أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - فيصل الياسري - متى خربت اليصرة ؟















المزيد.....

متى خربت اليصرة ؟


فيصل الياسري

الحوار المتمدن-العدد: 2250 - 2008 / 4 / 13 - 11:09
المحور: دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
    


اتصل بي صديق من نيويورك يسألني عن جملة ( بعد خراب البصرة ) التي تتردد في وسائل الاعلام العربية عند الحديث عن احداث البصرة الاخيرة التي اندلعت في نهاية اذار 2008 بعد ان فاجأ رئيس الوزراء نوري المالكي اهاليها والعالم بالزحف اليها لوضع حد لما اعتبره فسادا وتجاوزا على مصالح البلاد والعباد .
قلت لصاحبي : ان جملة بعد خراب البصرة / هي صيغة تطلق على من يقوم بامر ما بعد فوات الاوان وهو مثل عراقي قديم يدل ايضا على القيمة والاهمية التي يعطيها العراقيون للبصرة بالنسبة للعراق ككل .. فهي ثغره الوحيد , وهي عاصمة النفط العراقي واجود انواع التمور وهي مفتاح المستقبل , وهي قبلة العراقيين وموطن حبهم وان لا شيء ذو قيمة بعد خراب البصرة ..!!
قال : ان معنى المثل واضح من السياق والدلالة ، ولكن متى وكيف نشأ هذا المثل وهل خربت البصرة فعلا يوما ما ؟!
اثار هذا السؤال اهتمامي وصرت اسأل من التقيه من العراقيين عن اصل هذا المثل الدراماتيكي فكانوا جميعا يخبروني بمعناه ودلالته ولا احد يعرف اصله التاريخي الذي يعود الى القرن الهجري الثالث وبالتحديد الى سنة 270 هـ ( 883 م ) عند القضاء على حركة الزنج التي قامت في البصرة عام 255 هـ بقيادة الثائر والمتمرد علي بن محمد .وهو رجل طموح ومغامر يكتنف نسبه واصله الغموض بفعل تقلباته الكثيرة والسريعة وحياته التي بدأها شاعرا في بلاط الخليفة في سامراء ..ثم ظهر فجأة في البحرين قائما بحركة ساعيا من ورائها للوصول الى الحكم ، وعندما فشل بالاساليب المدنية ظهر كقائد ديني مدعيا نسبا علويا محاولا ان يستثمر ما للشيعة من عطف وتأييد بين الناس ، ولكن الاراء تختلف عن سبب تركه البحرين ولجؤه الى البادية مستقطبا الاعراب مدعيا انه علوي وان اسمه يحيى بن عمر مكنيا نفسه ابو الحسين ! ووحاول ثانية بانصاره الجدد السيطرة على البحرين لكن محاولته فشلت هذه المرة ايضا فتوجه الى البصرة !
وكان المجتمع البصري منقسمًا على نفسه، فحاول أن يستغل هذه الخلافات لحركته معتمديا على العبيد الفقراء الذين يعملون في المستنقعات المجاورة والاهوار القريبة ولكنه لسبب ما يؤجل حركته ويسافر الى بغداد وهناك استنبط نسبًا علويًا جديدًا فانتسب إلى أحمد بن عيسى بن زيد، وحاول الوصول إلى السلطة مستغلاً الأوضاع المضطربة في بغداد انذاك ، ولكنه لم يتمكن بسبب سيطرة الاتراك على الاوضاع ، فعاد إلى البصرة في عام 255هـ ليتزعم حركة ثورية مدعيًا أن الله أرسله لتحرير العبيد وإنقاذهم مما كانوا يعانونه من بؤس ، مستغلا فكرة المهدي المنتظر فاستثمرها بذكاء، ضاربا على وتر حساس في نفوذ جماعة العلويين الذين برح بهم الشقاء، فكانوا يأملون في ظهور مهدي منقذ يزيل عنهم الغمة، ويفرج عن أيامهم كربتها، وركز كثيرًا على عراقة أصله وكتبها على نقوده وسمي نفسه "المهدي علي بن محمد" المنقذ . وحارب من أجل العدالة الاجتماعية والمساواة، وتحرير العبيد والمضطهدين من حياة البؤس والفاقة ، كما فعل قبل ذلك بالف سنة تقريبا سبارتاكوس الذي خاض ثورة (سنة 71 ق.م.) ضد سلطة النبلاء في روما لتحرير العبيد وتحقيق العدالة الاجتماعية
وقد خاض سبارتاكوس معارك عنيفة ضد الجيش الروماني حقق في معظمها انتصارات كبيرة ولكنه اندحر في النهاية وسقط في المعركة وتم صلب المئات من العبيد في الساحات العامة
