أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - قراءات في عالم الكتب و المطبوعات - محمد أيوب - قراءة في كتاب الإمبريالية الجديدة















المزيد.....



قراءة في كتاب الإمبريالية الجديدة


محمد أيوب

الحوار المتمدن-العدد: 2257 - 2008 / 4 / 20 - 07:21
المحور: قراءات في عالم الكتب و المطبوعات
    


قراءة في كتاب الإمبريالية الجديدة
دافيد هارفي ، ترجمة : وليد شحادة .
عرض وتقديم : د . محمد أيوب
- 1 -
تعريف : يقع الكتاب في 222 صفحة من القطع الكبير، وينقسم إلى مقدمة وخمسة فصول هي: النفط أولا وأخيرا، كيف تعاظمت قوة أمريكا، عبودية رأس المال، التراكم بنزع الحيازة، القبول بالقسر.
صدرت النسخة العربية من الكتاب عن شركة الحوار الثقافي في بيروت - لبنان سنة 2004م، والكتاب عبارة عن مجموعة محاضرات ألقيت في جامعة أكسفورد قبل الحرب على العراق سنة 2003م بفترة قصيرة في محاولة لاستجلاء التيارات العميقة التي تؤثر في الجغرافية التاريخية للعالم وذلك بهدف إلقاء الضوء على الأسباب التي أوصلت العالم إلى مرحلة مليئة بالأخطار.
أما مؤلف الكتاب فهو عالم اجتماع يحاول كشف الأسرار الكامنة وراء التحولات الجارية في سياسة الولايات المتحدة، كما يحاول تسليط الضوء على أساليب القهر المتبعة في فرض هيمنة الولايات المتحدة على العالم، والمؤلف يعمل أستاذا في مركز الدراسات العليا التابع لجامعة مدينة نيويورك، كما عمل أستاذا في جامعة أكسفورد وجامعة جونز هوبكنز، وقد ألف كتبا عديدة في الاقتصاد السياسي للعولمة والتمدن الحضري والتغير الثقافي.
مضامين الكتاب
يركز الكتاب على مقولة مايكل إجناتييف التي كانت موضوع الغلاف في مجلة نيويورك تايمز ومفادها أن حرب أمريكا على الإرهاب هي نوع من الإمبريالية يهدف إلى تكوين إمبراطورية أمريكية تسيطر على العالم، ويشير المؤلف إلى أن بوش الابن يحمل في قرارة نفسه بعض الدوافع النابليونية التي تتمثل في رغبته بالوصول إلى بغداد وربما إلى طهران، في حين تركزت سياسة بيل كلينتون، الذي وصفه الصقور في إدارة بوش بالمخنث، حول استخدام القوة اللينة بدلا من استخدام القوة الشديدة وذلك من خلال إقامة دول عميلة والتسامح المتعدد الثقافات بحيث تستطيع أمريكا إنكار كونها دولة إمبريالية.
يؤكد المؤلف أن اهتمام أمريكا ينصب بالدرجة الأولى على السيطرة على منابع النفط الرئيسية في العالم لأن من يسيطر على النفط يسيطر على حركة التطور الاقتصادي والسياسي والعسكري في العام كله، وفي سبيل ذلك اعترفت أمريكا فورا بقائد الانقلاب ضد الرئيس شافيز في فنزويلا سنة 2002م ميلادي وأكدت أن الاستقرار والنظام سيعودان إلى هذا البلد، وقد كان هذا الانقلاب شبيها بانقلاب بينوشيه الذي دبرته المخابرات المركزية للإطاحة بالرئيس سلفادور ألليندي في تشيلي، ولكن الانقلاب ضد شافيز فشل بعد ثلاثة أيام فأنكرت أمريكا وجود أي علم مسبق لها بهذا الانقلاب! وقبل ذلك أطاحت أمريكا بنظام الدكتور مصدق الذي أمم صناعة النفط وثبتت حكم الشاه الديكتاتوري في إيران سنة 1953م، وقد شكل العراق الحلقة المركزية في سلسلة اهتمامات الولايات المتحدة النفطية على أمل الخروج من مشاكلها الداخلية، فقد عانت أمريكا من الركود الاقتصادي الذي بدأ في عام 2001م وزادت حدته بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر أيلول من العام نفسه، فقد ارتفعت معدلات البطالة وانتشر الفساد وانهارت الشركات الكبرى وفقدت منطقة وول ستريت وسوق الأوراق المالية سمعتها، كما فقد صندوق التقاعد ربع أو ثلث قيمته وأحيانا فقد قيمته كلها كما حدث مع شركة إنرون ( التي أعلنت إفلاسها وباعت حصتها في شركة توليد الكهرباء الفلسطينية إلى شركة مورغانتي )* وتبخر فائض أموال الحكومات المحلية واختل ميزان الحساب الجاري لتصبح أمريكا أكبر دولة مدينة في العالم، ولعل الأهم من ذلك كله الانقسام الذي وقع في أمريكا في انتخابات عام 2000حيث تم انتخاب الرئيس في المحكمة العليا بأغلبية خمسة أصوات ضد أربعة أصوات مما يعني أن نصف المجتمع الأمريكي تقريبا لم يكن راضيا عن انتخاب بوش الابن قبل وقوع أحداث سبتمبر التي استغِلَّت في منع الإلغاء السياسي للحزب الجمهوري عن طريق خلق نوع من التضامن بين أفراد الشعب الأمريكي على أساس من الشعور القومي وتحويل الأنظار نحو العراق واتهام صدام بأنه على علاقة بالقاعدة وأنه يجب القضاء عليه عسكريا، وهنا يقول المؤلف إن الصقور في الولايات المتحدة اعترفوا في تقرير صدر سنة 1999م أنهم كانوا بحاجة إلى حادث بحجم كارثة بيرل هاربر، مما يوحي ضمتا أن أحداث سبتمبر كانت مدبرة لخلق مبرر لغزو أفغانستان والعراق عسكريا * بعد أن كانت إدارة كلينتون تفكر في تغيير النظام في العراق وخلق أنظمة عميلة بطرق أكثر نعومة.
