أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - القضية الفلسطينية - ياسين الحاج صالح - عناصر رؤية عقلانية لمواجهة إسرائيل (2)














المزيد.....

عناصر رؤية عقلانية لمواجهة إسرائيل (2)


ياسين الحاج صالح

الحوار المتمدن-العدد: 2235 - 2008 / 3 / 29 - 11:29
المحور: القضية الفلسطينية
    


أربعة عناصر، إذن، لرؤية مختلفة وغير متناقضة ذاتيا للتعاطي مع المشكلة الإسرائيلية: تفادي المواجهة المسلحة مع العدو، عدم تقديم تنازلات أساسية له، التحول نحو البناء الداخلي، ونزع عناصر التوتر من العلاقات العربية البينية.
وتبدو لنا هذه الرؤية متسقة ذاتيا. فلا يتناقض أي من عناصرها مع الآخر تناقضا حادا، بل لعلها متبادلة الاستدعاء. فتجنب تقديم تنازلات يتناسب مع تفادي المواجهة أكثر مما مع المواجهة (المواجهات المخفقة بالعكس قد تقود إلى تنازلات مؤلمة، مفروضة أو اضطرارية، وإلى تثبت نموذج الدولة الخارجية)، وبالخصوص إن اقترن بتوسيع الملعب الداخلي والتحول نحو “الدولة الداخلية”. وكذلك يقتضي التحول نحو الداخل نزع العسكرة عن الصراع مع العدو، ويساعد في الوقت نفسه على اجتناب تنازلات مهمة، ويؤسس كما أسلفنا لتحسن العلاقات العربية.
والرؤية هذه واقعية أيضا، بمعنى أنها تنطلق من واقع تدرك عسره وصعوبته، ولا تطرح مطالب تقتضي تغيرات كبرى فورية فيه. ما تطرحه هو الاستناد لهذا الواقع الراهن وصوغ سياسة متماسكة ضمنه. ويقيننا أن هذه السياسة ستقود إلى تعديلات مهمة في معادلاته القائمة شيئا فشيئا. وهذا أجدى من سياسات تضع لنفسها أهدافا كبرى لا تفشل في إنجازها فقط، وإنما تغطي بجلبة شعاراتها انحدارا مستمرا كل يوم إلى ما دون ممكنات اليوم الذي سبقه.
ولعل من علائم اتساق هذه الرؤية (غير متهافتة أو متناقضة ذاتيا) من جهة، وانسجامها من جهة أخرى (أي غير متصادمة مع الواقع)، أنها تتيح لنا فهم السبب في انحصار خياراتنا اليوم بين رضوخ مرفوض بداهة للعدو، وتحدٍ متعذر أو باهظ الكلفة. أساس ذلك هو الفصل بين الوطنية وتفضيلات السكان العيانيين. تنحاز نظم حكمنا والمنظمات المتطلعة إلى حكمنا والمثقفون الراغبين في أن يُضْحوا مرشدين لحكامنا إلى مفهوم للوطنية يُسْكِنها في الدولة والنخب العليا “العاقلة” لا في الجمهور العام “الغافل”. فهي تحيل إلى العلاقة مع “الخارج”، الولايات المتحدة وإسرائيل وأوربا وغيرها، وليس إلى الماء والكهرباء والمدارس والمستوصفات والسكن والمعيشة و..القوانين. ولذلك يمكن لنظام يدوس مواطنيه ويذلهم في معاشهم وحقوقهم أن يكون وطنيا، بينما يعتبر خائنا يستحق الرجم، أو السجن، من يدعو إلى قلب الأولويات هذه.
نزع الوطنية من المواطنين ومنحها لـ”الدولة” يرد السكان إلى مجتمع رعايا هو مجرد ركيزة لقيام “دولة خارجية”، ويرد الدولة ذاتها إلى سلطة تتلهف للحصول على اعتراف القوى العالمية بها ورعايتها لها. أما منح الأولوية لتفضيلات المواطنين النثريين، لا الأوطان الشعرية، فهو يعني أن ما توافق عليه أكثرية وطنية كبيرة هو وطني حتى لو كان مسالمة إسرائيل. وليس من المستبعد أن يكون. كان أكثر المصريين في سبعينات القرن الماضي مؤيدين لمسالمة عدو أظهرت الأيام أنهم لا يحبونه ولا يثقون به. ولم يكن هذا توقيعا على بياض لسياسات السادات كلها، وإن كان هذا الأخير استند إلى جنوح لا شك فيه للمسالمة عند شعبه المجهد من أجل تمرير جملة خيارات متناقضة، ما كان يتضمنها الجنوح السلمي ذاك.
والحال، إن المشترك بين السادات وخصومه “القوميين” في مصر، كما في العالم العربي، هو مفهوم غير ديمقراطي للوطنية، ينزعها من الجمهور “المنثور” ويسكنها في الدولة “المنظومة”. ومثل ذلك ينطبق على كل من عباس وحماس، وعلى سورية البعثية ومعارضين لنظام حكمها يريدون الديمقراطية كي يصطفوا بجذرية أكبر إلى جانب حزب الله وحماس و”المقاومة العراقية”!
أما أصل المطابقة بين الوطنية و”الدولة” فربما يتصل بكون المطابقة هذه تجعل من الولاء للسلطة انتماء للوطن والمعارضة والانشقاق خيانة. أي أنه الخطة الأنسب لحماية سلطة النخب غير المنتخبة وإضعاف مجتمع المحكومين. وما إسرائيل ومواجهة إسرائيل غير أدوات مثل غيرها لإدامة أنماط سلطة امتيازية، وما “الصمود” غير إيديولوجية صمود في الحكم.
قد يسلم متشككون باتساق هذه الرؤية، وربما حتى بواقعيتها. لكن ربما يتساءلون: من يُعنى بذلك؟ من سيطبقها؟ كأنما لا ينقصنا إلا رؤى متسقة ومنسجمة! كفانا تنظيرا!
ليس لهذا الانتقاد أية قيمة. فأولاً، بلى، تنقصنا رؤى متسقة ومنسجمة، وينقصنا بخاصة “التنظير”. ليس لدينا “نظريات” أبدا خلافا لانطباع شائع يوهم بأنه ليس لدينا غيرها. لدينا عقائد بائتة تعمي النظر بدل أن تفتحه. ولدينا تجريب واقعي بأحط معاني الكلمة، منفصل عن أي مطلب للاتساق. ولدينا “المكْلمة” الخالدة التي تقول كلاما بخسا يعوض عن الخلو من المعنى باستعراض حرارة الانتماء أو الإيمان. ولعله لدينا أيضا أفكار وتحليلات قد تكون نبيهة، لكنها مشتتة. وليس لدينا أبدا نظريات بالمعنى القوي للكلمة، تجمع بين وضوح الرؤية ونفاذ التحليل، وتصلح أساسا يمكن أن يبنى عليه اتجاه فكري متكامل.
وثانيا، من قال إنه ما إن توجد الرؤى المناسبة حتى تجد قوى اجتماعية وسياسية متأهبة لتطبيقها؟ التقاء رؤية فكرية بقوة اجتماعية مسألة تاريخية وليست منطقية، وهي احتمال وارد وليست حتمية قاسرة. فلنطور رؤانا وتحليلاتنا و”نظرياتنا” ما دمنا، أعني المثقفين، لا نستطيع اليوم فعل شيء آخر. فإن كانت مقارباتنا تلك مخلصة وجديرة بالحياة فقد تحظى ذات يوم بفرص احتضان وتطوير على يد حركات اجتماعية ناهضة.





