أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - سيرة ذاتية - كريم جاسم الشريقي - مناكّدات( قرمّطي)* في العراق 1/6















المزيد.....



مناكّدات( قرمّطي)* في العراق 1/6


كريم جاسم الشريقي

الحوار المتمدن-العدد: 2263 - 2008 / 4 / 26 - 10:11
المحور: سيرة ذاتية
    


نبوءة كنستها الريح...(1)

*القرامطة حركة فكرية متحّررة ،تؤمن بالشعار التالي ـ تقسيم الرزق في مراعيهّا. واباحة طعمة العنب في براريّها. حكمت ثلاثة قرون نصف تقريبا ًـ قارعت سلطة الأقطاع الأصولي والأبوي والخلافي . فأتهموها بالزندقة والكفر وانها حركة باطنية رافضية. كانت أهوازية المنشأ، كوفية التبشير،بحرينية السلطة.

بعد عقدين ونيف من المنافي التي عشتها ،وعانتيت فيها، كان يراودني حلم بالعودة المظفرة على غرار ظفر الثوريين في امريكا الاتينية.لكن هذا الحلم لم يحدث للأسف الشديد. انما العودة التي حدثت ليس كما يشتهيها الثوري ،ولا كما يريدها الوطني ولا كما كان يطمح إليها ـ القرمطي ـ حيث التغيير الذي مهد للعودة سلب نضال الثوريين ، ومآثرهم البطولية ، وصادر تضحياتهم النفيسة، وجعل معاناتهم وحرمانهم ركام مهمل في زوايا المنطقة الخضراء، أو في كهوف جبال مكة، أو في أحدى زرائب طهران ، او ربما في أحد مخازن البنتاغون. أولعله توزع ارث الثوريين وقوى اليسار في العراق على جميع هذه الأماكن لطيّ حقبة مؤرقة أجلت تحقيق مخططات الدولة (الأستعمارية) الجديدة بالتعاون مع الأذناب الأقليميين والمحليين لزمن طال .عدت للوطن الذي حملته كالظل من سهلِ الى سفح ومن قمة جبل الى وادي.. ومررت به صخور بلاد فارس وبطاح السند ووديانها السحيقة.كان الوطن حاضراً بسموٌ وشموخ في وجداني وضميري ومحمولاً في ذاكرتي .. بشوارعه وأزقته، مدنه ،ونحيله،بجداوله وسواقيه،ومدارسه، وروافده،وأهله، تأريخيه وماضيه، كأي منفي آخر ابتعد قسراً عن وطنه. اتخذت قرار المغادرة بعد تعذر البقاء علي في الوطن وكنت وقتها موزع بين عناء وعبئ المنفي المجهول من جهة وبين الجذب الغريزي للأهل ومراتع الطفولة والصبا من جهة آخرى.لكن القرار كان حاسماً وأكد التأريخ صحته وصوابه رغم قهريتيه آنذاك. لانه من الصعب أن يبقى ـ قرمطي ـ ينوء تحت سوط الذّل ويرضى الأستكانة تحت سلطة جلاد مستبّد، وهو ينشد أملاً أُممياً، وهدفاً كونيا لتحقيق العدالة الأجتماعية.رغم صعوبة تحقيق هذا الهدف الآن ، لكن كان ممكناً قبل عقدين من الزمن أو هكذا كنت أرى المشهد...بالحقيقة قرار المغادرة تبلور وأُتخذ وانا في زنزانات السجن الأنفرادي ، لكن المغادرة الى أين ؟ ليس الهروب خارج الوطن لغرض البحبوحة والأرتزاق. وانما الإلتحاق بفصائل الأنصارللتشرف فعلياً بأسقاط الدكتاتورية الجاثمة على صدور العراقيين وأرضهم.وكنت مؤمناً ايماناً قاطعاً بهذا الهدف أو الأستشهاد دونه. هنا ضروري العودة والتعريج على قرار الألتحاق وحيثياته لتنه الأنعظافة المهمة في حياتي. كنا ننتظر خلاصنا في التحرر من السجن السياسي في قسم الأحكام الخاصة / سجن أبي غريب الرهيب.حيث كنا نقضي الأحكام الصادرة علينا من قبل محكمة الثورة السيئة الصّيت .