أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - نبيل تكوتي - حرية التفكير والتعبير في الإسلام















المزيد.....

حرية التفكير والتعبير في الإسلام


نبيل تكوتي

الحوار المتمدن-العدد: 2237 - 2008 / 3 / 31 - 11:27
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


يحلو كثيرا للمسلمين أن يدعوا و يفخروا بأن دينهم يكفل للإنسانية حقوقها وحرياتها التي تصون كرامتها و آدميتها . ومن بين هذه الحقوق التي أصبحت في عصرنا الراهن ضرورة ملحة لا مناص من إقرارها وحمايتها ، الحق في التفكير والتعبير . ويستدل أنصار الإسلام في طرحهم هذا ، بعدة آيات من القران ، نذكر من بينها : ( أو لم يتفكروا في أنفسهم ما خلق الله السماوات والأرض وما بينهما إلا بالحق و اجل مسمى ) الروم/08 ، ( فلينظر الإنسان مم خلق ) الطارق /05 ، (وفي الأرض آيات للموقنين وفي أنفسكم أفلا تبصرون ) الذاريات /20 ، ( إن في خلق السماوات والأرض واختلاف الليل والنهار لآيات لأولي الألباب ) آل عمران/190 ، ( ويتفكرون في خلق السماوات والأرض ربنا ما خلقت هذا باطلا ...) آل عمران/191 ، (أفلا ينظرون إلى الإبل كيف خلقت وإلى السماء كيف رفعت وإلى الأرض كيف سطحت )الغاشية /17 ، ( قل انظروا ماذا في السماوات والأرض وما تغني الآيات والنذر عن قوم لا يؤمنون ) يونس /101 ، ( قل سيروا في الأرض فانظروا كيف بدا الخلق ) العنكبوت /20.

ولكن المتأمل لمعنى هذه الآيات والمتمعن في فحواها ، يدرك بسهولة أن التفكير المقصود في هذه الآيات هو ذاك التفكير المؤدي إلى الإيمان بالله كخالق و مدبر لهذا الكون لا شريك له في ذلك ، وإلى الإيمان بكل ما ورد في القرآن باعتباره حقيقة مطلقة لا تقبل الشك و النقاش . فهي إذن "حرية " مقيدة ومشروطة منذ البداية . فإذا فكر إنسان ما ، وأنفق من جهده ووقته وماله في سبيل البحث في القضايا الكبرى وأسرارها ، كأصل الكون ، والحكمة من هذه الحياة ، والجبر والاختيار ، ومرحلة ما بعد الموت ،وغيرها من المعضلات . إذا فكر في هذه الأمور الجليلة بصدق وجدية ، ثم أوصله عقله و تفكيره إلى نتائج تختلف ، في قليل أو كثير ، عما ورد في القرآن ، فإن فضيلة التأمل والتفكير سرعان ما تنقلب إلى رذيلة ما بعدها رذيلة ، وتستحيل جرما ما بعده جرم . إذ يصبح هذا الشخص مرتدا عن ملته ، تاركا لدينه ومفارقا للجماعة ، حكمه الشرعي في الإسلام أن يستتاب أولا، حتى تمنح له فرصة العدول والتراجع ، فإن تمسك بأفكاره " الضالة " وأصر على " كفره " ، فقد أصبح دمه مهدورا ، ولا بد من قتله .
وقد بحثت في القران ، الذي هو المصدر الأول من مصادر التشريع في الإسلام ، عن حالة الردة وحكمها ، فألفيته قد حكم على صاحبها بإحباط أعماله في الدنيا والآخرة والخلود في النار ، دون أن يضع لهذه الحالة عقوبة من العقوبات الدنيوية ، إذ تقول الآية رقم 217 من سورة البقرة : ( ومن يرتدد منكم عن دينه فيمت وهو كافر فأولئك حبطت أعمالهم في الدنيا والآخرة وأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون ) . أما السنة النبوية المحمدية ، التي يقول الفقهاء أنها جاءت مفسرة ومفصلة ومكملة للقران ، فقد وجدت فيها حديثين نبويين وردا في صحيح البخاري وهما : ( من بدل دينه فاقتلوه ) ، و ( لا يحل دم امرئ مسلم يشهد أن لا اله إلا الله واني رسول الله إلا بإحدى ثلاث : الثيب الزاني ، والنفس بالنفس ، والتارك لدينه المفارق للجماعة ) .

