أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - المجتمع المدني - كريم الهزاع - كيف نصنع دكتاتورا ونشنقه ونتباكى عليه؟















المزيد.....

كيف نصنع دكتاتورا ونشنقه ونتباكى عليه؟


كريم الهزاع

الحوار المتمدن-العدد: 2261 - 2008 / 4 / 24 - 05:31
المحور: المجتمع المدني
    


إن الذين تباكوا على موت الدكتاتور “صدام حسين” وعلى الرغم من معاناتهم أيام وجوده في السلطة، وشتمهم له واتهامه بالعلمانية والعفلقية ارتدّوا نكوصاً وعادوا لحالاتهم الصنمية واستسلموا لحالة “برميل من الأحقاد”، ليعودوا ويتباكوا عليه وينعتوه ببطل الأمة، لقد انكشفت أقنعتهم المصنوعة من رقائق خفيفة اسقطتها دموع الحرقة، ولم يسقط صنم واحد اسمه صدام، بل سقطت معه كل “أصنام- صدام” التي مجدوها عبر التاريخ، بدءًا من بعل وهُبل وودّ .. مروراً بأصنام متحركة وتلبس ثيابا:

“لو أن أرباب الحمى حجر،

لحملت فأسا فوقها القدر،

هوجاء لا تبقي ولا تذر ؛

لكنما أصنامنا بشر،

الغدر منهم خائف حذر،

والمكر يشكو الضعف إن مكروا”

(الشاعر مظفر النوّاب)

وكذلك يقول الشاعر أحمد مطر :

“ في زمان الجاهلية

كانت الأصنام من تمر،

وإن جاع العباد،

فلهم من جثة المعبود زاد؛

وبعصر المدنية،

صارت الأصنام تأتينا من الغرب

ولكن بثياب عربية،

تعبد الله على حرف، وتدعو للجهاد

وتسبّ الوثنية،

وإذا ما استفحلت، تأكل خيرات البلاد،

وتحلي بالعباد؛

رحم الله زمان الجاهلية”.

وفي تتبعنا للحفريات السسيولوجية عبر التاريخ وجدنا تلك الوصفة السحرية: كيف نصنع دكتاتورا ونشنقه ونتباكى عليه؟ كيف نصنع جلادنا نحن “الماشوسيين”؟ :

1 . إفساد التعليم ومحاربة المعرفة وحرية المطالعة وتشديد الرقابة.

2 . تمجيد ثقافة “المتوسط النزيه” والاستهلاك والشعوذة والخرقة والغيبيات.

3 . غياب المؤسسات المدنية وجمعيات النفع العام وحرية الرأي ولغة الحوار.

4 . قمع “جدل الهويات” ونفي الآخر وسياسة فرّق تسُد، ومنع حرية المعتقد والفكر.

5 . التعالي على الآخرين واحتكار المعرفة والدين والفكر.

6 . نشر ثقافة الدجل، ويشرح روبرت غرين في كتابه «شطرنج القوة» أن علم الدجل يقوم على خمس درجات :ابقِ الأمر غامضا، ركّز على البصري والحسي أكثر من الفكري، اقتبس طقوس الدين، موّه مصادر دخلك، وأما الخطوة الخامسة فأقم حركية «نحن» ضد «هم».

