أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - عزو محمد عبد القادر ناجي - الحزبية والصراع الحزبي في سوريا















المزيد.....



الحزبية والصراع الحزبي في سوريا


عزو محمد عبد القادر ناجي

الحوار المتمدن-العدد: 2233 - 2008 / 3 / 27 - 10:27
المحور: دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
    


ظهرت أول حركة حزبية في سوريا عام 1883 في الكلية اليسوعية في بيروت عام 1883، ثم ظهرت جمعية الإخاء العثماني 1908 في الأستانة، ثم المنتدى الأدبي 1909 في الأستانة، ثم الجمعية العربية الفتاة، والجمعية القحطانية وجمعية بيروت الإصلاحية، ومؤتمر باريس العربي، وجمعية العهد، وكلها في العهد العثماني، ثم ظهرت جمعيات أخرى في العهد الفيصلي 1918 مثل جمعية العهد السورية، واللجنة الوطنية العليا، في دمشق 1918، وحزب الاتحاد السوري، وحزب الاستقلال العربي، وغيرها من الأحزاب الكثيرة الأخرى، واتسمت هذه الأحزاب أنها كانت تضم أعضاء من جميع مناطق الهلال الخصيب (سوريا الطبيعية)، وفي عهد الانتداب الفرنسي ظهرت عدة أحزاب أهمها حزب الشعب 1920، والحزب الحديدي 1922، وحزب الوحدة، والكتلة الوطنية في 26 يونيو 1926، وعصبة العمل القومي، والجبهة الوطنية المتحدة 1935، والهيئة الشعبية 1938، فكانت سوريا زاخرة بالتجارب الحزبية بشكل أكبر بكثير من أي منطقة أخرى في الشرق الأوسط، وتميزت السمات الرئيسية لهذه الأحزاب ما قبل الاستقلال، أنها كانت امتداداً للتأثيرات الفكرية التي تأثر بها المثقفون الذين تلقوا علومهم في الغرب، فبعضهم كان يمثل صيغة الديمقراطية الغربية، وأخرى كانت تمثل صيغة الديمقراطية البرجوازية وأخرى كانت تمثل الفاشية أو متأثرة بها أو بالشيوعية، أو الاشتراكية المعتدلة، فمعظمها لم يمثل الواقع الذي انطلقوا منه، بل كان ما تأثروا به هو الأساس، فكان الطابع النسبي المقلد هو الطابع الذي غلب على هذه الأحزاب، وقد مرت دول الهلال الخصيب ومنها سوريا، بموجات متزايدة من الصراع خلال هذه الفترة من متطلبات ومواقف ومصالح مختلفة، وهيمنة الطابع الإقليمي عليها، حيث ركزت على تحقيق الاستقلال السياسي ضمن حدود الدولة التي حددتها اتفاقية سايكس بيكو، لكن ظهر شعور بالتعاطف والتضامن بين الحركات الإقليمية في الدول المجاورة، إضافة إلى تنامي الشعور القومي الذي اقترن بالوعي القومي الأرستقراطي، وسيطرة الطبقة العليا في المجتمع على قيادات الأحزاب والمنظمات السياسية، رغم بروز طبقة وسطى من خلال بعض المثقفين والضباط وغيرهم، فبرز دورهم بشكل أكبر ودعوتهم للتغيير الاجتماعي في ظل إهمال الطبقة العليا لذلك، كما كان للتنوع العرقي والديني في سوريا أثراً في وجود هذه الأحزاب.
ويرى عز الدين دياب في دراسة أجراها على أحد المجتمعات السورية وهو مجتمع مدينة حماه -التي كانت أكثر المدن السورية رفداً للسياسيين والعسكريين الذين ساهموا في عدم الاستقرار في سوريا قبل انقلاب 23 فبراير- أن الحياة السياسية لأعضاء الأحزاب فيها تميزت بعدة سمات هي:
1- الانتماء إلى الأحزاب، كان يتم بدوافع وغايات عائلية.
2- أغلب أفراد الأسر والعائلات، كانوا يعطون أصواتهم إلى القائمة الانتخابية التي يختارها وجهاء رؤساء الأسر التي تتكون منها العائلة.
3- الصراع بين المناطق وبين العائلات له تأثير على توجيه الأصوات الانتخابية تجاه الأحزاب، بناء على آلية الصراع بين هذه الاتجاهات وموقع الأحزاب.
4- مصالح العائلات وجاهها وقوتها المعنوية تشكل الخلفية الثقافية للانتماء والولاء معاً.
5- العشائر بكاملها تساند الحزب التي ينتمي إليه المرشح، فإذا اختلف رئيس العشيرة مع رئيس الحزب، فهذا يعني أن سائر أفراد العشيرة يختلفون مع الحزب، ويبتعدون عنه، لذلك كانت تسبق الانتخابات الكثير من المساومات بين الأحزاب، وقادة العشائر في المحافظات التي تتواجد فيها العشائر.
6- الولاءات المذهبية والأثنية، كان لها دورها وتأثيرها في الانتساب للأحزاب.
7- كلما كان النظام مستبداً، كلما تكاثرت ظاهرة الانسحابات الجماعية، على أسس عائلية ومنهجية وجهوية.
8- معارضة شيخ العشيرة أو العائلة أو الحي تقود إلى معارضة العشيرة أو العائلة أو الحي وكل من يتبعها.

وأهم الأحزاب السياسية التي ظهرت بعد الاستقلال أو كانت موجودة منذ ما قبل الاستقلال لكنها استمرت بعد الاستقلال خلال فترة الدراسة، ومدى مساهمة كل واحد منها في عدم الاستقرار السياسي في سوريا خلال الفترة (1943-1970):
1- الحزب الوطني:
تشكل في دمشق عام 1948 برئاسة نبيه العظمة، بعد انحلال الكتلة الوطنية إلى الحزبين الرئيسيين وهما الشعب والوطن، وقد انتسب إليه معظم سياسي دمشق وتضمنت المادة الثانية من دستوره على توحيد الأقاليم المجزأة عن سوريا، ، ودعى إلى إقامة علاقات دبلوماسية مع جميع الدول على قدم المساواة، والعمل على تحرير البلاد العربية المستعمرة، وضرورة استثمار مرافق البلاد وزيادة إنتاجها مع الاستفادة من رأس المال الأجنبي والخبرة الأجنبية بحيث لا تمس مصلحة واستقلال الوطن وتقدمه، وكان أهم رموز هذا الحزب الرئيس شكري القوتلي ، ورئيس الحكومة فارس الخوري، ولطفي الحفار، وميخائيل اليان، وغيرهم وكان هذا الحزب يمثل تجار دمشق مقابل حزب الشعب الذي يمثل تجار الشمال خاصة حلب، وقد أيد الحزب تعديل الدستور لإعادة انتخاب الرئيس شكري القوتلي لفترة رئاسية جديدة، رغم أن الرئيس شكري كان يرفض ذلك، وقد اتهم حسني الزعيم عقب انقلابه بأن هذا الحزب قد فضل مصالح أعضائه على مصالح الشعب، وكان سبباً في عدم الاستقرار الحكومي، وأنه لم يحدث التنمية الاقتصادية المطلوبة في البلاد مما حذا بزعماء الحزب الوطني إلى الموافقة على الإطاحة بحسني الزعيم وتنفيذ اتحاد سوريا والعراق، حيث أصدر الحزب بعد الانقلاب الذي قام به سامي الحناوي بياناً في العاشر من سبتمبر عام 1949 جاء فيه : " أصبح ثابتاً أن سوريا ليست بمقدورها وحدها أن تقف في وجه الزعازع التي تتهددها، ولابد لها من اتحاد سليم، يضمن السيادة القومية على الوجه الأرقى" ، كما أصدر الحزب قراراً بتعديل منهاج الحزب لتحقيق هذه الوحدة بغض النظر عن شكل الحكم جمهوري أم ملكي فجاء في التعديل من البيان، " يرى الحزب أن نظام الحكم الجمهوري، هو النظام الذي يلائم روح الشعب ويفي بحاجاته، وينسجم مع الأهداف القومية". إلى البيان التالي : " يرى الحزب أن شكل الحكم يترك لاختيار الأمة بحسب ما ترتئ أنه من مصحتها ومصلحة الأمة العربية" ، لكن بعد انقلاب الشيشكلي عام 1949 سحب الحزب تصريحه الداعي للوحدة وعاد ليؤكد إخلاصه للجمهورية، ثم عمل عام 1950 على التحالف مع الحزب التعاوني الاشتراكي، ضد حزب الشعب الداعي لوحدة سوريا والعراق، وقاد المظاهرات من أجل ذلك، وألقيت قنبلة في البرلمان في 26 يونيو 1950، اتهم فيها الحزب الوطني، ثم تحالف الحزب الوطني مع حزب البعث ضد حزب الشعب، الذي تشكلت حكومة من خلاله ناظم القدسي عام 1951 ، والتي كانت تدعو للوحدة مع العراق، وقد أيد قرارهم الحزب العربي الاشتراكي، الذي وصف هذه الوحدة بأنها وحدة مع الاستعمار.
وفي اجتماع رئيس الحكومة فارس الخوري وهو عضو في حزب الشعب، مع ممثلي الجامعة العربية في مصر بتاريخ 11 ديسمبر 1954، لم يوافق على إدانة حلف بغداد كما أرادت حكومة القاهرة حيث صرَّح فارس الخوري قائلاً: " إن الحلف العراقي إذا لم ينفعنا لن يضرنا" ، مما أثار زعماء البعث الذين وصفوا رئيس الحكومة بالعمالة للغرب، والتواطؤ مع نوري السعيد وطالبوا بمحاكمته بتهمة مخالفة الدستور من خلال عدة أمور هي:
1- إنكار وزير خارجيته فيضي الأتاسي وجود مقررات مدونة بمؤتمر الجامعة العربية المنعقد في نوفمبر 1954 والذي جمع وزراء الخارجية العرب.
2- إنكار إقرار المؤتمر لمبدأ التعاون مع الغرب.
3- عدم تقيد رئيس الوزراء فارس الخوري بما التزم به أمام لجنة الشؤون الخارجية بمناهضة حلف بغدد.
لكن القوتلي أعلن من منفاه في مصر عن شجبه للأحلاف الغربية والمساعدات العسكرية وحلف بغداد، واتهم حزب الشعب باستغلال الحكم على حساب الحزب الوطني، فاستغل الموقف حزب البعث الذي أغرى عضو الحزب الوطني صبري العسلي على تشكيل حكومة برئاسته، كما عمل على إثارة فتنة بين زعيمي الحزب الوطني في دمشق (صبري العسلي)، وفي حلب (ميخائيل إليان) ، لإضعاف الحزب، ثم عمل على الضغط من خلال الجيش لإسقاط حكومة فارس الخوري، وبعد الاطاحة بها، شكل الحكومة صبري العسلي متحالفاً مع كتلة المستقلين* المؤيدة لليسار في البرلمان بقيادة خالد العظم، وبسبب هذه السياسة للحزب الوطني، أعلن لطفي الحفار وبدوي الجبل وسهيل الخوري الانسحاب من الحزب الوطني، بسبب اعتراضهم على ذلك، وبعد نجاح الرئيس شكري القوتلي بالرئاسة، سلم الرئيس السابق هاشم الأتاسي مقاليد الرئاسة لشكري القوتلي، وطبقاً للتقاليد البرلمانية الدستوري، سقطت حكومة صبري العسلي مقدمة استقالتها للرئيس الجديد.