وكنت محكوماً مدة سبع سنوات أمضيت جلها في الأقسام المغلقة ( يعني الأقسام المُعدة للذين غيبّهم نظام البعث ولم يعرف ذويهم أي أثر لهم). عام 1984 قرر النظام بسبب إكتظاظ الأعداد داخل الأقسام المغلقة فتح (المواجهة) أي الزيارات عن عدد كبير ونقلهم الى اقسام المواجهة.كنت من ضمن هؤلاء السجناء. بالمناسبة القسم الذي كنا فيه يدعى( قاف)2 فيه 21 زنزانة في كل زنزانة ينام بين 35ـ 42 سجين وهذه الزنزانات نفسها التي شاهدها العالم واكتسبت شهرة عريضة ،لان الأمريكان استخدموها و مارسوا بها حالات تعذيب بهذه الزنزانات هي في سجن ابي غريب التي شاهدها العالم ، وكتبتْ عنها جميع الصحف العالمية تقريباً. لكن مع فارق واحد هو ان نظام البعث المقبور كان يضع بالمعدل 40 شخص بالزنزانة الواحدة والنوم على الأرض الأسمنتية الرطبة بلا أفرشة . بينما الأمريكان أصدقائه كانوا يضعون اربعة سجناء في الزنزانة الواحدة وينامون على أسرة عليها أفرشة وأغطية !حتى يعلم فلول صدام والمدافعين عنه من فاقدي الضميرهذه الحقائق.البعض يتجنى كثيراً عندما يعقد مقارنة غير موفقة او (مدسوسة) عندما يدعي ان الحال ابان الدكتاتور افضل من الآن... لا أبداً ... صحيح ان الوضع سيئ الآن وبائس ونحن ندين أي حالة من سلب الحريات وقمعها ضّد أي مواطن في أي وقت تحدث فيها هذه الخروقات . لكن كان الوضع أسوء بكثيرمن الآن . التضحيات والأعدامات ،والتعذيب كان يجري بشكل مُنظم ومستمر، ولايسمح لأي وسيلة اعلامية محلية أو عربية أو عالمية بالتحدث عن أي حالة سجن أو سجين ، لانه غير مسموح اطلاقاً الحديث . فقط الذين يعرفون هم الجلادة وأهل الضّحايا. هنا أدعوا الجلادة الذين كانوا يشرفون على التعذيب بالكتابة عن الحقائق التي كانوا جزءاُ منها شعوراً منهم بتأنيب الضمير وكشف الحقائق للأمة العراقية، مثلما كتب آخرين قبلهم.و تكرم أحد هؤلاء بمنصب حكومي كبير وهو السيد (وفيق السامرائي) الذي كان يعمل رئيس شعبة الأستخبارات الخامسة السيئة الصيت في زمن الطاغوت . كتب هذا الرجل حقائق مذهلة عن القتل والقمع والتصقيات التي رافقت حياته المهنية آبان حكومة الدكتاتور وشرح الكثير من الأنتهاكات في كتابه الموسوم( حطام البوابة الشرفية). وكتاب السيد هاني الفكيكي (أوكار الهزيمة) الذي يتحدث عن قتل وتصفيات مروعة قام بها حزب البعث على يد مليشيات الحرس القومي عام 1963 بقيادة الشقي حازم جواد وزير الداخلية آنذاك، والمقبورعبد العزيز الدوري المنظر للمجازر،ومؤسس فتاوى القتل . وكتاب لطيف يحيى الذي يحمل عنوان (كنت إبناً للرئيس) وهو شيبه عدي المقبور . يحكي جانب من نزق وتهور الطرق التي كان يستخدمها الأرعن (عدي) في القتل والتعذيت لضحاياه. وكتُب عديدة تحدثت بجزء يسير عن ممارسات الأحتقار والأستهزاء حتى من الذين خدمو صدام من البعثيين، ومنها كتاب محمد الدوري سفير صدام في الأمم المتحدة أثناء سقوطه الذي يحمل عنوان (انتهت اللعبة) . وربما كتب آخرى لم أطلع على قراءتها. المطلوب صحوة حقيقية للضالعين بالجرائم لنشرها على الرأي العام . وأنا اعتقد سياسمحهم أهل الضحايا اذا اعتذروا عما اقترفت أيديهم من جرائم بالكتابة على أقل تقدير. ليعرف العالم الحقائق كما هي . وبالتالي يراجعون أنفسهم هؤلاء اللذين يحنّون الى عهد البؤس والذل والجريمة. أمضيت تقريباً المدة المتبقية في أقسام السجن المختلفة لحين صدور قرار العفوعن السجناء طبعاً لا يقول السجناء (السياسيين) لانه لا يعترف بأي معارض لا بقول ولا بفعل ولا برأي، وانما كل السجناء هم خونة ومجرمين وعملاء.