وإذا كان حكم الردة الفردية هو القتل ، فمن باب أولى إذن ، حسب قول الفقهاء ، أن ينطبق هذا الحكم على من يسعى إلى أن يعبر عن هذه الأفكار ويجهر بها في العلن . وذلك تفاديا لزرع الشك في قلوب المؤمنين ، وحماية لهم من الفتنة في دينهم إذ يقول القران في هذا الشأن : ( إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الأرض فسادا أن يقتلوا أو يصلبوا أو تقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف أو ينفوا من الأرض ذلك لهم خزي في الدنيا ولهم في الآخرة عذاب عظيم ) المائدة /33 . ويقول أيضا : ( إن الذين فتنوا المؤمنين والمؤمنات ثم لم يتوبوا فلهم عذاب جهنم ولهم عذاب الحريق ) البروج /10.

ويقول علماء مقاصد الشريعة الإسلامية ، أن الإسلام جاء للحفاظ على" الكليات الخمس " ، وهي : الدين ، والعقل والنفس ، والمال ، والنسل . فالحفاظ على الدين يعني : العمل به ، والجهاد من اجله ، والدعوة إليه ، والحكم به ، و رد كل ما يخالفه من قول أو فعل . وهذه النقطة الأخيرة تفرض على العلماء ، وهم " حراس الشريعة وحماتها " أن يقفوا في وجه كل الأفكار المخالفة للدين ، ويبينوا الحكم الشرعي فيها ، والذي يتراوح بين التعزير والقتل ، وعلى الحاكم تنفيذ هذا الحكم. أما الحفاظ على العقل فمؤداه ، حمايته من من المفسدات ، وهي نوعان : المفسدات المادية ، كالخمر والمخدرات وغيرهما ، والمفسدات المعنوية ، وهي كل الأفكار والتصورات المخالفة للدين الإسلامي . فالتفكير الذي يقود صاحبه إلى ما يخالف "الحقائق القرآنية " عدمه أفضل من وجوده ، وهذا مصداقا للآية القائلة :( وجعلنا لهم سمعا وأبصارا وأفئدة فما أغنى عنهم سمعهم ولا أبصارهم ولا أفئدتهم من شيء إذ كانوا يجحدون بآيات الله ...) الأحقاف /26 .








وبسبب هذا الحكم الرهيب ، الذي سلطه الإسلام على أحرار الفكر ، و أنصار العقل ، فقد تعرض الكثير من المفكرين والعلماء ، على اختلاف توجهاتهم و مشاربهم ، عبر مراحل التاريخ الإسلامي ، إلى أبشع صور التعذيب والتنكيل والتقتيل ، لا لجرم ، إلا لأنهم ، درسوا وفكروا وتأملوا ثم عبروا عما توصلوا إليه من أفكار وآراء . وحتى نبرهن لك على ما نقول ، سوف نسوق لك بعض وقائع الاضطهاد الفكري عند المسلمين ، على سبيل المثال و الاستدلال .