ولتتبع هذه الصنمية بهذا الشكل أو بشكل آخر، ولمعرفة ذهنية الأرهاب وماهيته من حيث التهديد والرد عليه، وفيما يخص الشكل الآخر هو اتباع المنحى السسيولوجي لمعرفة العنف والعنف الرمزي بكل أشكاله وأقنعته والنبش في دهاليزه لدى كافة أنواع السلطات السياسية والدينية والاجتماعية والاقتصادية والجنسية، وفهم مسألة الجلاد والضحية، والنظر الى هذه الحالة المرضية ومعالجتها وكيفية اجتثاثها من الشارع ومن النصوص المبطنة بلغة العنف ومصادرة الآخر ونفيه، ولكي لا يتسرب إلى عالمنا دكتاتورات أو أصنام جديدة نساهم في صنعها، من حيث ندري أو لاندري، كل ذلك يمكن تتبعه من خلال معرفة الانماط الثقافية للعنف التي تتوارى خلف مايسمى بالمقدس لدى الآخر وحرّاسه الجدد، وبلاشك يوجد هناك سلطات مأزومة ومهزومة في آن واحد تمارس هذا النوع من العنف الثقافي والمصادرة والنفي وبتر أنفاس الانماط المغايرة لها في الطرح، محتكرة النبوءات الجديدة، هذا الصخب يجب تخفيض وتيرته من الشارع ومن انسجة ثياب الأمبراطور. وفي التوراة، الوصايا منعت عبادة الأصنام والصور. ففي سفر الخروج 20: 3- 4 يقول الوحي : “أنا الرب إلهك الذي أخرجك من ارض مصر من بيت العبودية لا يكن لك آلهة أخرى أمامي. لا تصنع لك تمثالا منحوتا ولا صورة ما مّما في السماء من فوق وما في الأرض من تحت وما في الماء من تحت الأرض. لا تسجد لهنّ ولا تعبدهنّ. لأني أنا الرب إلهك إله غيور افتقد ذنوب الآباء في الأبناء في الجيل الثالث والرابع من مبغضيّ”. ومثل هذه الوصايا كثيرة في الإنجيل والقرآن الكريم وفي كثير من كتب الحكمة والعرفان والفلسفة والثيوصوفيا ووحدة الوجود.

ولانريد أن نمارس دور المعلم.. كم هو ساذج أن نقول: “يجب على الانسان أن يكون هكذا أو كذلك!” فالواقع يقدم لنا عددا هائلاً من النماذج، وفرة غزيرة من تمثيل لا متناه للأشكال والتحولات، وإذا بأي شخص من الاخلاقيين المستعدين لأي شيء يقول لنا: “لا ! وجب على الانسان ان يكون بخلاف هذا !”... بل إن هذا المنافق المشؤوم يعرف كيف يجب على الانسان ان يكون: انها صورته الخاصة التي تآمر عليها صائحا: هذا الانسان. فحتى عندما لايفتأ الاخلاقي يتوجه الى المرء ويقول له: “هكذا او كذلك يجب عليك ان تكون”، فإنه لايكف بذلك عن جعل نفسه هزأة . ليس المرء، ايا كانت الزاوية التي ننظر منها اليه، سوى جزء من القدر، ليس سوى قانون اضافي، ضرورة اضافية لكل ما سيأتي وما سيكون. فأن نقول له: “تغيَّر” يعني أن نطالب ايضا بأن يتغير الكل، وبأثر رجعي كذلك... (أفول الأصنام: نيتشه)، ولنيتشه فكرة مغايرة لإنقاذ العالم وليس هذا محلها، اما فيما يخص الاصلاح، يقول نيتشه: “لقد أراد المصلحون، على مر العصور أن يصلحوا الناس، أن يصيّروهم أفضل” : هذا ما كان يسمى “أخلاقا” قبل أي شيء آخر. لكن نفس اللفظ يشمل أشد الميول تنوعا. لقد سُمّي “ترويض” الحيوان الانساني و “تدجين” نوع من الناس، “تحسينا” : وحدها هاته المصطلحات المستعارة من علم تربية الحيوانات تعبر عن حقائق –حقائق لايعرف عنها أكبرُ من يمثل أولئك الذين يريدون “إصلاح” الانسان شيئا، لايريد أن يعرف عنها شيئا أعني بذلك القس ... القول بأن ترويض حيوان ما هو “جعله أفضل” يكون له في آذاننا وقع الهزء. الذي يعرف ما يحدث في الحظائر يشك في كون الحيوان الاعجم يصير فيها “أفضل”. إنهم يوهنونه، يصيّرونه أقل خطرا، يجعلون منه حيوانا مُرضيا، بالتأثير المحبط للخوف، بالألم، بالجراح وبالجوع، ولايختلف الامر عن ذلك بالنسبة للإنسان المدجّن الذي “أصلحه” القس. إبان العصور الوسطى الممعنة في القدم، يوم كانت الكنيسة مجرد حظيرة كبيرة، كانت تتم مطاردة أجمل أنواع “الحيوان الأشقر” كان يتم “إصلاح”الجرمانيين : البدو الرائعين، مثلا- لكن ما الذي صار يشبهه، بعد ذلك، الجرماني “المصلح / المعدل” والمجذوب إلى دير غدرا ؟ صار يشبه رسما ساخرا للإنسان، صار يشبه سقطا: لقد صار “مذنبا”– صار يشبه قطا: لقد صار “ذنبا”، كان في قفص، كانوا يحتفظون به أسير أفكار مرعبة... وكان يجثم هناك، مريضا، مثيرا للشفقة، حاقدا على نفسه، ممتلئا غيظا ضد الدوافع الحيوية، كله شكوك بخصوص كل ما كان لايزال قويا وسعيدا... باختصار، صار “مسيحيا”! إذا تكلمنا عن الحالة الفزيولوجية لايمكن، في الصراع ضد الحيوان الاعجم، أن تكون هناك وسيلة أخرى لإضعافه غير المرض. هذا ما أدركته الكنيسة: فقد أفسدت الانسان أضعفته، لكنها ادعت أنها “أصلحتـه”.



