أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - حقوق الانسان - محمد عبد القادر الفار - السجون : جريمة وفشل اجتماعيان (1)















المزيد.....

السجون : جريمة وفشل اجتماعيان (1)


محمد عبد القادر الفار
كاتب

(Mohammad Abdel Qader Alfar)


الحوار المتمدن-العدد: 2249 - 2008 / 4 / 12 - 10:56
المحور: حقوق الانسان
    


إيما جولدمان / من كتابها "الأناركية و مقالات أخرى" (Anarchism and Other Essays) الإصدار الثاني سنة 1911

(ترجمها للعربية : محمد عبد القادر الفار)


في عام 1849، كتب فيودور دوستويفسكي على جدار زنزانته القصة التالية عن "الكاهن والشيطان".

***

قال الشيطان للكاهن : " مرحبا أيها الأب الصغير السمين ! ما الذي جعلك تكذب هكذا على هؤلاء الناس المساكين المضللين؟ أي عذابات من الجحيم صورت لهم؟ ألا تعلم أنهم يعانون أصلاً عذابات الجحيم في حياتهم على الأرض؟ ألا تعلم أنك أنت وسلطات الدولة مندوباي على الأرض؟ إنك أنت من تجعلهم يعانون آلام الجحيم الذي تهددهم به. ألا تعلم هذا؟ حسنا إذاً، تعال معي ! "

شد الشيطان الكاهن من ياقته، ورفعه عالياً في الهواء، وحمله إلى مكان سبك الحديد في مصنع. وهناك رأى العمال يركضون على عجل ذهاباً وإياباً، يكدحون في الحرارة الحارقة.

وسرعان ما يفوق الهواء الثقيل مع الحرارة احتمال الكاهن، فيتوسل إلى الشيطان والدموع في عينيه : "دعني أذهب ! دعني أترك هذا الجحيم !".

" آه، يا صديقي العزيز، يجب أن أريك أماكن أخرى كثيرة". ويمسك به الشيطان مرة أخرى ويسحبه إلى مزرعة. وهناك يرى العمال يدقون الحبوب. الغبار والحرارة لا يحتملان. ويأتي المراقب حاملاً سوطاً، يهوي به بلا رحمة على كل من يقع على الأرض عندما يغلبه الإرهاق من العمل الشاق أو الجوع.

وبعدها يأخذ الكاهن إلى الأكواخ التي يعيش فيها أولئك العمال مع أسرهم. جحور قذرة، باردة، مفعمة بالدخان، وكريهة الرائحة. يبتسم الشيطان ابتسامة عريضة، مشيراً إلى الفقر والمشقات في تلك البيوت.

ويسأل : " حسنا، أليس هذا كافيا ؟ ".. ويبدو أن حتى الشيطان نفسه، مشفق على الناس.
وخادم الله التقي لا يكاد يحتمل، فيرفع يديه ويتضرع " دعني أخرج من هنا، نعم، نعم! هذا هو الجحيم على الأرض ! ".

"حسناً إذاً، ها أنت ترى، ولا تزال تعدهم بجحيم آخر. تشق عليهم، تعذبهم حتى الموت معنوياً، في الوقت الذي هم فيه ميتون أصلاً في كل شيء عدا الموت الجسدي ! هيا بنا ! سأريك جحيماً آخر... جحيماً واحداً أخيراً... أسوأ جحيم على الإطلاق".

أخذه إلى سجن، وأراه زنزانة، بهوائها الفاسد، والهيئات البشرية الكثيرة المسلوبة كل الصحة والقوة، الملقاة على أرضها، والمغطاة بالحشرات والهوام التي تتغذى على الأجسام الضعيفة، العارية، الهزيلة.

قال الشيطان للكاهن : " اخلع عنك ملابسك الحريرية، وضع على كاحليك سلاسل ثقيلة كهذه التي يلبسها هؤلاء البائسون، استلق على الأرض الباردة القذرة، وعندها حدثهم عن الجحيم الذي لا زال ينتظرهم! ".

فأجاب الكاهن " لا، لا ! لا أستطيع التفكير في أي شيء أكثر ترويعاً من هذا. أتوسل إليك، دعني أخرج من هنا!"

"نعم، هذه هي جهنم. لا يمكن أن يكون هناك جهنم أسوأ منها. ألم تكن تعلم بها؟ ألم تكن تعلم عن هؤلاء الرجال والنساء الذين ترعبهم بصورة جحيم أخروي ... ألم تكن تعلم أنهم في الجحيم الآن، قبل موتهم؟"

***

تمت كتابة ذلك قبل خمسين سنة في روسيا المظلمة، على جدار أحد أفظع السجون. ومع ذلك، من يستطيع أن ينكر أن الوضع نفسه ينطبق وبنفس القوة على ما يحدث في الوقت الحاضر، حتى في السجون الأمريكية؟

مع كل الإصلاحات التي نتباهى بها، وتغيراتنا الاجتماعية الكبيرة، ومكتشفاتنا البعيدة، يستمر إرسال البشر إلى أسوأ أنوع الجحيم، حيث يتم الاعتداء عليهم وإذلالهم وتعذيبهم، من أجل "حماية" المجتمع من الأشباح التي يختلقها هو.

السجن..... حماية للمجتمع؟ ما العقلية الوحشية التي جاءت بفكرة كهذه؟ بل ليقولوا بنفس المنطق أنه يمكن تحسين الأوضاع الصحية عن طريق عدوى مرضية واسعة الانتشار!