إن ما فعله الخليفة الأموي عمر بن عبد العزيز ، و الملقب – على الأقل لدى أهل السنة – بخامس الخلفاء الراشدين ، مع المفكر غيلان الدمشقي القدري ، لمثال واضح على ما نقول . فقد كان غيلان يقول بأن الإنسان قادر لوحده على خلق أفعاله بفضل مكنة أودعها الله فيه وهي مكنة العقل ، الذي هو مناط التكليف . فيكون بذلك دون غيره ، مسئولا أمام الله عما يأتيه من أفعال و تصرفات . و قد رأى الخليفة " المكلف شرعا بحماية الدين وبسياسة الدنيا " في هذا الاعتقاد مخالفة صريحة للعقيدة الإسلامية الصحيحة ، التي تقول أن الله هو خالق أفعال الناس ، إذ لا خالق سواه ( والله خلقكم و ما تعملون ) الصافات/96 ، وليس للإنسان إلا القدرة على الكسب أي الاختيار بين الخير والشر ( كل نفس بما كسبت رهينة ) المدثر/38 و ( وان ليس للإنسان إلا ما سعى ) النجم/39 . فأمر بإحضاره أمامه ، فلما مثل غيلان بين يديه ناقشه الخليفة وجادله في الأمر ، ثم توعده بالعقاب إن لم يتراجع عن " ضلاله " هذا ، فلم يكن أمام غيلان سوى أن يلجأ إلى التقية ويتظاهر بالرجوع عن اعتقاده خوفا من الويل و الثبور . فلما توفي الخليفة عمر عاد غيلان إلى الجهر بأفكاره ، فأمر الخليفة الجديد هشام بن عبد الملك في طلبه ، وواجهه بإمام الشام الأوزاعي . و اشتد بينهما الجدال إلى أن أيقن الأوزاعي أن غيلان لن يتراجع عن أفكاره ، حينها أفتى بكفره و ردته و إهدار دمه ، فأمر الخليفة بقتله ، تطبيقا لـشرع الله .

و من قبيل الإرهاب الفكري أيضا، ما قام به المعتزلة " أنصار العقل في الإسلام " عندما أصبحوا في مركز القوة و القيادة منذ تولى الخليفة " المستنير " المأمون بن الرشيد الخلافة . حيث قرروا أن يجعلوا من مذهبهم هذا، المذهب الرسمي للدولة ، فأوجبوا على كل من أراد تولي منصب سام في الدولة، و خاصة منصب القضاء أن يقول بأن القرآن مخلوق( أي ليس أزليا كالله ) و أن الله لا يرى ( بضم الياء ) يوم القيامة ، و إلا حرم صاحب الطلب من مطلبه وأصبح على هامش المجتمع ، حتى لو فاق الآخرين علما وكفاءة ونزاهة . وما زاد الطين بلة أنهم وسعوا من دائرة التفتيش الديني ، فقد كانوا يستوقفون العامة من الناس في الشارع ويستنطقونهم في موضوع خلق القرآن و رؤية الله يوم القيامة ، حتى " يتأكدوا من صفاء عقيدتهم وصحة توحيدهم لله " . وقد مس هذا الاضطهاد البشع الكثير من العلماء و الفقهاء ، و على رأسهم الإمام احمد بن حنبل الذي سجن وعذب ، والمحدث الكبير الخزاعي الذي فصل رأسه عن جسده وغيرهما كثير . وجرمهم الوحيد هو أنهم تمسكوا بأفكارهم بشجاعة تثير فينا التقدير والإعجاب ، ولم يرضخوا لإرهاب المعتزلة .

ومن مشاهير ضحايا الاضطهاد الفكري في العصر العباسي الثاني ، الصوفي الكبير الحسين بن منصور الحلاج، الملقب من طرف المستشرق لويس ماسينيون بشهيد العشق الإلهي ، الذي تتبع الفقهاء أقواله ورصدوا حركاته و سكناته إلى أن تمكنوا أن يلصقوا به تهمة الزندقة والتجديف و القول بالحلول " أي حلول اللاهوت في الناسوت " . وذلك بناء على تفسيرهم السطحي و الحرفي لأشعاره الصوفية العميقة المعتمدة أساسا على المجاز والرمز والإلغاز ، والتي منها :
أنا من أهوى ومن أهوى أنا نحن روحان حللنا بدنـــا
فإذا أبصرتنــــي أبصرتـــه وإذا أبصرته أبصرتنـــا
و:
مزجت روحك في روحي كما تمزج الخمرة بالماء الزلال
فإذا مســك شـــــيء مسنــــي فإذا أنت أنا في كـل حـــــا ل


