أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار , التحرر , والقوى الانسانية في العالم - مهدى بندق - اليسار العربى في مفترق طرق















المزيد.....

اليسار العربى في مفترق طرق


مهدى بندق

الحوار المتمدن-العدد: 2251 - 2008 / 4 / 14 - 10:28
المحور: اليسار , التحرر , والقوى الانسانية في العالم
    


ذات يوم سألت سيدة انجليزية برنارد شو : ما الرأسمالية ؟ وللتو جاءتها الإجابة : هى مثل لحيتى ورأسى .. غزارة فى الانتاج وسوء فى التوزيع!

هكذا وبخبطة واحدة استطاع الفيلسوف الأيرلندى الاشتراكى أن يشخص العلة , وأن يلمح الى الدواء. فالرأسماليةCapitalism ليست مجرد تكديس للأموال فى خزائن الأغنياء , ذلك ما كان يفعله الإقطاعيون وأبناؤهم وأتباعهم. ومن قبلهم الأباطرة وقادة الجيوش وولاة الأقاليم والكهنة والتجار ...ألخ لكن النظام الرأسمالي (الذي وُلد مع اكتشاف طاقة البخار واكتشاف قارة أمريكا ومع المخترعات التى حولت الحرف والورش الصغيرة الى الإنتاج الصناعي الكثيف) إنما كان النظام الذي تمكن من توظيف المال الراكد stagngnt money في صميم العملية الإنتاجية ، خالقاً به القيمة المضافة، ومستخرجاً، بفضله ، من قوى عماله الأجراء (الأحرار توهماً !) فائض قيمة أسماها الأرباح ، التى كانت تزداد بقدر ما تقل الأجور عن قيمتها الحقيقية المتمثلة في الجهد المبذول لعملية الإنتاج المتزايد. وهذا بالضبط هو جوهر النظام الرأسمالي: غزارة في الإنتاج وسوء في التوزيع.

ما أوجزه برنارد شو بسخريته المعهودة، سبق وأن فصّله المفكرون الاقتصاديون العظام أمثال آدم سميث ، وريكاردو ، وكارل ماركس صاحب الكتاب الأشهر "رأس المال" ، وماركس – تحديداً – هو من كشف عن ثورية وجدارة الرأسمالية في بداياتها : مضاعفة الإنتاج العالمي بتحريرها المال من ركوده ، وتحريرها الأقنان من السخرة وتحريرها الطاقات البشرية من الكسل الموروث جنباً الى جنب كشف ماركس عيوب تلك الرأسمالية وأخطرها تناقضاتها الاقتصادية الداخلية البحتة فيما أسماه بنظرية "فيض الإنتاج" وخلاصتها أن الرأسماليين حين يوظفون أموالهم بتحويلها الى رأس مال، فإنهم يقسمونها الى قسمين ، الأول رأس مال ثابت، ويتضمن الأرض والمباني والآلات والخامات، وهذا القسم تظل قيمته ثابتة بالطبع. والثاني : رأس مال متغير هو الأجور المدفوعة للعمال. ولأن أرباح الرأسماليين لا تأتيهم من القسم الأول ، ثابت القيمة ، بل من القسم الثاني (الأجور) فلابد من أن تكون هذه الأجور ، في مجملها أقل من قيمة السلع الكلية التى تنزل الأسواق بعد تجنيب الأرباح طبعاً. وعليه فلا يمكن إطلاقاً للقوى الشرائية الكلية أن تعادل العرض الكلى (من أين للإجراء المحدودي الدخل بنقود ليشتروا بها السلع المتزايدة ؟!) فيترتب على ذلك انبجاس الكساد كأزمة عامة.

هنا يضطر أصحاب المصانع الى تسريح بعض العمال، الأمر الذي يزيد الأزمة تفاقماً (من أين للعاطلين بنقود ليشتروا بها السلع المكدسة ؟! ) وتؤدي البطالة الى مزيد من الركود، فالبطالة فيما يشبه الدَوَر والتسلسل المنطقي.

