أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - القضية الفلسطينية - داود تلحمي - في أربعين -الحكيم- جورج حبش... نكبات فلسطين المتعاقبة وتحديات النضال دفعته الى التجذّر















المزيد.....

في أربعين -الحكيم- جورج حبش... نكبات فلسطين المتعاقبة وتحديات النضال دفعته الى التجذّر


داود تلحمي

الحوار المتمدن-العدد: 2238 - 2008 / 4 / 1 - 11:15
المحور: القضية الفلسطينية
    


شهد الفكر السياسي الفلسطيني منذ مطلع القرن العشرين مجموعة من التأثيرات والتطورات المتلاحقة التي واكبت تطور الوضع في فلسطين وفي محيطه العربي وفي الوضع العالمي: فمن سيادة الفكر المحافظ ذي الصبغة الدينية التقليدية... الى مناخات الدعوة الى إستقلالية الهوية العربية عن الهوية العثمانية... الى دعوات تشكُّل الكيانات العربية الواسعة، كسوريا الطبيعية أو بلاد الشام... الى تنامي تمايز الوضع الفلسطيني عن وضع البلدان المحيطة مع تصاعد حركة الهجرة والإستيطان الصهيونية... هذا الى جانب تأثيرات أخرى في فترة الإنتداب البريطاني، بقيت نوعاً ما محصورة الإنتشار: من بين أبرزها الفكر اليساري الجذري المتأثر بشكل خاص بثورة أكتوبر 1917 في روسيا القيصرية، والفكر الإسلامي الأصولي المنبثق بشكل أساسي عن حركة الإخوان المسلمين التي تأسست في مصر في أواخر العشرينيات الماضية، وكذلك محاولات نقل النموذج السياسي والفكري القومي الفاشي في أوروبا (وإن كان هذا التأثر كان أوضح في بلد مثل لبنان، حيث نشأ على الأقل حزبان استوحيا هذا النموذج، وبقيا قائمين حتى الآن، وإن تحوّل أحدهما الى مواقع وطنية متقدمة والآخر بقي يحمل فكراً يمينياً طائفياً)، الى تعبيرات أولية عن كيانية فلسطينية بقيت غير متبلورة تماماً، مع استمرار الشعور بالإنتماء للمحيط العربي بشكل أو بآخر، علاوة على الحاجة لهذا المحيط لمواجهة قوة الحركة الصهيونية المتفوقة عسكرياً وتنظيمياً، والمدعومة بأشكالٍ شتى من الإنتداب البريطاني ومن مراكز الضغط الصهيونية في دول غربية أخرى، وخاصة في الولايات المتحدة.
ويبدو واضحاً في ما استذكره "الحكيم" الراحل، الدكتور جورج حبش، في بعض ما صدر عنه أو معه من شهادات، وآخرها الكتاب الحواري الذي صدر في فرنسا قبل أيام من وفاته، أن شعوره بالظلم الذي أحاق بشعب فلسطين العربي في سنواته الدراسية الأولى وشبابه المبكر كان المكوِّن الأول لوعيه السياسي. وهو الشعور الذي وصل ذروته في مرحلة النكبة، إثر قرار التقسيم الصادر عن منظمة الأمم المتحدة في أواخر العام 1947 وحملات الترويع والتطهير العرقي التي قامت بها التشكيلات العسكرية والعصابات الإرهابية الصهيونية في أنحاء فلسطين، وصولاً الى إعلان دولة إسرائيل في 14/5/1948 عشية إنتهاء الإنتداب البريطاني على فلسطين ودخول قوات عدد من الدول العربية أراضي فلسطين بدءً من اليوم التالي لمواجهة التمدد الصهيوني، وصولاً الى جملة من الإشتباكات والمعارك وفترات الهدنة، انتهت باستيلاء القوات الصهيونية على مساحات أوسع من تلك التي خصصها قرار التقسيم لـ"الدولة اليهودية" وبتوصل الدول العربية المتاخمة لفلسطين على إتفاقات للهدنة مع إسرائيل بين الشهرين الثاني والسابع من العام 1949. وتكبّد شعب فلسطين خلال هذه الفترة الزمنية جملة من المذابح وعمليات التنكيل والترهيب التي نتج عنها تهجير غالبية الشعب من منازله وأراضيه الى بلدان عربية مجاورة أو الى المنطقتين اللتين بقيتا خارج السيطرة الصهيونية، واللتين عرفتا لاحقاً باسم الضفة الغربية لنهر الأردن وقطاع غزة.
كل هذه الأحداث المأساوية انطبعت في ذهن جورج حبش الشاب، الذي شاهد بعضها بأم عينه، خاصة في مدينته اللد التي تم تهجير معظم سكانها. وهذا الشعور العميق بالظلم وبفداحة الجرائم التي ارتُكبت بحق الشعب الفلسطيني جعلت الطبيب الشاب، الذي تخرّج في تلك الفترة من الجامعة الأميركية، يستقبل بحماس واندفاع ذلك الفكر القومي العربي الذي كان آخذاً في الصعود في أنحاء المشرق العربي في تلك المرحلة، أي خلال الثلاثينيات والأربعينيات الماضية، علّه يكون رافعةً ناجعة للرد على الجريمة الصهيونية واستعادة حقوق شعب فلسطين، أو بالأحرى استعادة شعب فلسطين لأرضه ووطنه، كما كان يقول "الحكيم".
