أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - القضية الفلسطينية - خالد منصور - محتال.. والضحايا ذوو الأسرى















المزيد.....

محتال.. والضحايا ذوو الأسرى


خالد منصور
عضو المكتب السياسي لحزب الشعب الفلسطيني


الحوار المتمدن-العدد: 2257 - 2008 / 4 / 20 - 07:23
المحور: القضية الفلسطينية
    


وصل المخيم عند ساعات الظهر.. وما أن أنزلته سيارة الركاب إلا وبدأ بالسؤال عن منزل أبو سليمان، ولما سأله من قابله من الناس عن أيّ أبو سليمان يبحث، كان يوضح لهم انه يبحث عن أبو سليمان الذي له ولدين ( زيد وإياد ) في المعتقلات الإسرائيلية.. ومن الطبيعي أن يتسبب هذا التوضيح بتعقيد الأمر أكثر، لان الناس في المخيم لديهم حساسية أمنية زائدة عن اللزوم، ودائما تذهب شكوكهم عندما يدخل الغرباء إلى مخيمهم-- إلى ابعد من الضيافة-- أي إلى ألاعيب وحيل المخابرات الإسرائيلية، ولكن الزائر الغريب كان متيقظا لهذا الأمر واستطاع بسلاسة أن يفهم الناس انه خارج حديثا من السجن، وانه كان زميل برش ( فراش السجن ) لأبناء أبو سليمان، وغايته أن يوصل إلى أسرتهم رسالة خاصة منهم، وكي يحدثهم عن الظروف التي يعيشونها داخل المعتقل الإسرائيلي.. وبعد أن صدقه الناس ذهب معه احد الشبان ليرشده إلى منزل أبو سليمان.. وعندما طرق بوابة منزل أبو سليمان استقبله أبو سليمان بالترحاب، ودعاه بحرارة للدخول إلى المنزل-- حتى قبل أن يقول له انه قادم من عند ولديه القابعين في السجن-- جلس الزائر الغريب الذي كان في العقد الثالث من عمره، ويلبس هنداما جيدا ( بدلة راقية وربطة عنق وحذاء لامع )، وفورا اخذ يحدق بالصور المعلقة على جدران المنزل، مما دفع بأم سليمان للتوضيح له أن الصور تعود لأبنائها المعتقلين بالسجون الإسرائيلية .. فاصطنع الضيف حالة الحزن والأسى وقال لها : أنا يا خالتي اعرفهم جيدا وجئتكم خصيصا لأحكي لكم عن وضعهم، فبيني وبينهم علاقة استمرت لشهور طويلة في قسم واحد وفي غرفة واحدة من سجن مجدو، أكلنا وشربنا وسهرنا الليالي وعانينا وتعذبنا سويا.. وهنا فاضت عيون أم سليمان بالدموع، وأجهشت بالبكاء الحار واستحلفت الغريب بالله أن يحدثها بصدق عن أحوالهم، كيف يمضون الليالي والأيام، وكيف هي أوضاعهم الصحية، وكيف وماذا يأكلون، وهل يشبعون، وهل هم حقيقة بخير، وهل تطالهم عمليات التنكيل التي تقول وسائل الإعلام أن إدارات السجون الإسرائيلية تقوم بها ضد المعتقلين.. وطلبت منه عدم الحديث ريثما تدعو بقية أفراد الأسرة من زوجات المعتقلين وإخوتهم وأخواتهم كي يستمعوا إلى حديثه كاملا، وخرجت مسرعة وهي تنادي بأعلى صوتها على أبناءها وبناتها وزوجات وأبناء ولديها المعتقلين .. وما هي إلا خمس دقائق حتى كان الجميع يحيطون بالغريب، الذي اخذ يحدثهم عن ظروف السجن، ويسرد لهم حتى دقائق الأمور، ويقص عليهم بعضا من المعلومات الخاصة عن أبنائهم وبعض دقائق حياتهم وابلغهم معلومة دقيقة عن موعد محاكمة ابنهم زيد، مما جعل الجميع مشدود إلى هذا الغريب، ويحيطونه بجو من المودة والألفة، كيف لا وهو قادم من عند أحبائهم القابعين وراء قضبان النازية الإسرائيلية.
وما هي إلا ساعة حتى اكتسب الغريب ثقة عائلة أبو سليمان بالكامل، وعلى وجه السرعة قامت أم سليمان المعروفة بسخائها وكرمها بإعداد غداء فاخر لهذا الضيف، فأكل بنهم كبير حتى كادت بطنه أن تنفجر وأمعاؤه أن تتشقق، وشرب العصير والكولا، ثم شرب الشاي والقهوة، ودخن السجائر، ثم بدا بتنفيذ الشق الآخر من هدف زيارته-- وذلك بعد أن اطمأن بان العائلة قد أعطته ثقتها دون أية شكوك.. وبدا بتوجيه الكلام إلى أم سليمان، وقد أدرك أنها صاحبة شخصية قوية، وأنها الأكثر تصديقا له، ولأنها الأم التي بالعادة تكون الأكثر عطاء والأكثر استعدادا لتقديم كل شيء يجلب الراحة لأبنائها، ويحقق لهم كامل رغباتهم.. فاخبرهم الضيف بان هناك من قريب له يعمل مع الصليب الأحمر سيقوم خلال أيام قليلة بزيارة إلى السجن، وان أبناءهم قد ابلغوه بحاجتهم إلى ملابس عادية وأخرى رياضية، والى أحذية وصابون وشامبو وحلويات وزعتر.. ووو الخ، وان قريبه الذي سيزور