#كريم_الهزاع (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الحداثة والبحث عن نظرية نقدية
- الصبي الذي حطّم أصنام أبيه
- البذور الجديدة
- أصنام الكتابات
- ريثما تطن نحلة أخرى في الدماغ
- فلسفة الفرح
- من يمنحنا أجنحة للطيران؟
- أوغست كومت بعد قرن ونصف من رحيله
- بهجة الاحتضار ومراوغات الجثة
- الإرادة : حينما لا أجد شيء يقلقني فهذا بحد ذاته يقلقني
- خطوة في التوجس . خطوة في اليقين


المزيد.....




- مساعد وزير الخارجية الأسبق: عرقلة منح فلسطين عضوية بالأمم ال ...
- اعتقال أكثر من 100 شخص خلال مظاهرة مؤيدة لفلسطين في جامعة كو ...
- السعودية تأسف لفشل مجلس الأمن في اعتماد مشروع عضوية فلسطين ا ...
- فيتو أمريكي يمنع عضوية فلسطين في الأمم المتحدة وتنديد فلسطين ...
- الرياض -تأسف- لعدم قبول عضوية فلسطينية كاملة في الأمم المتحد ...
- السعودية تعلق على تداعيات الفيتو الأمريكي بشأن عضوية فلسطين ...
- فيتو أمريكي في مجلس الأمن يطيح بآمال فلسطين بالحصول على عضوي ...
- حماس تحذّر من مساع -خبيثة- لاستبدال الأونروا
- الجزائر تتعهد بإعادة طرح قضية العضوية الفلسطينية بالأمم المت ...
- إسرائيل تشكر الولايات المتحدة لاستخدامها -الفيتو- ضد عضوية ف ...


المزيد.....

- أية رسالة للتنشيط السوسيوثقافي في تكوين شخصية المرء -الأطفال ... / موافق محمد
- بيداغوجيا البُرْهانِ فِي فَضاءِ الثَوْرَةِ الرَقْمِيَّةِ / علي أسعد وطفة
- مأزق الحريات الأكاديمية في الجامعات العربية: مقاربة نقدية / علي أسعد وطفة
- العدوانية الإنسانية في سيكولوجيا فرويد / علي أسعد وطفة
- الاتصالات الخاصة بالراديو البحري باللغتين العربية والانكليزي ... / محمد عبد الكريم يوسف
- التونسيات واستفتاء 25 جويلية :2022 إلى المقاطعة لا مصلحة للن ... / حمه الهمامي
- تحليل الاستغلال بين العمل الشاق والتطفل الضار / زهير الخويلدي
- منظمات المجتمع المدني في سوريا بعد العام 2011 .. سياسة اللاس ... / رامي نصرالله
- من أجل السلام الدائم، عمونيال كانط / زهير الخويلدي
- فراعنة فى الدنمارك / محيى الدين غريب


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - المجتمع المدني - كريم الهزاع - كيف نصنع دكتاتورا ونشنقه ونتباكى عليه؟