ويقول جورج حبش في الكتاب المشار إليه أعلاه بأن "أباه الروحي" في هذا المجال الفكري القومي، على حد تعبيره، هو الأستاذ الجامعي السوري الذي عمل لفترة طويلة أستاذاً في الجامعة الأميركية في بيروت، كما في جامعات سوريا وفي سلكها الدبلوماسي، الدكتور قسطنطين زريق، مؤلف "الوعي القومي" عام 1939، ثم "معنى النكبة" عام 1948.
وهكذا يكون هذا المفكّر القومي أحد المصادر الرئيسية للفكر السياسي الذي دفع بـ"الحكيم" وعدد من زملائه في الجامعة وفي الحلقات الثقافية-السياسية في بيروت، والآتين من عدة بلدان عربية مشرقية، الى تأسيس حركة القوميين العرب، إنطلاقاً بالدرجة الأولى من سعيه الى مواجهة مفاعيل النكبة، والى الثأر من المشروع الصهيوني الإستعماري الإجلائي والعمل على هزيمته، عبر استعادة فلسطين وتأمين عودة المهجّرين العرب الفلسطينيين إلى مدنهم وقراهم وأرضهم.
وقد تعزّز هذا الفكر بشكل قوي بعد انتصار حركة "الضباط الأحرار" في مصر في أواسط العام 1952 وبروز شخصية جمال عبد الناصر الكاريزمية وإطلاق دعواته للنهضة وللوحدة العربية، إنطلاقاً من هذا البلد المركزي الأكبر سكاناً بين البلدان العربية والواقع في وسطها، بين مشرقها ومغربها، في زمن كانت فيه مصر تشهد في ما تشهد دعوات للتركيز على التمايز المصري والتمسك بخصوصية وفرادة تاريخ البلد مهد إحدى أقدم الحضارات البشرية، وهي دعوات تنامت خاصةً في بعض أوساط النخبة المثقفة، التي بقي بعض عناصرها، في ظل حكم عبد الناصر، معارضاً لدعواته العروبية الوحدوية، في حين كانت هذه الدعوات تلقى تجاوباً واسعاً على الصعيد الشعبي ليس في مصر وحدها وإنما في أنحاء المنطقة العربية.
وكان رهان حركة القوميين العرب الوليدة في مرحلة نشأته يرتكز، بالمقابل، على اعتبار أن تحرر البلدان العربية من النفوذ الإستعماري وإنجاز الوحدة في ما بينها يوفّران لها القوة الكافية والقدرة على مواجهة إسرائيل وهزيمتها، وبالتالي تحقيق هدف تحرير فلسطين. ومن هذه الزاوية، استقبلت أوساط القوميين العرب بحماس عملية الوحدة المصرية – السورية في مطلع العام 1958، خاصةً وأنها أُقيمت بين أقوى بلدين عربيين من بلدان الطوق المحيط بالدولة الصهيونية، كما رحبّت بثورة العراق على النظام الملكي في منتصف العام ذاته.
وهذه الحماسة الشديدة، التي رفعت مستوى الرهان والآمال بتحرير قريب لفلسطين، تحوّلت الى شعور عميق بالمرارة، وبنكبة جديدة لهذا التيار القومي، مع انهيار هذه الوحدة في أيلول/سبتمبر من العام 1961. وهو الحدث الذي فتح الباب واسعاً أمام جدل واسع في أوساط هذا التيار سعياً وبحثاً عن إجابات على أسباب ما جرى وعن أشكال جديدة لاستنهاض الجهد الوطني لإنجاز مهمة التحرير. فتصاعدت، من جهة، مناخات الدعوة الى تشكيلات فلسطينية خاصة، شجّعتها بشكل ملموس نجاحات الثورة الوطنية الجزائرية وإنجازها للإستقلال في أواسط العام 1962، ومن جهة أخرى، وبشكل بدأ خافتاً في مطلع الستينيات ولكنه تصاعد طوال الستينيات والسبعينيات، دعوات التماثل مع التجارب اليسارية والفكر اليساري في العالم، خاصة مع تصاعد مقاومة الشعب الفييتنامي للغزو الأميركي، وهي المقاومة التي بلغت أوجها في العام 1968 مع هجوم رأس السنة القمرية المحلية (تيت)، الذي شهد اقتحام الثوار لعدد من المدن المسيطر عليها من قبل الأميركيين في جنوب فييتنام، بالرغم من كون عدد القوات الأميركية هناك كان قد وصل الى زهاء نصف المليون عسكري أميركي. وهذا الهجوم الذي فاجأ الأميركيين وأربكهم، وإن تمكنوا من صده جزئياً، شكّل منعطفاً حاسماً في الحرب. فكسر حدة الإندفاعة الأميركية، وأرغم إدارة ليندون جونسون الأميركية على القبول بالتفاوض مع ممثلي الشعب الفييتنامي وثورته الوطنية اليسارية، وهي المفاوضات التي بدأت في أواخر العام ذاته وانتهت في العام 1973 باتفاق باريس، الذي قضى في ما قضى بانسحاب القوات الأميركية. لكن المعارك استمرت بعد ذلك بين المقاومين الفييتناميين والقوات الجنوبية المدرّبة والمسلحة من قبل الأميركيين، الى أن انتهت في ربيع العام 1975 بانتصار الثوار وبالتحرير الكامل للجنوب واستعادة وحدة فييتنام تحت اسم جمهورية فييتنام الإشتراكية.