وكما تشابهت نهاية قائدي الثورة في البصرة وروما بقتلهما في سوح المعارك تشابهت المحركات والدوافع بالرغم من الفارق الزمني ( حوالي الف سنة ) والفارق المكاني ( روما- البصرة ) .ولو سردنا بعض محركات حركة الزنج التي يذكر بعضها المؤرخون واصفين الاحوال السيئة الى تحيط بحياة الناس يومها الا نجد لها تشابه بما يشكو منه الناس في ايامنا هذه ، فمن حيث الاسباب السياسية يتحدث المؤرخون عن تردي اوضاع الحكومة المركزية ( الخلافة ) وتصاعد نفوذ الاجانب ( الاتراك انذاك ) والصراع الظاهر والخفي بين المتنافسين على السلظة والمترفين والفاسدين والاثرياء ! ومن الناحية الاقتصادية يذكرون تردي الاوضاع وارتفاع الاسعار وظاهرة التكوين الطبقي داخل المجتمع الإسلامي وظهور طبقة طفيلية استحوذت على معظم الموارد وبلغ التناقض الاجتماعي مداه، مقارنة بنمط حياة العبيد القاسية والسيئة حبث يعملون في تجفيف المستنقعات وإزالة السباخ عن الأراضي، لقاء وجبة طعام متواضعة.
لقد انطلقت حركة الزنج من واقع الألم والاضطهاد الاجتماعي والاقتصادي بين مستنقعات البصرة وسهولها، وكانت بدايتها ناجحة انسجمت فيها أهدافها مع أفعالها لكن النزعة الفوضوية التي طبعتها في مواجهتها مع الخصوم أدت إلى تقلص أبعادها الاجتماعية، مع افتقارها إلى برنامج يصوغ تطلعات وأهداف القائمين بها، ويوضح العلاقة بين القيادة والأتباع، وكان رجالها يستهدفون الانتقام لا الإصلاح، ولم يستطع قائدها أن يحرر ذاته من هاجس الزعامة ، والهيمنة فلم ينجح في كسب قطاعات كبيرة من المجتمع العراقي فأصبح العبيد بمفردهم ضعفاء رغم عددهم الكبير.. ولم يستطع قائدها ان ينظم صفوفه لبناء مجتمع مستقر امام تسارع الأحداث، وتصميم العباسيين على القضاء عليها، فكان من الطبيعي ان تفقد الحركة قدرتها على الاستمرار والبقاء مما دفعها إلى نهايتها المحتومة،
ضمن هذه الاحداث العنيفة والمتلاحقة متى حدث خراب البصرة الذي يستند اليه المثل الشائع عربيا ( بعد خراب البصرة) والذ اصبح الان معروفا عالميا ؟ّ
اليكم اصل الحكاية :
سيطر علي بن محمد على البصرة (255 ـ 270هـ) وامتد نفوذه الى رقعة واسعة تشمل الأهواز ومنطقة ميسان الحالية وذي قار الى حد واسط والمناطق المحيطة بها ، ، وكان شديدا مع اعدائه الى حد التطرف وعامل أسرى الحرب معاملة الرقيق، ووعد أتباعه بأنه سيملكهم المنازل والعبيد، اي تحوليهم من أرقاء إلى ملاك للعبيد. وهذا التناقض يفرغ الحركة من أية صبغة عقائدية، ويجعلها مجرد حركة مسلحة ضد النظام ، كما يجعل من قائدها رجلاً مغامرًا طموحًا إلى السلطة حتى باساليب غير واقعية وغير مقبولة الى حد انه بدأ يهدد بغداد،
هنا شعر الخليفة المعتمد احمد بن المتوكل (256 – 279 هـ ) بخطر حركة الزنج فعهد المعتمد إلى أخيه الموفق طلحة بن المتوكل بمحاربة الزنج ؛ فاصطدم مرارا بهم في عدة واقعات , ولكنه في احدى السنوات وردته اخبار عن تمرد في بلاد فارس فترك الموفق البصرة وتوجه بجيشه الى ايران ، فانتهز علي بن محمد الفرصة واعاد سيطرته الكاملة على البصرة وضواحيها ، واطلق لجماعته من الزنج العنان يستولون على ما يشاءون من املاك ونساء الاثرياء ووجهاء المدينة حتى عم الخراب !
عندها عاد الموفق بجيشه من ايران ودارت معارك عظمى بينه وبين جماعة الزنج انتهت باندحارهم ومقتل زعيمهم علي بن محمد واستسلم من بقى من أتباعه!
يقول السيوطي في كتابه تاريخ الخلفاء ( ولما قتل هذا الخبيث دخلوا برأسه بغداد على رمح وعملت قباب الزينة وضج الناس بالدعاء للموفق ومدحه الشعراء وكان يوما مشهودا ... بالقضاء على حركة الزنج )
وأُسْدِلَ الستار على هذه الحركة التي قضَّت مضاجع الخلافة العباسية، وكلفتها الكثير من الجهد والأموال والأرواح ولكن الناس قالت : نصر بعد خراب البصرة !!
فذهبت مثلا .