وتجدر الإشارة إلى أن انسحاب الزعماء الثلاث من الحزب الوطني قد ساهم في سقوط حكومة فارس الخوري، حيث استقال منها وزيرين بسبب ذلك بسبب اعتراضهم على قانون العفو العام الذي أقره البرلمان، برفض تنزيل عقوبة الإعدام إلى السجن المؤبد، لأن بعض مؤيديهم كانوا محكومين بها، وكان عدم اشتراك حزب الأغلبية (حزب الشعب) ، في حكومة صبري العسلي في 13 فبراير 1955 قد جعلها تسقط في نفس اليوم الذي تشكلت فيه، فشكل الحكومة سعيد الغزي من أكثرية من حزب الشعب، ونالت ثقة البرلمان، لكن البعث شكك بها ونظم مظاهرات ضدها، واعتدي على الوزير رزق الله أنطاكي الذي كان وزيراً للاقتصاد، بحجة أن الحكومة باعت قمح لفرنسا التي تحتل الجزائر، رغم أن القمح السوري من النوع القاسي الذي أكثر ما يصلح للمعكرونة أو البسكوت، وباستطاعة فرنسا شراء غيره من دول أخرى، ثم تم الاعتداء على وزير المعارف، فسقطت حكومة سعيد الغزي، مما حذا بالرئيس شكري القوتلي إلى الدعوة لتشكيل حكومة وحدة وطنية برئاسة صبري العسلي في يوليو 1956، لكنها لم تستطع تحقيق مطالب اليسار، فسقطت الحكومة، رغم أن اليمين السوري كان يشكل الأكثرية المطلقة في الشارع وفي البرلمان كون طبيعة الشعب السوري ترفض اليسار بشكل مطلق، لكن تتسم هذه الأكثرية بالجمود، بعكس اليسار الذي كان منظماً تنظيماً دقيقاً ومدعوماً من جهات خارجية، وقد كان انقسام الحزب الوطني خلال فترة حكومة فارس الخوري إلى تيارين هما:
1- كتلة لطفي الحفار التي تدعو للوحدة مع العراق كمخرج للأزمات السورية.
2- كتلة صبري العسلي التي تؤيد الحياد
وفي يوليو 1956 سقطت حكومة سعد الغزي بسبب الصراع الحزبي في البرلمان بين التيار اليميني الذي يقوده لطفي الحفار، والتيار اليساري بقيادة البعث، فضغط البعث من خلال الجيش على عدم إتاحة الفرصة للطفي الحفار ليشكل الحكومة، فشكلها صبري العسلي وهو من الحزب الوطني ، لكنه أذعن لليسار بحيث سمح لثلاثة من اليسار بكسب حقائب مهمة هي صلاح البيطار للخارجية، وخليل كلاس للاقتصاد، وخالد العظم للدفاع، وبهذه الحكومة انتهت الحقبة الديمقراطية للجمهورية الديمقراطية الثالثة، حيث ألغيت الأحزاب بعد ذلك في عهد الوحدة، ثم عادت بعد انقلاب عبدالكريم النحلاوي، عام 1961، وشارك الحزب الوطني في تلك الحكومات، وكان مؤيداً لإلغاء الإصلاح الزراعي والتأميم، كما صرح رئيس الحزب الوطني بذلك، مما ساهم في عدم الاستقرار الحكومي بسبب تدخل اليسار ضد إلغاء الإصلاح الزراعي والتأميم، وكان لهذا التناقض بين اليمين واليسار أثراً في انقلاب زياد الحريري في 8 مارس 1963، حيث ألغيت الأحزاب السياسية تماماً ماعدا حزب البعث الذي أصبح بعد ذلك الحزب الوحيد ثم الحزب القائد بعد الحركة التصحيحية في 16 نوفمبر 1970.
2- حزب الشعب:
أسس في بيروت في شهر أغسطس 1948، وقد دعى في برنامجه إلى الوحدة العربية وبدايتها الوحدة مع العراق، لمجابهة التهديد الخارجي، وكان مؤسسي الحزب هما رشدي الكيخيا وناظم القدسي وأيضاً دعى إلى مقاومة النفوذ الأجنبي والفصل بين السلطات وعدم طغيان إحداهما على الأخرى، وضرورة التعامل بالمثل في السياسة الخارجية السورية مع استراتيجية المصلحة المتقابلة، ورفع إنتاجية العامل والفلاح وضمان حقوقهم، وتحديد الملكية وفق تدرج مستقبلي.
وقد شن الحزب في عهد القوتلي عام 1948 حملة قوية ضد الحكومة بسبب تردي أداء الجيش في حرب 1948، وطالب بالوحدة مع العراق والأردن، كما ندد بسوء استعمال السلطة، وطالب بالتحقيق في نتائج حرب 1948 مع الضباط والسياسيين السوريين، وبضرورة تخفيض أسعار المواد الغذائية الأساسية، ثم تحالف مع حزب البعث ضد نظام القوتلي حول الفساد الذي طال بعض إدارات الدولة من محسوبية ورشاوي، مثل إنفاق وزير المعارف الدكتور منير العجلاني عدة ملايين من أموال الدولة لتشكيل حزب جديد، وتلاعب الدكتور حسني سبح رئيس الجامعة السورية بأموال الجامعة، وتهاون الرئيس شكري القوتلي مع من سرقوا من أموال الإعاشة (التموين) والميرة والدفاع، وعلى هذا الأساس أيد الحزب انقلاب حسني الزعيم ، خاصة بعد أن أبدى حسني الزعيم الرغبة للتقارب مع العراق في بداية عهده، كما عمل الحزب على العمل لإسقاط حكومة جميل مردم بك عام 1946، حيث وقع 65 نائباً في البرلمان على وثيقة لإسقاطها، لكن لم تستطع تحقيق الأغلبية المطلوبة وهو الثلثين، مما أدى إلى فشل المحاولة.
لكن بعد أن عمل حسني الزعيم على الابتعاد عن العراق، عمد حزب الشعب إلى التلاقي مع النظام العراقي لتشكيل حكومة مؤقتة يكون مقرها العراق ضد حسني الزعيم، وقد لاقى هذا الموقف تأييد عدداً من ضباط الجيش خاصة بعد أن نشط اليسار ضد حسني الزعيم، بعد أن فشلت كل محاولات حزب الشعب لدعوة حسني الزعيم إلى إعادة الأمور إلى سابق عهدها، وانسحاب الجيش إلى ثكناته، والذي كان بنتيجته أن أبعد حسني الزعيم حزب الشعب عن الحياة السياسية، حيث استقال عضو حزب الشعب فيضي الأتاسي من حكومة حسني الزعيم بعد ثلاثة أيام من تشكيلها، كل هذه الأمور جعلت الحزب يتعاون مع سامي الحناوي من أجل الوحدة مع العراق، كونه يعتبر أن العراق هو العمق الإستراتيجي لسوريا، وكون حزب الشعب كان يمثل المصالح التجارية الحلبية والشمالية، وإن فصل سوريا عن العراق قد أقام الحواجز التجارية والحدود السياسية التي خنقت سوريا، إضافة لمواجهة التهديدات الخارجية، وكان يرى رئيس حزب الشعب رشدي الكيخيا، أن المعاهدة العراقية البريطانية لا تمنع قيام الاتحاد بين سوريا والعراق، وبعد تشكيل حكومة هاشم الأتاسي ثم ناظم القدسي عام 1949، وتحديد موعد إقرار بيان الوحدة مع العراق، قام الشيشكلي ليلة يوم التصويت بانقلابه عام 1949، فسقطت حكومة ناظم القدسي، وكان سقوط سامي الحناوي من قيادة الجيش، قد جعل لجيش بقيادة الشيشكلي/ من وراء الستار/ ضد الوحدة مع العراق ، وبسبب ضعف الحكومة أمام الجيش اقترح رئيس الحكومة ناظم القدسي، مشروعاً قدمه للجامعة العربية كان الغرض منه إقامة اتحاد شامل بين الدول العربية، من خلال تطوير نظام جامعة الدول العربية، تمهيداً لاتحاد فعلي بينها، وكان من أسباب تقديمه لهذا المشروع أن قادة حزب الشعب كانت لهم آراء مختلفة حول مشروع الهلال الخصيب، فكان زعيمي الحزب على خلاف بإستراتيجية الوحدة مع العراق ، حيث رأى رشدي الكيخيا أن شكل الحكم لا يهم لأن الوحدة أهم، بينما رأى ناظم القدسي ضرورة عدم التضحية بالنظام الجمهوري، مؤكداً على اتحاد جمركي بين البلدين وبرلمان فيدرالي يمثل البلدين.
كما عمل حزب الشعب من خلال وزير الخارجية فيضي الأتاسي الذي كان عضواً في حكومة حسن الحكيم، لإسقاط الحكومة، وذلك بالتعاون مع رئيس البرلمان آنذاك ناظم القدسي، كون حزب الشعب هو حزب الأغلبية بعد سقوط شكري القوتلي 1949 وحتى سقوط ناظم القدسي عام 1963، فعمل الحزب على التنديد بالمذكرة التي قدمها قناصل الدول الغربية حول مشروع الدفاع الشرق أوسطي فلم يتح المجال لرئيس الحكومة حسن الحكيم على الرد، كما لم يعرضها وزير الخارجية على الحكومة قبل ذلك لمناقشتها، واتهم رئيس الحكومة أنه يؤيد ضمنياً المذكرة، مما حذا برئيس الحكومة إلى الاستقالة، فحدثت أزمة حكومية استمرت تسعة عشر يوماً، حيث نظم حزب الشعب المظاهرات بالتعاون مع اليسار، فاستقال رشاد برمدا عضو حزب الشعب ووزير الداخلية بسبب تدخل الجيش، ثم اتخذ الحزب في اجتماعه بتاريخ 12 نوفمبر 1950، عدة قرارات هي:
1- الموافقة على استقالة وزير الداخلية.
2- الموافقة على استلام الحكم وتحمل مسؤولية السياسة الخارجية والسياسة الداخلية.
3- العمل على البدء باستلام الحكم وتطبيق الدستور نصاً وروحاً.
4- إذا لم يستقل رئيس الحكومة (نهائياً) في موعد أقصاه ظهر ذلك اليوم، يدعو حزب الشعب وزرائه الأربعة للاستقالة.
مما أضطر رئيس الحكومة أن يستقيل بعد الأزمة الحكومية، وكان قبل ذلك قد ساهم حزب الشعب في إسقاط حكومة خالد العظم عام 1950، بعد أن استقال وزير الخارجية فيضي الأتاسي، بسبب عدم التجانس في الحكومة، إضافة إلى تسرب آراء الحكومة وقراراتها إلى الصحف قبل إقرارها ، ثم اتهمتها بالرضى عن النشاط الاستعماري الذي يقوم به بنك سوريا المرتبط بفرنسا، وبتشجيع استغلال الشعب السوري من قبل المستثمرين، ثم عمل على حث 175 ألف موظف حكومي للمطالبة بزيادة أجورهم ورفع مستوى معيشتهم، فتوقفت الاتصالات السلكية واللاسلكية، وانفصلت سوريا عن العالم الخارجي.
