أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - إبراهيم اليوسف - بلند الحيدري رائد الحداثة المنسي - غواية المدن في اصطياد شاعر















المزيد.....

بلند الحيدري رائد الحداثة المنسي - غواية المدن في اصطياد شاعر


إبراهيم اليوسف

الحوار المتمدن-العدد: 694 - 2003 / 12 / 26 - 05:58
المحور: الادب والفن
    


إذا كان ثمة مربع ذهبي حقاً لحركة الحداثة الشعرية العربي، فإن بلند الحيدري هو بالتأكيد الضلع الأهم، بل حجر الأساس في هذا المربع، وان هذا الكلام ليس جزافاً، إنما نتيجة لكون الرجل أول رواد هاتيك الحداثة علي الاطلاق ما يشهد له تاريخ صدور أول ديوانه له..
إذ ان خفقة الطين. ديوان بلند الأول، هو إصدارات الرعيل الأول في العام 1946، وهو ليس أوراق اعتماد شاعر واحد في دنيا الحداثة فحسب، بل إنه وثيقة رياديّة لرعيل كاملٍ، بل لحركة الحداثة برمتها.. حيث ان المجموعات الشعرية الأولي بدأت تتالي بعد هذا التاريخ، إذ صدر ديوان: عاشقة الليل لنازك الملائكة ــ كما يقول بلند ــ في أوائل الشهر الثالث من العام 1947 ن بينما تأخر صدور ديوان السيّاب الأول إلي أواسط العام نفسه. وعلي الرغم من كون خفقة الطين ــ باكورة ابداعات الشاعر، فهو كذلك تأسيس لهذا الضرب من الشعر، دون أن يسبق بأنموذج محتذي به، علي غرار ماقامت به الاسماء اللاحقة، إلا انّه يخلو من ارباكات اية بداية أو خللها، بل انه ينم عن تجربة عميقة، ونضوج واضح لأدوات الشاعر وعدم كون هذا الانتاج طفرة مفاجئة في مجال الابداع، وانما تتويج لمرحلة سابقة من الاشتغال الدؤوب علي الكلمة الشعرية، وقد تبدو اهمية هذا الانتاج. الان وباكثر ـ اذا ادركنا معاً، انه قد صدر في الوقت الذي وضع فيه بلند رجله علي اعتاب العشرين من عمره! رغم ان اترابه جميعاً من مواليد 1926 حيث تمت تسمية هذا العام بعام العبقرية العراقية كما يقول فضل النقيب.. يمكن اعتبار بلند الحيدري علي الرغم من دوره الريادي شاعراً تجريبياً أيضا، إذ ظل يكتب القصيدة العمودية، بالاضافة إلي كتابته لقصيدة التفعيلة، إلا انه يرفض قصيدة النثر، وإنها برأيه (ليست اكتشافاً، فسبقتها كتابات أبي حيان والنفري) وكان يري ان اتباع أدونيس من عديمي الموهبة هم الذين خلقوا هذه الفوضي.
لقد كان بلند مترفعاً عن السفاسف، مشغولآ بالتحليق في الفضاءات الأرحب والأعلي، وتقديم ماهو افضل، اذ يعلن تارة حين لا تاتي صنا نيره بالدرر الثمينة التي يستأثرها، أنه سيطلق الشعر، الذي خذلته رباته، بيد انه سرعان ما يصالح شياطين الشعر، حين تظفر أصابع روحه بقصيدة جديدة.
منذ نعومة أظفاره بدا بلند شاعرا استثنائيا في شعره، وحياته في آن واحد، لقد تمرد قبل كل شي علي سلطة الأب البطريركية، اذ يقول بهذا الصدد لم أكن أفهم أبي ،ولم يكن يفهمني فنركت القصور، بل أن نزعة التمرد استفحلت باكثر ليحطم أعراف أسرته... ويعمل ذات مرة كاتب عرائض أمام مبني الوزارة التي يرأسها خاله بل أن غلو هذه النزعة د فعه ليفتتح مقهي لجماعة الوقت الضائع، يلتقي فيه المارقون ليكون ملاذا لهم (علي حد قول الشاعر سعدي يوسف0.كي يتحاوروا فيه، الي أن تم أغلاقه. لم يعرف الشاعر الهدوء. والاستقرار قط. علي الرغم مما كان يبدو علي سيمائه من سكينة أو هدوء، بل أن اتون القلق المشتعل في ذاته، ظل علي ما هو عليه حتي اللحظة الأخيرة التي عاشها، اذ تنقل الشاعر منذ طفولته الأولي وحتي وفاته في مشفي ــ بروميثون ــ في نيويورك بين مدن عراقية، وعربية وأجنبية كثيرة، رغم ان تأثير بعض تلك المدن ظهر اكثر في تجربته الابداعية، والشاعر كان وفياً لمدنه جميعاً إذ كتب قصائد كثيرة في بيروت جاءت بين دفتي ديوانه: إلي بيروت مع تحياتي. باكياً ملامحها التي كادت الرياح الهوجاء أن تمحوها تماماً، متألماً علي أبنائها الذين شخبت دماؤهم هدراً خلال حرب أهلية مجنونة، لاطائل منها اليتة.