#فيصل_الياسري (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- غربال الذاكرة : نجيب محفوظ
- غربال الذاكرة : نزار قباني
- غربال الذاكرة : برتولد بريخت
- غربال الذاكرة: بدر شاكر السياب
- غربال الذاكرة : ممدوح عدوان
- غربال الذاكرة : حقي الشبلي
- غربال الذاكرة : سيغموند فرويد
- غربال الذاكرة - الموسيقار صلحي الوادي
- غربال الذاكرة : محمد الماغوط


المزيد.....




- السعودية.. أحدث صور -الأمير النائم- بعد غيبوبة 20 عاما
- الإمارات.. فيديو أسلوب استماع محمد بن زايد لفتاة تونسية خلال ...
- السعودية.. فيديو لشخصين يعتديان على سائق سيارة.. والداخلية ت ...
- سليل عائلة نابليون يحذر من خطر الانزلاق إلى نزاع مع روسيا
- عملية احتيال أوروبية
- الولايات المتحدة تنفي شن ضربات على قاعدة عسكرية في العراق
- -بلومبرغ-: إسرائيل طلبت من الولايات المتحدة المزيد من القذائ ...
- مسؤولون أمريكيون: الولايات المتحدة وافقت على سحب قواتها من ا ...
- عدد من الضحايا بقصف على قاعدة عسكرية في العراق
- إسرائيل- إيران.. المواجهة المباشرة علقت، فهل تستعر حرب الوكا ...


المزيد.....

- تاريخ البشرية القديم / مالك ابوعليا
- تراث بحزاني النسخة الاخيرة / ممتاز حسين خلو
- فى الأسطورة العرقية اليهودية / سعيد العليمى
- غورباتشوف والانهيار السوفيتي / دلير زنكنة
- الكيمياء الصوفيّة وصناعة الدُّعاة / نايف سلوم
- الشعر البدوي في مصر قراءة تأويلية / زينب محمد عبد الرحيم
- عبد الله العروي.. المفكر العربي المعاصر / أحمد رباص
- آراء سيبويه النحوية في شرح المكودي على ألفية ابن مالك - دراس ... / سجاد حسن عواد
- معرفة الله مفتاح تحقيق العبادة / حسني البشبيشي
- علم الآثار الإسلامي: البدايات والتبعات / محمود الصباغ


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - فيصل الياسري - متى خربت اليصرة ؟