ذلك بالضبط ما حدث في عام 1929 فيما سُمّىَ بالأزمة العالمية الكبرى .. أغلقت المصانع أبوابها تباعاً ، وفصل العمال جماعات جماعات، وبالتوازي ألقيت آلاف الأطنان من السلع الغذائية في البحر، وأحرقت بالات القطن في مخازنها بأوامر مالكيها. بينما تضاعفت أعداد الجوعى والعراة بالملايين ، فانتحر رجال ولجأت نساء الى احتراف الدعارة، واضطر معظم العاطلين لامتهان السرقة والبلطجة، واحترف الأطفال التسول وانتشرت عصابات الإجرام في كل البقاع . والحل يا سادة ؟ الحل هو الحرب ! دعوا الفاشية تدق طبلها ودعوا الملايين يتقاتلون ويموتون تحت شعارات "وطنية" زاعقة، فهذا أفضل لهم ولنا نحن الرأسماليين، بينما تنتعش لدينا صناعة السلام والذخائر، وأغذية الجنود وملابسهم الرسمية ، وخوذاتهم ، وأعضائهم الصناعية التعويضية. وبعد الحرب سيعاد إعمار المدن التى خُربت، والطرق التى دُمرت ، والمنازل التى نُسفت، وفي هذا وذاك إعادة تشغيل العاطلين ، لتعود لهم القدرة على الشراء ، حينها نخرج جميعاً من نفقنا المظلم الكئيب.

شئ شبيه بما حدث في ثلاثينات القرن الماضي، يعاد إنتاجه في أيامنا هذه. فلقد بدأت بوادر الأزمة العالمية الجديدة بخروج أمريكا ، الدولة الرأسمالية العالمية الأولى من اتفاقية بريتون وودز الموقعة عام 1946 والداعية الى ربط العملات بقاعدة الذهب. ولما كانت أمريكا تسعى الى إغراق العالم بالدولارات "الورقية" لكى يشتري الناس بضائعها المكدسة، تحرزاً من الكساد المتربص. فلقد زعمت عام 1973 أن الإنتاج الأمريكي الكلى هو الضامن لعملتها وليس الذهب. بيد أنه ما لبثت أوربا واليابان ثم الصين أخيراً أن لحقت – بل وتفوقت نسبياً – على أمريكا في مضمار العرض السلعي الكلى مما أدى الى انكماش متتال للاقتصاد الأمريكي. فكان منطقياً أن تلجأ أمريكا الى الاستدانة داخلياً وخارجياً (بلغ الدين العام الأمريكي هذا العام 70 تريليون دولار، وقارب عجز الموازنة العامة بها مبلغ 500 مليار دولار ) والحل ؟! الحل موجود يا سادة ، يجري العمل به على قدم وساق. فالحرب أفغانستان وفي العراق ، والحرب ضد ما تسميه أمريكا الإرهاب (وهو إرهاب فعلاً ولكن مختوم بختم صنع في أمريكا) رفعت جميعها قيمة الانفاق العسكري الى 615 مليار دولار مرشحة للتضاعف في حالة بدء الحرب مع إيران. لكنْ هذا الانفاق المجنون هو الذي يساهم في إخراج الرأسمالية الأمريكية – الممثل الأول للنظام العالمي – من أزمتها الخانقة ، وحتى تبقى الأوضاع الحالية قائمة : 15 % من سكان الكوكب يستحوزون على 80% من ثروة العالم.