وقد تبلورت لدى صقور المحافظين الجدد قناعة مفادها أن حربا ضد عدو خارجي كفيلة بأن تحفظ وحدة الشعب الأمريكي الذي يتكون من مجموعات من المهاجرين متعددي الثقافات والذين انحدروا من بلدان وأصول مختلفة مما جعل من الصعب على أي حاكم أمريكي أن يسيطر عليهم دون وجود خطر خارجي يوحدهم حتى ولو كان هذا الخطر خطرا وهميا، وخصوصا بعد انتهاء الحرب الباردة وزوال الخطر السوفييتي الذي كان يوحد طوائف الشعب الأمريكي.
وهنا يمكننا أن نلاحظ وجود تشابه بين تركيبة المجتمع الأمريكي والمجتمع الإسرائيلي الذي يتكون من مجموعات بشرية انحدرت من بلدان مختلفة الثقافات والأجناس، مما يجعل من وجود خطر خارجي عاملا مهما لتوحيد هذه الفئات والطوائف المختلفة ومنع تفكك هذه المجتمعات المصطنعة . *
وقد حاولت أمريكا استغلال التعددية في العراق لإضعاف وحدة الشعب العراقي وتمزيق العراق إلى ثلاث دول على الأقل رغبة منها في الاستحواذ على نفط هذا البلد، ولما كان بوش وتشيني على صلة وثيقة بشركات النفط، فقد أصبحت أمريكا مافيا نفطية في العالم بعد أن تكون لديها اعتقاد بأن من يسيطر على الشرق الأوسط يسيطر على النفط ومن يسيطر على النفط يسيطر على العالم سياسيا واقتصاديا وعسكريا، ومن هنا جاءت فكرة شن الحرب على العراق من أجل السيطرة على شركة النفط العراقية، وحتى لا يتعارض ذلك مع مصالح أصحاب الامتيازات في النفط العراق فكرت أمريكا في وجود شركاء لها في حربها على العراق وفي ضرورة وجود حل شامل للقضية الفلسطينية على أساس تشكيل دولة فلسطينية كبرى تضم الأردن وجزءاً من المملكة العربية السعودية، بينما تضاربت الآراء داخل أمريكا حول وحدة العراق أو تجزئته إلى دويلات.
* تعليقات إضافية.
يتبع

- 2 -
كيف تعاظمت قوة أمريكا
يؤكد دافيد هارفي على أن مصطلح الإمبريالية الرأسمالية يحتوي نقيضين هما: سياسة الدولة وسياسة الإمبراطورية مما يجعل من الإمبريالية عملية سياسية واقتصادية للسيطرة على رأس المال واستخدامه بحيث تقوم المؤسسات التي تديرها الدولة بدور كبير في تهيئة الأجواء لتراكم رأس المال، وعلى الرغم من الانفصال بين المنطق الإقليمي وبين المنطق الرأسمالي للقوة فإنهما يتداخلان بشكل معقد، ومع ذلك يقع الصدام بين المنطقين ليصل إلى درجة العداوة والحرب مما يكبح رأس المال بدلا من زيادة فرص تراكم الثروة، هنا يمكن أن يهيمن منطق الإقليم على منطق رأس المال أو العكس، ولعل ما يميز الإمبريالية الرأسمالية هو سيطرة المنطق الرأسمالي على الرغم من وجود أوقات تكون السيطرة فيها لمنطق الإقليم بحيث يحتاج تراكم الملكية بالضرورة إلى تراكم غير محدود للقوة، وهذا يمهد الطريق أمام ظهور الإمبريالية، وقد مر تحذير بول كيندي سنة 1990 من التوسع الكبير والامتداد الطويل دون أن يلتفت إليه أحد، فقد قال إن الولايات المتحدة تتهددها الأخطار بعد أن اتسعت قوتها سياسيا وعسكريا.
الهيمنة:
حدد المؤلف مفهوم الهيمنة في توعين:
1 – الهيمنة بالقبول: وهي تعني الهيمنة السياسية من خلال موافقة المحكوم في الدولة الواحدة، أو سيطرة دولة من خلال تفوقها الثقافي والمعنوي على مجموعة من الدول التي ترى في الدولة المهيمنة نموذجا يمكن الاقتداء به بهدف تحقيق نوع من التوازن مع الدولة المهيمنة والتقليل من قوتها وسلطتها وإفراغها من محتواها من خلال المنافسة للتقليل من خصوصية المهيمن( يمكن من وجهة نظري أن تكون المنافسة بين دول الاتحاد الأوربي والولايات المتحد أو بين منطقة جنوب شرق أسيا " اليابان وما حولها " مثالا على هذه المنافسة * )
2 – الهيمنة بالإكراه والقسر:
وذلك من خلال اللجوء إلى استخدام القوة العسكرية، وقد تكون هذه الهيمنة مزيجا من القبول والقسر.
ويفرق الكاتب بين نوعين من القوة هما: القوة التجميعية والتوزيعية التي تكون فيها المنافسة عاملا يحسن موقع المهيمن الذي ينتزع القوة من الآخرين أو يقود تحالفا إقليميا يحقق منافع أكبر للإقليم، ويمثل لذلك بنموذج الإوزة الطائرة الذي تقود فيه اليابان مجموعة من الدول الآسيوية، وقيادة التحالف الفرنسي الألماني لدول أوروبا وهو يشير إلى أن عملية توزيع القوة يلعب دورا في إعادة تنظيم الرأسمالية العالمية بصورة أقوى من العولمة ( وهذا يعني تهيئة الأجواء إلى مرحلة ما بعد العولمة ).