أُعلن العفو يوم 28 نيسان 1986 يوم ولادة الدكتاتورحسب ما كان يدعي هو بذلك اليوم. ويدعي ان له سجل رسمي مدون فيه يوم ولادته. معظم اللذين عاصروه يتنّدرون ويغمزون عندما كانوا يستعدون للأحتفال بهذا اليوم. لكنهم يخشون الجهر بالحقيقة حول ولادة (صدام).أما الدكتاتور نفسه لايعرف يوم ولادته الحقيقي لكن اختار هذا اليوم تيمناً بيوم (تأسيس حزب البعث) في شهر نيسان. قالها في تصريح صحفي من زمان بداية السبعينات من القرن الماضي. كالعادة لانعرف عدد المشمولين بهذا العفو لأن السجناء على كثرة الأستثناءات بمواد الأحكام لايعرفون من هو المشمول منهم إلا عندما يخرجون فعلاً من السجن .. وبالتالي لايتحررون من السجن سوى عشرات معدودة . تعودنا على ذلك. مثلاً خلال وجودي في السجن شاهدت خمسة مرات اصدار عفو لكن اللذين تحرروا مجتمعين لايتجاوز 400 سجين من 1981 الى 1986 . ثم تعودنا على قدوم اضعاف مضاعفة من الضخايا الجُدد بعد اصداركل عفو.تأكدت من شمولي بالعفو من خلال القوائم التي أخبرونا بها الجلادة . لكن اجراءات الخروج تأخرت الى يوم 17/5/1986.خلال هذه الأيام حدثت امور غاية بالغرابة دفعتني بالتعجيل للألتحاق بفصائل الأنصار.(( الأنصار هم المجاميع المسلحة للحزب الشيوعي العراقي في منطقة كردستان العراق)) للتوضيح فقط للذين لايعرقون من هم الأنصار! كانت المدة الحصورة بين 4.28 ـ 5.17. 1986 كانت بمثابة استذكار وتذكر وتوصيات ومشاريع مع الآخرين اللذين لم يشملهم العفو. حقيقة موقف شديد اللألم والعذاب للشخص الذي يبقى في السجن . وكنت أقرب لثلاثة أشخاص من هؤلاء الأحبة اللذين سأتركهم يقبعون لمدد طويلة آخرى مع أعزائي الأخرين وهم سيد صالح مهدي كاظم الذي تحّرر بعد 15 سنة أمضاها بالسحن، والأخر هو نشأة فرج سموعي الذي خرج بعد ان أمضى 20 سنة ويوم. والثالث هاشم مزعل علي الذي أمضى 15 سنة وخرج. الشخصين الأولين التقيت بهما لاول مرة عام 2005 في بغداد. لكن الثالث سمعت انه توفى في البصرة. في يوم 12/5/1986 الساعة الواحدة ظهراً جاء المسؤول عن أمن الأحكام الخاصة الجلاد (غالب الدوري) وتتبعه الشلة من الجلاوزة منهم من يحمل هراوته ،أ أو فلقته، والآخر عصاه الكهربائي الخ...وقف الجلاد يثني على العفو وصاحب المبادرة بالعفو المقصود ربيبه (صدام) قائلاً بكلمات هزيلة تعبر عن ثقافة جلاد ( عليكم أن تكونون وطنيين وهذه المرحمة عطف عليكم بها السيّد الرئيس ) فأتركو طريق الخيانة والعمالة. قام له شخص من الشيوعيين وسيم المظهر، يوحي بترف العيش، والرقة التي تبدو على سلوكه وتصرفه ، على عكس مهنته التي تتطلب الصرامة والجدية والأنعزال كونه كان ضابط برتبة (نقيب)سابقاً وهولسجين سياسي، أبدى رجولة منقطعة النظير بوجه الجلاد (غالب الدوري) الذي شعر بالأهانة ، وأحس بالعار والضعف وهو صاحب السطوة والآمر على كل السجن ومن فيه . بالمناسبة هذا الجلاد خاله عزت الدوري الجلاد الأكبر وكان يشبهه. وقف السجين النقيب (محمد صالح زكي ) بشرف وبطولة قائلاً ومتحديا الجلاد ( نحن الوطنيين وليس من يحرم ويعذب أبناء وطنه وطني ) قالها أمام مئات السجناء . جنْ جنون الجلاد على هذا التحدي ..