أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عاصم بدرالدين - بل بحبل مشنقة















المزيد.....

بل بحبل مشنقة


عاصم بدرالدين

الحوار المتمدن-العدد: 2254 - 2008 / 4 / 17 - 06:31
المحور: الادب والفن
    


عامين مرا على وفاة الشاعر السوري الكبير محمد الماغوط. والناس نسيت. دوماً ننسى من صنعوا مجداً ثقافياً، فلا قيمة للثقافة والأدب في بلادي. يرحلون بهدوء ولا أحد يسأل أين رحلوا؟ ولما رحلوا؟ من منا تذكر هذه السنة محمد الماغوط؟ لا أحد سوى -ولا أجزم- جريدة الأخبار اللبنانية التي أعدت ملفاً كاملاً عن الراحل الأدبي الكبير.
شاعرنا العظيم، ليس بشاعر عادي، أنه من مؤسسي الشعر النثري في العالم العربي، ومن مؤسسي حضارة مجلة "شعر" مع الراحل يوسف الخال، والشاعرين أنسي الحاج وأدونيس.
هو نفسه، محمد الماغوط، الكاتب المسرحي الذي أطلق دريد لحام إلى العالمية عبر مسرحه الساخر-الناقد سياسياً، بطريقةٍ ذكية وحذقة. رحل محمد الماغوط في الثالث من نيسان العام 2006، بهدوء. وتعود علينا ذكراه اليوم بكل شيء يتعارض مع الهدوء: الفوضى والموت، الدماء والجراح، الصراخ والزعيق. عالمنا العربي يسير إلى الوراء بإستمرار، لا إهتمام بالشعر ولا الأدب عموماً، ولبناننا-بيروتنا، لم تعد تأبه إلا بإطلاق الرصاص إبتهاجاً بوجهٍ أطل علينا من الشاشة الصغيرة، وبعدها تبدأ المدينة المنكوبة بِعَد الضحايا.
بين الماغوط وبيروت علاقة وثيقة، كعلاقة بيروت بالشعر. بمعنى أخر هي علاقة وجود. بيروت بلا الشعر والشعراء، ليست بيروت. والشعر والشعراء بلا بيروت، ليسوا شعراً ولا شعراء.
وهنا تكمن الطامة الكبرى، فبيروت ما عادت بيروت والشعر ما عاد شعراً! بيروت صارت ساحة لكل صراع، ارضاً للمجزرة. المجزرة لا هوية لها بالتالي لا أرض لها، لكن بيروت اليوم صارت مدينة للمجزرة. المجزرة بمعناها الجثثي (الجثث) أو الروحي. على هذه الطريق بالذات سقط ألوف الشهداء في الحروب المتتالية. مرةً قالوا لنا أنها "حرب الأخرين على أرضنا" فمضغنا الفكرة. ومرة أخرى قالوا أنها كانت "حرباً ضد العدو" فصدقنا. بيروت تموت، لكنها لا تنتهي إلا على مجزرة. بيروت تبتسم دوماً، شامتةً بالطبع من كل ضحاياها.
سقطت بيروت، سقط الأدب، سقطت الرواية، سقط الشعر. إستحال كل شيء إلى رموز مجردة للمجزرة.
المعركة معركة وجود. الطوائف لا تصنع وطناً، الوحدة بينها لا تصنع أمة متماسكة كما نعتقد، بل تشكل غطاءاً وسخاً لصراعتها المضمرة. الحرب لم تنته، الموت لم تجف عروقه بعد. الحرب تعود كلما عاد الصراع، الصراع كلامي. هذا صحيح. لكن في البدء كانت كلمة فلا يجب أن ننسى ذلك.
بيروت بحكم المحتلة. مدينة ساقطة في كباش الطوائف والملل، والشعر سقط بمجرد سقوطها. هنا إستغنت بيروت عن دورها الأدبي مع بدايات الحرب لأجل دور أكثر تلوينا وإجراماً، فصارت بيروت كالسجن. بيروت سجن صغير لصراعات شتى.
الحرب لم تنتهِ بعد. والمشلكة الحقيقية اننا لم نستغل الحرب.
لم ننتج صيغة في أعقابها تعالج سبب إندلاعها عام 1975. بمعنى أخر، إن الأسباب التي أدت إلى نشوب الحرب الأهلية، هي الإنقسام الطائفي اللبناني والإنعزال المتلازم مع التدخل الخارجي. وإتفاق الطائف كصيغة تسوية للأزمة-الصراع، لم ينهِ هاتين المشكلتين، بل على العكس كرسهما في صلب القانون بعد أن كانتا مجردَ عرف. الإنقسام الطائفي تحول تقاسماً للمغانم والمواقع والمراكز والقرار السياسي، والتدخل الخارجي صار معلناً، بشكل مفضوح ومثير بلا خجل أو خزي. الجيش السوري مرة، المملكة العربية السعودية في أخرى، الولايات المتحدة الأميركية وفرنسا، والآن إيران.
كان على اللبنانيين منذ خروجهم من أتون الحرب، العمل على إنتاج تسوية تخلصهم. تبعدهم عن الأشباح الدموية للحروب. لكنهم فعلوا العكس بشكل ساذج وغريب لا يثبت لنا سوى إضمحلال الفكر اللبناني وتقلصه، فقبلوا جميعاً-بالتوافق مساكنة تلك الأشباح الحمراء القاتلة.. لا القضاء عليها.
لا يجب أن ننسى الحرب والدمار والقتلى والقتل والموت. لكن لا معنى لهذه الذكرى، إن لم تترافق مع تخطي لأسباب وقوعها، لا معنى لها إن لم نوجد آلية لمحاسبة المشاركين فيها، لا معنى لها إذا لم نستنبط أفكاراً تؤدي إلى تذويب جميع الملل والفئات تحت شراع المواطنية، كي نصل إلى دولة علمانية ديمقراطية.. منعاً لتكرر الحدث الأليم.
الحرب رغم كل مآسيها، كانت فرصة جيدة لتخليص النسيج الإجتماعي اللبناني، من الإنقسام المذهبي الذي يعانيه. كذلك كانت فرصة لإنهاء التدخلات الخارجية. لكن هذا الأمل الإيجابي من حربٍ سلبية لم يتم، بل مُحيَّ من جدول رغباتنا نهائياً. وإقتنعنا بسلامة وطبيعة وبديهية وضرورة وجودهما(الإنقسام المذهبي-التدخل الأجنبي).
ومجرد التمني اليوم بتحقيق هذين الأمرين –سابقي الذكر- أصبح كالحلم، يمتعنا في نومنا، ننساه في واقعنا-يقظتنا.
أمام كل هذه الفوضى، هل من حل؟ نستطيع أن نقول نعم الحل موجود: ربما يكون في توليد حرب أخرى من بين أفخاد الطوائف... لأننا ولدنا بحبل مشنقة.