#ياسين_الحاج_صالح (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- من -الديمقراطية البرجوازية- إلى -الليبرالية الجديدة- و.. -ال ...
- عناصر رؤية عقلانية لمواجهة إسرائيل (1 من 2)
- اللاعقل يحكم الشرق الأوسط
- شركاء في العالم، نشبهه ونتشبه به..
- في أصول نظام الاستثناء السوري: محاولة ماركسية
- الفساد الصغير ثقافة والفساد الكبير سياسة!
- من إسرائيل إلى أخرى: في أصل حاجتنا إلى شيطان رجيم
- سورية بين 1978 و2008: عود على بدء!
- جوزف سماحة: المناضل ضد المثقف
- -المسألة الدينية- موضوعا لتفكير نقدي
- من تطييف المجتمع إلى استلام الطائفية للسلطة
- هل يمكن لتركيا أن تكون مثالا إيجابيا للسوريين؟
- من صنع إسرائيل؟ ومن هم -عملاؤها-؟
- أزمة حركات المعارضةالعلمانية العربية ... فكرية
- في نقد الثقافة السياسية السورية
- نحو شرعية الفرد لا شرعية الهوية.. ونحو ثقافة نقدية لا قومية
- إيديولوجيات السوريين وصعود الجيوسياسي
- الطائفية كحصيلة للفقر السياسي وحدٍّ له
- في النقاش السوري حول العلمانية وما وراءه
- لا عاصم من اعتقال المثقفين في عاصمة الثقافة العربية


المزيد.....




- حادثة طعن دامية في حي سكني بأمريكا تسفر عن 4 قتلى و7 جرحى
- صواريخ -حزب الله- تضرب صباحا مستوطنتين إسرائيليتن وتسهتدف مس ...
- عباس يمنح الثقة للتشكيلة الجديدة للحكومة
- من شولا كوهين إلى إم كامل، كيف تجمع إسرائيل معلوماتها من لبن ...
- فيديو:البحرية الكولومبية تصادر 3 أطنان من الكوكايين في البحر ...
- شجار جماعي عنيف في مطار باريس إثر ترحيل ناشط كردي إلى تركيا ...
- شاهد: محققون على متن سفينة دالي التي أسقطت جسر بالتيمور
- لافروف: لن يكون من الضروري الاعتراف بشرعية زيلينسكي كرئيس بع ...
- القاهرة.. مائدة إفطار تضم آلاف المصريين
- زيلينسكي: قواتنا ليست جاهزة للدفاع عن نفسها ضد أي هجوم روسي ...


المزيد.....

- حماس: تاريخها، تطورها، وجهة نظر نقدية / جوزيف ظاهر
- الفلسطينيون إزاء ظاهرة -معاداة السامية- / ماهر الشريف
- اسرائيل لن تفلت من العقاب طويلا / طلال الربيعي
- المذابح الصهيونية ضد الفلسطينيين / عادل العمري
- ‏«طوفان الأقصى»، وما بعده..‏ / فهد سليمان
- رغم الخيانة والخدلان والنكران بدأت شجرة الصمود الفلسطيني تث ... / مرزوق الحلالي
- غزَّة في فانتازيا نظرية ما بعد الحقيقة / أحمد جردات
- حديث عن التنمية والإستراتيجية الاقتصادية في الضفة الغربية وق ... / غازي الصوراني
- التطهير الإثني وتشكيل الجغرافيا الاستعمارية الاستيطانية / محمود الصباغ
- أهم الأحداث في تاريخ البشرية عموماً والأحداث التي تخص فلسطين ... / غازي الصوراني


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - القضية الفلسطينية - ياسين الحاج صالح - عناصر رؤية عقلانية لمواجهة إسرائيل (2)