فأمر جلاوزته بسحل ( ابو سهى) محمد الى غرفة التعذيب .. بعد ساعة جاء محمد منهك القوى ،فاقد الوعي ، يستغيث بصمت،جئته مع الآخرين مهنئاً على هذه الرجولة عانقته بحرارة ودفء وهو ينزف من كل صوب وحدب في جسمه ،كان مشوهاً بشكل لايصدق . حيث لم أرى في جسده مكان لم يمسسهُ كيبل أو عصا ومن الخبرة كنا نستطيع التميز بين أثر العصا من الكيبل. شاهدت جسد ـ ابو سهى ـ كله كدوم وندوب وتحول جسده الأبيض الى قطعة من اللون البنفسجي.هذا المظهر دعاني الى أن أزداد اصراراً واندفاعاً في الألتحاق للثأر من جلادتنا والقصاص منهم.والحق يقال كنت على برود بأبا سهى على الرغم من كنا نتشارك الأكل في صحن واحد ويشاركنا سجين آخر رفيقنا اسمه (سيد نوري عيسى أبو رغيف) .بالعادة تحصل مثل هذة الجفوات للسجناء بسب المزاج أو الرؤى، أو المواقف من حالة معينة . لكني عندما رأيته في موقف كهذا كنت أول المعانقين له.رؤية هذا المشهد لمحمد ألمني كثيراً رثيت نفسي وبكيت محمد في نفسي متوعداً هؤلاء الأوغاد الجلادة على القصاص منهم . لان منظر التعذيب لايمكن أن أنساه.غادرت السجن ولم أرى محمد صالح زكي إلا عام 1998 في دمشق ـ سوريا ـ . في19/6/1986 ودعت كل الأحبة في السجن وقلت أعتذر اذا لم أأتي لزيارتكم .. الساعة العاشرة صباحاً حملتنا 7 سيارات نقل (باصات) وكان يجلس جنبي الشهيد الشيوعي المقدام (خليل ماشاألله محمد علي). لأول مرة أتطلع الى الأسفلت وكأني لم أراه من قبل .. كنت اودع الوطن شبراً شبراً لاني الوحيد من هذه الجموع كنت على موعد بالرحيل وأغلب الظّن الأستشهاد . التحقت بكردستان العراق عن طريق الترحيل الحزبي وصلت كردستان حيث الأمل الثوري وروح الأيثار وصدق العقيدة والمبادئ .وهنا علي ان اوجه التحية الى رفيقي العزيز د.محي حسن والمجد والخلود للشهيد الشيوعي الرائع رفيق جلال الذي سقط في تظاهرات أربيل الباسلة برصاص البعثيين القتلة عام 1987 . غادرت كردستان بظروف قاهرة الى ايران ،بعد ذلك أمضيت في طهران وسجونها سنتين. ثم الى دولة باكستان وسجونها أيضاً سنتين حافلة بالأضرابات والمظاهرات والمطاردات من جلاوزة السفارة الصدامية. سأكتب قريباً بالتفصيل عن هاتين التجربتين المٌرتيّن لان فيهما من الأحداث العجاب . وصلت الى جمهورية فنلندا علم 1990 عن طريق الأمم المتحدة . كنا أول مجموعة تصل الى هذه البلد الذي لانعرف عنه الكثير.