وقد استمرت، رغم فشل التجربة الوحدوية بين مصر وسوريا، رهانات الأوساط القومية العربية وقطاعات واسعة من الجمهور العربي والفلسطيني، المتعاطف خاصةً مع التجربة الناصرية، على تحرر البلدان العربية من التبعية وعودة نهوض فكرة الوحدة بينها، وهو ما بدت ملامح أولية مشجعة له بعد استيلاء حزب البعث العربي الإشتراكي على السلطة في كل من العراق وسوريا في مطلع العام 1963. حيث جرت محاولات للوصول الى اتفاق توحيدي بين هذين البلدين الهامين في المشرق العربي ومصر جمال عبد الناصر. لكن هذه المحادثات لم تثمر، بسبب ضعف الثقة بين قادة البلدان الثلاثة، من جهة، وخشية القيادة المصرية من تكرار التجربة السابقة مع سوريا. خاصة وأن مصر كانت قد بدأت تنشغل بدعم مباشر لحركة الجمهوريين في اليمن الذين كانوا قد استولوا على السلطة وألغوا الملكية في خريف العام 1962، لكنهم ووجهوا بمقاومة من قبل الملكيين مدعومة من حكام العربية السعودية، مما دفعهم للمطالبة بدعم مصر الناصرية، التي أرسلت قواتٍ مساندة للجمهوريين.
تلك كانت المناخات التي سادت في الستينيات الماضية، التي شهدت، كما أشرنا، صعود التيار الوطني الفلسطيني ذي النزعة الإستقلالية، المستلهمة خاصة من التجربة الجزائرية، وهو التيار الذي كانت حركة "فتح" تحمل رايته. كما شهدت تلك الحقبة تحولات في الحركات القومية، وخاصة في حركة القوميين العرب، باتجاه إيلاء اهتمام خاص بالكيانية الفلسطينية والإنخراط في الحركة الوطنية الفلسطينية الناهضة التي دخلت لاحقاً في إطار منظمة التحرير الفلسطينية. والى جانب هذا التوجه الفلسطيني للإعتماد في المقام الأول على الذات، أخذت التأثيرات اليسارية، كما ذكرنا، تترك بصماتها على قطاعات من التيار القومي العربي، كما على بعض أوساط حركة "فتح"، خاصة بعد الصعود الذي شهدته حركة المقاومة الفلسطينية إثر النكبة الجديدة التي تمثّلت بحرب العام 1967 واحتلال إسرائيل أثناءها لكامل فلسطين التاريخية، علاوةً على أراضٍ مصرية وسورية.
ويقول الدكتور حبش في الكتاب المشار إليه أعلاه أنه، خلال الأشهر التي أمضاها في السجون السورية في العام 1968، انكب على قراءة الأدبيات الماركسية في سياق انحيازه لهذا الفكر، الذي كان يشهد، كما ذكرنا، مرحلة صعود عالمي في تلك المرحلة، وهو صعود امتد أيضاً الى المنطقة العربية بأسرها، جزئياً بسبب انتكاس المشروع العربي الوحدوي والهزيمة العسكرية التي لحقت بطرفين عربيين رئيسيين يتبنيان الفكر القومي الوحدوي في حرب 1967.
والى جانب الدور الملهم لحرب التحرر الفييتنامية، كانت هناك في تلك المرحلة بدايات الإنفتاح الفلسطيني على التجربة اليسارية في الصين. حيث كانت الصين الشعبية أول دولة غير عربية تعترف بمنظمة التحرير الفلسطينية، وتستقبل، حتى قبل العام 1967، رئيس لجنتها التنفيذية الأول أحمد الشقيري، ثم بعثات فصائل المقاومة وقادتها. كما كان هناك حضور للتجربة الثورية الكوبية، التي تركت بصمات قوية خاصةً بعد استشهاد أحد قادتها التاريخيين الأرجنتيني المولد إرنستو غيفارا في خريف العام 1967 وتحوّله الى رمز عالمي لتحدي الإمبريالية والظلم الإجتماعي. ولم يكن مستغرباً آنذاك، في الفترة التي انتشرت فيها قواعد الفدائيين في الأردن في أواخر الستينيات، أن تشهد الساحة الفلسطينية انتشاراً واسعاً لاسم غيفارا كاسم حركي للمقاتلين من مختلف التنظيمات، وبدرجة أقل اسم القائد العسكري الفييتنامي الأسطوري جياب وأسماء ثوريين يساريين آخرين. وفي تلك الفترة أيضاً، أي بين العامين 1967 و1970، اتسعت شبكة العلاقات الأممية لفصائل الثورة الفلسطينية وانفتحت على العالم الخارجي، وتوافدت عليها المئات والآلاف من المتطوعين أو الزوار من قوى وتيارات اليسار، بتلاوينه المختلفة، في مختلف أنحاء العالم.
