أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - حميد كشكولي - ألسنة الآلهة، وألسنة الملوك















المزيد.....

ألسنة الآلهة، وألسنة الملوك


حميد كشكولي
(Hamid Kashkoli)


الحوار المتمدن-العدد: 2257 - 2008 / 4 / 20 - 09:03
المحور: الادب والفن
    


في محاكمة النفس...
تسأل إحدى الشخصيات في مسرحية " المصطافون" * لمكسيم غوركي، لماذا نحزن حين يموت أحدنا، فيجيبها آخر لأننا نشعر بذنب ما تجاهه و نحس أننا ، بشكل من الأشكال ، نُعد ّ سببا من الأسباب التي أدت إلى موته ، و يضيف أنه ليس من الضروري ّ أن نقوم بقتله بوسيلة أو أداة ، بل أننا نسبب موته بأكاذيبنا ونفاقنا وانحرافنا عن الصواب. فالإنسان يشعر بالذنب دوما ويفكر في محكمة الذات، وجلد الذات لأخطاء ارتكبها، أو يمكن أن يرتكبها في حياته ، سواء بنفسه أو عبر أناس محسوب عليهم. فغالبا ما يشعر المرء بأنه المتهم والقاضي وهيئة الدفاع،ويقوم بتنفيذ الأحكام الصادرة بحقه ، بأشكال مختلفة، ولذلك أن هذه الأفكار تؤدي بي إلى التشكيك بجدوى الأحكام القاسية بحق المجرمين، وهذا موضوع آخر أتركه للمختصين بعلم النفس و الاجتماع.
لم يكن أوّل رب ّ للقانون قاضيا، بل كان محاميا، يدافع عنك وفق القانون، و في مواجهة القانون. وكم نتشابه في محكمة الحياة مع المتهم في "محاكمة" كافكا الحائر أمام مكتب المحامين الذين هم أصدقاء القاضي! . محامون بمثابة ألسنة الآلهة، و منادون أو الميديا بمثابة ألسنة الملوك. أليس القانون سوى ما يدافع عنك مقابل ذاته؟ لكن المسألة لا تنتهي هنا، فلنسترجع مشهدا كافكاويا: يهاتفني الناشر يبلغني أن الكتاب قد ضاع في زحمة بلوغه مكاتب وزارة المعارف، ويستلزم هذا أن أعيد العمل بعد 9 أشهر وأن أبدأ من نقطة الصفر بمعاملة الحصول على إجازة. و كيف يصبح ضياع كتابي ذريعة لحرماني من الإجازة؟ يقال إن الناشرين على رأيين، قسم يرى أن ما يحصل يستخدم كذرائع، وقسم يرون أن الارتباك في أداء الوظائف الإدارية يخلق مثل هذه الذرائع.
لهذا يبدو أن أول رب ّ للرقابة هو الناشر والمؤلف، وليس وزارة المعارف. ثمة من يريد التحدث باسمك بواسطة كمّ فم إنسان آخر، فارتكاب الجريمة لا يستلزم ترخيصا أو إجازة، وإن ّالقانون يقمعك متظاهرا بالدفاع عن حقوقك، وبهذا الدفاع يتم إنتاج الجريمة إداريا وقضائيا. فلو انقرض الأرباب لأمطرت السماء مواد البناء. أية مزحة هذه ! المحامون يقولون إنهم أتوا لينقذونا من أنفسهم. لكن هب ْ أنه لا من محكمة سوى قصة " كافكا" ، أي في ( حضور القانون) يكون " القانون" حاضرا وفق "القانون"، فماذا سيتغير، وكل حياتنا تجري خلف بيبان موصدة لمحكمة الحياة؟
ينتظر الإنسان التقيّ في اليوم الآخر عواقب أعماله التي أداها في الدنيا، يتسلمها بيده اليمنى، فما أشبه حياته بحياة متهم في هذه المحكمة الدنيوية! لعل السادة والأرباب لم يعودوا لسان الله منذ زمان بفضل العلمانية والديمقراطية البرجوازية في الغرب، لكن لا تزال صيحات ُ المنادين تعصف بآذاننا. لعل ّ القانون ليس إلا صراخ المنادين والميديا. و ليست المحكمة سوى غرفة موصدة الأبواب، نقضي فيها العمر كلّه في انتظار تنفيذ القانون.
لعل ّ كافكا صدق في قوله إن القانون يستمد شرعيته من هذا الانتظار، وأن السياسة الجديدة لوزارة المعارف تضطر الفرد إلى الصبر حتى يكتشف آلية سير القانون، والذي يتشكل نوعه الكافكاوي ّ من ألاعيب الحضور والغياب البسيطة. رغم أن القانون يُصنع من مواد الغياب، ألا أن نجمة الرغبة تلمع في القطب المقابل لهذا النفق المظلم في القطب المقابل: الحضور المثابر للرغبة. نفق القانون وزنزانته يجذب الرغبة إليه دوما، مثل مثلث برمودا، وأينما وجدتَ الرغبة، وجدت َ قانونا يحرسها. لكن في قصة كافكا لا وجود لأية رغبة، فالحياة تنقضي كلها خلف بيبان القانون الموصدة.
فالمحاكمة بمثابة نفق مظلم يجذب رغباتنا إلى عمقه، لئن كنا جالسين طوال العمر أمام مكتب كاتب العدل موصد الباب، فذاك سببه أن رغباتنا في الحياة واستهلاكها أصلا تنقضي في الحضور الذي يشبه الغياب للقانون.
وإن كانت أدعية الأتقياء ليست سوى لحظة عابرة من هموم الجمهور، فهذا الجمهور يقضون العمر ينتظرون هذه اللحظة الباهتة. فلماذا ترتبط رغبة الجمهور بحضور رب ّ يجد مسراته في أسى هؤلاء؟ فنجمة الرغبة لن تلمع في غير نفق القانون المظلم أثناء جذبها إلى عمقه. وإن كان القانون لا يشع ولا لحظة واحدة ، ولا يتم تنفيذه ، ألا أنه مثل النفق المظلم العميق يترك على الأطراف آثارا لن تمّحي.
فالرغبة تحقق ذاتها عبر قمعها وكبتها والتضحية بها. إنها تضفي رونقا على هموم الجمهور في حضور القانون. وإن الإنسان يولد يحمل خطيئته التي عليه التضحية بها . فهذه الخطيئة بكل بساطة عبارة عن أكله وشربه واستهلاكه للأشياء. وإن عبيد المجتمع الطبقي ينبغي أن يعرفوا أن ما يستهلكون هو بمثابة خطيئة . وقد بيّن فوكو أن الكبت الجنسي الذي طالما شغل الناس ، غالبا ما يبدو بشكل اعترافات. فالكبت ليس بهراوة القانون الذي وفقه يصدر قرار العفو عليك. فثمة قانون آخر سوى هذا القانون الذي هو بمثابة الغياب ويشبه قانون الجاذبية الكونية البارد للتعرف على الرغبات والميول وقيمة الاستهلاك و يصدر وفقه قرار العفو و العقاب. إنه قانون يشبه حضور الأب الدائم ، والشبيه بالهراوة. هذا الحضور البدائي لقانون الشرق هو الحضور القاتل للأب في عصر ما قبل الإله زيوس. ففي مواجهة هذا الحضور الدائم، لا يمكن أن يقوم سوى شبح الإرهاب. إنه قانون يقوم على التدوين والغياب. إنه قانون حارس لبوابات الجحيم الموصدة. إنه قانون أحد أعضاء هيئة الدفاع، ودفاع عن متهم بجريمة لم تُرتكب، ومحكمة متعطلة حتى لحظة الموت. إنه قانون ضياع الكتاب المدفوع للطبع، واستئناف العمل الوظيفي، و المعاملة من جديد للحصول على رخصة من العمل.
إنه قانون الحضور القصي ّ للكتاب المقدس بجوار مرآة الرغبة على مائدة الزفاف للجمهور. قانون توليفة الرغبة والقانون. ففي هذه الصورة ثمة منافسة جنسية واحدة ، تنتج عنها المنافسة والمبارزة لتسقيط الآخر أو إزاحته أ وقتله . فإزاحة شخص ما تتساوى مع التهامه أكلا. فلا يمكن الفصل بين الرغبة الجنسية والأكل والمنافسة الجنسية . فالأرض لم تعد كروية، وأخيرا يقوم أمامنا شبح الإرهاب هلاميا وذا ألوان متنوعة، يريدنا أن نستسلم إلى رغبة المحامين، ألسنة الآلهة ، ونستجيب لنداءات المنادين، ألسنةِ الملوك.
‏12‏/04‏/2008