بدأت أتنفس الصعداء رغم الأحلام الرهيبة التي اشاهدها بالمنام ليلياً. بسبب قساوة الظروف وبؤسها وحجم الظلم الذي عانيته اصبحت ثقيل وجدي بالعلاقة الاجتماعية، لم أكن لين العريكة ، ولاسهل الأنقياد، ولا توجد مرونة في السلوك الأجتماعي لدي. لأني أرى الأشياء ب أن اُسقط ثوابت المبادئ عليها لمعرفة صحتها وصدقها. لأني أنظر بعين الضّحية المبدئي الذي لايمالق ولا يهادن ،ولا ينافق اجتماعياً لا في سلوكه ولا في تصرفاته . وهذا جعل الكثير ممن عرفتهم يبتعدون عني وينفروني أحياناً ربما بسبب (عوراتهم) السياسية وارتباطهم الماضي بالبعث سابقاً .. حتى بدأت بمراجعة علاقاتي بشكل دوري .. وجدت نفسي على حق والخطأ ليس عندي. وهذا يوافقني عليه الكثير من الذين على شاكلتي مما يجعلني أعتز كثيراً بنفسي .. أكثر الذين انسجم معهم هم أصدقاء ورفاق السجن أو الضحايا ، وكنت أسألهم هل يعانون من العلاقات الأجتماعية ومن بؤسها وأحياناً سقمها مثلي؟ الجواب يأتي بالايحاب .. وهذا يعني أن سلوكي وعلاقتي صحيحة. الغريب بسهولة أنسجم مع الذين لايملكون ارتباط ماضِِ بالبعث وأن اختلفوا معي بالمبادئ. وهذا يدلل صحة واستقامت علاقتي وسلوكي . هذا الأستهلال المتواضع قدمته كسبب لنتائج ستنطبق على الكثير من العلاقات الاجتماعية نع الذين جاؤا لاجئين من حفر الباطن ... بدأت جمهورية فنلندا تستقبل الاجئين العراقيين الذين اشتركوا بالأنتفاضة الشعبانية عام 1991 .وكما هو معلوم ان أسباب الأنتفاضة التي قام بها الجنود الذين اشتركوا في عمليات حفر الباطن للدفاع عن( النظام والوطن) ضّد القوات المتحالفة مع امريكا ، لكن عندما تركهم النظام وحديدين يواجهون مصيراً محتوماً بالموت بعد أن قطع عنهم الأمدادات والأرزاق. شعروا هؤلاء الضباط والجنود بالخيانة والغدر من قبل قائدهم العسكري (صدام) بعد ان لحقت به اشر هزيمة القوات المتحالفة . انتفظوا هؤلاء الجنود ورجعوا الى المدن ليبدوأ فيها شرارة الإنتفاضة ، ولازال البعض بملابسة العسكرية.ثم فشلت الأنتفاضة للأسباب المعروفة . بدأت عمليات نزوح جماعية غير مسبوفة للعراقيين في مدن الجنوب، فقط الذين سجلوا انفسهم كأسرى حرب للقوات الأمريكية كانوا حسب تقرير وزارة الدفاع الأمريكية 35 ألف ضابط وجندي. والقوات الأمريكية شرطت على الكثير منهم قبول الأسر . بعد ذلك نقلتهم الى منطقة( الأرطاوية )ووزعتهم على شكل مجاميع في (شباك) وقيدتهم في سجلاتها على شكل أسرى .وعدتهم بفرصة اعادة الأستيطان في امريكا أو في الدول الأوربية عن طريق الأمم المتحدة . وكانت حصة جمهورية فنلندا مئات من هؤلاء اللاجئين. جاءت الجموع الى هذه الدولة وهم لايعرقون شيئ عن طريقة العيش هنا ..مثلهم مثل الأخرين الذين سبقوهم الى هنا.المجاميع التي جاءت هي بالحقيقة تمثل جميع الشرائح العرافية ووجدنا بينهم بعض اصدقاءنا والبعض من رفاق السجن أخبرونا بهذه الحقائق . 98% من الذين شاهدناهم في فنلندا محسوبين على التيار المتدين ولوشكلياً حتى أطلقنا عليهم أصحاب الجباه السود ( هؤلاء الذين نعتهم (الأشتر) الذي كان من القلائل الذين لم ولن يقبلوا بالتحكيم في واقعة صفين،حتى بعد ان قبلها مكرهاً الأمام علي ـ ع ـ تحت ضغط من هؤلاء) كانوا من المؤمنين جداً. بعد أشهر قلائل لم يصمد الكثير منهم امام المغريات خصوصاُ الجنسية منها حتى رجع البعض منهم الى طبيعته الأولى وظل بالتأكيد الكثير منهم مواظب على ماتعود عليه. لكن لمسنا حالات عند البعض منهم غير انسانية وهي النقمة والثلب على هذا المجتمع لدرجة ينعتون الفنلنديين بالخنازير، والكفرة، والفاسقين، والنصارى... وهو يعيش بين ظهرانيهم ويأكل من خيراتهم ، ويطعم اهله بالعراق من تعبهم ..