وعلى إثر سقوط حكومة حسن الحكيم في نوفمبر 1951 كلف الرئيس هاشم الأتاسي، عضو حزب الشعب معروف الدواليبي، بتشكيل الحكومة ونتيجة مواقف هذه الحكومة، قام الشيشكلي بانقلابه عام 1951 وعمل على اعتقال ناظم القدسي في 20 يناير 1952، بعد أن اعتقل معروف الدواليبي، وأعضاء الحكومة، وحل البرلمان، وبما أن حزب الشعب يمثل الأغلبية فله تيار شعبي لا يضاهيه به أي حزب آخر ، فرغم أن الشيشكلي حل الأحزاب إلا أنها أصبحت تعمل في الخفاء، حيث اشترك حزب الشعب في 20 يوليو 1963 مع رؤساء الأحزاب وكبار المستقلين، بتقديم بيان إلى الرئيس أديب الشيشكلي بدعوته لإطلاق الحريات وإقامة حياة دستورية في البلاد، ثم عقد مؤتمر حمص في 4 يوليو 1953 برئاسة هاشم الأتاسي ، ضم جميع سياسيي البلاد البارزين، من أجل تلك الأهداف، وأعلن الجميع عدم شرعية انتخاب الشيشكلي ووقعوا بياناً حول ذلك، وعلى إثر ذلك اندلعت المظاهرات الطلابية في المدن السورية، ووزعت المنشورات، وصدرت بيانات تدين التظلم، مما حذا بالشيشكلي في 27 يناير 1954 أن يقوم باعتقالات عديدة شملت أعضاء حزب الشعب، وأهمهم رشدي الكيخيا، وناظم القدسي، وفيضي الأتاسي، وعدنان الأتاسي، ....... وسياسي الأحزاب الأخرى، ومنهم صبري العسلي، وصلاح البيطار، ميشيل عفلق، وأكرم الحوراني، وحسن الأطرش، ومصطفى السباعي، ...... وكان الشيشكلي منذ انقلابه الثاني 1951 يتهم حزب الأغلبية المطلقة (الشعب)، أنه المسؤول عن عدم الاستقرار الحكومي والأزمات الوزارية، وأنه لا يمثل الشعب، وأن هدفه القضاء على استقلال سوريا بضمها للعراق، وتحطيم جيشها، بانشاء عرش جديد فيها، فكان عداء حزب الشعب للشيشكلي ومعارضة حكمه من أهم الأسباب في سقوط الشيشكلي، خاصة أن من قادة الانقلاب كان فيصل الأتاسي وهو قائد المنطقة الوسطى وقريب للرئيس هاشم الأتاسي-ابن أخيه- وعضواً في حزب الشعب، إضافة لآخرين في المناطق الأخرى، زد على ذلك أن الشيشكلي اتصف بعدائه للتقارب مع العراق بشتى السبل.
وبعد سقوط الشيشكلي عام 1954 حاول عضو حزب الشعب ووزير الدفاع معروف الدواليبي في حكومة صبري العسلي 1954، إبعاد الجيش عن التدخل في السياسة، لكن البعث استخدم نفوذه في الجيش لمنع ذلك، حيث نظم الإضرابات والمظاهرات الطلابية والعمالية والفلاحية، وأصبح يسيء للمسؤولين السياسيين، ويتدخل في وزارة التموين والإعاشة، فسقطت الحكومة في يونيو 1954، كما كان سقوط حكومة فارس الخوري بعد ذلك بسبب عدم قدرتها على التوفيق بين الحزبين الرئيسين الوطني والشعب، وخلافاتها مع اليسار، مما حذا برئيس حزب الشعب رشدي الكيخيا أن ينقد تصرفات حزب البعث على أساس أنه اكتسب قوته ونفوذه من خلال الجيش، وقد عمل السفير المصري، محمود رياض على إقناع رشدي الكيخيا بلقاء الرئيس عبدالناصر من أجل الوحدة السورية المصرية، كون رشدي الكيخيا ذو ميول قومية وحدوية، وقد أيد في البرلمان الوحدة مع مصر، وبعد الوحدة، ألغيت جميع الأحزاب السياسية، لكن ظل أعضاء حزب الشعب مؤمنين بمبادئه، حيث أنهم بعد الانفصال عن دولة الوحدة من خلال انقلاب النحلاوي عام 1961، وقيام حكم ما بعد الوحدة، ترشح للرئاسة ناظم القدسي، وكسب حزب الشعب مرة أخرى أغلبية الأصوات في البرلمان الجديد، وقد عمل حزب الشعب على محاولة إلغاء إجراءات التأميم والإصلاح الزراعي، خاصة أنه ظل يمثل التيار المسيطر، لكن بسبب الدعاية المصرية واليسارية لهذه الإجراءات، قبلت الحكومات وآخرها حكومة خالد العظم بهذه الإجراءات، مقابل التعويض العادل، كما ظل الحزب محافظاً على منهجه في الوحدة مع العراق، خاصة بعد اللقاء التاريخي بين الرئيسين ناظم القدسي وعبدالكريم قاسم، ومحاولة إحياء مشروعي الهلال الخصيب، لكن كان انقلاب 8 مارس 1963 ألغيت الأحزاب في سوريا ومن ضمنها حزب الشعب .

3- حزب الإخوان المسلمين والجبهة الإسلامية:
أسسه الشيخ حسن البنا في مصر عام 1928، وقد دعى إلى العودة لمصادر الإسلام الأساسية ومعاداة المذاهب الأجنبية الأصل، وخاصة الشيوعية وأهم أهدافه هي :
- شرح دعوة القرآن الكريم وعرضها بما يوافق روح العصر.
- تقريب وجهات النظر بين المذاهب الإسلامية كافة وحسم الخلافات بينها.
- العمل على إقامة الدولة الإسلامية وفقاً لأحكام الإسلام
- المشاركة في بناء الحضارة الإنسانية والسلام العالمي ومناصرة التعاون العالمي.
- العمل لتحرير المسلمين من النفوذ الأجنبي.
- المشاركة في بناء الحضارة الإنسانية والسلام العالمي ومناصرة التعاون العالمي.
- العمل لتحرير المسلمين من النفوذ الأجنبي.
وقد انتقلت دعوتهم إلى سوريا عن طريق الدكتور مصطفى السباعي عام 1932 وحددت أهدافها في سوريا عام 1947 بـ :
- تحرير الأمة العربية وتوحيدها والحفاظ على عقيدتها الإسلامية.
- إصلاح المجتمع ومحاربة التفرقة بين الطوائف والأديان.
- إصلاح جهاز الدولة بتنفيذ القوانين دون محاباة.
وقد شارك الحزب في النضال ضد الانتداب الفرنسي، وشكل في حرب فلسطين كتائب الإخوان، كما اعتقلت السلطات الفرنسية زعيمه مصطفى السباعي عدة مرات، وكان من أعضائه البارزين الدكتور معروف الدواليبي الذي تولى الحكومة عدة مرات، وقد اعتبروا دعواتهم هذه رداً على الدعاوي اليهودية الإسرائيلية التي تؤكد أنه لا يوجد في العرف العبري اختلاف بين الأمة والدين حيث الأمة والدين والعقيدة شيئاً واحداً، كما أكد ذلك ديفيد بن غوريون بقوله: " إن على إسرائيل أن تتمسك بمبادئ أنبياء العبرانيين القدماء" ، وقد أثارحسني الزعيم لدى انقلابه استياء حزب الإخوان، من خلال دعوته إلى حل ممتلكات الأوقاف، وخيانته لأنطون سعادة التي اعتبرها الحزب لا تتوافق مع تقاليد الإسلام وأخلاقه، رغم أن وزير الخارجية في عهد حسني الزعيم وهو الأمير عادل أرسلان قد أيد التيار الإسلامي وخاصة جمعية شباب محمد، وهي فرع من الحزب وعادى الشيوعية التي اعتبرها ضد القومية العربية ودعوة طارئة في المجتمع السوري، وبسبب مواقف حسني الزعيم العلمانية المتطرفة، أيد حزب الإخوان انقلاب سامي الحناوي عام 1949، وبنتيجة خلافات الحزب مع الحوراني، استقال الحوراني من حكومة هاشم الأتاسي عام 1949، وبعد الانقلاب الأول للشيشكلي 1949 اشترك الحزب الذي التحم مع الجمعيات الإسلامية مكوناً ما سمي بالجبهة الإسلامية الاشتراكية بزعامة محمد المبارك الذي أصبح وزيراً للزراعة في حكومة حسن الحكيم عام 1950، ودعى إلى المظاهرات ضد الحكومة احتجاجاً على مذكرة الدول الغربية التي قدمت إلى مصر حول مشروع الدفاع الشرق أوسطي، وفي 12 مارس 1950 صرح الدكتور معروف الدواليبي بتصريح يدعو للابتعاد عن الغرب لتأييده إسرائيل ضد العرب فقال في ذلك : " نعتزم التوجه إلى المعسكر الشرقي، إذا لم ينصفنا الديمقراطيون ...... ونجيب الذين يقولون، إن المعسكر الشرقي هو عدونا،متى كان المعسكر الغربي صديقاً لنا، إننا سنربط أنفسنا بروسيا ولو كانت الشيطان نفسه".
وقد وقف الإخوان المسلمين ضد ديكتاتورية الشيشكلي، وشاركوا في مؤتمر حمص 1953، واعتقل العديد من قيادييهم، وعقب تنازل الرئيس أديب الشيشكلي عن الرئاسة وتولي مأمون الكزبري، تدخلوا ضد النظام الجديد ودخلوا البرلمان وأجبروا رئيس البرلمان سعيد إسحق على حل البرلمان، وهاجموا الإذاعة، فكانت مساهمتهم فعالة في الإطاحة بنظام الشيشكلي.
وإثر محاولة اغتيال عبدالناصر عام 1954، واتهام جماعة الإخوان المسلمين في مصر بذلك، وملاحقتهم ، لجأ بعضهم إلى سوريا وعقدوا مؤتمراً ضم مندوبين عن العراق والأردن والسودان، لمقاومة سياسة عبدالناصر، وعبروا عن ذلك في صحيفتهم المنار التي كانت لها عدة فروع، كما أدت أحكام الإعدام التي أصدرها عبدالناصر بحق المتهمين ومنهم زعيم حزب الإخوان في مصر حسن الهضيبي، إلى اندلاع المظاهرات في سوريا وقد اشترك حزب البعث فيها، لكن رأى الدكتور مصطفى السباعي أن البعث أراد أن يركب الموجة الشعبية واستدل على ذلك من أن أكرم الحوراني كان يعتبر الحركات الدينية هي معادية للشعب وحليفة للاستعمار ويجب تحطيمها بكل السبل.
واشترك الحزب في الانتخابات البرلمانية عام1954، وحصل على عدد من المقاعد في البرلمان، وكان يضم بين أعضائه، عدداً من الأقليات منها المسيحيين الذين ترشحوا باسم الحزب مثل رزق الله أنطاكي، ذو التاريخ النضالي الكبير، وهو من الطائفية الأرثوذكسية الأرمنية، لكنهم وقفوا موقفاً محايداً من الوحدة ومن الانفصال .
وقد تحالف الإخوان فيما بعد مع المقدم عبدالكريم النحلاوي، ذي الميول الإخوانية حيث مهد لهم الطريق للمنافسة على الحكم بعد الانفصال ، من خلال الانتخابات النيابية ، حيث وصل بعضهم إليها في انتخابات 1961، حتى أن بعض المناطق المسيحية صوتت لصالح الإخوان، لكن ظل حزب الاشتراكيين العرب، وهم جماعة الحوراني الذين انفصلوا عن حزب البعث قد تأثروا بسبب ذلك ، فحدثت اشتباكات بين حزب الإخوان وحزب الاشتراكيين العرب، وفي أعقاب انقلاب البعث العراقي في 8 فبراير 1963 استقال الوزراء الإخوان من حكومة خالد العظم بعد أن استقال الوزراء الاشتراكيون ، حيث اشترط الرئيس ناظم القدسي لقبول استقالة الاشتراكيون أن يستقبل الإخوان لتبقى الحكومة حيادية، مما أثار الإخوان ضد نظام القدسي، وأيدوا انقلاب النحلاوي الثالث عام 1963، ثم أيدوا حركة 8 مارس 1963، مما جعل الرئيس لؤي الأتاسي أن يسمح لجريدة الإخوان (المنار)، بمتابعة الصدور، رغم إلغائه لكافة صحف الأحزاب الأخرى، إضافة للأحزاب ماعدا حزب الإخوان ، وعلى إثر التوجهات الاشتراكية الماركسية التي بدأ يطلقها النظام خاصة بعد انقلاب جاسم علوان في 18 يوليو 1963 وسيطرة الفريق أمين الحافظ على مقاليد السلطة، حدثت اشتباكات بين نظام أمين الحافظ وحزب الإخوان بعد اتهام النظام لحزب الأخوان بأنه ضد الوحدة العربية وأنه يثير التعصب الديني والطائفية، رغم أن صلاح جديد ومحمد عمران أصبحا يستغلان حزب البعث لإثارة الطائفية ، وبسبب ادعاء الحزب عن ازدراء البعض من أعضاء النظام للمشاعر الإسلامية عام 1964 تدخل حزب الإخوان في حماه ضد النظام، مما حذا بنظام أمين الحافظ إلى ضرب المدينة من خلال الحرس القومي بقيادة حمد عبيد وعلى إثر أحداث حماه بلغت حصيلة القتلى 40 شخصاً من جماعة مروان حديد الأخوانية ، وفي 22 ديسمبر 1965 أعلنت مساجد دمشق رفضها لإجراءات التأميم ودعت لمقاومة نظام أمين الحافظ ، وبدأ يظهر تنظيم طلائع محمد التي يشرف عليها الإخوان ، كما أعلن تجار دمشق الإضراب على إجراءات التأميم تضامناً مع تنظيم طلائع محمد، مما حذا بالنظام إلى تنظيم مظاهرات ضد الإخوان وقد اشترك فيها الشيوعيون، ثم قام نظام أمين الحافظ باعتقالات ضد التجار وتأميم جميع أسواق ومكاتب وشركات التجار الخارجية.