"الوشم" للراحل محمد الماغوط:

الآن
في الساعة الثالثة من القرن العشرين
حيث لا شيء
يفصل جثثَ الموتى عن أحذيةِ الماره
سوى الاسفلت
سأتكئ في عرضِ الشارع كشيوخ البدو
ولن أنهض
حتى تجمع كل قضبان السجون وإضبارات المشبوهين
في العالم
وتوضع أمامي
لألوكها كالجمل على قارعة الطريق..
حتى تفرَّ كلُّ هراواتِ الشرطة والمتظاهرين
من قبضات أصحابها
وتعود أغصاناً مزهرة (مرةً أخرى)
في غاباتها
أضحك في الظلام
أبكي في الظلام
أكتبُ في الظلام
حتى لم أعدْ أميّز قلمي من أصابعي
كلما قُرعَ بابٌ أو تحرَّكتْ ستاره
سترتُ أوراقي بيدي
كبغيٍّ ساعةَ المداهمه
من أورثني هذا الهلع
هذا الدم المذعور كالفهد الجبليّ
ما ان أرى ورقةً رسميةً على عتبه
أو قبعةً من فرجة باب
حتى تصطكّ عظامي ودموعي ببعضها
ويفرّ دمي مذعوراً في كل اتجاه
كأن مفرزةً أبديةً من شرطة السلالات
تطارده من شريان إلى شريان
آه يا حبيبتي
عبثاً أستردُّ شجاعتي وبأسي
المأساة ليست هنا
في السوط أو المكتب أو صفارات الإنذار
إنها هناك
في المهد.. في الرَّحم
فأنا قطعاً
ما كنت مربوطاً إلى رحمي بحبل سرّه
بل بحبل مشنقة





#عاصم_بدرالدين (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- -الحسبة- والمواطن السعودي
- الله إلكترونياً: تسعيرات واضحة!
- تضامناً مع وفاء سلطان:ماذا عن الرأي الآخر؟
- هي لحظة
- ماذا عن ميشال سورا؟
- لا أريد أن أموت
- الزواج المدني: الخطوة الأولى
- بيروت،أدب وفن
- حالة حب (قصة قصيرة)
- بيروت:-مملكة الغرباء-
- غزة فوق الحصار
- ثقافة -حرق الإطارات-
- أسئلة وقبلة
- القتل العادي!
- ترسبات طائفية!
- حول مقولة: الدين لله والوطن للجميع
- خواطر على هامش العام الجديد
- أنشكر العاهل السعودي على الحق؟! (نعتذر من فتاة القطيف)
- بيروت تبعث من جديد!
- الذاكرة لا تصنع وطناً!


المزيد.....




- -كائناتٌ مسكينة-: فيلم نسوي أم عمل خاضع لـ-النظرة الذكورية-؟ ...
- مصر.. الفنان بيومي فؤاد يدخل في نوبة بكاء ويوجه رسالة للفنان ...
- الذكاء الاصطناعي يعيد إحياء صورة فنان راحل شهير في أحد الأفل ...
- فعالية بمشاركة أوباما وكلينتون تجمع 25 مليون دولار لصالح حمل ...
- -سينما من أجل غزة- تنظم مزادا لجمع المساعدات الطبية للشعب ال ...
- مشهور سعودي يوضح سبب رفضه التصوير مع الفنانة ياسمين صبري.. م ...
- NOW.. مسلسل قيامة عثمان الحلقة 154 مترجمة عبر فيديو لاروزا
- لماذا تجعلنا بعض أنواع الموسيقى نرغب في الرقص؟
- فنان سعودي شهير يعلق على مشهد قديم له في مسلسل باللهجة المصر ...
- هاجس البقاء.. المؤسسة العلمية الإسرائيلية تئن من المقاطعة وا ...


المزيد.....

- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو
- الهجرة إلى الجحيم. رواية / محمود شاهين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عاصم بدرالدين - بل بحبل مشنقة