ولما كانت محصلة القوة التوزيعية صفرا فإن على الدولة المهيمنة أن توفر المكاسب المتبادلة والمنفعة للجميع لتكون المحصلة اكبر من الصفر، أو أن تعزز قوتها المشتركة في مواجهة الطبيعة من خلال إبداع وتطوير تقنيات جديدة وتنظيم البنية التحتية مثل شبكات الاتصال وهياكل القانون الدولي، ومن هنا فإن تزايد القوة الجماعية المشتركة يشكل القاعدة المتينة للهيمنة في النظام العالمي.
يشير المؤلف إلى أن تاريخ الولايات المتحدة حافل بالقسر والإرهاب سواء على المستوى الداخلي أو على المستوى الخارجي، ففي الداخل لجأت إلى القسوة في قتل زعماء الفهد الأسود وغيرها من الممارسات البشعة وأقامت في الخارج معسكرات الاعتقال في اليابان ودبرت الانقلابات في دول عديدة مما جعل كثيرا من الباحثين يصورون أمريكا على أنها أعظم دولة مارقة في العالم لأنها تملك سجلا أسود يثير الاشمئزاز.
وقد تلجأ أمريكا إلى القوة الاقتصادية لفرض هيمنتها على الدول الأخرى مثل فرض الحظر التجاري أو برامج التقشف التي يفرضها صندوق النقد الدولي، ومع ذلك نجد أن بعض النقاد لا يعترفون بأن القسر وتصفية العدو تشكل جزءا من أسس القوة الأمريكية ويرون أن هناك التعاون الذي منح أمريكا القدرة على أن تظل الدولة المهيمنة في العالم.
وقد وفرت الحرب الباردة المناخ الملائم لفرض الهيمنة الأمريكية، فقد وجد أصحاب الملكيات الخاصة أنفسهم مجبرين على التوحد ومساندة أمريكا التي تحميهم من خطر الاشتراكية الدولية والشيوعية، وقد أكد الإعلان العالمي لحقوق الإنسان على قدسية الملكية الخاصة، وبانتهاء الحرب الباردة أصبح من الصعب تعريف الدور القيادي الأمريكي بعد زوال الخطر الشيوعي وانتهاء الحرب الباردة "ومن هنا أستطيع أن أفسر محاولات أمريكا لاصطناع فزاعات الإرهاب الإسلامي والخطر الصيني وخلق الذرائع لتمهيد الأجواء أمام حرب باردة جديدة تعيد لأمريكا مكانتها القيادية التي بدأت تضعف وتتضاءل * "
لقد أسهم تقليد أساليب الحياة الأمريكية إلى نمو النزعة الاستهلاكية مما أسهم في عملية تراكم رأس المال ماليا، ولكن هذا التقليد قد يؤدي إلى إلى منافسة حادة، ومن هنا يصبح المال والقدرة الإنتاجية والقوة العسكرية الأرجل الثلاثة التي تقف عليها الهيمنة في ظل الرأسمالية.
نشوء إمبريالية البرجوازية: 1870 – 1945
وقعت أحداث هزت كيان الدول الأوربية مثل قيام كوميونة باريس سنة 1871م وما نتج عن الحرب الأهلية الأمريكية من ظهور حركات عمالية مما جعل سلطة الطبقة الرأسمالية تسعى إلى وضع حواجز أمام فائض رأس الأموال الذي اضطر إلى الهجرة إلى الخارج ناشرا موجة من المضاربات الضخمة بعد سنة 1870م، وظهرت الحاجة لحماية هذه المشاريع وتنظيمها مما زاد الضغط على الدول كي تستجيب لهذا المنطق الرأسمالي، وعليه فقد عملت الطبقة البرجوازية التي وصلت إلى السلطة في أمريكا على توطيد سلطتها وزيادة قوتها السياسية في مواجهة الأشكال الطبقية القديمة عن طريق إذابتها " كما في النمسا وهنغاريا وتركيا " أو أن تحولها إلى منطق رأسمالي" بريطانيا" ، وقد لجأت البرجوازية إلى فكرة الأمة فنشأت الدولة الأمة في النصف الثاني من القرن التاسع عشر" ألمانيا وإيطاليا "، ولكي تستطيع مسألة التراكم الرأسمالي أن تجد الاستجابة الكافية لا بد من إثارة المشاعر الوطنية والقومية الشوفينية العنصرية وحشدها وراء المشروع الإمبريالي حتى تتمكن رءوس الأموال الوطنية من استلام زمام القيادة، وهذا يعني تعليق الصراع الطبقي وإنشاء تحالف بين الرعاع ورأس المال داخل الدولة الأمة، وهذا الأمر يبدو غير طبيعي من وجهة نظر الماركسية لأنه يؤدي إلى تجاهل مخاطر تقسيم البشر إلى أسياد وعبيد، وطبقات عليا وسفلى وبيض وملونين، غير أن التناقض بين القومية البرجوازية والإمبريالية لم يحسم في وقت ازدادت فيه الحاجة إلى إيجاد منافذ لفائض رأس المال، مما أدى إلى ازدياد الضغوط على كل دولة إمبريالية على حدة لتوسيع سيطرتها الجغرافية فكانت النتيجة صراعا بين الإمبرياليين امتد خمسين سنة، كما تنبأ لينين، وهذا أدى بدوره إلى تقسيم العالم إلى مناطق نفوذ شبه احتكارية وتقسيم الشرق الوسط إلى محميات بريطانية فرنسية، ومع ذلك عجزت هذه المظاهر عن التعاطي مع مشكلة فائض رأس المال وظهر الكساد الاقتصادي الكبير في الثلاثينيات قبيل الحرب الكونية الثانية.