4- الحزب الشيوعي:
كان للشيوعيين الفرنسيين دور كبير في وصول الأفكار الشيوعية إلى سوريا، خلال فترة الانتداب التي تشكل خلالها هذا الحزب في سوريا ولبنان تحت راية حزب واحد، وذلك بعد اندماج حزب سبارتاكوس الذي تشكل عام 1925 وكان حزباً معظمه من الأرمن، مع حزب الشعب اللبناني، فشكلا الحزب الشيوعي في سوريا ولبنان عام 1928، وكان أول رئيس لهذا الحزب هو فؤاد الشمالي ثم أصبح في عام 1932، خالد بكداش زعيماً لهذا الحزب بعمر لا يتجاوز العشرين سنة، وكان شعاره الحرية والخبز، وكان قد تحالف مع الحزب الشيوعي للمستوطنين اليهود في فلسطين، ثم وقف ضد المحور في الحرب العالمية الثانية بعد قرار هتلر باجتياح روسيا عام 1941 رغم أنه كان قد وقف مع المحور عقب توقيع اتفاقية عدم اعتداء بين هتلر وستالين عام 1940، لكنه ظل على مدار وجوده في سوريا بعيداً عن صميم الشعب السوري، وقد انشق هذا الحزب إلى جزأين بعد استقلال سوريا ولبنان عام 1943، إحداهما في سوريا والآخر في لبنان.
وحدد أهدافه في سوريا بـ :
1- العمل لاستقلال وسيادة سوريا التامة وتحريرها الكامل.
2- المحافظة على نظامها الجمهوري الديمقراطي.
3- التضامن مع البلاد العربية لاستكمال تحررها وتوثيق الروابط بينها.
4- بسط السيادة الوطنية على المؤسسات الأجنبية.
5- تأمين الحريات الديمقراطية.
6- رفع مستوى البلاد الاقتصادي بحماية المنتجين.
7- معالجة البطالة وحماية العمال بوضع تشريع خاص بهم.
8- تحرير الفلاح من البؤس وتوزيع الضرائب توزيعاً عادلاً.
واتسم الحزب بعدائه للحزب القومي السوري حيث وصفه بالفاشية وبالتعاون مع النازية، وقد حدث تصادم بينهما في 2 نوفمبر 1945، كما اتسم أيضاً بالعداوة لحزب الإخوان المسلمين حيث اتهمه بالعمالة للإنكليز، كما عمل على التنسيق مع الحزب الكردي الديمقراطي "البارتي" الذي أسسه الملا مصطفى البارزاني في روسيا علم 1945، وأنشأ له فروعاً في سوريا والعراق وتركيا وإيران، وأخذ ينشر المطبوعات والمجلات الخاصة، وقد نصت المادة 21 من حزب البارتي بما يلي : " السعي لمساندة إخواننا الأكراد أينما كانوا في نضالهم من أجل استكمال حرياتهم وحقوقهم القومية ...." كما أكد أنهم لا يسعون لأي تقارب مع العرب سوى بقدر التقارب مع الأقليات الأخرى، وهذا ما يفسر تقارب الحزب الشيوعي السوري مع تيار صلاح جديد وخاصة بعد استيلائه على الحكم في فبراير 1966، باعتبار أن الكثير من الأكراد في تركيا كانوا مؤيدين لحزب البارتي الذي يرأسه مصطفى البارزاتي، وله فروع في عدة دول منها تركيا وسوريا، بالرغم من أن البيان الشيوعي عام 1848 ينص على " إن الدستور والأخلاق والدين، كلها خديعة برجوازية وهي تتستر وراءها من أجل مطامعها"، وعلى هذا الأساس أصبح لهم منذ عهد صلاح جديد ونور الدين الأتاسي حقائب وزارية في الحكومات السورية المتعاقبة، ودخلوا الجبهة الوطنية التقدمية بعد ذلك.
وقد ندد الرئيس حسني الزعيم بالشيوعية واعتبرها مناهضة للقومية العربية حيث قال في ذلك :
" إننا قوميون قبل كل شيء " مما حذا بالشيوعيين إلى توزيع منشورات لإسقاط حكم حسني الزعيم، فرد النظام على ذلك باعتقال المئات منهم، وفي أعقاب انقلاب سامي الحناوي وزع الحزب في أكتوبر 1949 منشورات ضد الوحدة بين سوريا والعراق جاء فيها: " يسقط مخطط الوحدة السورية العراقية، مخطط عملاء الإمبريالية ومخطط العبودية والحرب"، وقد أيد الحوراني ذلك فشن حملة في اللجنة التأسيسية ضد وحدة سوريا والعراق.
ثم نشط الحزب في أعقاب انقلاب أديب الشيشكلي عام 1949 ثم عام 1951 فأخذ يصدر صحيفة نضال الجماهير بشكل سري، ويوزعها على أعضائه، الذين سماهم أنصار السلام، ثم أخذ يصدر صحيفة السلام، وقد عارضوا زيارة وزير المستعمرات البريطانية الجنرال بريان روبرتسون إلى سوريا، وقاموا بتنظيم مظاهرات ضد ذلك، ثم قاموا بتنظيم مظاهرات ضد تقارب حكومة خالد العظم مع الولايات المتحدة الأمريكية، فسقطت الحكومة، ثم انضموا إلى مؤتمر حمص للإطاحة بالشيشكلي عام 1953، وشاركوا مع الإخوان المسلمين في مهاجمة البرلمان عقب تولي مأمون الكزبري لمنصب الرئاسة بعد تنازل الرئيس أديب الشيشكلي عنها في 25 فبراير 1954، كما هاجموا معهم الإذاعة، وبالتالي في إسقاط نظام الشيشكلي، وبذلك أصبحت لهم قوة كبيرة بعد سقوط الشيشكلي، رغم أنه كاد ينتهي عام 1947، عندما أيد تقسيم فلسطين ، حيث أثار الرأي العام ضده، فقامت مظاهرات ضده وهاجمت مكاتبه، وهرب بكداش إلى خارج البلاد، وتفسير ذلك أنه يستمد أوامره من الحزب الشيوعي السوفياتي بما يعرف بالشيوعية العالمية (الكومترن).
وقد ظل هذا الحزب حليفاً قوياً لحزب البعث منذ عام 1947 وحتى عام 1957 حيث أخذ البعث يبتعد عنه في بداية عام 1958، بنتيجة ازدياد قوة الشيوعيين في سوريا، خاصة بعد أن استغل مع حزب البعث، مقتل عدنان المالكي، والمساهمة الجدية في تصفية الحزب القومي السوري في البرلمان والشارع، بعد صعود أول نائب شيوعي في الشرق الأوسط إلى البرلمان عقب انتخابات 1954 في سوريا، وأخذ يصدر صحيفة النور، وكانت فترته الذهبية بين 1957 وبين 1958، حيث ارتبطت سوريا بالاتحاد السوفياتي بشكل كبير وكان من المقرر أن تجري الانتخابات البلدية في خريف 1957 ، ومن المؤكد أن يسيطر عليها الشيوعيون، لكن البعث أخذ يؤجلها أسبوعاً وراء آخر، حتى ألغيت أواخر عام 1957، كما كان الشيوعيون يضغطون لحل البرلمان القائم وانتخاب برلمان جديد في ربيع 1958، بحيث يسيطرون على مقاعده، قبل انتهاء مدة البرلمان القديم بعدة شهور، على أساس أن بعض النواب تركوا البرلمان بنتيجة تورطهم في المؤامرات المختلفة، لكن هدفهم الخفي كان وصولهم للسلطة عن طريق البرلمان، رغم تظاهرهم بالقومية والوطنية والدعوة للانتقام للمالكي، إضافة إلى اثارتهم للمشكلات التافهة، في طريقهم لإرباك البرلمان وحله، مثل اتهام خالد بكداش الحكومة في جلسة 29 مايو 1957 من أن موازنة الدولة لعام 1957 تمثل مصالح الاستعمار، فكان التحالف البعثي الشيوعي سبباً لانهيار كثير من الحكومات في فترة ما بعد الشيشكلي وحتى الوحدة مع مصر عام 1958، وفي ذلك يقول خالد بكداش عام 1956 "نحن الشيوعيون نمد أيدينا لكل الأحزاب والتيارات السياسية وبشكل خاص حزب البعث " .
وفي إطار التحرك الشيوعي في سوريا والشرق الأوسط عموماً رأى وزير الخارجية الأمريكي جون فوستر دلاس ما يلي :
1- إنعاش مفهوم منظمة الدفاع الشرق أوسطي القديم.
2- تسخير عبدالناصر لصالح الغرب من خلال جعله قائد للوطن العربي ولو بشكل نظري، لوقف التوسع الشيوعي وذلك باعطائه الحوافز المادية والمساعدات.
وكانت استراتيجيتهم في ذلك استغلال أخطاء النظام المصري إضافة لعملائهم في مجلس قيادة الثورة المصري، وهذا ما يفسر التدخل المؤيد مع بعض العناصر المشبوهة وخاصة عناصر من حزب البعث، وسيوضح الفصل الرابع علاقة هذه العناصر بالولايات المتحدة الأمريكية، إضافة إلى الاختراق الأمريكي الكبير لمجلس قيادة الثورة المصري، فخلال هذه الفترة وجد البعث نفسه على مفترق طرق هي:
1- الاستسلام للشيوعية وأن تصبح سوريا دولة تدور في فلك السوفييت.
2- الاستسلام لحزب الأغلبية وهو حزب الشعب الذي سيجرها للوحدة مع العراق، وهذا لا يتوافق مع الاستراتيجية الأمريكية ولا مع الاستراتيجية المصرية، إضافة لتخوف عناصر حزب البعث من فقدان مراكزهم في الجيش والدولة، فكان انقلاب اللواء عفيف البرزي بدعم البعث من أجل الوحدة مع مصر، رغم رفض الحزب الشيوعي لهذه الوحدة، حيث تغيب خالد بكداش عن حضور جلسة البرلمان لتأييد الوحدة عام 1958، وسافر خالد بكداش إلى خارج البلاد معلناً رفضه حل الحزب الشيوعي بعد اشتراط عبدالناصر حل جميع الأحزاب ثم صرح بكداش في ذلك : " إننا نرحب بالوحدة، إذا ضمنت حرية الأحزاب، ونلعنها إذا خنقت حريتها في سوريا كما خنقتها في مصر" .