ولاأدري لماذا يعيش هؤلاء هنا اذا لا يحبون هذا البلد. هذا النفاق الأجتماعي ، الذي دائماً نحذر منه . اذا لم يعجبك العيش هنا اترك البلد واذهب الى أي بلد اسلامي يمكن ان تعيش به.حاولنا مدّ الجسور مع العديد من هؤلاء بالفعاليات الأدبية أو الفنية ، او اللقاءات السياسية الآخرى .. لم يشتركوا أصلاً بالفعاليات بأسنثناء القليل المتفهم. لاننا أمام شعب وحوكمة تريد ان تعرف هذه الجالية وتأثيرها الأيجابي في المجتمع .. حاولنا بالحد الأدنى ولم نستطع الا بعض الأستجابات وكانت على استيحاء. جاءت أزمات ومرت أزمات ... ولم يكتمل نصاب لجالية عراقية في فنلندا الا حين سقط الطاغية ويمن تشتت ثاتيةً ..عن طريق الصدفة المحضة كنت امشي مع صديق وجدت لافتة صغيرة في اكبر شارع في هلسنكي ) قرأت الأفتة التي تقول يعقد هنا مؤتمر لبحث القضية العراقية ويوجد سهم يشير الى ذلك صعدت السلالم ببطء وكنت اتخيل عدد العراقيين الحاضرين بهذا المؤتمر،وسألت صاحبي وهو قريب عل مثل هذه المؤتمرات والفعاليلت هل لديك فكرة عن هذا المؤتمر اجاب باللنفي.دخلت الصالة ووجدت حضور لابأس به ويبدوا كلهم من الفلنديين حيث شقرة البشرة . شاهدتُ على منصة الحديث شخصين يتوسطهم شخص اسمر البشرة يتحدث بلكنة انكليزية توحي بباكستانيته او هنديته .. جلسنا في الصف الأمامي .. بعد حين عرفت هذا الشخص وسبق وأن التقيته في مكان ما وهو ايراني الجنسية . تعجلت الأمر لكي أحصل على فرصة لكي اتحدث أو أُعلق .. بعد تداخلات مفتضبة من قبل بعض الحضور .. سألت ومباشرة بنوع من التهكم .. استغرب المسألة تخص العراق والعراقيين ولا يوجد عراقي واحد ..اين منظم الندوة .. هذا لايستقيم .. جاوبني أحد الجالسين على المنصة وكان وقراً في أواسط الخمسين من العمر. قائلاً أنا امثل الحكومة الأمريكية أعمل في السفارة الأمريكية في فنلندا وجئت الى هنا لهذا الغرض . قلت له كان يفترض منك ان تدعوا عراقيين لهذا الأمر كونهم معنيين، والأمر يخصهم . قال آسف نحن نبحث عن العراقيين ! وحسب ماعلمت ان الشخص الأيراني يدعي انه يمثل العراقيين. على أي حال طلب الأمريكي بأسم حكومتة اللقاء بممثلين عن الجالية العراقية صاحبي لم يكتم الأمر وهو يعرف الهرج والمرج الذي سنعانيه . قام على الفور بأتصالات عديدة مع مجموعة من رؤساء الجوامع والحسينيات. وحدد لهم اليوم . تتوافدت علينا الجموع من كل محافظات فنلندا.أربك عملنا وترتيبنا ، وبدأ العديد باللوم والعتب لانه لم توجه دعوى له بالحضور.. وهذا غير مستغرب من كل المستويات للعراقيين وعلى جميع الأصعدة الرسمية وحتى غير الرسمية. فشل اللقاء بعد أن عرفوا مضّيفونا بأننا لانمثل إلا أنفسا. البعض جيرها بشكل شخصي وفشل بذلك رغم الأمتيازات العابرة التي حصل عليها لانه غير مدرك للأهمية العمل الجماعي . بعد ذلك اختمرت فكرة العودة الى الوطن ولايمكن ردّها أبداً. غادرت الطائرة من مطارهلسنكي في شهر ايلول عام 2003 وهي تشق غيوم السماء الى دمشق. بعد 6 ساعات وصلتُ دمشق كان صديقين بأنتظاري لم يعرف أحدهما الآخر (أبو أحمد الحلي) من مدينتي بابل . والصديق (كريم الزيدي) رفيق السجن والمحنة. ذهبت مع أحدهم لقضاء تلك الليلة وبدأنا الأحاديث الطويلة عن التطورات الجديدة التي تحصل في الوطن بالغالب ،أحاديثنا ونقاشاتنا عن السياسة والأحزاب. وهم يعرفون الهدف من زيارتي...