أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - المجتمع المدني - عصام عبدالله - للصبر حدود .. وللتسامح أيضا














المزيد.....

للصبر حدود .. وللتسامح أيضا


عصام عبدالله

الحوار المتمدن-العدد: 2252 - 2008 / 4 / 15 - 10:58
المحور: المجتمع المدني
    


يبدو أن خشيتنا المبالغ فيها - نحن معشر المؤمنين بالتسامح - من أن نصبح ( نحن أنفسنا ) غير متسامحين ، هي التي أدت بنا إلى هذا الموقف الخاطئ والخطير ، الذي يوجب علينا أن نتسامح مع كل شئ ، كما يقول كارل بوبر .
فلم يكن معظم المنادين بالتسامح مستعدين دائماً للسير بهذا المبدأ حتى نهاية الشوط ، أو فى كل الاتجاهات وعلى كافة الصعد . فـ "جون لوك" أكبر المؤيدين لمبدأ التسامح ، وضع مجموعة من الضوابط ، من يتعداها لا يمكن التسامح معه بأى حال من الأحوال :
1- الترويج لمعتقدات وأصول تهدد بنسف المجتمع نفسه .
2- الأفعال التى تهدف إلى تدمير الدولة أو التعدى على أموال الآخرين .
3- الولاء للحكام الخارجيين(الخيانة) .
وواضح هنا أن أغلب هذه الضوابط تخص الدولة لا الدين . الشئ نفسه نجده عند "فولتير" أشهر فلاسفة التنوير ، فهو ضد اضطهاد الأفكار والمعتقدات ، ومن أقوى المنادين بحرية الفكر التى لا تحدها حدود ، وصاحب أشهر مقولة فى الحرية وحق الاختلاف فى الرأى ، ومع ذلك فإنه جعل حدوداً للتسامح لا يتعداها عندما يتعلق الأمر بشئون "الدولة" والسياسة .. .. ..
وحسب "جون هرمان راندال" : "فقد كان عصر التنوير مستعداً للتسامح فى أمر الاختلاف الدينى لا السياسى" رغم أنه كان أكثر العصور تقدماً من ناحية الفكر السياسى .
فى عصر النهضة الأوروبية أو الرينسانس ، ظهرت الملكية المطلقة كنظام سياسى جديد على المسرح الأوروبى ، كما ساهمت البروتستانتية فى تصدع الكنيسة الكاثوليكية ( الجامعة ) ومن ورائها الهيمنة الدينية العالمية ، أضف إلى ذلك أن انتشار الحروب السياسية والأطماع الاستعمارية بين الممالك الأوروبية ساعد على تأصيل النزعة القومية .
وأصبح الخيار المطروح أمام الأوروبى العادى ، هو خيار بين الأخوة فى الدين كما كانت تبشر الكنيسة الكاثوليكية ، أو الأخوة فى الوطن كما كان يبشر أكثر مفكرى النهضة ، وحسم هذا الخيار فى حرب المائة عام ، من القرن الخامس عشر وحتى القرن السادس عشر ، بين انجلترا وفرنسا ، بانفصال كل منهما عن الأخرى بوصفهما دولتين ، ولغتين متمايزتين .
وهنا نستطيع أن نقف على التحول الجديد الذى طرأ على مفهوم التسامح ، إذ لم يكن أحد من دعاة التسامح الدينى مستعدا للذهاب بهذا المبدأ إلى أبعد مما تقتضيه مصلحة الدولة . وبالتالى أخذ التشريع لـ "التسامح" يخضع للمصلحة القومية منذ أن بلغت النزعة القومية فى أوربا عنفوانها ، ولذلك اعتبر الكاثوليك فى ضوء هذه النزعة غير جديرين بـ "التسامح" لأنهم يدينون بالولاء لسيد أجنبى هو "بابا روما" ، هكذا انقلبت الحجة إلى ضدها ، أو التسامح الدينى إلى لا تسامح على المستوى السياسى .
وترتب على ذلك مجموعة من المشكلات الجديدة المربكة بالنسبة لمفهوم التسامح ، يقول "ميرابو" : "أن الحرية الدينية التى لا حد لها أبداً هى فى نظرى حق مقدس إلى حد أن التعبير عنه بكلمة "تسامح" يبدو لى فى ذاته ضرباً من الاستبداد . فالسلطة التى تتسامح قد لا تتسامح أيضاً" . وهو ما ردده "توماس بين" بقوله : "ليس التسامح مضاداً للاتسامح بل هو تزييف له ، فكلاهما ضرب من الاستبداد . وأولهما يعطى نفسه حق منح حرية الضمير ، والثانى يخول لنفسه حق حجبها" .
أما "برات" فقد طور مقولة اسبينوزا الشهيرة : "ما لا يمكن منعه يجب السماح به" بالقول : "أن كلمة التسامح لا تعبر أبداً عن الاحترام الذى يجب أن يشمل الآراء التى لا تتفق معه ، ذلك لأننا نتسامح مع ما لا نقدر على منعه . والذى يتسامح ما دام ضعيفاً يحتمل جداً أن ينقلب إلى لا متسامح عندما يزداد قوة"! .
فالتسامح يعنى الاستعداد لاتخاذ الموقف المتسامح . وهو لا يمكن أن يعد فضيلة إلا عندما يمكن للمرء ألا يكون متسامحاً ، فهو قريب من مفهوم "العفو" والصفح . فليس فى استطاعتنا أن نتحدث عن موقف متسامح فى حال شخص يضطر ، وهو مضطهد وفى موقف الضعيف أن يتحمل الآخرين . لذلك فالمتسامح هو من فى موقف القوة ، سواء كان فى السلطة أو ممثلاً للأغلبية ، وهكذا يرتبط التسامح بالسلطة والقوة والغلبة أساساً ، وكل حـديث عن التسامح بمعنى قبول الآخرين فى اختلافهم سواء فى الدين أم العرق أم السياسة أو عدم منع الآخرين من أن يكونوا آخرين أو إكراههم على التخلى عن آخريتهم إنما يعنى به فى المقام الأول "التسامح" بالمعنى المتقدم .

