أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - هشام محمد - رحلة في عقل وهابي














المزيد.....

رحلة في عقل وهابي


هشام محمد

الحوار المتمدن-العدد: 2265 - 2008 / 4 / 28 - 09:01
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


منذ سنوات قليلة، بدأت الرياض، العاصمة السعودية، وبشيء من الاستحياء، تطلق عروضاً مسرحية كوميدية. لا حاجة للتذكير بأن كافة الممثلين على خشبة المسرح هم رجال في رجال، طبعاً مخافة الفتنة التي هي أشد من القتل، وللمحافظة على ثوابت الأمة الزئبقية التي لا يمسك بها أحد، ولا يعرف ماهيتها أحد. بدأت الرياض، دون أن تفلح في مدارة ارتباكها، في إقامة ندوات فكرية وثقافية على هامش معرض الكتاب ومهرجان الجنادرية السنويين. وبدأت الرياض، بخطوات مرتعشة، تحتضن مهرجان الزهور مع إطلالة كل ربيع. هل تعتبر هذا فعلاً سخيفاً، وإنجازاً تافهاً لا يستدعي أن ينفخ بالونات الدهشة في عينيك حتى تنفجر؟ إذناً، أنت لا تعرف الرياض، عاصمة الممانعة الوهابية العتيدة، على وزن دمشق، عاصمة الممانعة والصمود العربي.

لا يريد الوهابي لتلك المدينة، التي تغتسل كل صباح بلهيب الشمس اللافحة، وترتدي عباءة غبار الصحاري، أن تتحلل من قيودها، وأن تبحر بعيداً عن شواطيء البدايات الأولى التي يجروننا إليها. حرام على هذه المدينة المكتظة بعشوائيات البشر والمركبات والمباني والأسواق والمساجد أن ترن ضحكاتها في الفضاء، فالضحك يميت القلب...حرام على هذه المدينة أن ترقص، فالرقص ميوعة وانحلال...حرام على هذه المدينة أن تفكر وتتحاور بصوت عال، فالتفكير فخ يتربص بالإيمان...حرام على هذه المدينة أن تتهادى الورد، فالورود بدعة وتقليد للغرب الكافر الحاقد.

لا يحتمل الوهابي أي تغيير، مهما بدا رمزياً. ولا يطيق صبراً أن يراك قد زحزحت ولو كرسياً من مكانه. ما ألفه بالأمس يجب أن يبقى اليوم، وما يبقى اليوم يجب أن يمتد للغد. يرى دوماً شيطاناً يتجسد في كل شيء جديد، صغيراً كان أم كبيراً. كشف وجه المرأة يعني عنده انهيار لمنظومة القيم المجتمعية. اختلاط المرأة بالرجل في مكان العمل يعني عنده السقوط في بئر الخطيئة. إقامة معارض للكتاب تعني عنده تسريب لأفكار الرافضة والمتصوفة وتفريخ لبيوض بني علمان في مجتمع ينافح من أجل عقيدة ناصعة البياض. دخول التقنيات والأنطمة والأفكار الغريبة تعني عنده تقويض للهوية الإسلامية وتهديد لإصالة المجتمع.

يمتلك الوهابي سلوك فطري عجيب، أشبه بالجدار الدفاعي الصلب، المؤسس على الرفض التلقائي لكل ما لا يجد له نظرياً في مرجعيته التاريخية المتخيلة. ألم يتصدى الوهابيون لتعليم المرأة، ولدخول التلفزيون والسيارة وأجهزة الأتصال، وللبس البنطال باعتباره زي الكفار،ولتدريس الفلسفة ونظرية داروين وكروية الأرض ومناهج النقد التاريخي، ولبيع بوالص التأمين على المركبات، ولتركيب اللاقطات الهوائية، ودخول الأنترنت...الخ؟ المدهش أن اللاءات الوهابية التي تنتصب كالجبال، تبدأ رويداً رويداً بالذوبان، وكأنها لم تكن. أولئك الذين قالوا لا لتعليم الفتاة... ولا لعمل المرأة... ولا لركوب السيارة... ولا لتركيب اللاقط الهوائي... ولا للاتصال بالشبكة العنكبوتية، هم أنفسهم من يدفعون بناتهم دفعاً للمدرسة والجامعة...وهم من يقاتلون من أجل عمل نساءهم...وهم من يتنقلون بالسيارة وليس على الأقدام أو الجمل أو الحمار...وهم من يشاهدون قنوات المجد واقرأ والرسالة وربما أشياء أخرى...وهم من ينقلون معاركهم الدينية والمذهبية من الأرض إلى فضاء الأنترنت اللامتناهي.