كانت أمريكا تطور نوعا من الإمبريالية، فقد اندفعت بعد الحرب الأهلية نحو تنمية رأس المال لتصبح القوة التكنولوجية والاقتصادية المهيمنة في العالم، وكانت السلطة السياسية فيها تكرس الفردية والملكية الخاصة ونسب الأرباح، ولما كانت البلاد تتكون من أعراق مختلفة من الوافدين فقد أصبح من المستحيل نشوء قوميات عرقية فيها، وكان المجتمع الأمريكي يمتلك مساحات واسعة تتيح توسعا داخليا يستطيع فيه منطق رأس المال والمنطق السياسي للقوة أن يتحركا فيه بحرية، وحاولت نشر قيمها بخطاب جميل وصولا إلى فكرة العولمة، وقد استندت أمريكا إلى فكرة اصطناع خطر خارجي " الشيوعية قديما والإرهاب الإسلامي حديث" للمحافظة على تماسك المجتمع الأمريكي ووحدته.
الهيمنة الأمريكية بعد الحر الثانية 1945 – 1970
خرجت أمريكا من الحرب العالمية الثانية باعتبارها الدولة الأكثر هيمنة في العالم وأصبح الدولار أقوى عملة في العالم وجهازها العسكري أقوى جهاز في العالم، وقد فقد عدوها الوحيد "الاتحاد السوفييتي" أعدادا كبيرة من سكانه وانحسرت قوته العسكرية والصناعية بسبب الحرب لأنه تحمل وطأة القتال ضد النازية، وقد تآمرت أمريكا وبريطانيا على جعل روسيا تتحمل العبء الأكبر من الحرب، ولكن ذلك أدى إلى نتائج غير متوقعة فقد سيطر الروس على دول شرق أوروبا ورفضوا الخروج منها، وقد أنكرت أمريكا أهمية الجغرافيا في تكوين القوة الإمبريالية، وقد أكد لوتشه سنة 1941 أن التاريخ أوكل لأمريكا مهمة قيادة العالم وأن عليها أن تضطلع بهذا الدور، وقد آثر لوتشه الحديث عن القرن الأمريكي بدلا من الحديث عن الإمبراطورية الأمريكية، على اعتبار أن السيطرة الأمريكية على العالم هي النتيجة الطبيعية لمسيرة التاريخ، وقد ظهرت المكارثية في أمريكا بحجة محاربة الفكر الشيوعي وقمعت المعارضة الداخلية بحجة الحفاظ على الأمن الداخلي وتم دفع العمال إلى تملق رأس المال وبذلك تمكنت أمريكا من استغلال دعم الطبقة العاملة في مناهضة الشيوعية.
وفي السياسة الخارجية صورت أمريكا نفسها على أنها المدافع عن الحريات " الأسواق الحرة" والملكية الخاصة، وقدمت الحماية العسكرية والاقتصادية لطبقة أصحاب الأملاك وللنخب السياسية والعسكرية في العالم، وظهر تعريف سلبي للمملكة الأمريكية بالقول: إنها تضم كل شيء لا يدور في فلك الاتحاد السوفييتي بما فيه الصين، ولذلك استغلت كل الفرص لإضعافه؛ فدعمت المجاهدين الأفغان لتضطر فيما بعد لكبحهم من خلال حربها على الإرهاب، وقد استخدمت التحالفات العسكرية لمنع نشوب حرب بين الرأسماليين مثل حلف الناتو ومكافحة نفوذ روسيا والصين فيما بعد، كما لجأت إلى قلب أنظمة الحكم غير الموالية لها ودعم الأنظمة الموالية، كما لجأت إلى بناء نظام دولي مفتوح في مجال التجارة والتنمية الاقتصادية والتراكم السريع لرأس المال، وقد تطلب ذلك تفكيك الإمبراطوريات القائمة على نظام الدولة الأمة، وقد نتج عن القضاء على الاستعمار قيام دول جديدة تحكم نفسها بنفسها، وقد صاغت أمريكا علاقاتها مع هذه الدول بناء على خبرتها في التعامل مع دول أمريكا اللاتينية قبل الحرب متبعة في ذلك إقامة أنظمة عميلة والعلاقات الاقتصادية المميزة ومحاولة منع أي عمل مشترك بين هذه الدول، كما وضعت نظاما دوليا للتجارة والتنمية الاقتصادية بين تلك الدول الاقتصادية وفي داخل كل منها من خلال اتفاقية بريتون وودز لضمان الاستقرار المالي العالمي والتي ترافقت مع استحداث عدة مؤسسات كالبنك الدولي وصندوق النقد الدولي والبنك الدولي للتسويات في سويسرا وتشكيل عدد من المنظمات مثل الاتفاقية العامة للتجارة ومنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، وقد تبنت أمريكا نظرية روستوف القائلة بالنمو الاقتصادي على مراحل لتشجيع الاستهلاك في كل بلد على حدة لإبعاد الخطر الشيوعي، وقد أدى تفكيك الإمبراطوريات إلى التخلي عن العنصرية بصورة رسمية على الرغم من استمرار وجودها في أمريكا، ومن هنا جاء الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الذي يؤكد على الملكية الخاصة وحقوق الفرد بما يتناسب مع المرحلة الثانية من الحكم السياسي للبورجوازية، وهنا بدأ الترويج لتفوق الثقافة الأمريكية على القيم الأوروبية البالية، واستخدمت قوة المال للسيطرة على الإنتاج الثقافي وسرقت نيويورك فكرة الفن الحديث من باريس بحيث أصبحت الإمبريالية الثقافية السلاح الهام في مجال ترسيخ الهيمنة الكلية وتغذية الرغبة في تقليد النمط الأمريكي.