غيرإن التسامح اللامحدود يدمر التسامح، وقد ناقش الفيلسوف الأمريكى "جون رولز" في كتابه "نظرية العدالة" مسألة القدرة على التسامح مع غير المتسامحين نقاشاً مفصلاً . وقسم السؤال: هل ينبغي التسامح مع غير المتسامحين إلى قسمين : الأول هو .. هل ينبغي للجماعات غير المتسامحة أن تتذمر عندما لا يجري التسامح معها ؟. والثاني هو .. هل للجماعات أو الحكومات المتسامحة الحق فى ألا تتسامح مع غير المتسامحين ؟ .

للإجابة عن السؤال الأول يمكن الرجوع إلى القاعدة الذهبية : "عامل الناس بما تحب أن يعاملوك به" .. وبالتالي ليس للجماعات غير المتسامحة الحق أن تتذمر عندما لا يجري التسامح معها .

أما بالنسبة للسؤال الثاني فرأى رولز أنه حين لا يتهدد سريان الدستور العادل، فمن الأفضل التسامح مع غير المتسامحين، أي عندما يكون الدستور آمناً فلا داعي لقمع حرية عدم التسامح.



#عصام_عبدالله (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الفوضي أم الاستبداد ، قدر المنطقة ؟
- الجغرافيا بين السياسة والثقافة
- شهادة المرأة في حقوق الإنسان
- 2008 .. عام المنع والممانعة
- في الثورة والفورة
- أدب المنفي ، أو الحضور الغياب
- الدبلوماسية الوقائية
- أحفاد جاليليو والبابا بنيدكت
- البحث اللاهوتي السياسي
- البابا شنودة والكاردينال جيرسن
- مستقبل الأقليات في الشرق الأوسط
- في ذكري ابن رشد
- المفارقة التاريخية
- الحكمة الجماعية
- الشرطة الدينية
- أرض الأحلام
- باقة ورد إلي الحوار المتمدن
- أصل الدستور الأمريكي
- في اليوم العالمي للفلسفة ..
- أحذر الديموقراطية القادمة !


المزيد.....




- أهالي الأسرى الإسرائيليين يحتجون في تل أبيب لإطلاق أبنائهم
- بدء أعمال لجنة الميثاق العربي لحقوق الإنسان بمقر الجامعة الع ...
- مفوض الأمم المتحدة لحقوق الإنسان: نشعر بالذعر من تقارير وجود ...
- اعتقالات جماعية في جامعات أمريكية بسبب مظاهرات مناهضة لحرب غ ...
- ثورات في الجامعات الأمريكية.. اعتقالات وإغلاقات وسط تصاعد ال ...
- بعد قانون ترحيل لاجئين إلى رواندا.. وزير داخلية بريطانيا يوج ...
- تقرير أممي مستقل: إسرائيل لم تقدم حتى الآن أي دليل على ارتبا ...
- الأمم المتحدة تدعو بريطانيا إلى مراجعة قرار ترحيل المهاجرين ...
- إغلاقات واعتقالات في الجامعات الأميركية بسبب الحرب على غزة
- مراجعات وتوصيات تقرير عمل الأونروا في غزة


المزيد.....

- أية رسالة للتنشيط السوسيوثقافي في تكوين شخصية المرء -الأطفال ... / موافق محمد
- بيداغوجيا البُرْهانِ فِي فَضاءِ الثَوْرَةِ الرَقْمِيَّةِ / علي أسعد وطفة
- مأزق الحريات الأكاديمية في الجامعات العربية: مقاربة نقدية / علي أسعد وطفة
- العدوانية الإنسانية في سيكولوجيا فرويد / علي أسعد وطفة
- الاتصالات الخاصة بالراديو البحري باللغتين العربية والانكليزي ... / محمد عبد الكريم يوسف
- التونسيات واستفتاء 25 جويلية :2022 إلى المقاطعة لا مصلحة للن ... / حمه الهمامي
- تحليل الاستغلال بين العمل الشاق والتطفل الضار / زهير الخويلدي
- منظمات المجتمع المدني في سوريا بعد العام 2011 .. سياسة اللاس ... / رامي نصرالله
- من أجل السلام الدائم، عمونيال كانط / زهير الخويلدي
- فراعنة فى الدنمارك / محيى الدين غريب


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - المجتمع المدني - عصام عبدالله - للصبر حدود .. وللتسامح أيضا