دعنا إذن نقارن تلك الأرقام الفلكية ديوناً وإنفاقاً عسكرياً بأرقام أخرى أكثر رعباً. فعالم الرأسمالية المتوحشة الذي يحيا في ظله البشر اليوم يوجد به 3 مليار إنسان – نصف البشرية – يعيش الفرد منهم بأقل من 2 يورو في اليوم. وفي البلدان النامية ثمة مليار ونصف إنسان لا تصل إليهم مياه صالحة للشرب، ويعاني ملياران من الأنيميا بسبب سوء التغذية ، في حين أن مبلغ 13 مليار يورو كاف تماماً لإنقاذهم ، وهو ذات المبلغ الذي ينفقه الأمريكيون والأوربيون على عطورهم كل عام ! ضع هذا كله في جانب ، وتأمل تلك الحقيقة المأساوية المخزية والتى نشرتها اليونيسف (صندوق الأمم المتحدة للطفولة) عام 1997 والتى تقول إن 250 مليون طفل تقل أعمارهم عن خمسة أعوام يدفع بهم سنوياً الى سوق العمل ! في أى مجال يعمل هؤلاء البؤساء ؟ خدم منازل ، بيع الخردوات والعاديات ، التسول ، الدعارة !!

كيف يمكن لمثقف يساري حقيقي ، وظيفته الأولى الدفاع عن حق الجنس البشري في الحياة الإنسانية الكريمة أن يداعب أطفاله أو أحفاده (قبل أن يمسك بالقلم ليكتب مقالته أو روايته أو قصيدته ) على حين يغفل (أو يتغافل عن) هذه الأوضاع كلها !

ذات يوم كتب هيجل يقول : إن الواقع حقيقي. ففهم أهل اليمين أن ما هو قائم لا سبيل الى تغييره. أما اليسار الهيجلى فقد قلب الآية ، أو بالأحرى عّدلها مرتئياً أن كل ما لا يتسق مع الحقيقة العقلية أمر لا يمكن قبوله كواقع ، من حيث هو شئ شاذ ، لابد للبشر أن يسعوا لتغييره حتى تصبح الحقيقة ( = إنسانية الإنسان) أمراً واقعاً . كيف ؟

أولاً : بفضح سمات تلك الرأسمالية المتوحشة بالأسلوب العلمي الرصين دون تشنجات أيديولوجية تزعم أن السلف الصالح في ثقافتنا أنتج نظاماً اقتصادياً مثالياً ، في حين تمثل ذلك النظام المثالي المزعوم في محض اقتصاد ريعي أساسه الفئ والخراج والجزية ، وعلى أحسن الأحوال عبر تجارة الترانسيت ، وكلها تنتمي لهياكل مجتمعات ما قبل الرأسمالية التى لا تزيد الثروة القائمة بل تعيد تدويرها حسب.

ثانياً : بتشمير الأكمام لتأسيس نظرية اقتصادية تتجاوز الرأسمالية الهرمة ، في ذات الوقت الذي لا تقع فيه في قبضة رأسمالية الدولة حسب النموذج السوفيتي والنموذج المصري الستيني، بإغواء مقولة المركز والأطراف (سمير أمين مثالاً لا حصراُ) فالعودة الى ما فات أشبه بنصيحة تقدم لرب الأسرة ذى المشاكل أن يعود الى الحضانة ليتخلص من مشكلات الزوجة والأبناء والغلاء .... إلخ.

ثالثاً : بالتصدي الشجاع لكل دعاوي الحرب بين الأمم والدول والشعوب، حصاراً سلمياً لدوافع الرأسماليين، فلا يجد هؤلاء مناصا من مواجهة أزمات نظامهم على أرضه هو ، دون تصديرها لغيرهم من الأبرياء. وفي هذا السياق تجوز الدعوة الى إلغاء التجنيد الإجباري تدريجياً إلا في الأوطان الواقعة تحت الاحتلال.