#حميد_كشكولي (هاشتاغ)       Hamid_Kashkoli#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- فيكتور هوجو.. ارتباط الأدب والسياسة
- نيران فتنكم تحرق الأبرياء
- الِزْمو وو .. حرامي !!!!!
- الحجاب و حرية الملبس
- حمّالة الأقاصي
- - الغجرية- قصيدة لأديث سودرجران
- نبوءة قصب الأنين
- الرفيق كاسترو و الروح الثورية المتّقدة
- من قتل بي نظير بوتو؟ سيبقى الجواب واسعا
- السياب عاشق انقلاب 8 شباط النازي
- اليسار الاشتراكي في العراق في مواجهة قطبي الإرهاب وتوابعهما
- -ميلاد آخر- أروع قصائد فروغ فرخزاد
- دعي ومضاتك ترتشفني!
- المرأة العراقية وجحيم التقاليد
- -الدمية ذات الزنبرك- ، و - بعد كلّ هذا- قصيدتا فروغ فرخزاد
- ما ظهر من أسباب العدوان التركي على أهالي كُردستان العراق ، و ...
- قصيدتا فروغ فرخزاد( 1935- 1967) -الأسيرة والخطيئة -
- آنية النحيب
- مقتل بينظير بوتو نتاج المشاريع الإمبريالية و الرجعية
- مكافحة جرائم الشرف نضال طبقي


المزيد.....




- وفاة الفنان المصري المعروف صلاح السعدني عن عمر ناهز 81 عاما ...
- تعدد الروايات حول ما حدث في أصفهان
- انطلاق الدورة الـ38 لمعرض تونس الدولي للكتاب
- الثقافة الفلسطينية: 32 مؤسسة ثقافية تضررت جزئيا أو كليا في ح ...
- في وداع صلاح السعدني.. فنانون ينعون عمدة الدراما المصرية
- وفاة -عمدة الدراما المصرية- الممثل صلاح السعدني عن عمر ناهز ...
- موسكو.. افتتاح معرض عن العملية العسكرية الخاصة في أوكرانيا
- فنان مصري يكشف سبب وفاة صلاح السعدني ولحظاته الأخيرة
- بنتُ السراب
- مصر.. دفن صلاح السعدني بجانب فنان مشهور عاهده بالبقاء في جوا ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - حميد كشكولي - ألسنة الآلهة، وألسنة الملوك