انتهت سنة 1970 المرحلة الثانية لحكم البرجوازية العالمي، وبانتهائها أرادت الولايات المتحد احتواء الشيوعية أو تدميرها، وقد جاءت التكاليف الهائلة لحرب فيتنام على حساب رفاه المواطن الأمريكي مما أدى إلى طباعة كميات كبرى من الدولارات مما أدى إلى التضخم في جميع أنحاء العالم " كما يحدث الآن بسبب الحرب على العراق" مما أدى إلى حدوث انفجار في كميات رأس المال الزائف في العالم المطروحة للتداول دون أية قيمة بالإضافة إلى موجة من الإفلاسات، وانهارت الترتيبات التي أسست التفوق الأمريكي بعد الحرب الثانية وتنامت قوة العمال وزاد الإنفاق الاجتماعي وتضاءلت الأرباح وأصيب الإنتاج بالركود وبرزت أزمة فرط تراكم رأس المال، ومما زاد الأمر سوءا ازدياد القوة التنافسية لألمانيا واليابان اللتان شكلتا تحديا وتفوقا على الهيمنة الأمريكية في الإنتاج، وهكذا ضعف موقع أمريكا الاقتصادي بعد أن غمرت الدولارات الفائضة العالم وانهارت البنية المالية التي أسستها اتفاقية بريتون وودز.
هيمنة الليبرالية الجديدة :
لم يعد الذهب يشكل القاعدة المادية لقيمة النقد، وقد استغلت أمريكا أزمة النفط في سنة 1973 للإضرار بدول أوروبا بعد أن استطاعت البنوك الأمريكية وليس البنك الدولي تدوير البترو دولار لتصبح نيويورك المركز المالي للاقتصاد العالمي، وقد شنت أمريكا هجوما على قوة العمال لإخماد دور المؤسسات العمالية في العملية السياسية حيث قضى ريغان على قوة نقابة حركة مراقبي النقل الجوي في رسالة موجهة إلى كل الحركة العمالية بأنها ستلقى المصير نفسه، وقد تدهورت قوة العمال وساءت أحوالهم.
وقد ثبت على الصعيد الدولي أن رأس المال النقدي كثير التقلب وعرضة للأضرار مما شكل مؤشرا على عجز مبكر يصيب استمرارية تراكم رأس المال عن طريق عمليات توسيع إعادة الإنتاج، وأصبح هناك خياران: أن تفتح مناطق جديدة للتراكم المربح لرأس المال ( مثل الصين) أو أن تبدأ جولة جديدة من خفض قيمة رأس المال، وقد كشف انفجار فقاعة المضاربات المالية عن ضعف أمريكا، وإما تخفيض القيمة، كما كشف الركود الاقتصادي الذي بدأ عام 2001 عن هذا الضعف قبل صدمة سبتمبر، بعد عقد من الوفرة في الاستهلاك، وتدهور ميزان المدفوعات داخل أمريكا، مما أدى إلى ضعف الاقتصاد الأمريكي وهروب رأس المال وانهيار قيمة الدولار، وتقوم البنوك المركزية في الصين واليابان وتايوان بمحاولة تغطية عجز الولايات المتحدة عن طريق الإقراض لتمول الاستهلاك الأمريكي الذي يشكل سوقا مهمة لإنتاج هذه البلدان، وتتعرض الهيمنة الأمريكية للخطر بسبب اعتمادها غير المتوازن على رأس المال النقدي الذي اتخذته أمريكا وسيلة لترسيخ هيمنتها، فقد قدر حجم الدعم النقدي لأمريكا سنة 2003م مبلغ 2،3 مليار دولار يوميا، مما يقتضي فرض إجراءات تقشفية يفرضها الينك الدولي لو حدث مثل هذا الأمر مع دولة أخرى غير أمريكا، وقد بدأت مقاومة هيمنة تحالف صندوق النقد الدولي و وول ستريت، وتشكلت حركة عالمية لمقاومة الهيمنة وتشكيل عولمة بديلة تعتمد على الشعوب والحركات الشعبية المضادة لهيمنة أمريكا والتي كانت تابعة لها إلى وقت قريب وبخاصة في آسيا " كوريا الجنوبية " وفي أمريكا اللاتينية تنذر بتحويل المقاومة إلى سلسلة من الشعور القومي ضد أمريكا، وهنا تتخذ مقاومة الإمبريالية لونا مختلفا قد يدفع أمريكا إلى إتباع تكتيكات أكثر قسرا وإكراها مما يحدث في العراق للحفاظ على موقعها المهيمن.
الخيارت:
تملك أمريكا قرارات أكبر من تلك التي كانت تملكها بريطانيا قبل قرن ، وذلك يساعدها على تحويل هيمنتها المتراجعة إلى هيمنة استغلالية، إلا إذا تكيفت أمريكا مع تلك القوة الاقتصادية الصاعدة في شرق آسيا للانتقال إلى نظام عالمي جديد دون كوارث، لأن تحول أمريكا نحو الإكراه بالقوة العسكرية للمحافظة على سيطرتها على موارد النفط محفوف بالمخاطر، وتستطيع أمريكا تفادي هذه المخاطر بإعادة توزيع الثروة وتوجيه رءوس الأموال نحو الإنتاج وتجديد البنى التحتية الطبيعية والاجتماعية مما سيؤدي إلى إعادة تنظيم العلاقات بين مختلف طبقات السلطة في أمريكا واستبدال الاستهلاك الخاص بمشاريع تتوجه نحو الرفاه العام، ويتطلب ذلك فرض ضرائب أعلى وتمويل العجز، وهذا ما ترفضه الطبقة المسيطرة في أمريكا، ومن الصعب أن تقبل أمريكا، سلميا، بانتقال مركز هيمنة القوة العالمية إلى آسيا، ولهذا تستعرض إدارة بوش عضلاتها العسكرية التي هي القوة المطلقة الوحيدة التي بقيت لها في محاولة منها لانتزاع الجزية من دول العالم تحت ذريعة تقديم الحرية والسلام للجميع، وتشكل السيطرة على المنابع النفطية الوسيلة المناسبة لمنع أي تحول في القوة الاقتصادية العسكرية يهدد الاقتصاد العالمي، لأن أوروبا واليابان وشرق وجنوب شرق آسيا يعتمدون على نفط الخليج، وهنا فكرت أمريكا في إسقاط كل من صدام حسين وشافيز والتوجه نحو إيران وتعزيز موقعها في تركيا وأوزبكستان لحفظ الاستقرار والسيطرة على احتياطي النفط في حوض بحر قزوين الذي تسعى الصين لشرائه.