وفي ظل الوحدة أصبح أي نقد للنظام ممنوع، وسيؤدي بصاحبه إلى الاتهام بالشيوعية، فعندما قام قائد الجيش الأول الفريق عفيف البرزي بإجراء بعض التنقلات، أتهم أنه شيوعي وأن هدفه تعيين الموالين له ذوي الميول الشيوعية، وعندما انتقد وزير الصحة في الحكومة المركزية بشير العظمة الحكومة التي جعلت تكاليف الإقليم السوري بالنسبة للجيش أعلى بعدة أضعاف من ميزانية الإقليم المصري، أتهم بالشيوعية أيضاً، وغيرهم من المسؤولين السوريين، كما أنشأ عبدالحميد السراج في الإقليم السوري جهاز مخابرات لمكافحة الحزبية والحزبيين في كل أنحاء سوريا، ثم ابتدأ بالشيوعيين، فاعتقل المئات منهم، وعذب الشيوعيين بشكل كبير ومات بعضهم تحت التعذيب، وأذيب بعضهم بالأسيد، مثل زعيم الحزب الشيوعي اللبناني فرج الله الحلو، إضافة إلى بعض اليساريين مثل بيير شدرفيان وهو أرمني من حلب، وهذا ما أثار الرأي العام في سوريا، وقد اشتد النظام ضدهم بعد خطاب خالد بكداش في بكين بتاريخ 28 سبتمبر 1959 بمناسبة العيد العاشر للثورة الصينية، حيث تهجم على نظام حكم الوحدة بديكتاتوريته وتعسفه وتأثيره السلبي على اقتصاد سوريا في جميع المجالات ، حيث قال في ذلك:" إن شعب الجمهورية العربية المتحدة، يقاسي اليوم نظاماً ديكتاتورياً إرهابياً، تطبق فيه الأساليب الفاشية ضد جميع القوى الوطنية الديمقراطية، إن في سجون مصر وسوريا اليوم ألوفاً من المواطنين من شيوعيين وديمقراطيين، وشباب، يقاسون ألوان التعذيب الوحشي، ومن بينهم المواطن العربي أمين اللجنة المركزية للحزب الشيوعي اللبناني الرفيق فرج الله الحلو، الذي اختطفته المباحث في دمشق، إن السياسة التي طبقتها طغمة بنك مصر في سوريا منذ الوحدة، أدت إلى خراب الاقتصاد السوري وهبوط الإنتاج الزراعي والصناعي وركود التجارة وانتشار البطالة، وغلاء المعيشة، وتعاني سوريا اليوم نظاماً من الاستبداد والفوضى لم تعرفه في كل تاريخها الحديث، وهذا الذي يجري في سوريا اليوم يريد عبدالناصر تطبيقه في العراق ولبنان، وسائر البلدان العربية، ولكن مصير هذه السياسة هو الفشل المحتوم" .
وبعد سقوط نظام الوحدة عقب انقلاب النحلاوي عام 1961، حاول الحزب الشيوعي استعادة مركزه في الجيش والحياة السياسية، لكن معاداة قائد الانقلاب للشيوعية، جعلته لا يقوى على المنافسة، ولم يستطع الفوز بأي مقعد في انتخابات 1961، لكن في نفس الوقت عمل الشيوعيون على تأييد التيار الاشتراكي المعادي لإلغاء إجراءات التأميم والإصلاح الزراعي، كما ساهموا بعدم استقرار النظام بتوزيعهم للمنشورات وإثارتهم للمظاهرات في ظل حرية التعبير التي سادت خلال فترة حكم الرئيس ناظم القدسي، لكنهم وإن كانوا قد أيدوا حزب البعث بعد استيلائه على الحكم خاصة بعد فشل انقلاب جاسم علوان في يوليو 1963، من خلال إجراءات التأميم والإصلاح الزراعي، حيث اتهموا زعماء حزب البعث في سوريا والعراق بالعمالة للاستعمار، فيؤكد منشور سري للحزب الشيوعي في يناير 1964 على ذلك بقوله: " إن سياسة البعث في سوريا والعراق لم تكن إلا سياسة مدروسة رسمها وخططها عملاء للاستعمار مندسون في قيادة البعث أمثال ميشيل عفلق وصلاح البيطار، وعلي صالح السعدي وزمرتهم" .
وكما ذكر سابقاً أخذ نظام الأتاسي/جديد يتقارب مع الحزب الشيوعي والاتحاد السوفياتي مستغلاً الأيديولوجية الماركسية وبالتالي أصبح إشراكهم في الحكم كبيراً، حيث يؤكد الرئيس أمين الحافظ أن صلاح جديد، كان وراءه الشيوعية السوفياتية، وأن الحكم الذي ساد بعد سقوط نظام أمين الحافظ كان باتفاق المعسكرين على رأس وعناصر تلك الأنظمة.

5- الحزب القومي السوري :
أسسه أنطون سعادة في بيروت عام 1932، وطالب باستقلال سوريا ووحدة أجزائها المنفصلة، وهي العراق والأردن ولبنان وفلسطين والكويت وشبه جزيرة سيناء وقبرص، إضافة للأجزاء المغتصبة من قبل تركيا وإيران، وذلك تحت راية واحدة هي راية الأمة السورية، وإلغاء الإقطاع وتنظيم الاقتصاد القومي على أساس الإنتاج وإنصاف العمال، وصيانة مصلحة الأمة والدولة، وإعداد جش قوي يكون ذو قوة في تقرير مصير الأمة والوطن وإيجاد نهضة قوية تكفل تحقيق مبادئه وتؤدي إلى الاستقلال مع إيجاد جبهة عربية واحدة، وقد استمد الكثير من الأحزاب السورية من برنامج وأهداف هذا الحزب في دساتيرهم مثل حزب الشباب الذي أسسه عثمان الحوراني أيضاً ، حزب العربي الاشتراكي الذي أسسه أكرم الحوراني عام 1951، بعد أن انفصل عن الحزب القومي السوري عام 1949 عقب انقلاب سامي الحناوي، وتأييده للوحدة مع العراق، حيث وقف الحوراني سداً منيعاً ضد الوحدة مع العراق، والدليل على ذلك أن الحوراني كان حتى 1949 يعمل ضمن أهداف الحزب القومي السوري ، فكان يثير على الدوام قضية لواء الإسكندرونة، ووحدة سوريا الطبيعية، وقد اتهم الحكومة عام 1949 بالتقصير في قضية لواء الإسكندرونة، وأنها قد تخاذلت في حرب فلسطين، كما أنه طالب في البرلمان إبان التصويت للموافقة على جامعة الدول العربية عام 1945، بأن يكون لسوريا حقها في توحيد أجزائها بغض النظر عن انتسابها للجامعة العربية، وكان الحوراني لسان هذا الحزب في حماه منذ عام 1936، وحتى انقلاب سامي الحناوي 1949.
وحول غاية الحزب فهو يرى أن بعث النهضة القومية الاجتماعية السورية سيكفل تحقيق مبادئه، وسيعيد للأمة السورية استقلالاً تاماً وتثبيتاً لسيادتها، وإقامة نظام جديد يؤمن مصالحها ويرفع مستوى حياتها، وقد أسس جريدة النهضة، وعملت الحكومة اللبنانية برئاسة رياض الصلح على التآمر على هذا الحزب من خلال حزب الكتائب اللبناني الذي يرأسه بيير الجميل، فهاجم حزب الكتائب مكاتب الحزب، وأحرق مطابعه، مما أعطى الفرصة للحكومة اللبنانية للتدخل ضد الحزب القومي السوري وملاحقة أعضاءه في يونيو 1949، فأيد حسني الزعيم، أنطون سعادة في ثورة ضد النظام اللبناني بهدف اسقاطه، بسبب تخوف حسني الزعيم من رياض الصلح خشية أن يعمل ضده, باعتباره كان صديقاً للقوتلي، وعلى إثر فشل الثورة التي أعلنها أنطون سعادة لجأ أنطون سعادة إلى سوريا، فطالبت الحكومة اللبنانية بتسليمه إليها، كما ضغطت فرنسا ومصر وبريطانيا، على حسني الزعيم لتسليمه، فسلمه إليها، وأعدمته خلال 24 ساعة، مما أثار ضباط الجيش الذين كان قسماً كبيراً منهم أعضاء في الحزب القومي السوري، مثل أديب الشيشكلي وفضل الله أبومنصور، وصلاح الشيشكلي، وزيد الأطرش وغيرهم، رغم أن السلطات السورية ادعت أن السلطات اللبنانية قد اعتقلته داخل الأراضي اللبنانية وليس في سوريا، فتولى زعامة الحزب بعد ذلك جورج عبدالمسيح الذي أقسم بأنه سينتقم من المتآمرين، كما اشتدت نقمة الشعب السوري على جريمة حسني الزعيم هذه، وكان إبعاد بعض أعضاء هذا الحزب من قبل حسني الزعيم عن مناصبهم التي تولوها عقب انقلابه، قد أثار النقمة بشكل أكبر وكان منهم الحوراني والشيشكلي، مما حذا بالحوراني إلى الاتصال بزعيم الدروز حسن الأطرش لتأييد انقلاب ضد حسني الزعيم، خاصة أن بعض ضباط الجيش من الدروز كانوا أعضاء في الحزب القومي السوري، وأن أكرم الحوراني هو أول من سعى لإنشاء خلايا بالجيش لصالح الحزب القومي السوري أولاً، ثم لصالح نفسه وحزبه الجديد العربي الاشتراكي ثانياً، ثم البعث في المرحلة النهائية.
وبعد انقلاب الحناوي ،ضغط الحزب القومي السوري على الحناوي لعودة الشيشكلي إلى موقعة العسكري كونه عضواً فيه، وتسليمه قيادة أقوى ألوية الجيش وهو اللواء الأول الذي تحول فيما بعد إلى اللواء السبعين المدرع، إضافة إلى ما كان هناك من صداقة بين آل الحناوي وآل الشيشكلي، وقد أيد الحزب سعي الرئيس هاشم الأتاسي لوحدة سوريا والعراق، وبعد انقلاب الشيشكلي عام 1949، استمر الحزب في دعواته الاتحادية حتى قيام الشيشكلي بانقلابه الثاني، وحله لجميع الأحزاب ماعدا الحزب القومي السوري كونه كان ينتمي إليه، رغم أن الشيشكلي عمل على عدم إتاحة الفرصة لهذا الحزب من أن يصل للسلطة، وأسس بدلاً منه حركة التحرير التي جعلها تسيطر على البرلمان الذي أقامه، ولم يمنح هذا الحزب سوى مقعد واحد، وعلى إثر إنشاء الحوراني للحزب العربي الاشتراكي أخذ يحارب منافسيه وخاصة الحزب القومي السوري، فقام بتصادمات كبيرة معه حيث وصف الحوراني هذا الحزب بالنازية والعمالة وأنه يريد تحطيم سوريا، بالرغم من التاريخ النضالي لهذا الحزب في عهد الانتداب الفرنسي حيث سجن أنطون سعادة عدة مرات، وحكم عليه غيابياً بالإعدام، ومصادرة السلطات الفرنسية لكتاب " نشوء الأمم " وهو يمثل مبادئ الحزب ولم تفرج عنه حتى الآن ، إضافة إلى نضالهم في فلسطين منذ ثورة 1936 وحرب 1948 واستشهاد الكثير منهم، في حرب لبنان 1982حيث كانوا في مقدمة الشهداء مثل (سناء محيدلي، وزهرة ابو عساف، وعمار الأعسر ....) ولم يكن إعدام أنطون سعادة إلا أنه فكر بالأسلوب الثوري لتوحيد سوريا الطبيعية، وهذا لا يتفق مع الإدارة الاستعمارية لأن اتفاقية سايكس بيكو حسب وجهة نظرها، هي أفضل بكثير من مشروعه الذي يتضمن تحرير فلسطين ذاتها، كما أن أنطون سعادة نفسه كان من السياسيين المتمسكين بالعروبة وفق استراتيجية خاصة به فيقول في ذلك : "نحن العرب قبل غيرنا، نحن جبهة العالم العربي، وصدره، وترسه، ومصدر الإشعاع الفكري في العالم العربي كله" ، كما يقول أيضاً " إن عدو لبنان من يحاول فصله عن أمه سوريا" ، وحول رأيه في العلمانية يقول : " إن القضاء على التعصب الديني، ومحو لغة الحزبية الدينية، يكون بالاتجاه إلى الأرض، وترابط جبالها، وسهولها، بأنهارها، وإلى الشعب بنسيجه الدموي، وتفاعله اليومي، في الحياة مع الأرض، بإدراك أن الحزبية الدينية تصرفنا عن واقع الوطن وتشوه حقيقة الأمة" ، فكان إدراكه للعلمانية ، في عدم إلغاء أو نفي الدين أو التجرد من أحكامه التي ترتفع بالإنسان نحو الكمال، مثل تعلم الصدق والمحبة والأخوة الإنسانية، والصفح عند الإساءة، والعطف على الضعيف والفقير واحترام حقوق الآخرين، ومراعاة القوانين والأنظمة التي تصدرها الدولة، وهذا يتحقق بدون أن تتحكم العقيدة الدينية في سياسة الدولة التي قد تتبدل مع الأيام، ومع الظروف، فإقحام الدين في السياسة يبث روح التفرقة بين أبناء الوطن الواحد، فالأفضل أن يحتفظ بما للدين من حرمة وقدسية ثابتة الأركان، ويترك للسياسة مجالها الدينوي الواسع المتقلب تبعاً للظروف، وبذلك يجتمع في البلد الواحد الدين والسياسة ويسير كل منهما في مجراه الطبيعي.
