجة الإنسانية, وخطاب حقوق الإنسان, والليونة اللفظية.
لا احد ينكر جهود المنظمات ذات النشاطات الإنسانية, وجمعيات حقوق الإنسان, والعديد من المثقفين على المستوى الأوروبي, في إثارة الجوانب الإنسانية في التعامل مع مسألة الهجرة, والهجرة غير الشرعية بشكل خاص. ولكنها تبقى, مع ذلك, محدودة الأثر في عالم السياسة والمصالح, في المنطقة التي أنجبت صاحب مبدأ الغاية تبرر الواسطة, مكيافيللي, فاصل السياسة عن الأخلاق, والمرجع من تاريخه في هذا المجال, والى اليوم.
منذ قيامه عام 1999 اعتبر الاتحاد الأوروبي الكفاح ضد الهجرة غير الشرعية أو السرية من أولوياته.
في 24 جولييه 2006 اتخذت اللجنة الأوروبية المختصة في مجال الهجرة مجموعة من الإجراءات لمكافحتها, مكملة برنامج العمل المعتمد من قبل اللجنة المختصة عام 2005 بتقرير يعلن انه إذا ما أريد وضع سياسة فعالة لمسألة الهجرة, وتسوية واقعية لها, لا بد من الاعتراف بان معالجة الهجرة النظامية مرتبط برفض الهجرة السرية.
واعتبرت الهجرة السرية تنشأ من :
ـ الدخول غير الشرعي لمواطني دول أخرى إلى إقليم دولة عضو في الاتحاد, عن طريق البر أو الجو أو البحر, بما في ذلك مناطق الترانزيت. والعديد من حالات الدخول تكون باستعمال وثائق مزورة وغير حقيقية, أو بمساعدة شبكات منظمة.
ـ دخول إعداد من الأشخاص دول الاتحاد, نظاميا بتأشيرات دخول, أو مستفيدين من نظام الإعفاء من التأشيرات, وعدم مغادرتهم عند انتهاء صلاحية وثائقهم, بعد رفض السلطات المعنية تجديدها. وقد قدر دومنيك فيلبان حين كان وزيرا للداخلية الفرنسية عام 2005, بان عدد المهاجرين غير الشرعيين لا يمكن تقديره, وقد يتراوح بين 200000 و 400000 شخص.
بين 1998 و 2002 كانت نسبة الأجانب الذين دخلوا قانونيا, وأصبحت إقامتهم غير شرعية بعد انتهاء صلاحية إقامتهم 90% من المهاجرين غير الشرعيين.
ـ بقاء بعض طالبي اللجوء المرفوضة طلباتهم بشكل نهائي فوق التراب الوطني.
ـ بقاء الطلاب, الممنوحين وغير الممنوحين, بعد انتهاء دراستهم وإقامتهم.
وضعت المعاهدة الأوروبية, معاهدة ليشبونة, الموقع عليها من قبل 27 دولة عضو في الاتحاد الأوروبي في 27 ديسمبر 2007, أحكاما متعددة بشان توحيد القوانين والإجراءات المنظمة للهجرة. نقرا في القسم الثالث الفصل الثاني تحت عنوان: السياسات المتعلق في مراقبة الحدود واللجوء والهجرة, نص المادة 77 التي تقرر إن الاتحاد الأوروبي:
1ـ يطور السياسات التالية:
آـ التأكيد على إلغاء كل رقابة على الأشخاص, مهما تكن جنسياتهم, عند عبورهم الحدود الداخلية لدول الاتحاد.
ب ـ ضمان الرقابة الفعالة على الأشخاص العابرين للحدود الخارجية للاتحاد.
ج ـ وضع نظام مشترك, تدريجيا, لإدارة الحدود الخارجية.
2ـ ... يقوم البرلمان والأوروبي, والمجلس, بتبني الإجراءات العادية التشريعية لوضع: سياسة مشتركة لتأشيرة الدخول, وأنواع الإقامة القصيرة , والرقابة التي يخضع لها الأشخاص العابرون للحدود الخارجية , والشروط المتعلقة بالتنقلات الخارجية في الدول الأخرى في الاتحاد الأوروبي, خلال الإقامة القصيرة.
كما أن المادة 78 تعلن بان الاتحاد:
ـ يطور سياسة مشتركة في مواد اللجوء, والحماية الاحتياطية, والحماية المؤقتة, تهدف إلى إيجاد وضع قانوني مناسب لرعايا البلدان الأخرى, التي تتطلب حماية دولية, واحترام مبدأ عدم الطرد, و وجوب احترام اتفاقية جنيف 28 جويليه 1951 , و برتوكول 31 جانفي 1967 المتعلق بوضع اللاجئين, و كل المعاهدات ذات الصلة.
كما نصت الفقرة 2 على إيجاد صفة موحدة للجوء, معمول بها في كل دول الاتحاد . وصيغة موحدة للحماية الاحتياطية, للذين حصلوا على هذه الوضعية . وتوحيد الإجراءات لمنح اللجوء أو الحماية الاحتياطية أو سحبهما. ووضع معايير تبين الدولة صاحبة الاختصاص في دراسة طلب اللجوء أو الحماية الاحتياطية, المقدم في إحدى الدول الأعضاء. و قواعد موحدة فيما يتعلق بشروط استقبال طالبي اللجوء أو الحماية.
المادة 79 من المعاهدة المذكورة تنص على أن الاتحاد يطور سياسة مشتركة للهجرة, تهدف لتامين إدارة فعالة لموجات المهاجرين, تقوم على معاملة منصفة للمقيمين الأجانب بصفة قانونية في دول أعضاء الاتحاد, ومعاملة المهاجرين غير الشرعيين معاملة إنسانية, و مكافحة الهجرة غير الشرعية بقوة وفاعلية.