تحاول أمريكا التخلي عن التحالفات الثابتة لأنها تقيد حريتها في الحركة، وتفضل عليها التحالفات المؤقتة حسب كل حالة بمفردها حتى تتحكم في العالم أجمع عن طريق الاحتفاظ بتفوق عسكري لا مثيل له ومنع ظهور منافسين جدد في العالم.
المهيمنون الإقليميون ونظراؤهم :
يشكل ظهور الاتحاد الأوروبي إمكانية ظهور منافس حقيقي للولايات المتحدة، وربما أصبح اليورو هو العملة المعتمدة بدلا من الدولار، وقد كان تحول صدام حسين من الدولار إلى اليورو سببا في تعجيل الإطاحة به، وعلى الرغم من عدم رغبة الولايات المتحدة في الاعتماد على التحالفات الثابتة، فإنها تحافظ على حلف الأطلسي، مع عدم جدواه، لإبقاء القوة العسكرية الأوروبية تحت سيطرتها مما يزيد من صعوبة جعل المنطق الإقليمي الأوروبي قوة عسكرية متماسكة.
وتغذي أمريكا التنافس بين دول الاتحاد الأوروبي من باب فرق تسد، وهذا يجعل من العسير ظهور إستراتيجية مشتركة في السياسة الخارجية أو في المجال العسكري، وهذا يجعل التحدي الحقيقي لدول شرق وجنوب شرق آسيا هو الخطر على أمريكا التي تعمل جاهدة للهيمنة على اليابان وتايوان وكوريا الجنوبية لمنع قيام منطق إقليمي متماسك للقوة في هذه المنطقة، ومن هنا تفكر أمريكا في احتواء الصين من خلال سيطرة الأولى على نفط الشرق الأوسط، ولذلك فإن السيطرة على العراق لها مغزى أقوى وأعمق، فهو لا يشكل محاولة للسيطرة على صنبور النفط العالمي فقط بل يشكل رأس جسر عسكريا عظيم القوة تمده الولايات المتحدة نحو العالم" أوروبا وآسيا" إضافة إلى تحالفاتها التي تمتد من بولندا إلى دول البلقان بهدف تعطيل قيام أي قوة أوروبية آسيوية.

3
عبودية رأس المال
يعتمد بقاء الرأسمالية، على الرغم من الأزمات الكثيرة التي تعرضت لها، على إنتاجها للمكان، كما يعتقد لفبفر" Levebvre" أما لينين ولوكسمبورج فيعتقدان أن الإمبريالية باعتبارها شكلا للإنتاج واستغلال الحيز هي الحل الأمثل للغز استمرار الرأسمالية، وقد طرحت فكرة تصحيح المكان أو المكان الزماني لتجاوز التناقضات الداخلية لتراكم رأس المال التي تسبب الأزمات، وقد تولدت هذه الفكرة من نظرية كارل ماركس القائلة بوجود ميل إلى تدني الربح وحدوث أزمات فرط التراكم، وقد عرفت هذه الأزمات بفائض رأس المال وفائض قوة العمالة معاً، كما حدث في أزمة الثلاثينيات من القرن العشرين، فقد تدنت القدرة الإنتاجية ولم يجد فائض السلع تصريفا له، وكانت البطالة في أعلى مستوياتها مما أدى إلى هبوط في القيمة وتدمير فائض رأس المال، "كما يحدث في هذه الأيام" ولتجاوز هذه الحالة لا بد من التوسع الجغرافي وإعادة تنظيم المجال، وهذا يستدعي توظيف فائض رأس المال في مشاريع طويلة الأجل في البنية التحتية والاجتماعية( شبكات النقل والاتصالات والتعليم والبحوث).
سلطات الدولة وتراكم رأس المال:
تقوم العمليات الجزئية لتراكم رأس المال بخلق شبكاتها وأطرها الخاصة بالعمل في المكان بطرق مختلفة مستعينة بعلاقات القربى والروابط الدينية والعرقية واللغة كوسائل لخلق شبكات مكانية بالغة التعقيد لنشاط رأسمالي مستقل عن سلطة الدولة، ولكن الشرط المفضل للنشاط الرأسمالي هو وجود الدولة البورجوازية التي تضمن مؤسسات السوق وقوانين التعاقد، وتعمل على احتواء الصراعات الطبقية.