السجن مستعد لحمل كل شيء تودون إيصاله إلى أبنائكم.. وعندها صرخت أم سليمان بزوجات ابنيها الأسيرين ( زيد وإياد ) وبإخوته وأخواته، وطلبت منهم التحرك بسرعة وتحضير كل شيء بأقصر وقت، وبالفعل ذهب الأخ الأكبر ( سليمان ) إلى محل قريب لبيع الملابس، واشترى منه لكل واحد من أخويه بنطلون وبلوزة، وبدلة رياضية وملابس داخلية، وذهب أيضا إلى محل لبيع الأحذية، فاشترى حذاءين رياضيين، واشترى كذلك حقيبة كبيرة، وعاد راكضا إلى المنزل، وأحضرت أم سليمان كمية وافرة من الزعتر والميرمية، وعلبتي شوكولاتة من النوع الممتاز، كما أحضرت زوجتا الأسيرين الصابون والشامبو والمناشف الجديدة، وتم وضع جميع الأغراض في الحقيبة.. وحانت لحظة مغادرة الغريب لمنزل أبو سليمان، عندها أعطى الغريب رقم جواله للأسرة، وكذلك رقم جوال الشخص الذي سيزور السجن، وذلك كي يستمر التواصل بينهم- كما قال- وخرج الجميع لوداع الغريب الذي حمل الحقيبة المليئة بالأغراض، والتي بالكاد كان قادر على حملها، ورافقه إلى خارج الزقاق والحارة سليمان الابن الأكبر للعائلة، فاقترب الغريب منه وقال له بصوت خافت هادئ وبشيء من الانفعال المفتعل-- انه كان محرجا بالحديث عن مطلب آخر لأخويه المعتقلين، وذلك لان دموع أم سليمان وبكاؤها جعله يتردد بالإبلاغ عن ذلك المطلب، فقال له سليمان: لا عليك ابلغني به وأنا سأنفذ الطلب مهما كان-- فقال له الغريب: إن أخويك بحاجة إلى بعض المال، لان الحياة في السجون صعبة، عندها وضع سليمان يده في جيبه، واخرج كل ما بها من شواقل-- وكانت مائتي شيقل فقط-- هي كل ما يملكه، وقام بتسليمها كلها للضيف، الذي أخذها بسرعة ووضعها مباشرة في جيبه، وبعدها افترق الاثنان، حيث قام الغريب باستئجار سيارة خاصة تنقله إلى مدينة نابلس.. وعندما عاد سليمان إلى البيت اخبر أمه أن الغريب ابلغه بحاجة أخويه إلى المال، وانه لم يستطع أن يدبر إلا مائتي شيقل، عندها بكت أمه وصرخت بوجهه لماذا لم تخبرني..؟؟ فانا بإمكاني أن أعطيه ستمائة شيقل، وانهالت على ابنها باللوم والتوبيخ على تقصيره مع أخويه..
وفي المساء اجتمعت عائلة أبو سليمان كعادتها كل يوم، وكانت زيارة ذلك الغريب هي الموضوع الذي طغى على كل الحديث، وقد سيطر الحزن لبعض الوقت-- لكن ابنة أبو سليمان طرحت سؤالا استهجنه جميع أهلها، حيث سالت ماذا لو كان هذا الزائر نصابا محتالا..؟؟!! وبعد نقاش طويل في الموضع استأذنتهم بالاتصال بأرقام الجوالات التي أعطاها لهم الزائر الغريب.. فوافقوا بعد تردد كبير.. وكانت المفاجأة الكبرى حين لم تجد البنت من يجيبها على الاتصال، فحاولت مرة ثانية وثالثة وكان الرد الآلي يقول لها في كل مرة ( جوال مرحبا لا يمكن الوصول ).. فعم الصمت للحظات وبعدها قالت الأم: يمكن لنا أن نحاول الاتصال غدا صباحا-- محاولة إقناع نفسها بان الزائر لم يكن نصابا لأنه ابلغها أمورا كثيرة ودقيقة عن ولديها.. وفي صبيحة ذلك اليوم حاولت البنت إجراء الاتصال مرة أخرى، لكن الرد الآلي كان نفس الرد ( جوال مرحبا لا يمكن الوصول ) .. وفقط عندها أيقنت الأسرة بأنها كانت فريسة وضحية لنصاب محتال، استطاع بذكاء ومكر اللعب على عواطف أفراد الأسرة واستغل شوقهم الشديد لأبنائهم، لينهب منهم ما يستطيع من نقود ومتاع ومواد أخرى.. ( بلغت قيمة الغنيمة التي حصل عليها المحتال أكثر من ألف شيقل )..
بكت أم سليمان طويلا، وأصيبت الأسرة جميعها بخيبة أمل وصدمة، زادت من همومها وآلامها التي لم تنقطع منذ سنوات-- وكأنه لم يكن يكفي عائلة أبو سليمان ما بها من الآم، لو توزعت على العالم كله لفاضت عنه وزادت-- وتذكرت أم سليمان مواقف أخرى حصلت وتحصل معها، حين تنقطع أو تتأخر مخصصات الأسرى، التي لا تكفي ولا تغطي إلا القليل من احتياجات أسرهم.. وحين كان بعض المحامين يبلغوها كذبا أنهم قد زاروا أبناءها.. وكيف كان البعض منهم يأخذون الملابس لإيصالها للسجن-- ويؤكدون لها أنهم قد أوصلوها للمعتقلين-- ويتضح فيما بعد أن المعتقلين لم يقابلوا المحامين نهائيا، ولم تصلهم أي من الأشياء التي كان ذويهم يقتطعون أثمانها من قوت عيالهم-- وهم بأمس الحاجة إليها..