ويتحدث "الحكيم" في الكتاب إياه عن زيارته لكوريا الشمالية في أواخر العام 1970 ولقاءاته مع بعض المسؤولين في الصين الشعبية في طريق العودة. كما يتحدث عن علاقاته اللاحقة بكوبا ولقاءاته مع فيديل كاسترو وصلاته مع العديد من القوى والشخصيات اليسارية في العالم، والعلاقة الخاصة التي كانت قائمة بينه وبين قادة الحزب الشيوعي اللبناني، وهي العلاقة التي وطدتها بين الحزب ومجمل اليسار اللبناني، من جهة، وكل الحركة الوطنية الفلسطينية، من جهة أخرى، عملية الكفاح المشترك ابان الحرب الأهلية اللبنانية والإجتياح الإسرائيلي للبنان عام 1982، ولاحقاً في سياق دعم المقاومة اللبنانية في كفاحها لهزيمة الإحتلال الإسرائيلي للبنان.
وكل مقولات "الحكيم" ومواقفه تعكس قناعات قوية لديه وحسّاً راسخاً بالعداء للإمبريالية وكل أشكال الظلم في أنحاء العالم وتضامناً عميقاً بالتالي مع ضحايا هذه الإمبريالية وهذا الظلم، ومع القوى المناهضة لهما والعاملة ضدهما. وهي سمة من المؤكد أنها لازمته طوال مسيرته الكفاحية، وشكّلت جزءً أساسياً من تكوينه الفكري السياسي.
وفي سياق الرد على سؤال للصحافي الفرنسي الذي أعدّ الكتاب، أكّد الحكيم على حلمه بقيام "دولة ديمقراطية علمانية يعيش فيها الفلسطينيون واليهود بحقوق وواجبات متساوية"، مع تأكيده المتكرر على أهمية حق اللاجئين الفلسطينيين في العودة الى ديارهم، في سياق أي حل للصراع. وهذا الموقف يؤشر الى استيعاب الطبيعة الخاصة لهذا الصراع مع مجتمع استيطاني تواجد في فلسطين إثر سلسلة من الهجرات، بحيث يكون الحل، من وجهة نظر تقدمية، قريباً من الحل الذي اعتُمد في جنوب إفريقيا بموافقة المؤتمر الوطني الإفريقي، التنظيم القائد لحركة تحرر شعب جنوب إفريقيا الأصلي. ويمكن التفكير، في هذا السياق، بأشكال مطوّرة لهذه الصيغة، تستوعب التمايز في طبيعة التشكيل الإثني الثقافي القائم في جنوب إفريقيا وذلك الذي يمكن أن يقوم في سياق حل ديمقراطي شامل لمجمل الصراع الفلسطيني – الإسرائيلي. مع العلم، طبعاً، وهو ما كان يقرّ به "الحكيم"، بأن هذا الحل هو حل استراتيجي وغير قريب الأمد. بحيث تأتي صيغة الدولة الفلسطينية في الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1967 كمرحلة على طريق هذا الحل الإستراتيجي.
ويؤكد الحكيم في نهاية هذا الكتاب على استمرار التزامه بالماركسية، وتأكيده في الوقت ذاته على رأيه بعدم تعارض هذا الإلتزام مع التدين، قائلاً بأنه كان سيدعو في المؤتمر القادم للجبهة الشعبية الى صيغة توضح هذا الجانب، أي عدم تعارض الإستناد الى الفكر الماركسي مع التدين، آخذاً بعين الإعتبار الإنتشار المتصاعد للتدين في أوساط الشعب الفلسطيني وتنامي التيارات الإسلامية.
يبقى أن نقول أن "الحكيم" الراحل بقي دائماً متمسكاً بقضيته المركزية، قضية الشعب الفلسطيني، محدداً مواقفه من القوى والدول ومسخراً كل العلاقات والجهود لتحقيق الهدف الذي بدأت حياته النضالية به، وهو هدف تحرير فلسطين واستعادة حقوق شعبها في الحرية والإستقلال والعودة. ومن المفيد أن نشير هنا الى أن حديث "الحكيم" الراحل عن "الحرية والإستقلال" بشكل متكرر يذكّر بمقولة شهيرة للقائد الفييتنامي التاريخي هو شي مينه، الذي كان يكرر مقولته الشهيرة أثناء حروب تحرير بلده ضد اليابانيين ثم ضد الفرنسيين وضد الأميركيين: "لا شيء أغلى من الإستقلال والحرية ".
وأخيراً، وفي إطار تقييم الدور التاريخي لـ"الحكيم"، ومهما كان رأينا في تفاصيل مواقفه وتحليلاته والسياسات التي مارسها في مسيرته النضالية، لا يمكن إلا أن نقرّ بموقعه البارز ومكانته الهامة في مسيرة الشعب الفلسطيني المعاصرة.
ومن باب الإستطراد، نشير الى أن عدداً من بلدان العالم كان في السنوات الأخيرة يشهد تنظيم برامج إستفتائية في التلفزيون أو عبر الإنترنت تدعو المشاهدين لتحديد أهم الشخصيات في تاريخ كل بلد من هذه البلدان، مثلاً أهم عشر شخصيات أو مئة شخصية في تاريخ البلد المعني في شتى المجالات، من السياسة الى الثقافة والفن والعلم والتكنولوجيا والإنجازات الإنسانية. وبإمكاننا، في الختام، أن نقول، دون مبالغة، أن "الحكيم" بدوره التاريخي في الساحة الفلسطينية وفي ساحات عربية أخرى، ستكون له مكانة متقدمة في أي تصنيف كهذا.