فأقاموا الدنيا و أقعدوها ، إلى أن أقنعوا الخليفة أن يسمح لهم بمحاكمته بتهمة " نشر الفتنة والإفساد في الأرض " باعتبارهم " ورثة الأنبياء و حماة الدين " ، أي أن يكونوا الخصم والحكم في آن واحد . وقد كان لهم ما أرادوا، فقد حاكموه ثم أصدروا في حقه حكما يقضي بوجوب قطع يديه ورجليه وصلبه امتثالا للآية : ....، وأمروا بتعليق جثته لعدة أيام ثم إحراقها ورميها في نهر دجلة ، حتى يكون عبرة لمن يعتبر .




وليس بعيدا عن ذلك ما حدث مع ابن تيمية " شيخ الإسلام " ، إذ تعرض لكثير من المآسي بسبب آرائه التي اختلف فيها عن كثير من أهل عصره . فقد هاجم التصوف الذي كان شديد الانتشار في عصره واعتبره ضربا من ضروب الشرك بالله . وانتقد أيضا آراء الأشاعرة في العقيدة والتي كانت شبه مسيطرة في بيئته و عصره . كما انفرد أيضا ببعض الآراء في الفروع ، مخالفا في ذلك المذاهب الفقهية السنية الأربعة، كموضوع الطلاق بالثلاث في مجلس واحد . ولو أن الذين هاجمهم ابن تيمية بقلمه ولسانه اكتفوا بالرد عليه بنفس الأسلوب و بنفس الوسيلة لكان ذلك شيئا طبيعيا ومقبولا بل ومطلوبا ، ولكنهم لجأوا إلى سلطة القضاء لـ : " تمتحنه في عقيدته " و " تنقذ المؤمنين من ضلالاته " ، وتطبق فيه شرع الله . فكالوا له الكثير من التهم ، كالابتداع و تجسيد صفات الله ، وأخضعوه مرات عدة إلى التفتيش الديني و عرضوه للسجن والإهانة بسبب أفكاره واجتهاداته ، التي كانوا يرونها مخالفة لصحيح الإسلام .
وإذا كان عدد كبير من دول العالم قد تخلص من ظاهرة القمع الفكري ، حيث أصبحت حرية الاعتقاد والتفكير والتعبير مكفولة ومحمية قانونيا إلى درجة كبيرة ، مما سمح لهذه الدول بتحقيق نتائج مشهودة لا مجال لإنكارها في مجال الرقي و الازدهار في شتى مناحي الحياة . فإن العالم الإسلامي ، للأسف الشديد ، لا يزال إلى يومنا هذا موطنا للقمع الفكري والإرهاب الديني . والأمثلة على هاته الممارسات الشنيعة في تاريخ المسلمين الحديث و المعاصر كثيرة نذكر لك منها قضية شهيرة حدثت عام 1926 ، والمعروفة بقضية " الشعر الجاهلي" . وكان ضحيتها الدكتور طه حسين " عميد الأدب العربي " الذي ألف كتابا بعنوان : " في الشعر الجاهلي " ، والذي أراد من خلاله أن يقترح على العرب و المسلمين منهجا جديدا في دراسة تراثهم الذي علقت به الكثير من الأوهام والخرافات على مر السنين . هذا المنهج ،هو منهج الشك أو المنهج الديكارتي ، والذي مفاده- باختصار- انه على الباحث قبل أن يتناول موضوع بحثه أن ينزع من رأسه كل الأفكار المسبقة والمتراكمة عن هذا الموضوع ، سواء أكان مصدر هذه الأفكار عادات أو تقاليد اجتماعية أو حتى معتقدات دينية . وذلك حتى يضمن لنفسه الحياد والموضوعية إلى أقصى درجة ممكنة في بحثه ، بغية الوصول إلى نتائج علمية متينة اقرب ما تكون إلى الصحة . كما قصد أيضا من كتابه هذ ا، التمييز بين الحقيقة العلمية والحقيقة الدينية ، فالأولى تعتمد على الشك والتمحيص العقلي والتجربة الميدانية ، أما الثانية فقوامها الإذعان والتسليم بما ورد في النصوص المقدسة . فقامت القيامة في مصر، إذ شنت ضد الرجل حملة شرسة من قبل مؤسسة الأزهر الرجعية الجامدة ، و من " المثقفين " الرجعيين المتحجرين من أمثال مصطفى صادق الرافعي ، وكثير من أعضاء حزب الوفد ، خصومه السياسيين . وقد اتهموه بإذاعة الكفر بين الناس والتشكيك في القرآن، و طالبوا بإحالته على القضاء لتوقيفه عن العمل في الجامعة " حتى لا يفسد عقول الطلبة بأفكاره الهدامة " و مصادرة كتابه ومنعه من التداول . فأجبر هذا الأديب الموهوب على المثول أمام المحكمة بتهمة الإساءة إلى الأديان الثلاثة التي يحميها الدستور المصري ( الإسلام والمسيحية واليهودية ) ، وصدر الحكم بمصادرة الكتاب ومنع تداوله. ولولا السمعة العلمية الكبيرة التي كان يحظى بها هذا المفكر ، ولولا تضامن النخبة المستنيرة وطلابه الأوفياء معه في محنته هذه لرمي به في غياهب السجن ولحرم من العودة إلى الجامعة ولما سمح له بإعادة نشر الكتاب المذكور، ولكن بشرط تغيير عنوانه وحذف كل ما " يمس بالأديان الثلاثة التي يحميها الدستور المصري ".