بل ان بغداد التي احتضنته، وهو لما يزل فتي يضع قدمه فيها علي اولي سلالم الابداع واستحصل فيها علي ثقافة رفيعة، رغم أنه هجر المدارس، ولم يستسغ الجلوس علي مقاعدها، متعرفاً فيها علي رموز الثقافة والفكر والفن آنذاك نالت منه الاهتمام إلي درجة الهيام. أجل لقد كتب الكثير ــ شعراً ونثراً ــ عن بغداد التي مابرح رسمها خافقة ومضة عين... وظلّ يكتوي ببعده عنها، لم تنسه إغراءات كل مدن العالم مدينته تلك التي قضي نحبه بعيداً عن ناسها، وحاراتهاوهوائها، وترابها، وان ما يؤكد مثل هذا الحب هو ان آخر مادة كتبها بلند في صفحته التي كان يحررها في كل عدد من إعداد مجلة ــ المجلة ــ كانت عبارة عن قصيدة وسمها بــ: بغداد ــ يقول فيها: بغداد/ تلك الفاتنة السمراء.. لماذا ما عدت أراها/إلافي ثوب حداد/إلا في ظهر منحني / أوجلد مهري / أوشهقة أمرأة ثكلي / أودود يتوالد مابين عيون القتلي/ وخرائب سود يتسكع فيها الموت / وليس فيها صمت رماد (...)/ بغداد / ماعدت أراها / إلا في سوطٍ مازال يقهقه في كفّ الجلاد.... لقد كان بلند نسيج نفسه.. فقط، لا يشبه إلا روحه وذاته، مدركاً تماماً اختلافه عن الأسوياء الذين يجيدون إرضاء الجميع في آن واحد، علي خلاف المبدع الحقيقي الذي يمضي حاملاً بيده جمر الإبداع. واستشهد في زاوية سابقة له علي قصيدة ــ بغداد ــ وتحت عنوان (في العلاقة ما بين الجنون والعبقرية) بفيلي بوست وافلاطون وهيغل ونيتشه وشوبنهاور، ممن يؤكدون علي ان الانسان الذي يحتفظ بعقله لا يمكنه ان يقول الشعر بيد انه وفي نهاية المطاف يصل مع أ. نوكس في كتابه (النظريات الجمالية) إلي ان الشاعر ليس مجنوناً بل هو معني بقوانين العلة و المعلول وذلك في اختيار مواده، وترتيبها، وتنظيمها وفي طريقة توظيف فنه والتحكم فيه وهو بالتالي صحيح العقل، متزن، متيقظ، يفكر بتوهج ولكن بطول أناةٍ ويري بعمقٍ وشمول.
كما كان بلند الحيدري ذا ذائقة فنية عالية، فناناً تشكيلياً، بل ناقداً فنياً ــ يعتبر مع ــ جبرا إبراهيم جبرا ــ من الأوائل الذين كتبوا ــ عراقياً ــ في هذا المجال، بل وعمل في المجال الصحافي، حيث ترأس تحرير عدد من المجلات العربية في العراق وبيروت ولندن، وتعد زوجته دلال المفتي إحدي الفنانات التشكيليات المهمات. وما خلا الشاعر العربي الكبير محمد مهدي الجواهري والبياتي ــ نجد قلةً قليلةً من الشعراء استطاعوا الكتابة مثله لبضعة عقود متواصلة، هذا إذا عرفنا بأن مسافةً زمنيةً قدرها نصف قرن ما بين سنة إصدار ديوانه الأول وآخر دواوينه (دروب في المنفي) الذي صدر قبل رحيل الشاعر بثلاثة أسابيع فقط... وعن أهمية قصيدة بلند ودوره الريادي يقول بدر شاكر السياب في 1956 بلند الحيدري هذا الشاعر الممتاز، الذي أعتبر العديد من قصائده الرائعة أكثر واقعية من مئات القصائد التي يريد منا المفهوم السطحي للواقعية أن نعتبرها واقعية.
ويقول عبد الوهاب البياتي في العام 1952 أن بلنداً شاعر مبدع في أساليبه الجديدة التي حققها، وفي طريقته التي لا يقف فيها معه إلا شعراء قلائل من العراق وبصدد هذه الشهادة الأخيرة يقول نجم عبد الكريم: يندر أن يصدر البياتي شهادة لأحد إلا إذا كان قد أستحوذ علي أعجابه وفرض عليه نفسه ويري أن بلنداً لم يكن لديه من الفراغ ما يملأ به تلك السجالات التي تدور في فلك (لمن الأولويات في ريادة الشعر الحديث)) فقد كانت الأولوية عند بلند للقصيدة وللبحث وللحضور الأدبي والفكري والثقافي، ولعمري انه قد أنتصر أيما انتصار ِ ِِ
يقول بلند في قصيدته: حديثه للسبت المقبل: في الغرفة/ ذات الغرفة/ سيمر السبت/ وبلهفة/ قد تذكرني/ قد تسال عني/ لم يات/ لن يأتي/ ويغور الصمت في الغرفة ــ او تبكين؟/ كلا. لكني / لا أدري / لم أشعر أن السبت حزين / لم أشعر ان البيت حزين / أشعر أني ادفن شيئاً مني / في صمتي / وبلهفة / قد تسمع صوتي / قد ترجع نبرة الحزن في صوتي / من يدري ؟/ قد لاتسمع شيء خطي الموت / وتضيع بلا حب أو لهفة.../وسيضحك في الغرفة غيري.