بعد ثمانية عشر شهراً من الترويع في سجن إنجليزي، أعطى أوسكار وايلد للعالم رائعته العظيمة : "أنشودة سجن ريدنغ"، التي يقول في جزء منها:

***
الأعمال الدنيئة، كالطحالب السامة
تزدهر جيداً في هواء السجن
فقط ما هو جيد في الإنسان
هو ما يضيع ويذبل في السجن
الوجع الشاحب يبقي البوابة الثقيلة
والسجان هو اليأس

(ترجمة للمعاني فقط، المترجم)
***

لا زال المجتمع يعمل على إدامة هذا الهواء السام، دون أن يدرك أنه لن ينتج عنه سوى أكثر النتائج سمّـيـّة.

إننا ننفق في الوقت الحاضر 3,500,000 دولار يومياً، 1,000,095,000 دولار سنوياً، لصيانة مؤسسات السجن. وهذا وفي دولة ديمقراطية، مبلغ يقترب بضخامته من مجموع كل من إنتاج القمح وقيمته 750,000,000 دولار و إنتاج الفحم وقيمته 350 مليون دولار.

البروفيسور بنشل Bushnell من واشنطن العاصمة يقدر كلفة السجون ب 6,000,000,000 دولار سنوياً. والدكتور ليدستون Dr. G. Frank Lydston ، وهو كاتب أمريكي من أبرز كتاب الجريمة، يعطي 5,000,000,000 كرقم معقول. (1)

فيا له من إنفاق لم يسمع به قط ننفقه في سبيل الحفاظ على جيوش ضخمة من الكائنات البشرية المودعة في أقفاص وكأنها وحوش برية!

ومع هذا فالجرائم في تزايد، وهكذا نكتشف أن عدد الجرائم لكل مليون نسمة في أمريكا قد تضاعف 4.5 مرة عما كان عليه قبل عشرين سنة.

والجانب الأكثر فظاعة هو أن الجريمة الوطنية لدينا هي القتل، وليست السرقة، أو الاختلاس، أو الاغتصاب، كما في الجنوب.
لندن مثلاً أكبر من شيكاغو بخمس مرات، ومع ذلك، تحدث مئة وثمانية عشر جريمة قتل سنوياً في الأخيرة مقابل عشرين فقط في لندن. وليست شيكاغو المدينة الأولى في الجريمة، فهي تحتل المرتبة السابعة فقط على القائمة، تتقدمها أربع مدن جنوبية، وسان فرانسيسكو ولوس أنجلوس.


وبالنظر إلى وضع بهذه الفظاعة، من السخيف أن نثرثر عن الحماية التي يستمدها المجتمع من سجونه.
.
.
.
يتبع


(1) Crime and Criminals. W. C. Owen

موقع الترجمة الإنجليزية التي أترجم عنها
http://dwardmac.pitzer.edu/anarchist_archives/goldman/aando/prisons.html

موقع المترجم
http://1ofamany.wordpress.com



#محمد_عبد_القادر_الفار (هاشتاغ)       Mohammad_Abdel_Qader_Alfar#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- كروبوتكين .. وأفكاره الفدرالية (3)
- سلمى (2) ... في أسباب النزول
- كروبوتكين .. وأفكاره الفدرالية (2)
- سلمى (1) ... التجلي الأول
- أين أخطأ الشيخ إمام !
- كروبوتكين .. وأفكاره الفدرالية (1)
- شيء كحزني
- أنهيدونيا آلفي سينغر !
- لعبة الذكريات !
- جناية جد العلاء المعري !
- عبد القهار يا حرية !


المزيد.....




- إسرائيل تشكر الولايات المتحدة لاستخدامها -الفيتو- ضد عضوية ف ...
- بيان رسمي مصري عن توقيت حرج بعد الفيتو الأمريكي ضد عضوية فلس ...
- مندوب فلسطين الدائم لدى الأمم المتحدة: عدم تبني قرار عضوية ف ...
- الأردن يعرب عن أسفه الشديد لفشل مجلس الأمن في تبني قرار قبول ...
- انتقاد فلسطيني لفيتو واشنطن ضد عضوية فلسطين بالأمم المتحدة
- أبو الغيط يأسف لاستخدام ‎الفيتو ضد العضوية الكاملة لفلسطين ب ...
- إسرائيل تشكر الولايات المتحدة لاستخدامها -الفيتو- ضد عضوية ف ...
- -الرئاسة الفلسطينية- تدين استخدام واشنطن -الفيتو- ضد عضوية ف ...
- فيتو أمريكي بمجلس الأمن ضد العضوية الكاملة لفلسطين في الأمم ...
- مؤسسات الأسرى: إسرائيل تواصل التصعيد من عمليات الاعتقال وملا ...


المزيد.....

- مبدأ حق تقرير المصير والقانون الدولي / عبد الحسين شعبان
- حضور الإعلان العالمي لحقوق الانسان في الدساتير.. انحياز للقي ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- فلسفة حقوق الانسان بين الأصول التاريخية والأهمية المعاصرة / زهير الخويلدي
- المراة في الدساتير .. ثقافات مختلفة وضعيات متنوعة لحالة انسا ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- نجل الراحل يسار يروي قصة والده الدكتور محمد سلمان حسن في صرا ... / يسار محمد سلمان حسن
- الإستعراض الدوري الشامل بين مطرقة السياسة وسندان الحقوق .. ع ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- نطاق الشامل لحقوق الانسان / أشرف المجدول
- تضمين مفاهيم حقوق الإنسان في المناهج الدراسية / نزيهة التركى
- الكمائن الرمادية / مركز اريج لحقوق الانسان
- على هامش الدورة 38 الاعتيادية لمجلس حقوق الانسان .. قراءة في ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - حقوق الانسان - محمد عبد القادر الفار - السجون : جريمة وفشل اجتماعيان (1)