#داود_تلحمي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- -اليسار والخيار الإشتراكي... قراءة في تجارب الماضي وفي احتما ...
- 90 عاماً على الثورة البلشفية في روسيا.... هل كان بالإمكان تف ...
- حروب النفط والصراعات على منابعه وممراته مرشّحة للإتساع
- القرن 21 سيكون قرناً آسيوياً؟
- صعود الصين وتنامي استقلالية روسيا...يؤشران لتوازنات عالمية ج ...
- ملاحظات على هامش إنتخابات الرئاسة في فرنسا
- اليسار يرسم خارطة جديدة لأميركا اللاتينية، ومشروع عالم بديل
- تحديات تواجهها المساحة العربية في عصر العولمة الرأسمالية
- اليسار الجذري والديمقراطية التعددية هل يلتقيان؟ فنزويلا قالت ...
- الأيديولوجيا والسياسة... إستقلال نسبي، وضوابط ضرورية
- إنتصارات اليسار في أميركا اللاتينية -الخلفيات والآفاق
- داود تلحمي في حوار مع العربية ضمن برنامج السلطة الرابعة
- المؤرخ والعالم الاجتماعي مكسيم رودنسون... نموذج مختلف للإستش ...
- بعد خمسين عاماً من الانتصار التاريخي في - ديان بيان فو
- نحن والإنتخابات الأميركية: -إزاحة- اليمين المتطرف... وبلورة ...
- بعد صدور القرار 1515 لمجلس الأمن حول -خارطة الطريق
- في ذكرى ثورة (7 نوفمبر) الاشتراكية، وفي ظل تنامي قوة المارد ...


