أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - حقوق الاطفال والشبيبة - فاطمة ناعوت - الجميلُ الذي أخفقَ أن يكونَ عصفورًا














المزيد.....

الجميلُ الذي أخفقَ أن يكونَ عصفورًا


فاطمة ناعوت

الحوار المتمدن-العدد: 2249 - 2008 / 4 / 12 - 10:56
المحور: حقوق الاطفال والشبيبة
    


سأسرقُ فكرةَ جاك بريفير، الشاعرِ الفرنسي. يعلــِّمنا بريفير في قصيدة جميلة كيف نرسمُ عصفورا: أولا نرسمُ قفصًا ونترك بابه مفتوحا. ثم نرسم داخل القفص شيئا يحبّه العصفور. شيئا حلوا وبسيطا ونافعا للعصفور. ونعلّق اللوحةَ علي شجرة. ثم نختبئ خلف الشجرة صامتين دون حراك. ننتظر. يوما، أسبوعا، أسابيعَ، سنواتٍ. سيجيء العصفورُ يوما ما. حتما سيجيء. وحالما يدخل القفصَ نخرجُ من مخبئنا ونرسم بهدوء بابَ القفص، قضيبا فقضيبا. محاذرين أن نمسَّ الطائرَ بريشتنا. نغلقُ الباب. نرسمُ شجرةً. ونتخير أجملَ أغصانها ليتدلي منها القفص. نرسمُ أيضا أوراقا خضراءَ وأشعةَ شمسٍ كي يفرحَ العصفور. إن لم يصدحِ العصفورُ فتلك علامةٌ علي إخفاق اللوحة. وإن غرّد وزقزقَ فاللوحةُ ناجحة. وقتها فقط نقدرُ أن ننزعَ ريشةً من جناح العصفور، ونوقّع باسمنا في ركن اللوحة السفلي.

ولأنني لست جاك بريفير فلن أرسمَ عصفورا. العصفورُ صعبٌ جدا! لأن ريشَه ملوّن. ولأنه حرٌّ. ولأنه يطير. لا أعرف أن أرسمَ شيئا يطير. ريشةُ الله وحدها تقدر. أو خيال بريفير. أقدرُ أن أرسمَ بالأبيض والأسود شيئا يمشي علي الأرض. شيئا جميلا وشاحبا كان يحلمُ أن يكون عصفورا وأخفق. لم يقدر أن يطيرَ ويزقزق كعصفور. ولم يقدرْ أن يسعي ويحكي كإنسان. وقف علي الخط المتأرجح بين الطيران وبين السعي. بين الزقزقة وبين الكلام. سأرسمُ طفلا نحيلا أسمرَ صامتا. وأسميه عُمَر. جميلٌ لكن لا يتكلم. شعره أسودُ فاحمٌ. وفي عينيه السوداوين العميقتين تمرّدٌ ورفضٌ للعالم. لم يكبر بما يكفي ليدركَ أن العالمَ بالفعل يستحقُّ أن يتجنَّب. لكن حدسَ الفنان داخله أخبره. هل أخبرتكم أنه فنان؟ سأرسمه وهو ينتحي مكانا قصيا من غرفته، جوار النافذة التي أمامها شجرةٌ وفوقها بلبلٌ يغرّد ثلاثَ مرات في اليوم. ينتزعُ من مكتب أمّه رزمةَ أوراقٍ بيضاءَ ويفتح علبة الألوان. في لوحاته رسالةٌ تتكرر. تنينٌ ضخم يطلق من لسانه لهبا. وفي الركن السفلي إنسانٌ خائف جدا ووحيد. يرتعد. إنسان قزمٌ. شعاعُ هلعٍ يمتد من عينيه حتي لسان التنين. لن أقدر أن أرسم لوحتَه في لوحتي. فأنا لستُ فنانة مثل عمر. الجميلُ المتوّحدُ المكتفي بريشته عن العالم. لكن سأرسمُ في أقصي اللوحة سيدةً عجوزًا حزنٌ في عينيها. أرسمها وهي تنحني أمام طبيبة الأطفال تقبّل يدها وتقول: هل تشفين عمر؟ فتجيب الطبيبة: عمر مش مريض، ده متوّحد. وكمان فنان. هي علي الأرجح جَدة الطفل. أما أمُّه فلن تظهر في لوحتي. لأنها الآن تتواري في غرفتها. فوق سريرها كتبٌ كثيرة عن أمراض الطفولة والتوحّد وتأخر البناء اللغوي. ومواقف النفري. ونبي جبران. وغريب كامي. وكثيرٌ من المناديل الورقية. هي تعرف أنها لم تتسبب في صمت عمر الأبدي. وتعلمُ أنها أنفقت سبعَ سنوات تقرأ وتقرأ، كي تنجح فيما أخفق الأطباءُ فيه. لم تقرأ صحيفةً ولم تطالع كتابا إلا إذا حمل شيئا عن الأوتيزم. مرّت حروبٌ واشتعل العالم لكنها لم تفتح تليفزيونًا ولا مذياعًا ولا صحيفة لتعرف لماذا تتحارب الشعوب؟ وكيف يقتلون الأطفال؟ فكل حرف يدخل عينيها في غير التوحد خيانةٌ لعمر. وحين يغدو عمر صبيا وسيما وصامتا، تكون قد سلّمت بيأسها وكفّت عن البكاء. فتحوله إلي أيقونة جَمال وشِعر وعذوبة. تتأمل رفضَه العالمَ وتحاول أن تقلّده. تقلد صمتَه. وتشرنقه. تقلد رفضَه الزحامَ والتزاحم والتعدّد. لأن في رفضه نبالةً. وفي صمتِه صخبُ مجرّةٍ بأسرِها!