#خالد_منصور (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- أم علي تنجو بأعجوبة
- إلى الأمام أيها الرفاق
- أرجوحة أطفال عزون
- الإغاثة الزراعية – ربع قرن من العطاء
- محطات في تاريخ حزب مجيد
- فاطمة تودع ابنها الثاني شهيدا
- متى تنفذ الحكومة وعدها للمزارعين متضرري الصقيع..؟
- اللاجئون.. أوضاع تسوء وأحلام تبتعد
- جورج العظيم .. جورج الحكيم
- لأجلك يا غزة اقتادوني إلى المخفر
- شعارات لمسيرات ضد الحصار والعدوان على غزة
- يا سادتي اغضبوا ولو مرّة
- على بوابة الأغوار
- دعوة لعمل تطوعي في رام الله لتطهيرها من آثار بوش
- فلسطينية تتحدى الجدار
- ليس منا من يحبك يا بوش
- عن النساء والتنمية والتوفير والتسليف
- الانطلاقة تستوجب الاستفاقة
- عندما يكون المسئول حاضرا
- اعيادنا مصبوغة بدمائنا


المزيد.....




- فيديو رائع يرصد ثوران بركان أمام الشفق القطبي في آيسلندا
- ما هو ترتيب الدول العربية الأكثر والأقل أمانًا للنساء؟
- بالأسماء.. 13 أميرا عن مناطق السعودية يلتقون محمد بن سلمان
- طائرة إماراتية تتعرض لحادث في مطار موسكو (صور)
- وكالة: صور تكشف بناء مهبط طائرات في سقطرى اليمنية وبجانبه عب ...
- لحظة فقدان التحكم بسفينة شحن واصطدامها بالجسر الذي انهار في ...
- لليوم الرابع على التوالي..مظاهرة حاشدة بالقرب من السفارة الإ ...
- تونس ـ -حملة قمع لتفكيك القوى المضادة- تمهيدا للانتخابات
- موسكو: نشاط -الناتو- في شرق أوروبا موجه نحو الصدام مع روسيا ...
- معارض تركي يهدد الحكومة بفضيحة إن استمرت في التجارة مع إسرائ ...


المزيد.....

- حماس: تاريخها، تطورها، وجهة نظر نقدية / جوزيف ظاهر
- الفلسطينيون إزاء ظاهرة -معاداة السامية- / ماهر الشريف
- اسرائيل لن تفلت من العقاب طويلا / طلال الربيعي
- المذابح الصهيونية ضد الفلسطينيين / عادل العمري
- ‏«طوفان الأقصى»، وما بعده..‏ / فهد سليمان
- رغم الخيانة والخدلان والنكران بدأت شجرة الصمود الفلسطيني تث ... / مرزوق الحلالي
- غزَّة في فانتازيا نظرية ما بعد الحقيقة / أحمد جردات
- حديث عن التنمية والإستراتيجية الاقتصادية في الضفة الغربية وق ... / غازي الصوراني
- التطهير الإثني وتشكيل الجغرافيا الاستعمارية الاستيطانية / محمود الصباغ
- أهم الأحداث في تاريخ البشرية عموماً والأحداث التي تخص فلسطين ... / غازي الصوراني


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - القضية الفلسطينية - خالد منصور - محتال.. والضحايا ذوو الأسرى