#إبراهيم_اليوسف (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ثقافة الفرد لا تتناسخ مع الثقافة العامة - المثقف والسلطة.. ث ...
- مئوية الشاعر الكردي جكرخوين - تجول في الفيافي مع الرعاة ليكت ...
- بلند الحيدري رائد الحداثة الشعرية المنسي- 2/2
- في ذكرى رحيله : بلند الحيدري رائد الحداثة الشعرية المنسى 12
- لصوص قانونيون في دوائرنا ومؤسساتنا باسم : لجان المشتريات! نه ...
- هيمنة الانترنت تطفئ جذوة الايحاء ومنظمة اليونسكو تقرع الأجرا ...
- استنطاق الحيوان كشكل للدلالة علي تازم العلاقة بين المثقف وال ...
- الحوار المتمدن دعوة جادة إلى حوار جاد
- المواطن السوري: معط أو مستعط...!ووظيفة الدولة والشركات الخاص ...
- الإعلام الضال ظاهرة مسيلمة الصحاف أنموذجا
- الحكمة الكردية في الزمان الصعب !!
- ما بعد الانترنيت
- التلفزيون السوري والبرامج الرمضانية
- على هامش ندوة:مهامنا السياسية
- حوا ر مع الشاعر العراقي اسعد الجبوري
- طيـب تيزيـنـي فـي مقالـه; مثقفون لا رعايا
- حامد بدرخان الراحل وحيداً
- احوار مع البروفيسور والناقد الكردي عزالدين مصطفى رسول
- حوار مع الباحث الماركسي السوري عطية مسوح - اليسار العربي تجا ...
- صناعة ا لموظف الحكومي


المزيد.....




- تونس خامس دولة في العالم معرضة لمخاطر التغير المناخي
- تحويل مسلسل -الحشاشين- إلى فيلم سينمائي عالمي
- تردد القنوات الناقلة لمسلسل قيامة عثمان الحلقة 156 Kurulus O ...
- ناجٍ من الهجوم على حفل نوفا في 7 أكتوبر يكشف أمام الكنيست: 5 ...
- افتتاح أسبوع السينما الروسية في بكين
- -لحظة التجلي-.. مخرج -تاج- يتحدث عن أسرار المشهد الأخير المؤ ...
- تونس تحتضن فعاليات منتدى Terra Rusistica لمعلمي اللغة والآدا ...
- فنانون يتدربون لحفل إيقاد شعلة أولمبياد باريس 2024
- الحبس 18 شهرا للمشرفة على الأسلحة في فيلم أليك بالدوين -راست ...
- من هي إيتيل عدنان التي يحتفل بها محرك البحث غوغل؟


المزيد.....

- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو
- الهجرة إلى الجحيم. رواية / محمود شاهين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - إبراهيم اليوسف - بلند الحيدري رائد الحداثة المنسي - غواية المدن في اصطياد شاعر