هي زيارة الوطن والأهل. بالصدفة وجدت الأخ الصحفي (جاسم مراد) أبو زياد هو الآخر يريد الذهاب الى العراق . يقيم معي في فنلندا وتربطنا علاقة اجتماعية . قررنا أن نذهب في نفس الرحلة الى بغداد من دمشق.اقترح علينا كريم الزيدي بالتريث لحين ايجاد شركة نقل لضمان سلامتنا من مخاوف الطريق. قال أبو زياد الطريق سالك ولا توجد مخاطر جدّية بدليل مئات المسافرين يذهبون يومياً . أكد ذلك كريم وقال : انتم تبدون قادمين من الخارح وهذا واضح من خلال طريقة الملابس، والحديث، والمعاملة... الخ. استأجرنا سيارة صغيرة لهذه الرحلة شاركونا شخصين آخريين . لاأعرف كنت متوجساً من السائق . ناديت كريم على انفراد وأخبرته قائلاً عليك التأكد من هذا المكتب لأن لدي شكوك من تصرف هذا السائق وأشرت إليه.. قال اطمئن .. شكوكي تجمعت عندما عرف السائق بأننا أتينا من الخارج ..بدأ يجري مشاورات متعددة ، ويبدو هؤلاء أجروا صفقات لحين أعطونا الى سائق جديد ـ مغوار ـ. انطلقت السيارة وكنت في المقعد الخلفي ـ وأبو زياد ـ في مقعد الوسط بجوار الراكب الآخر. الساعة الرابعة صباحاً وصلنا الحدود العراقية ـ السورية ـ اكملنا الأجراءات الحدودية .. قالوا الطريق يُفتح الساعة السابعة صباحاً بأمر الامريكان لغرض السلامة وعدم الأعتداء على المسافرين وتسليبهم.مئات السيارات ازدحمت عند المعبر الحدودي ، فوضى عارمة ،وتدافع مميت ، وتعليقات مستهجنة. نفذت سيارتنا الصغيرة بفوضى تدل على أشياء كثيرة لنا منها ماينتظرنا داخل المدن من فوضى المرور ،وعدم احترام القانون ، وعدم المراعاة لأنظمة السير.. كل هذا ونحن على موعد مع المجهول. استوى السير تدريجياً على الطريق الأسفلتي .. سيارتنا تلتهم الطريق ..وأنا أتأمل الرمال على جانبيه وكـأني أعد الرمال وأُحصّي حبات الحصى . ضاعت عليّ وجوه الأهل والأحبة إلا وجه امي الذي لافكاك منه لاني سببت مشاكل وأرق لاحصر لها الى هذا الكائن العجيب بالتضحية والوفاء ليس لكونها والدة فحسب وانما عطاءها فاق غريزة الأمومة . والدي الذي توفى جراء صدمة من استدعاءات الأمن المتكررة ،احتجزوه مرات عديدة ومرة اعتدوا عليه بالضرب ، ولكنه كان يكابرامام العائلة خشية الضعف. اخي الوحيد توفى الذي لم أراه سوى مرة واحدة وكانت عي السجن. جدتي التي ترعررعت بين يديها الخشنتين وتلقي على مسامعي يوم منت يافعاً مغامرات وبطولات الأجداد ،وكأنها مانت تعدني الى منازلات كانت لي امنية ان أراها لكنها ذهبت مع الأماني الكثيرة التي لم تتحقق زلت في مهب الريح! عمي الوحيد الذي كان يعاملني مثل صديقي وكان مدرستي الوحيدة التي أتزود منها بالرجولة والأستقامة كان له صبراً على الحرمان بلا حدود، لم يكن عبطاً لشهوة ،ولا ميالاص للذة فسق، أنف الأخلاق ، مستقيم الخلق، لايحتمل ذل السؤال، لم يبيع نفسه رغم الكساد الذي لاقاه في حياته.. كان أبي النفس، ومات قرمطياً.كان لسان حاله يرّدد ..