وبعد تدمير هذا الحزب في سوريا عقب قرار اغتيال المالكي الذي نظمه غسان جديد مع مجموعة من داخل الحزب ومن ثم اغتياله أفاد الحزب القومي السوري أن قرار اغتيال المالكي عام 1955 قد اتخذه غسان جديد دون أخذ رأي الحزب، كما اتهم أحد قادة الحزب وهو عصام المحايري من أن بعض أعضاء الحزب ممن خانوا مبادئ الحزب، هم متورطين في اغتيال المالكي وأنه يشجبها .
وصعد حزب البعث بعد مقتل المالكي في 22 إبريل 1955 حملته على الحزب القومي السوري، مدعياً أنه يخطط للاستيلاء على السلطة وأنه يسعى لإقامة الديكتاتورية العسكرية، وأنه عميل للغرب، فمنعته السلطات في سوريا، وصادرت أملاكه بموجب المرسوم رقم /7 / في مايو 1955/، وقدم للمحاكمة 75 شخصية مدنية و 25 ضابطاً عسكرياً، وحكم بالإعدام على منفذي العملية وإنهم آخرون حيث حكم بالإعدام على غسان جديد ومجموعته ، وبعد ذلك انسحب صلاح جديد من الحزب، وكون مع بعض الضباط إبان الوحدة ما سمي باللجنة العسكرية البعثية حيث صار عضواً فيها، ثم أصبح قائدها بعد انقلاب 18 يوليو1963 وأصبح يبث بسموم الطائفية في الجيش ، إلى أن سيطر على الحكم في عام 1966 .
وقد اشترك الحزب في عملية التيه في أكتوبر 1956 للإطاحة بالنظام، وكان من أهم رموزه صلاح الشيشكلي وجورج عبدالمسيح، حيث كان يعارض التوجهات الشيوعية للنظام، والتقارب مع مصر والابتعاد عن العراق، لكن أدى فشل هذه العملية إلى سيطرة الحوراني وخالد العظم، وعبدالحميد السراج، وخالد بكداش على الحكم، وبعد انقلاب عفيف البرزي عام 1958، رفض الحزب الوحدة السورية المصرية، فقال في جريدته النهار بتاريخ 21 فبراير 1958، " إن الوحدة بين مصر وسوريا، اصطناعية، ووضع الشام المتردي هو الذي أنتج هذه الوحدة، ولن يستطيع البعثيون أن يجدوا فيما أقدموا عليه إنقاذاً لهم" .
وظل المكتب الثاني خلال حقبة ما بعد الشيشكلي وحتى الوحدة يدفع مبلغ 300 ألف ليرة سورية شهرياً، لتقوية ونشر دعاية مناهضة للحزب القومي السوري، رغم انتقال مقر الحزب إلى لبنان بعد مقتل المالكي، لكن ظل له مؤيدين في سوريا، خاصة أن قادته انتقلوا إلى لبنان، وأخذوا يبثون دعواهم ضد نظام الوحدة على أساس أنه قد ساهم في تخريب الاقتصاد السوري والعلاقات السورية مع المجال الحيوي لها، لكن بعد الانفصال عاد الحزب القومي السوري إلى نشاطه في سوريا إلى نشاطه في سوريا وفاز عدد من أعضائه في البرلمان ومنهم عصام المحايري، خاصة بعد ارتفاع الآمال بالوحدة السورية العراقية عقب لقاء الرئيس ناظم القدسي مع الرئيس العراقي عبدالكريم قاسم، لكن انقلابي البعث في كل من سوريا والعراق أعاق ذلك، واتخذ النظام الجديد قراراً بمنع الأحزاب، وما يؤكد أن صلاح جديد وزمرته كانوا ضد الحزب القومي السوري أنه لم يسمح به على الإطلاق.

6- حزب البعث العربي الاشتراكي :
تشكل في 7 إبريل 1947 حيث عقد مؤتمره التأسيسي برئاسة ميشيل عفلق وصلاح الدين البيطار وحدد أهدافه بـ [ وحدة حرية اشتراكية ]، ويقول هذا الحزب بأنه حزب قومي وأن شعاره هو أمة عربية واحدة ذات رسالة خالدة، وأن أهدافه هي الإيمان بالقومية العربية ووحدة الأمة العربية وحريتها وأن لهذه الأمة شخصيتها الحية القابلة للتجدد والانبعاث ويتميز انبعاثها مع مدى حرية الفرد ومدى الانسجام بين تطوره وبين المصلحة القومية، وأن للبلاد رسالة خالدة تظهر بأشكال متجددة، ومتكاملة في مراحل التاريخ المختلفة، وهي ترمي إلى تجديد القيم الإنسانية، وحفز التقدم البشري وتنمية الانسجام والتعاون بين الأمم، كما أن الشعب هو مصدر السيادة والسلطة، والاشتراكية ضرورية لأنها من صميم القومية العربية فهي تحقق للعرب إمكاناتهم على أن تكون مستمدة من روح العرب وحاجاتهم الاجتماعية ونهضتهم الحديثة، وضرورة إيجاد نظام اقتصادي عادل ومعقول يحول دون الأحقاد والنزاعات الداخلية، ودون استثمار طبقة لأخرى، بحيث تكون الاشتراكية خادمة للقومية العربية، وعنصراً هاماً من عناصرها، كما أنه حزب انقلابي لا يدعو للإصلاح والتطور كوسيلة لتصحيح الأوضاع الفاسدة في البلاد ، بل بالنضال لتحقيق الانقلاب الشامل (العسكري، الاقتصادي، الاجتماعي ....) .
وقد توافقت أيديولوجية الحزب العربي الاشتراكي برئاسة أكرم الحوراني الذي كان عضواً في الحزب القومي السوري وحزب الشباب في نفس الوقت، ثم ترك الحزب القومي السوري كما ذكر سابقاً، في أعقاب انقلاب سامي الحناوي ودعواته الوحدوية مع العراق، فشكل عام 1951، الحزب العربي الاشتراكي الذي التحم مع حزب البعث العربي برئاسة ميشيل عفلق وصلاح الدين البيطار، تحت راية حزب واحد سمي حزب البعث العربي الاشتراكي ، عام 1952 في لبنان، ويتميز الحوراني بعدة سمات جعلته الشخصية الأولى في إثارة عدم الاستقرار السياسي في سوريا قبل انقلاب 1966 بقيادة صلاح جديد، ومن هذه السمات تشكيكه في رموز الاستقلال السوري والوطنية السورية، فكل من يعارض أو لا يؤيد أفكاره هو خائن أو عميل أو مرتشي بنظره، ولم يسلم من عسفه سوى أتباعه المقربين، وقد وصفته السفارة الأمريكية في دمشق في تقرير لها بأنه : "انتهازي، صاحب الفتنة، متعطش للسلطة، معد انقلابات، متآمر على النظام" كما يقول أحد أتباعه عنه وهو نخلة كلاس : "طوال عمره النيابي، فإن الحوراني لم يحظ بأكثرية الأصوات في المدينة" وهذا يدل على أن قوته فقط في الريف، كما قال عنه باتريك سيل: "الحوراني لا مبدأ له، يتسم بالعدوانية من أجل السلطة" ويقول عنه أنتوني ناتنج :"لم يكن صاحب مباديء أو ولاءات راسخة، بل هدفه أن يكون مع الجانب الفائز دائماً، وكان يعتمد على الجيش في أي تغيير سياسي في سوريا، حيث كانت علاقته بالجيش منذ 1941" فكان وجود الحوراني ضمن حزب البعث مسيئاً له حيث اتهمه البعض بسببه بأنه حزباً تآمرياً .
وتعتبر الفترة ما بين انفصال الحوراني عن الحزب القومي السوري عام 1949 والتحامه بعد ذلك عام 1951 بالبعث العربي، فترة تتبع بشكل غير مباشر حزب البعث العربي، كون الزعماء الثلاث الحوراني وعفلق والبيطار ذوي أهداف متناسقة في مجال الحياة السياسية ، وقد تميز البعث بالتناقض بين دستوره ومقرراته وسياساته، فعلى سبيل المثال دعى إلى وحدة اتحادية تستند إلى واقع الفوارق الإقليمية، لكنه أصدر أحكاماً تؤدي إلى زيادة الفوارق الإقليمية وتعميقها، ، فعلى سبيل المثال لا الحصر، عندما أعلن مجلس النواب الليبي موافقته على قانون دمج ولايات ليبيا الثلاثة، "طرابلس، وبرقة، وفزان"، معاً ضمن دولة مركزية في إبريل 1963، ندد حزب البعث بذلك وقالت صحيفة البعث في عددها الـ 45 بتاريخ 15 إبريل 1963 "ليبيا تعود القهقري للمركزية" فالبعث تمنى ألا يحصل اندماج على أساس بقاء كل جزء له سلطاته الخاصة، معتبراً أن توحيد ليبيا مركزياً هو تقهقراً إلى الوراء، وهذا يفسر معاداته لوحدة سوريا والعراق فيما يسمى بمشروع الهلال الخصيب، ووحدتها مع الأردن فيما يسمى بمشروع سوريا الكبرى، وهو الذي ندد بقرار عبدالكريم قاسم ضم الكويت للعراق عقب استقلالها عن بريطانيا عام 1960، كما أن قادة البعث تميزوا في كل فتراتهم بالطعن في بعضهم البعض متهمين بعضهم بالعمالة للخارج، وتميزوا بالفلسفة الغامضة البعيدة عن الموضوعية – فلسفة ميشيل عفلق - ، والتي لا تحمل أي استراتيجية علمية لكيفية تحقيق الأهداف، إضافة لاحتقارهم للآخرين ، ونعتهم بالخيانة ، ومن يقرأ فلسفة ميشيل عفلق في مؤلفه (في سبيل البعث ) سيجد الكثير من اللغط والتنديد والاحتقار للأخرين ، زد على ذلك الانفصال الدائم لأجنحة البعث، مكوناً على الدوام أجنحة متنافرة، مثل جناح عفلق الخيالي الفلسفي الغيبي، وجناح الحوراني الانتهازي الميكافيللي اللاأخلاقي، وجناح صالح السعدي الاندفاعي، وجناح الركابي الدموي، وجناح صلاح البيطار الإصلاحي، ثم انقسامه إلى جناحين يميني عراقي ويساري سوري واليسار السوري انقسم لتيارين يمين اليسار، ويسار اليسار، وهكذا... وكل واحد لا يعترف بشرعية الآخر.