عزيزي القارئ ، لا ريب انك قد فجعت ورثيت لمصير المفكرين الذين اضطهدوا والذين لا يزالون يضطهدون في البلاد الإسلامية ، باسم " حماية الدين من عبث العابثين وضلال المرتدين " . لكن رويدك ، فعليك أن تميز بين طائفتين متمايزتين أشد التمايز من هؤلاء المضطهدين ، الأولى هي طائفة الذين اتخذوا من الفكر و الشرع الإسلاميين المرجع الوحيد و الأوحد فيما يصدرون من أفكار وما يتخذون من مواقف . وهي فئة لا تستحق أن نسرف في تعاطفنا معها فيما لاقته من محن ، لأنها لو كانت في موقع القوة والسلطة ، فإنها - ومن دون أي شك - سوف تضطهد وتبطش بكل من يخالفها في أفكارها ومعتقداتها . فالإمام ابن حنبل تعرض للأذى والمضايقة من طرف المعتزلة ، لأن هؤلاء كانوا مهيمنين على السلطة السياسية ، وهو كان حينئذ بعيدا عنها ، ولو حدث العكس لكان هو من بطش بهم وأذاقهم طعم العلقم حتى " يخلص الناس من بدعهم وضلالهم " . بل لقد حدث ذلك فعلا ، وذلك عندما تولى المتوكل الخلافة ، وكان كارها للمعتزلة ، مبغضا لهم أشد البغض ، فقرب إليه أهل الفقه والحديث ، لا سيما أتباع ابن حنبل ، فتحول بذلك الجلاد إلى ضحية ، و استحالت الضحية جلادا . فمأساة الفكر والمفكرين قائمة ومستمرة ، طالما بقيت الشريعة الإسلامية مهيمنة على شؤون المسلمين ، لأنها لا تقر بحرية الفكر والتعبير كما تقرها الأمم الحرة المتحضرة ، ولا يمكنها ، بسبب أنانيتها وجبنها ، أن تتحمل التعايش مع أفكار و رؤى تخالفها . وقد صدق من قال : " أنقذوا المسلمين من الإسلام " .