أأتتركٌ لذة الصهباء صرفاً... لما وعدوك من لحم وخمرُ
حياة ثم موت ثم نشر ... حديث خرافة ياأُم عمرو
أخواتي اللأتي تركتهن وحيدات بين مطرقة جلاوزة صدام) وبين مكابدات العيش. ابن عمي الذي نجا بأعجوبة من الأستشهاد، وحافظ على نقائة بفرادة، لم يمسسهُ رجس البعث البغيض. انها بطولة أن يبقى المرء في العراق طوال فترة حكم البعث ولم يتلوث لا بكتابة تقرير، ولا بحضور اجتماع أو مهزلة من احتفالات الطاغية. بينما رأيت الآخرين يتزاحمون على لعق حذاء الجلاد! كل هذه الوجوة تأملتها.. والسيارة تسير في منطقة لم اراها في حياتي من قبل. سرحت بافكاري بعيداً منذ طفولتي حتى تلك اللحظة .الكل أخذ قيلولة إلا أنا. بدأت السيارة تخفّف سرعتها تدريجياً عندما بدأنا نقترب من خرائب على حافة الطريق العام ، هي الوحيدة على طول الطريق الممتد 450 كم من الحدود السورية الى بغداد . هذه الخرائب عبارة عن مكان استراحة يسمى ال 160 فيه مطعم ودورة مياه بدائية. أثناء الأستراحة رأيت السائق يُجري اتصالات بهاتف (الثريا) النقال على الفور أخبرت صديقي أبو زياد بالأتصال قلت له مازحاً .. أسأله هل نستطيع أجراء مكالمة مع الأهل من هاتفهه؟ قال أبو زياد اترك هذه القلق ياأخي. استسلمت لرّد ـ جاسم مرادـ لكني ليس من السهولة أن اتخلى عن شكوكي ، لأن السائق أبدى حركات مُريبة . صعدنا ثانيةً لتكملة المسير الى بغداد وصلنا على ابواب مدينه الرمادي . بدأنا نتجاوز القرى المدينة لاتوحي بالألفة مثل المدن الآخرى، ربما بسبب طبيعتها الصحراوية او بسبب أشياء آخرى .اقتربنا اكثر من المدينة ، الجسور المعلقة تتقاطع مع الطريق الرئيسي . السيارات تنسحب بأنسيات الى المدينة مغادرة الطريق العام .وسيارات أخرى تأتي الى الطريق العام ، الحركة لاتوحي بالخطورة .جسور وطرق فرعية، وقرى ... سألت السائق ماأسم هذه القرية؟ بعد ثلاثون دقيقة بدأت سيارتنا تُخفض من سرعتها لدرجة وصلت الى 80كم بالساعة بينما كانت تسير بسرعة 160كم . سألت السائق ما الذي حدث؟ السرعة انخفضت للنصف . الغريب السيارات القادمة من بغداد كثيرة ،عكس السيارات الذاهبة الى بغداد. كنت في المكان الخلفي اترقب الموقف .. السائق قال تبريد السيارة أثر على المحرك لذلك خفضت السرعة. هذا ليس عذر لانه يمكن اطفاء التبريد. بدأت سيارة تقترب منا نوع (بيحو) قديمة فيها ثلاثة اشخاص اقتربت منا .اوقفتنا عنوةً ... حيث فوهات الرشاشات صُوبت علينا . اضطررنا للوقوف وهنا المناكدة الأولى ..نكمل ماذا جرى مع فوهات البنادق في الحلقة التالية.



#كريم_جاسم_الشريقي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295





- بعد جملة -بلّغ حتى محمد بن سلمان- المزعومة.. القبض على يمني ...
- تقارير عبرية ترجح أن تكر سبحة الاستقالات بالجيش الإسرائيلي
- عراقي يبدأ معركة قانونية ضد شركة -بريتيش بتروليوم- بسبب وفاة ...
- خليفة باثيلي..مهمة ثقيلة لإنهاء الوضع الراهن الخطير في ليبيا ...
- كيف تؤثر الحروب على نمو الأطفال
- الدفاع الروسية تعلن إسقاط 4 صواريخ أوكرانية فوق مقاطعة بيلغو ...
- مراسلتنا: مقتل شخص بغارة إسرائيلية استهدفت سيارة في منطقة ال ...
- تحالف Victorie يفيد بأنه تم استجواب ممثليه بعد عودتهم من موس ...
- مادورو: قرار الكونغرس الأمريكي بتقديم مساعدات عسكرية لأوكران ...
- تفاصيل مبادرة بالجنوب السوري لتطبيق القرار رقم 2254


المزيد.....

- سيرة القيد والقلم / نبهان خريشة
- سيرة الضوء... صفحات من حياة الشيخ خطاب صالح الضامن / خطاب عمران الضامن
- على أطلال جيلنا - وأيام كانت معهم / سعيد العليمى
- الجاسوسية بنكهة مغربية / جدو جبريل
- رواية سيدي قنصل بابل / نبيل نوري لگزار موحان
- الناس في صعيد مصر: ذكريات الطفولة / أيمن زهري
- يوميات الحرب والحب والخوف / حسين علي الحمداني
- ادمان السياسة - سيرة من القومية للماركسية للديمقراطية / جورج كتن
- بصراحة.. لا غير.. / وديع العبيدي
- تروبادورالثورة الدائمة بشير السباعى - تشماويون وتروتسكيون / سعيد العليمى


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - سيرة ذاتية - كريم جاسم الشريقي - مناكّدات( قرمّطي)* في العراق 1/6