وقد لعب نظام الدولة في بريطانيا دورا في تراكم رأس المال تحت تأثير الروح التجارية فتراكمت لديها السبائك الذهبية بسبب التجارة، بينما يرى الفرنسيون أن الأرض هي مصدر كل الثروات وأن التجارة والصناعة شكلان ثانويان لتكوين الثروة، والدولة التي تعادي تراكم رأس المال تبقي بلادها متخلفة، بينما تكبح الدولة الديمقراطية الاستغلال المفرط للعمالة وتدعم دور الطبقة العاملة دون أن تلغي دور رأس المال، وقد تكون الدولة أداة فعالة في تراكم رأس المال ( مثل سنغافورة وتايوان وكوريا الجنوبية)، ولا يمكن إغفال دور مجموعات الدول في مجال تراكم رأس المال مثل الاتحاد الأوروبي أو دول شرق وجنوب شرق آسيا، ولا يمكن تجاهل دور حكومات الأقاليم كما في الولايات المتحدة الأمريكية، أو أقاليم المدن في أسبانيا( مثل برشلونة وكتالونيا ) .
الإنتاج في اقتصاد مكاني :
يميل الرأسماليون إلى الانتقال إلى الأماكن التي تكون فيها التكاليف أقل والأرباح أكثر، ويستطيع فائض رأس المال في مكان ما أن يجد فرصة للتوظيف في مكان يكون الربح فيه مضمونا، وعليه فإن الفوائد المكانية تخدم الرأسماليين بدرجة لا تقل عما تقدمه التكنولوجيا لهم من خدمات؛ لأن السيطرة على المكان تساعد على الاحتكار، فالرأسماليون يستعينون بالاستراتيجيات المكانية ليكوِّنوا ويحموا الاحتكارات التي هي سمة أساسية من سمات الإمبريالية.
وقد فرض عدم المساواة الناتج عن انعدام التنسيق في التبادل نفسه مكانيا وجغرافيا بحيث تركزت الامتيازات في مناطق معينة بسبب الحواجز الجمركية وتكاليف النقل، وبعد انهيار هذه الحواجز وانخفاض تكاليف النقل تمكنت البضائع من الحركة عبر الحدود إلى جميع أنحاء العالم، وهذا أدى بدوره إلى إيجاد نوع من الحماية التكنولوجية من خلال حق الاختراع وقوانين الترخيص والملكية الفكرية مما أدى إلى توقيع اتفاقية حقوق الملكية الفكرية التجارية، وقد ثبت أن تقليل التكاليف وتقصير زمن الحركة ضروريان للأسلوب الرأسمالي في الإنتاج، فقد أدت العلاقات المكانية المتغيرة إلى إعادة التنظيم السياسي، فقد أصبح التكتل الإقليمي فكرة عملية " مثل الاتحاد الأوروبي" بحيث يتقاطع المنطق الإقليمي مع المنطق الرأسمالي للقوة، ومع ذلك فإن حركة السيولة عبر المكان لا تتحقق إلا من خلال بنية تحتية مادية مثل الطرق والسكك الحديدية والمطارات والموانئ وشبكات الكهرباء والصرف الصحي وأنابيب نقل البترول والمعامل والمكاتب والإسكان والمستشفيات والمدارس التي تشكل رأس المال الثابت على الأرض، وتشكل في الوقت نفسه عائقا أمام التحولات الجغرافية وتغيير مواضع النشاط الرأسمالي، لأن انقطاع تدفق رأس المال إلى بعض الأماكن قد يؤدي إلى كارثة اقتصادية كما حدث في 11 سبتمبر " أيلول"، وهذا يعني أن الرأسمالية تبني مشهدا جغرافيا يسهل عليها القيام بأنشطتها لتعود فتدمر هذا المشهد لخلق مشهد جغرافي آخر يتناسب مع رغبتها في تحقيق تراكم غير متناهٍ لرأس المال، وهذه هي فكرة التدمير الخلاق أو الفوضى الخلاقة.
المنطق السياسي الإقليمي مقابل المنطق الرأسمالي للقوة :
التنظيم الإقليمي شرط أساسي لفهم ديناميكية تراكم رأس المال بحيث تؤدي التدفقات المتداخلة ضمن المنطقة إلى ارتباط منطقي يميز المنطقة عن غيرها من المناطق داخل الاقتصاد الوطني وخارجه بحيث تتجاوز التبدلات الاقتصادية لتشمل المواقف والمعتقدات والقيم الثقافية والانتماءات الدينية والسياسية، مما يقتضي إيجاد نوع من الحكم على شكل منظومات إدارية داخل الإقليم ( الحكم المحلي الذي يهتم بالبنية التحتية) تؤدي إلى التخصص والتركيز على صناعات معينة أو تكنولوجيات خاصة، وهذا يعتمد هيكل النظام الطبقي وأنماط التحالفات التي تبدأ في التشكل الظهور داخل الحكم.
دورة رأس المال:
يؤدي الإفراط في تراكم رأس المال ضمن نظام إقليمي معين إلى وجود فائض في القوى العاملة " بطالة متزايدة " وفائض رأس مال على شكل سلع لا يمكن تصريفها دون خسارة، ويمكن امتصاص هذه الفوائض من خلال:
1 – الإزاحة الزمانية: وذلك بالاستثمار في مشاريع طويلة الجل أو في نفقات اجتماعية كالتعليم والبحوث، مما يؤخر عودة رأس المال للتداول مستقبلا.
2 – الإزاحة المكانية: عن طريق فتح أسواق جديدة وقدرات إنتاجية جديدة وموارد جديدة وإمكانات اجتماعية وعمالية في أماكن أخرى.
3 – من خلال دمج الحالتين السابقتين معا.
وإذا لم يسمح لرأس المال المتراكم بالحركة فإنه يتعرض لخفض القيمة مباشرة بسبب الركود الحاصل، وفي حالة وجود فائض قوى عاملة وفائض رأس مال داخل إقليم معين، ولم يكن من المتاح امتصاص هذه الفوائض داخليا؛ فإنه ينبغي إرسال هذه الفوائض إلى مناطق أخرى لتحقيق الربح " عن طريق إيجاد أسواق لفائض السلع"، أو تقديم قروض للدول الأكثر فقرا والتي تتحمل أعباء انخفاض قيمة رأس المال المقدم لها وبذلك يتم استبعاد خفض القيمة بالنسبة للدولة الدائنة.