ومؤسسي البعث ميشيل عفلق وصلاح البيطار، كانا في باريس بين (1929 – 1934)، يدرسان هناك وقد انتسبا للحزب الشيوعي الفرنسي، وكانا متأثرين بالنزعة الفردية، وعدم الاكتراث بالمبادئ الأخلاقية، وبرنامجهم- دستور الحزب- لا يحوي أي ذكر للعقيدة الدينية وخاصة الإسلام الذي كان له الدور الأكبر في بعث الأمة العربية من الانحطاط إلى السيطرة العالمية رغم أن كتابات ميشيل عفلق تؤكد على دور الإسلام في بعث العرب ونهوضهم ، كما يتسم بتأكيده على القومية العربية في المجتمع، ويعتبر أن الأكراد من أصول عربية ، وأكثر أعضاءه كانوا من الطلاب، وتقول المادة الحادية عشرة من دستوره: "يجلي عن الوطن العربي كل داع إلى تكتل عنصري يناهض العرب أو منضم إليه"وحول استراتيجية البعث وعلاقته مع الآخرين يقول ميشيل عفلق: " إن مقاومة الأفكار الهدامة لا تقتصر على مناقشتها، ودحضها، بل تملي تصفية المؤمنين بها والداعين إليها" .
وقد انتسب إليه الكثير الطلاب الذين لم تتجاوز أعمارهم الثلاثين، أي أن معظمهم غير ناضج سياسياً ، وقد بدأ البعث بتهجمه على نظام الرئيس شكري القوتلي، واتهامه بالرجعية والتهجم عليه بأفظع التهم ثم شدد هجومه قبل انقلاب حسني الزعيم، مما حذا بالنظام إلى اعتقال ميشيل عفلق وسجنه في20 سبتمبر 1948 ثم اشترك البعث في انقلاب حسني الزعيم من خلال التمهيد للانقلاب وقد جعل الرئيس حسني الزعيم، زعيم البعث ميشيل عفلق، أحد مستشاريه، ثم أصدر البعث بياناً جاء فيه: " إن الشعب العربي في سوريا، بل وفي أقطار العرب، لا يقنع من الانقلاب أن يكون نهاية عهد أسود، فحسب، بل يريد أن يجد فيه نقطة انطلاق نحو حياة جديدة وديمقراطية" .
لكن بسبب تفضيل حسني الزعيم للأجانب وتقربه من الغرب، وانبهاره به، واتباعه أساليب التغريب، مما ساهم في وجود فجوة بينه وبين البعث ثم اتهمه بعدم احترام الدستور، وكبت الحريات، وإلغاء الأحزاب، وتوقيع اتفاقيتي التابلاين والنقد مع الغرب، وأصدر بياناً حول ذلك جاء فيه:
1- عدم شرعية أي عقد أبرم في هذه الفترة، ولم يكن صادراً عن السلطة التشريعية المنتخبة.
2- معارضته لأي دستور لا يصدر عن مجلس تأسيسي منتخب انتخاباً حراً.
3- مطالبته بتشكيل حكومة ترضى عنها الأحزاب التي مثلت المعارضة في العهد السابق.
مما حذا بالرئيس حسني الزعيم إلى سجن ميشيل عفلق وبعض البعثيين، فقام ميشيل عفلق ببعث رسالة لحسني الزعيم يستجديه فيها ويقرر اعتزال العمل السياسي، معتبر نظام حسني الزعيم هو النظام الأمثل، كما طالب أعضاء الحزب بالانصياع لأوامره وقراراته، كونه يمثل المنهج الأمثل، وبعد انقلاب سامي الحناوي، وإشراقة ضوء الوحدة مع العراق، عارض البعث هذه الوحدة ، بحجة تمسكه بالنظام الجمهوري، بالرغم أن دستور البعث عام 1947 قال بالنظام الدستوري النيابي، ولم يعين شكل الحكم، باعتبار أن الوحدة ترتفع على شكل الحكم، ثم بدأ يقدم شروطاً تجعل الوحدة مستحيلة، منها تحقيق الاشتراكية، وإزالة الإقطاع، وتعديل المعاهدة العراقية البريطانية، ولم يدرك البعث أن النظام الجمهوري إذا كان ديكتاتورياً أشد على الشعب من النظام الملكي، كما أن النظام الملكي، إن كان دستورياً وبرلمانياً، أفضل بكثير من نظام جمهوري لا تحدد فيه سلطة الحاكم، وفق برلمان منتخباً انتخاباً حراً، وتبقى الوحدة بين قطرين شقيقين ترتفع وتسمو على أي شكل للحكم لأن الشعب سيبقى ولكن أي نظام لا يستمر إلى الأبد، وفي ذلك يقول برنارد لويس في كتابه (العرب والشرق الأوسط): " النظام الجمهوري يعني في الشرق الأوسط، دولة لا يحكمها ملك ولا صلة لاصطلاح الجمهورية بالطريقة التي وصل بها رئيس الدولة إلى منصب الرئاسة، ولا بالطريقة التي يخرج منها، ولا علاقة لكلمة جمهورية بنظام حكم تمثيلي نيابي ولا بديمقراطية نيابية" .
ثم عارض البعث مع الحوراني مسودة الدستور الجديد في ديسمبر 1949، بحجة أن النص لم يحدد أن يكون رئيس الدولة هو رئيساً للجمهورية ووصفه المشروع بأنه، رجعي يهدف لوصول وصي العراق عبدالإله إلى عرش سوريا، ثم شكل الحوراني لجنة برلمانية سماها اللجنة البرلمانية الجمهورية، لمعارضة الوحدة مع العراق، وكان للحوراني الدور الأكبر لتحريض الضباط ضد قائد الجيش سامي الحناوي ولدعم الانقلاب الأول للشيشكلي، لكن الحكومات التي أتت ما بين انقلابي الشيشكلي الأول والثاني كان معظمها يسعى للوحدة مع العراق لذلك سعى الحوراني إلى إثارة عدم الاستقرار فيها، ففي 26 يوليو 1950 ألقيت قنبلة يدوية على مبنى البرلمان ذو الأكثرية من حزب الشعب المؤيد للوحدة مع العراق، خاصة بعد تشكيل حكومة ناظم القدسي التي لم يدخلها الحوراني، وبعد فشل الحوراني في تدبير انقلاب عسكري في مايو 1950، عمل من خلال أتباعه على إلقاء قنبلة في دار الحكومة ثم دار البرلمان، ثم حدث انفجار في مستودع النفط للشركة البريطانية العراقية، في يوليو 1950 قتل على إثره حوالي 100 شخص سوري، فسقطت حكومة خالد العظم، ثم عمل على إثارة الفتنة بين الحزبين الرئيسيين الشعب والوطني، وعندما صرح رئيس الحكومة حسن الحكيم في 4 نوفمبر 1950، بأنه لن يجاري الشارع ولن يعرض سوريا للخطر من أجل شعبية رخيصة، مما حذا بالحوراني إلى تنظيم مظاهرات ضد الحكومة نعتت رئيسها بكلمات نابية، وقد أيده حزب البعث على ذلك ضد البرلمان عام 1950 على أساس أنه امتداداً لحزب الشعب الرجعي بنظرهم، وبعد توتر العلاقات بين الحوراني والشيشكلي بعد انقلابه الثاني عام 1951، بالرغم من أنه أيد الانقلاب في بداية عهده، لكن بسبب تفرد الشيشكلي بالحكم وإبعاده للحوراني عن المسرح السياسي، عمل الحوراني على إسقاط الشيشكلي، وقد أصدر البعث - بعد انتخاب الشيشكلي رئيساً للجمهورية، وتشكيل برلمان جديد – بياناً جاء فيه:
- ضرورة إزاحة صاحب الانقلاب وإقصاء الجيش عن السياسة.
- محاربة كل محاولة لعقد الصلح مع إسرائيل.
- إقامة حكم نيابي شعبي سليم.
- مقاومة كل ارتباط مع الاستعمار الغربي والصهيوني، والإصرار لإبقاء البلاد العربية على الحياد في الصراع الدولي الناشيء.
وقد أيد الحوراني ضرورة الاستعانة بالجيش للسيطرة على الحكم، فكان هو حلقة الوصل بين ضباط الانقلاب ضد الشيشكلي وحزب البعث للإطاحة بالشيشكلي، وكان البعث قد قام قبلاً بتحريض طلاب الجامعة والمدارس الثانوية، في ديسمبر 1953 لإحداث إضرابات ومظاهرات، رداً على عرض مسرحية في مدرسة أمريكية في حلب تؤذي المشاعر العربية، فقمعها النظام بعنف ثم أضرب المحامون وأرسلوا برقيات احتجاج للرئيس أديب الشيشكلي بسبب أعمال الحكومة ضد الطلاب، ثم وزعت منشورات في ديسمبر 1954 في جميع المدن السورية، تدعو لإسقاط الشيشكلي، ويؤكد الحوراني أنه لولا اندماج حزب البعث العربي مع حزب العربي الاشتراكي خلال حقبة الشيشكلي، لكان حزب البعث قد انتهى بشكل نهائي، حيث هرب قادة البعث إلى لبنان ودمجوا الحزبين ضمن حزب واحد، وأخذت الصحف اللبنانية تنشر مقالاتهم التي يتهمون فيها الشيشكلي ببيع سوريا وفلسطين، وأنه رمز الديكتاتورية والفساد، كما أخذوا يبعثون أتباعهم لضرب مكاتب حركة التحرير، وهي الحزب الذي شكله الشيشكلي ليتخذ منه متكاءاً لحكمه، وأخذوا يلقون القنابل، ويثيرون عدم الاستقرار في نظام الشيشكلي.
وبعد سقوط نظام الشيشكلي في فبراير 1954 عمل البعث على محاولة السيطرة على الحكم، فحاول جعل الحوراني وزيراً للداخلية في حكومة صبري العسلي، لكن رفض الحزب الوطني ذلك، مما حذا بالبعث أن يتهم الحكومة بالرجعية وأن الانتخابات التي ستجريها ستكون غير شرعية، ونظم مظاهرات ضدها وضد أي تقارب لها مع العراق، فسقطت الحكومة، وبسبب رغبة الحوراني في استمرار حال عدم الاستقرار الحكومي، رفض تكليف الرئيس هاشم الأتاسي له بتشكيل الحكومة على أساس أن البعث لايمكنه أن يشكل الأغلبية فيها، وقد اعترف الحوراني بأن سبب إسقاط البعث لحكومة صبري العسلي عام 1954 هو بسبب تشويهها للبعث على أنه ملحد وكافر وذلك من خلال مؤيديها، فكانت استراتيجية البعث لإسقاطها هو بنعت الحزبين الرئيسيين بالرجعية، وإثارة الفتنة بينهما.