#فاطمة_ناعوت (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- بالطباشير : عزيزي الله، من رسم الخطوط حول الدول؟
- بالطباشير: آخرُ مُعتزلةِ هذا الزمان
- بالطباشير:يا باب الورد، حِصَّة وين؟
- الشَّحّاذ
- بالطباشير: -سُرَّ مَنْ رآكِ- أيتها الغيوم
- بالطباشير: يحدثُ هذا، وشكرا لفلسفة المصادفة
- بالطباشير: أنا الأديبُ الألْمَعيُّ مِنْ حَيِّ أَرْضِ المُوصِ ...
- بالطباشير: اِسفكسيا الجمال
- قطعة من الفراغ-قصائد إيميلي ديكينسون
- صقيعٌ لم يَحُلْ دونه أحد
- الدينُ لله، فهل الوطنُ للجميع؟
- بالطباشير: لفرط حضورِكَ، لا أراك!
- بالطباشير: عِقابُ المرايا
- بالطباشير: يا قمر على دارتنا
- بالطباشير: عمتِ صباحًا يا استاطيقا القبح
- بالطباشير: أنا أندهش إذًا أنا إنسان
- بالطباشير: شاعرةُ الأشياء الصغيرة
- أيُّ مسلمين وأيُّ شعراءَ يا شيخ يوسف؟
- مهرجان الشعر العالمي 2007
- الشعر والطبقية - نعم للبستاني ولا للقروي!


المزيد.....




- تقرير أممي مستقل: إسرائيل لم تقدم حتى الآن أي دليل على ارتبا ...
- الأمم المتحدة تدعو بريطانيا إلى مراجعة قرار ترحيل المهاجرين ...
- إغلاقات واعتقالات في الجامعات الأميركية بسبب الحرب على غزة
- مراجعات وتوصيات تقرير عمل الأونروا في غزة
- كاريس بشار لـCNN: العنصرية ضد السوريين في لبنان موجودة لدى ا ...
- رئيس بعثة الجامعة العربية بالأمم المتحدة: العمل جار لضمان حص ...
- الأمم المتحدة: نزوح أكثر من 50 ألف شخص بسبب المعارك شمال إثي ...
- بعد تقرير -اللجنة المستقلة-.. الأونروا توجه رسالة للمانحين
- مراجعة مستقلة: إسرائيل لم تقدم أدلة بشأن ادعاءاتها لموظفي ال ...
- منتقدة تقريرها... إسرائيل: الأونروا جزء من المشكلة لا الحل


المزيد.....

- نحو استراتيجية للاستثمار في حقل تعليم الطفولة المبكرة / اسراء حميد عبد الشهيد
- حقوق الطفل في التشريع الدستوري العربي - تحليل قانوني مقارن ب ... / قائد محمد طربوش ردمان
- أطفال الشوارع في اليمن / محمد النعماني
- الطفل والتسلط التربوي في الاسرة والمدرسة / شمخي جبر
- أوضاع الأطفال الفلسطينيين في المعتقلات والسجون الإسرائيلية / دنيا الأمل إسماعيل
- دور منظمات المجتمع المدني في الحد من أسوأ أشكال عمل الاطفال / محمد الفاتح عبد الوهاب العتيبي
- ماذا يجب أن نقول للأطفال؟ أطفالنا بين الحاخامات والقساوسة وا ... / غازي مسعود
- بحث في بعض إشكاليات الشباب / معتز حيسو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - حقوق الاطفال والشبيبة - فاطمة ناعوت - الجميلُ الذي أخفقَ أن يكونَ عصفورًا