لقد أصبحت الصين المرشح الأوفر حظا لامتصاص فائض رأس المال، ذلك أنها المتلقي الأكبر للاستثمارات الأجنبية المباشرة التي ارتفعت من خمسة مليارات سنة 1990 إلى خمسين مليارا سنة 2002م، وشهدت سوق الصين نموا سريعا في السوق الداخلية والأجنبية على حد سواء، ومن المحتمل دخول استثمارات طويلة الأجل في البنية التحتية في الصين، كما أن الألعاب الأولمبية تحفز الاستثمارات الضخمة في العاصمة بكين، وإذا لم تحقق هذه الاستثمارات عائدا مناسبا لقيمتها فإنها تهدد بطهور أزمة مالية للدولة تهدد النمو الاقتصادي والاستقرار الاجتماعي. ومع ذلك تظل تجربة الصين نموذجا جيدا للتصحيح الزماني المكاني وفي مجال تبدل ميزان القوى السياسية والاقتصادية لصالح الصين التي ستصبح المهيمن الإقليمي، مما يجعل الإقليم الآسيوي في وضع منافس للولايات المتحدة، وهذا يجعل الولايات المتحدة تفكر في السيطرة على مفاتيح النفط في العالم ( الشرق الأوسط وبحر قزوين)، وهناك نتيجة أخرى متوقعة هي ازدياد المنافسة العالمية الشرسة مما يؤدي إلى انهيار المراكز الأضعف، وقد تنشأ صراعات جيو سياسية بين الأقاليم على شكل حروب تجارية أو حروب العملة " كما يحصل هذه الأيام من انخفاض قيمة العملة" أو حروب عسكرية.
التناقضات الداخلية :
تقوم التناقضات الداخلية بتجميع تراكم الثروة في قطب وتجميع الفقراء في القطب الآخر المقابل مما يدفع المجتمع إلى البحث عن حلول من خلال التجارة الخارجية والممارسات الإمبريالية، حيث يرى رودس أن الاستعمار والإمبريالية هما الوسيلة الوحيدة الممكنة لتجنب حصول حرب أهلية داخل البلاد.

يتبع



#محمد_أيوب (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الخروج من عنق الزجاجة
- قصص قصيرة جدا 2
- قصص قصيرة جدا - د . محمد أيوب
- لجبهة الشعبية في الذكرى الأربعين لانطلاقتها - د . محمد أيوب
- في ذكرى الأربعين - د . حيدر عبد الشافي - مسيرة عطاء متواصل
- نفحات شعرية
- غزة تحت خط القهر
- في ذكرى حرب حزيران
- شركة توزيع الكهرباء في محافظات غزة تساؤلات تحتاج إلى إجابات ...
- في الذكرى 59 للنكبة
- شركة توزيع الكهرباء والانقطاع المتكرر للتيار
- زغردي يا امرأة - خاطرة ،
- أوقفوا هذا الجنون
- هذا الوطن ليس لنا - خاطرة
- عزوف - خاطرة ،
- العراق وفستان مونيكا
- قراءة في قصيدة أفين شكاكي - في يدي أفق ماطرة -
- أمطار غزيرة وآمال كبيرة
- التاسع والعشرون من أكتوبر والذكريات المؤلمة
- طفالنا والعيد - خاطرة


المزيد.....




- مصدر عراقي لـCNN: -انفجار ضخم- في قاعدة لـ-الحشد الشعبي-
- الدفاعات الجوية الروسية تسقط 5 مسيّرات أوكرانية في مقاطعة كو ...
- مسؤول أمريكي منتقدا إسرائيل: واشنطن مستاءة وبايدن لا يزال مخ ...
- انفجار ضخم يهز قاعدة عسكرية تستخدمها قوات الحشد الشعبي جنوبي ...
- هنية في تركيا لبحث تطورات الأوضاع في قطاع غزة مع أردوغان
- وسائل إعلام: الولايات المتحدة تنشر سرا صواريخ قادرة على تدمي ...
- عقوبات أمريكية على شركات صينية ومصنع بيلاروسي لدعم برنامج با ...
- وزير خارجية الأردن لـCNN: نتنياهو -أكثر المستفيدين- من التصع ...
- تقدم روسي بمحور دونيتسك.. وإقرار أمريكي بانهيار قوات كييف
- السلطات الأوكرانية: إصابة مواقع في ميناء -الجنوبي- قرب أوديس ...


المزيد.....

- الكونية والعدالة وسياسة الهوية / زهير الخويلدي
- فصل من كتاب حرية التعبير... / عبدالرزاق دحنون
- الولايات المتحدة كدولة نامية: قراءة في كتاب -عصور الرأسمالية ... / محمود الصباغ
- تقديم وتلخيص كتاب: العالم المعرفي المتوقد / غازي الصوراني
- قراءات في كتب حديثة مثيرة للجدل / كاظم حبيب
- قراءة في كتاب أزمة المناخ لنعوم چومسكي وروبرت پَولِن / محمد الأزرقي
- آليات توجيه الرأي العام / زهير الخويلدي
- قراءة في كتاب إعادة التكوين لجورج چرچ بالإشتراك مع إدوار ريج ... / محمد الأزرقي
- فريديريك لوردون مع ثوماس بيكيتي وكتابه -رأس المال والآيديولو ... / طلال الربيعي
- دستور العراق / محمد سلمان حسن


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - قراءات في عالم الكتب و المطبوعات - محمد أيوب - قراءة في كتاب الإمبريالية الجديدة