المزيد.....




- -الأغنية شقّت قميصي-.. تفاعل حول حادث في ملابس كاتي بيري أثن ...
- شاهد كيف بدت بحيرة سياحية في المكسيك بعد موجة جفاف شديدة
- آخر تطورات العمليات في غزة.. الجيش الإسرائيلي وصحفي CNN يكشف ...
- مصرع 5 مهاجرين أثناء محاولتهم عبور القناة من فرنسا إلى بريطا ...
- هذا نفاق.. الصين ترد على الانتقادات الأمريكية بشأن العلاقات ...
- باستخدام المسيرات.. إصابة 9 أوكرانيين بهجوم روسي على مدينة أ ...
- توقيف مساعد لنائب من -حزب البديل- بشبهة التجسس للصين
- ميدفيدتشوك: أوكرانيا تخضع لحكم فئة من المهووسين الجشعين وذوي ...
- زاخاروفا: لم يحصلوا حتى على الخرز..عصابة كييف لا تمثل أوكران ...
- توقيف مساعد نائب ألماني في البرلمان الأوروبي بشبهة -التجسس ل ...


المزيد.....

- المؤتمر العام الثامن للجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين يصادق ... / الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين
- حماس: تاريخها، تطورها، وجهة نظر نقدية / جوزيف ظاهر
- الفلسطينيون إزاء ظاهرة -معاداة السامية- / ماهر الشريف
- اسرائيل لن تفلت من العقاب طويلا / طلال الربيعي
- المذابح الصهيونية ضد الفلسطينيين / عادل العمري
- ‏«طوفان الأقصى»، وما بعده..‏ / فهد سليمان
- رغم الخيانة والخدلان والنكران بدأت شجرة الصمود الفلسطيني تث ... / مرزوق الحلالي
- غزَّة في فانتازيا نظرية ما بعد الحقيقة / أحمد جردات
- حديث عن التنمية والإستراتيجية الاقتصادية في الضفة الغربية وق ... / غازي الصوراني
- التطهير الإثني وتشكيل الجغرافيا الاستعمارية الاستيطانية / محمود الصباغ


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - القضية الفلسطينية - داود تلحمي - في أربعين -الحكيم- جورج حبش... نكبات فلسطين المتعاقبة وتحديات النضال دفعته الى التجذّر