فهل ينهض اليسار العربي – وهو جدير بالنهوض – الى تلك المهمة ، مخلفاً وراء ظهره المنازعات الشكلية ، والمجادلات البليدة ، والتحالفات اللامبدئية الفظة مع أهل اليمين (الهيجلى) وأشباههم من الداعيين للعودة المستحيلة الى مجتمعات ما قبل الرأسمالية ؟



#مهدى_بندق (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- كيف تصبح مصر دولة ثقافة ؟
- إعدام الراهب سافونا رولا : شفرة دافنشى الحقيقية
- عرض لكتاب - يساريون في عصر اليمين-
- اضمحلال أمريكا وعلم المستقبليات
- حوارات مهدى بندق -9 - مع المفكر الفلسطينى الراحل هشام شرابى
- إعلان إسرائيل دولة يهودية استدراج للمسلمين إلى الحرب
- هل الإنسان مسير أم مخير؟!
- نظام الحكم الدينى يعذب حتى المتدينين
- الجديد في كتاب المصطلحات الدرامية لمحمد عنانى
- الفرصة التاريخية لأقباط مصر
- لبنان إمارة فارسية فهل تصبح دول الخليج ولايات أمريكية؟!
- قصيدة : مقام الفراق
- بيروت : طائر الفينيق الذى يحترق لينهض
- تعليق ثقافى على الحكم بسجن مواطنة قبطية
- الحوار المتمدن : استجابة رائدة لتحديات العصر
- الشاعر العربى يبحر نحو المستقبل - قراءة فى شعر خالد البرادعى ...
- المشروع الحداثى لجابر عصفور إلى أين
- وماذا بعد أن تسقط أمريكا ؟
- القصيدة في نشوء آخر .. قراءةفي شطح الغياب لمهدى بندق
- هل تقوم الحرب بين سوريا وإسرائيل ؟


المزيد.....




- ماذا قالت إسرائيل و-حماس-عن الاحتجاجات المؤيدة للفلسطينيين ف ...
- صنع في روسيا.. منتدى تحتضنه دبي
- -الاتحاد الأوروبي وسيادة القانون-.. 7 مرشحين يتنافسون في انت ...
- روسيا: تقديم المساعدات الإنسانية لقطاع غزة مستحيل في ظل استم ...
- -بوليتيكو-: البيت الأبيض يشكك بعد تسلم حزمة المساعدات في قدر ...
- -حزب الله- يعرض مشاهد من رمايات صاروخية ضد أهداف إسرائيلية م ...
- تونس.. سجن نائب سابق وآخر نقابي أمني معزول
- البيت الأبيض يزعم أن روسيا تطور قمرا صناعيا قادرا على حمل رأ ...
- -بلومبرغ-: فرنسا تطلب من الاتحاد الأوروبي فرض عقوبات جديدة ض ...
- علماء: 25% من المصابين بعدم انتظام ضربات القلب أعمارهم تقل ع ...


المزيد.....

- الديمقراطية الغربية من الداخل / دلير زنكنة
- يسار 2023 .. مواجهة اليمين المتطرف والتضامن مع نضال الشعب ال ... / رشيد غويلب
- من الأوروشيوعية إلى المشاركة في الحكومات البرجوازية / دلير زنكنة
- تنازلات الراسمالية الأميركية للعمال و الفقراء بسبب وجود الإت ... / دلير زنكنة
- تنازلات الراسمالية الأميركية للعمال و الفقراء بسبب وجود الإت ... / دلير زنكنة
- عَمَّا يسمى -المنصة العالمية المناهضة للإمبريالية- و تموضعها ... / الحزب الشيوعي اليوناني
- الازمة المتعددة والتحديات التي تواجه اليسار * / رشيد غويلب
- سلافوي جيجيك، مهرج بلاط الرأسمالية / دلير زنكنة
- أبناء -ناصر- يلقنون البروفيسور الصهيوني درسا في جامعة ادنبره / سمير الأمير
- فريدريك إنجلس والعلوم الحديثة / دلير زنكنة


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - اليسار , التحرر , والقوى الانسانية في العالم - مهدى بندق - اليسار العربى في مفترق طرق