وتوحيد شروط الدخول والإقامة, وكذلك القواعد المتعلقة بمنح التأشيرات, وبطاقات الإقامة طويلة الأجل, بما فيها التجمع العائلي, في جميع دول الاتحاد.
وقد اشرنا في مقالات سابقة للجوء في فرنسا. و من الفائدة هنا الإشارة إلى الحماية الاحتياطية, لحداثة إنشائها. فهي ليست اللجوء, و لا الحماية المؤقتة.
منذ قانون 2003 ـ 1176 الصادر في 10 ديسمبر 2003 حلت الحماية الاحتياطية protection subsidiaire محل اللجوء الإقليميasile territorial. وقد حددت أحكامه المواد L. 712-1 إلى L.712 – 3 من قانون دخول وإقامة الأجانب وحق اللجوء. تمنح الحماية الاحتياطية من قبل الاوفبرا OFPRA لكل شخص لا تتوفر به شروط الحصول على اللجوء. والذي يثبت انه معرض في بلده لتهديد خطير يمس حياته, الإعدام, أو التعذيب أو المعاملة غير الإنسانية والمهينة لكرامته. على أن يكون التهديد شخصي ومباشر, وبسبب عنف معمم ناتج عن نزاع عسكري مسلح داخلي أو دولي.
ويجب أن يكون التهديد الخطير ناتج عن فعل سلطات الدولة , أو أحزاب, أو منظمات, خارجة على الدولة, أو تسيطر على جزء منها, وان هذه الأخيرة لا تستطيع توفير حمايتها لهذا الشخص .
ولا تمنح الحماية الاحتياطية لطالبها في حالة:
ـ ارتكابه جريمة ضد السلم, أو جرائم حرب, أو جرائم ضد الإنسانية,
ـ ارتكاب جريمة خطيرة من جرائم القانون العام.
ـ كونه متهم بمعاداة مبادئ الأمم المتحدة.
ـ كونه يهدد النظام العام والأمن العام وامن الدولة.
وحسب المادة L.713-13 من قانون دخول وإقامة الأجانب وحق اللجوء, تمنح للمستفيد من حق الحماية الاحتياطية بطاقة إقامة لمدة سنة قابلة للتجديد, تحت عنوان " حياة خاصة وعائلية", وتمنح كذلك لزوجته وأولادهما القاصرين, لنفس المدة وبنفس العنوان.
والحماية الاحتياطية تختلف عن الحماية المؤقتة, فهذه الأخيرة إجراء استثنائي يهدف لحماية حالية ومؤقتة, لأشخاص لا يستطيعون العودة لبلدانهم الأصلية. و تنظمها أحكام المرسوم 2005 – 968 الصادر بتاريخ 10 أوت/أب 2005.
خرق قانون دخول وإقامة الأجانب وحق اللجوء بالدخول أو البقاء غير المشروع في الأراضي الفرنسية يعتبر جنحة يعاقب عليها, في الحد الأقصى, بالحبس لمدة سنة ودفع غرامة 3700 يورو, والمنع من دخول فرنسا لمدة 3 سنوات.
وأخيرا, بعد هذا التذكير السريع بما يعانيه المهاجر غير الشرعي, وما ينتظر القادم بطريقة سرية, يبقى التذكير بدور المركز الضيق مساحة ومحتوى, القائم إلى جانب الهامش الفسيح , قاعدة الهجرة واللفظ ـــ لا غرابة بهذا التوصيف للهامش والمركز, فالصورة مغلوطة ومقلوبة, والوضع مشوه وخارج كل منطق سليم ـــ من هذا المركز تخرج السياسات القمعية والفوضى الاقتصادية, والأفكار التبريرية, ومثال هذه الأخيرة ــ مؤجلين الإشارة لغيرها لمقال آخر : أفكار عربية جدا, من مؤتمرات تنظير شبه دائمة, ومتواصلة الانعقاد على المستوين القطري والقومي, لمعالجة شؤون الأمة, , بعد إعداد طويل ومكلف, تدفعه المعتدى عليها المذكورة من قوت أبنائها, تقدم فيها أوراق عمل تباهي في نضارتها أوراق الخريف, وعصارة أفكار, بالتوقيت الدقيق مع عصير الفواكه, وتقدم والوجبات الدسمة, وفاخر السجاير وأشياء وأشياء, لا يدركها أو يبلغها إلا صاحب سطوة أو مفكر.
مؤتمرات تجديد, أو تنجيد, للفكر القومجي, وترتيبات لإحياء لمجتمع وتطويره .. وترقيع للمتهرئ من الأفكار بانوا عها, التي سادت زمنا وبلي الزمن ولم تبل. وعلى مدى عقود حرّفت روح الأمة, وقطعت أوصالها, وأوصلتها إلى ما هي عليه. أفكار تريد إبقاء الفاسد بتقويم اعوجاجه!!!, وتريد, واهمة, إعاقة كل تغيير يحتمه التطور. أفكار وصاية, لا تقبل الجدل, على الشباب تُلزم حتى الأجيال القادمة, مستقبل الأمة. مؤتمرات تدعم أنظمة القمع والفساد وتشارك فيها بوعي كامل وعن تصميم وقصد يفرضه الارتباط العضوي بين المستبد ومستعير قلمه ولسانه وسيفه, كلما لزم الأمر. تعاون وتكامل أوصل الأمة إلى امة قعيدة, ضبابية الرؤية والمستقبل, تتنكر لنفسها. امة تلفظ شبابها. د. هايل نصر
#هايل_نصر (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
اليوتيوب
لينكدإن
تيلكرام
تمبلر
بلوكر
الموبايل