ماذا يعني هذا؟ ماذا يعني أن يتحول الوهابي في كل مرة من موقف الدفاع المبدئي إلى التعايش السلمي في النهاية؟ يعني هذا أن الوهابي لا يملك القدرة على مراكمة التجارب والتعلم من الأخطاء. إنه يذكرني بالسمك الذي يبتلع الطعم كل مرة دون أن يعي رغم مرور مئات السنين أن السنارة تحمل له الموت. ماذا نسمي هذا؟ غباء... أم عناد... أم غرور؟ لكن، مهلاً! فالوهابي لا يفتقد إلى بعض الخبث والدهاء، أو لنقل الأنانية. فهو عندما يحلل ما كان بالأمس حراما، فهذا لإنه وجد أن القبول به سيجعل حياته أكثر احتمالاً ورخاءً. أما إذا كان الشيء سيجرده من سلطاته، ويصادر مكتسباته، فلن يحيد عن موقفه الرافض ولو قيد أنملة. للتمثيل، فالوهابي لن يجد غضاضة في عمل المرأة ما دام أنها ستنال دخلاً شهرياً يكفيه عناء الإنفاق عليها، وربما يقاسمها جبين عرقها، لكنه سيصاب بالسعار لو تطور الأمر بالمطالبة بإسقاط ولايته عليها، وبالتالي حرمانه من ممارسة سلطاته عليها. والوهابي سيقول أهلاً وسهلاً بصندوق الاقتراع ما دام أنه يضع الشارع المختطف تحت أبطه، لكنه سيجن جنونه فيما لو طبقت الديموقراطية كاملة، وما يترتب عليها من تداول سلمي للسلطات، وحق تأسيس الأحزاب السياسية، والاعتراف بالحقوق الوطنية للأقليات والنساء. والوهابي أيضاً ربما قبل على مضض بإدخال تحسينات شكلانية ومؤقته تخفف بعض الشيء من غلواء خطابه الديني المتزمت، لكنه لن يسمح لك مطلقاً بإن تضع النص القرآني وآلاف الأحاديث على طاولة البحث التاريخي والنقدي لإن هالة الوهابي الشعبية ستخبو بمجرد نزع غطاء القداسة عن هذا التراث الديني المتضخم.

من هنا يجب أن نستحضر كيف يفكر الوهابي حتى نفهم لماذا بدأت موجات الرفض للنشاطات الثقافية والفنية والترفيهية في الإنحسار النسبي. صحيح أن هناك فئات مازالت تمارس التخريب المادي، وتعكر الأجواء الاحتفالية، وتحشر أنوفها في شؤون الزوار الشخصية خاصة النساء. وصحيح أيضاً أن أجهزة الحكومة الرسمية وفرق الأمن تستعمل سياسات لينة وطرائق رخوة في التصدي للغزوات الجهادية التي يشنها غالباً طلائع وهابية غضة، ربما اندفعت بعفوية أو ربما تحركت بإيعاز من شيوخهم. فمن المتوقع أن الوهابي سيعترض محاولات المدينة في كسر إيقاعها اليومي الرتيب. ومن المتوقع أن الوهابي سيىرى في تلك الأنشطة الترويحية مقدمةً لخطر عظيم، وباباً لشر مستطير، وطريقاً للشيطان الرجيم. لكن من المؤكد أن صيحات الوهابي ستتلاشى رماداً في الهواء، ودفاعاته ستتراخى مع الأيام.






#هشام_محمد (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295





- مسئول فلسطيني: القوات الإسرائيلية تغلق الحرم الإبراهيمي بحجة ...
- بينهم طلاب يهود.. احتجاجات مؤيدة للفلسطينيين تهز جامعات أمري ...
- أسعدي ودلعي طفلك بأغاني البيبي..تردد قناة طيور الجنة بيبي عل ...
- -تصريح الدخول إلى الجنة-.. سائق التاكسي السابق والقتل المغلف ...
- سيون أسيدون.. يهودي مغربي حلم بالانضمام للمقاومة ووهب حياته ...
- مستوطنون يقتحمون المسجد الأقصى في ثاني أيام الفصح اليهودي
- المقاومة الإسلامية في لبنان .. 200 يوم من الصمود والبطولة إس ...
- الأرجنتين تطالب الإنتربول بتوقيف وزير إيراني بتهمة ضلوعه بتف ...
- الأرجنتين تطلب توقيف وزير الداخلية الإيراني بتهمة ضلوعه بتفج ...
- هل أصبحت أميركا أكثر علمانية؟


المزيد.....

- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - هشام محمد - رحلة في عقل وهابي