أما الطائفة الثانية ، والتي تستحق من كل امرئ شريف متحضر أن يتعاطف معها ويدافع عنها ضد الإرهاب الفكري ، هي طائفة أحرار الفكر والمستنيرين ، المؤمنين أشد الإيمان بحقوق الإنسان كما أقرتها و نصت عليها المواثيق والعهود الدولية ، لا كما يراها الفقه الإسلامي المتصلب ، الذي تجاوزه الزمن في كثير من الأمور والقضايا .





فمن الواجب علينا أن ندافع عن المفكرين من أمثال : طه حسين ، وفرج فودة ، ونجيب محفوظ ، ومحمد أركون ، وأدونيس ، وفاطمة المرنيسي ، ونوال السعداوي ، وغيرهم من أحرار الفكر . لأنهم لا يواجهون الكلمة إلا بالكلمة ولا يقرعون الحجة إلا بالحجة . و لا يزعجهم أن يختلف الناس معهم في أفكارهم وتوجهاتهم ، لأنهم يِؤمنون أن الاختلاف تنوع وثراء ، وبدونه لا يمكن للفكر البشري أن يترقى ويشق طريقه إلى الأمام ، مستلهمين في ذلك ، الفيلسوف الفرنسي فولتير عندما قال : ( قد أختلف معك في الرأي ، ولكني على استعداد أن أقدم حياتي في سبيل أن تقول كلمتك ) . وهم يترفعون أشد الترفع ، و يزدرون أشد الازدراء تلك الأساليب الإرهابية و الجبانة ، التي يلجأ إليها أتباع المرجعية الفقهية الإسلامية ، وأنصار: " الدولة الإسلامية " ، و " الإسلام هو الحل " و " لا ميثاق لا دستور، قال الله قال الرسول " ، لإسكات صوت كل من خالفهم في الآراء والتوجهات ، وأراد أن يستعمل حقه في التفكير والتعبير .

لقد عجز المسلمون إلى يومنا هذا ، أن يحققوا لأنفسهم نهضة شاملة وتنمية مستدامة بعد سبات عميق طال أمده واستفحل ضرره . ومصيرهم الآن في مفترق الطرق ، أو لنقل ، بين طريقين لا ثالث لهما :الأولى هي طريق الأصولية والدولة الإسلامية التي كثر أتباعها ، وهي طريق ستزيدهم تعاسة على تعاسة وتخلفا على تخلف ، لما تنطوي عليه من أفكار عفا عليها الزمن . أما الثانية فهي طريق دولة العلمانية و الحداثة والحرية والديمقراطية ، الدولة التي تكفل وتحمي حقوق الإنسان ، وعلى رأسها حرية الفكر والتعبير والبحث العلمي ، التي يستحيل في غيابها الولوج إلى رحاب الحضارة والرقي .

نبيــل تكوتــي / الجزائـــر



#نبيل_تكوتي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295





- “خليهم يتعلموا ويغنوا ” نزل تردد قناة طيور الجنة للأطفال وأم ...
- فيديو خاص عيد الفصح العبري واقتحامات اليهود للمسجد الأقصى
- “ثبتها الآن” تردد قناة طيور الجنة 2024 Toyor Aljanah لمشاهدة ...
- بعد اقتحامات الأقصى بسببه.. ماذا نعرف عن عيد الفصح اليهودي ا ...
- ما جدية واشنطن في معاقبة كتيبة -نيتسح يهودا- الإسرائيلية؟
- بالفيديو.. مستوطنون يقتحمون الأقصى بثاني أيام الفصح اليهودي ...
- مصر.. شائعة تتسبب في معركة دامية وحرق منازل للأقباط والأمن ي ...
- مسئول فلسطيني: القوات الإسرائيلية تغلق الحرم الإبراهيمي بحجة ...
- بينهم طلاب يهود.. احتجاجات مؤيدة للفلسطينيين تهز جامعات أمري ...
- أسعدي ودلعي طفلك بأغاني البيبي..تردد قناة طيور الجنة بيبي عل ...


المزيد.....

- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - نبيل تكوتي - حرية التفكير والتعبير في الإسلام