ثم عمل البعث لإبعاد اللواء شوكت شقير عن قيادة الأركان كونه كان حيادياً ولم يدعمهم، ورفضه لإعدام أعضاء الحزب القومي السوري، ثم أتى البعث بقائد أركان جديد هو توفيق نظام الدين، والذي لا طموح سياسي له، وأخذ يدعو للتقارب مع مصر، وحث طلاب الجامعة لتوقيع عريضة وقع عليها 3000 طالب وقدمت إلى البرمان، حيث طالبت هذه الوثيقة حكومة صبري العسلي في يونيو 1956، بالوحدة مع مصر، خاصة بعد أن ساهم البعث في تدمير الحزب القومي السوري بعد مقتل عدنان المالكي، حيث وجه التهم له بالعمالة والخيانة، وكانت المحاكمات التي أجريت ضد أعضاء الحزب القومي السوري من وحي الحوراني وإلهامه، خاصة بالذين ليس لهم دعوى بذلك، ثم عمل على إسقاط حكومة سعيد الغزي في يونيو 1956 حيث نظم الطلاب وحثهم على مهاجمة وزارة الاقتصاد، احتجاجاً على تصدير الحبوب لفرنسا، ولم ينسحب الطلاب حتى استقالت الحكومة، ورغم ذلك لم يستطع البعث الوصول إلى السلطة ولم يستطع أن يكسب تأييداً كبيراً بين فئات الشعب السوري، لكنه استطاع إسقاط الحكومات ( العسلي، الغزي، الخوري ) عامي 1954- 1955، تحت صراع اليمين واليسار، فكان التقارب مع مصر والوحدة معها استراتيجية من استراتيجيات البعث للسيطرة على الحكم في سوريا بعد فشله في انتخابات 1954 حيث حصل التيار اليميني (التعاوني الاشتراكي والقومي السوري والإخوان المسلمين والشعب والوطني ) على 63 مقعداً، بينما حصل اليسار على 23 مقعداً ويمثله ( البعث والشيوعي ) أما المستقلين فحصلوا على 64 مقعداً، وهذا يفسر فوز شكري القوتلي الذي يمثل اليمين على مرشح اليسار المستقل خالد العظم، بأغلبية أكثر من ثلثي أعضاء البرلمان، وهذا مما أثار البعث، الذي سعى إلى إسقاط الرئيس شكري القوتلي، فعمل على تمزيق التحالف اليميني الذي يمثله الشعب والوطني والكتلة الحرة في البرلمان بزعامة الدكتور منير العجلاني، فتحالف البعث مع زعيم الكتلة اليسارية خالد العظم، ثم أقنع خالد العظم بأن يسعى لجذب عضوين من الحزب الوطني والانضمام للبعث على أساس تأييده لهم، وبنتيجة ذلك سقطت حكومة سعيد الغزي المحايدة، ثم عمل نواب البعث على الانسحاب من البرلمان بحجة رفضهم لقانون العشائر على اعتبار أنه قانون رجعي، مما حذا بالبرلمان إلى تأجيل البت في هذا الموضوع، ورغم كل هذه الجهود ظل اليمين هو المسيطر على الساحة الشعبية مما حذا بالبعث إلى العمل من أجل إقرار الانقلابات العسكرية تمهيداً لأي انقلاب جديد يقومون به، فقد قال صلاح الدين البيطار في إحدى جلسات البرلمان عام 1954: " متى كان الحكم المستقر مبنياً على أكثرية نيابية، الحكم أيها السادة يقوم على أكثرية شعبية لا أكثرية برلمانية، وإن الانقلابات العسكرية التي حدثت، وكان البرلمان الوزاري قد هاجمها، يجب أن نعلم جميعاً بأنها ليست فقط من فعل المغامرين، وأنها لم تنشأ عن شهوة أو جنون المغامر، لأن أي مغامر كان لا يمكن أن يقلب الأوضاع ما لم يجد في الشعب تجاوباً، وما لم يجد رغبة في التخلص من الحكم الذي أخذ على عاتقه أمر التخلص منه، والانقلاب ظاهرة سلبية للحكم الديمقراطي الأجوف الذي لا نزال نصر على إبقاء البلاد فيه، ليس فيما أقول أية مبالغة، فمن منا لم ينتعش عندما أقدم حسني الزعيم على انقلابه "
وقد استغل البعث العدوان الثلاثي على مصر في أغسطس 1956 بعدما أمم عبدالناصر قناة السويس في 26 يوليو 1956، ودعوته للوحدة مع سوريا، لتوثيق العلاقات مع السفير المصري محمود رياض، والابتعاد عن الشيوعية قليلاً، وإيقاف الانتخابات البلدية التي كان من المفترض أن تجرى في نوفمبر 1957، وكل ذلك تمهيداً للوحدة مع مصر التي كان البعث يأمل منها الحصول على السلطة في سوريا، بعد فشل عملية التيه التي قادها الشيشكلي عام 1956 لإسقاط النظام، وبالتالي أبعد بموجبها بعض أعضاء البرلمان لتورطهم فيها وكلهم من مؤيدي التقارب مع العراق، وعلى هذا الأساس جرت الانتخابات التكميلية، وعمل الحوراني على الاتفاق مع الشيخ أحمد كفتارو الذي كان يطمح لتولي مركز الإفتاء العام في سوريا، على تأييد مرشح البعث رياض المالكي في هذه الانتخابات ضد مرشح الإخوان المسلمين مصطفى السباعي.
وبسبب سياسة البعث التقارب مع مصر عام 1956 بعد تخريبه لأنابيب النفط التابعة للشركة البريطانية العراقية المارة بسوريا، وتنظيمه المظاهرات والإضرابات لعمال الشركات الأجنبية السورية، فأدى إلى شل حركة البلاد الاقتصادية، وأنسحب بعض أعضاء حزب البعث منه، وحدثت اشتباكات في السويداء في أغسطس عام 1956 بين أعضاء الحزب القومي السوري بقيادة زيد الأطرش، مع أعضاء من حزب البعث بقيادة منصور الأطرش، وبسبب زيادة ضغط البعث على البرلمان والحكومة عام 1957، من أجل الوحدة مع مصر، قرر رئيس الحكومة صبري العسلي، الذهاب لمصر في 5 يونيو 1957 لبحث مشروع الوحدة، على أسس مدروسة، وبعد يومين صرح رئيس البرلمان أكرم الحوراني –حيث وصل لمنصبه بفعل تأييد الجيش- في صحيفة البعث قائلاً: " إن سوريا في خطر وعليها أن تسعى للوحدة مع مصر، لدعم قدرة البلاد في مواجهة الهجوم الوشيك" .
وبسبب وصول الحوراني لرئاسة البرلمان في 14 أكتوبر 1957 رغم أن حزبه لا يمثل الأغلبية، مما حذا بزعيم حزب الأغلبية البرلمانية (حزب الشعب) رشدي الكيخيا، إلى الاستقالة من البرلمان، لكن لم تقبل استقالته، وظلت معلقة، وهكذا سيطر اليسار على أركان الدولة مع أنهم كانوا يشكلون أقلية برلمانية وشعبية وعسكرية، فأصبح الحوراني رئيساً للبرلمان، وصلاح الدين البيطار وزيراً للخارجية، وعفيف البرزي قائداً للأركان، وخالد العظم رئيساً للكتلة اليسارية داخل البرلمان ووزيراً للدفاع، وعبدالحميد السراج رئيساً للمكتب الثاني(المخابرات العسكرية) ، وبدأ التحالف اليساري يتصدع بنتيجة الخلافات بين حزبي البعث والشيوعي على إجراء الانتخابات البلدية، وأيضاً خلافاته مع خالد العظم لنفس السبب، أيضاً انقسام البعث ضمنياً إلى تيارين تيار عفلق والبيطار وتيار الحوراني.
وفي بداية الوحدة التي قامت بفعل تحالف البعث مع السفير المصري العقيد محمود رياض والملحق العسكري المصري في السفارة المصرية، العقيد عبدالمحسن أبو النور مع قائد الأركان اللواء عفيف البرزي وفرضها على الرئيس شكري القوتلي عام 1958، وحل قادة البعث الحزب دون التشاور مع أعضائه، رغم معرفتهم المسبقة أن عبدالناصر سينقل تجربة مصر إلى سوريا بمؤسساته المعروفة، لكن طموحهم لاستلام الحكم في سوريا كان فوق كل شيء، على أساس ظنهم أن عبدالناصر سيوكل إليهم حكم الإقليم السوري، أو سيعهد إليهم برئاسة الاتحاد القومي، كما أنه لولا الوحدة لتمزق حزب البعث العربي الاشتراكي ولانتهى من الساحة السياسية بعد السياسية العقيمة التي نتجت بسبب تدخلاته في الحياة السياسية السورية خلال هذه الفترة مما جعل عدم تأييده من قبل جميع فئات الشعب السوري ، وبعد الوحدة عمل عبدالناصر على إعطاء البعث 5 حقائب وزارية وجعل أحدهم وهو أكرم الحوراني نائباً له على الدور الذي قاموا به لإحداث الوحدة بالشروط المصرية، ثم عمل النظام الجديد على نقل تجربة الاتحاد القومي إلى سوريا فنص دستور 1958: " يكون المواطنون اتحادا قومياً للعمل على تحقيق الأهداف القومية ولحث الجهود لبناء الأمة بناءاً سليماً من النواحي السياسية والاجتماعية، والاقتصادية، وتبين طريقة تكوين هذا الاتحاد بقرار من رئيس الجمهورية " ، وقد أريد من هذا الاتحاد أن يكون بديلاً للأحزاب على غرار حركة التحرير في عهد الشيشكلي، لكنه كان يخضع لمقررات الرئيس، وكان الغرض من إنشائه هو نفي وجود معارضة للحكم، على أساس أنه يضم جميع الطبقات والفئات في المجتمع، فهو يمثل الإدارة المباشرة بين الحاكم والمحكوم، وهو مفتوح للجميع، وقد حصل البعث في انتخابات الاتحاد القومي عام 1959 على 3% من الأصوات فقط، وقبل أن يعلن عبدالناصر مرسوم حل الأحزاب والمنظمات السياسية في سوريا في مارس 1958، كان حزب البعث قد نقل مقر قيادته إلى بيروت وأخذ يصدر من هناك صحيفة " الصحيفة "، وقد انقسم البعث خلال الوحدة إلى ثلاث تيارات هي :
1- الناصريون الذين اعتبروا أن الوحدة هي غاية الحزب.
2- المستقلون عن الحزب وهم الذين تركوا الحزب.
3- الرافضون لقرار حل الحزب، الذين تشكل من بعضهم اللجنة العسكرية البعثية بسبب إبعاد أعضائها إلى مصر دون عمل ودون مراكز على عكس المصريين الذين جاءوا إلى سوريا، كما عمل صلاح الدين البيطار على إعادة تشكيل الحزب في سوريا بشكل سري عام 1960، والدليل على أن البعث لم يحل نفسه ، أنه قد فصل عبدالله الريماوي من الحزب على أساس علاقته بعبدالحميد السراج، في المؤتمر القومي الثالث، وكان يشغل الريماوي رئاسة القيادة القطرية في الأردن، كما فصل الأمين القطري للحزب في العراق، فؤاد الركابي الذي قام بمحاولة اغتيال لعبدالكريم قاسم، حيث ادعت القيادة عدم إقرارها لذلك ففصلته، وكلاهما فصلا خلال عهد الوحدة.
وبسبب عدم إتاحة الفرصة للبعثيين أن تكون لهم اليد العليا في النظام الجديد، حيث ضعفت قوتهم العسكرية نتيجة نقل عبدالناصر لمعظمهم إلى المناصب المدنية، مما حذا بالبعث إلى إثارة عدم الاستقرار السياسي، بفضح الأخطاء والإجراءات التعسفية للنظام وإثارة النزعة القطرية ما دفع بعبدالناصر أن يتهجم عليهم وقال بأنه سيدوسهم بالأقدام، وكان استياء ميشيل عفلق من عبدالناصر بسبب أن زيارته لمصر لم تقابل بحرارة، إضافة إلى اختلافه مع عبدالناصر حول مشروع تحويل نهر الأردن، لذلك عمل على محاولة تدبير انقلاب عسكري ضده من خلال اتفاقه مع مساعد المشير عبدالحكيم عامر وهو العقيد داوود عويس، لكن الخطة كشفت فهرب عفلق إلى لبنان، ولم يرجع إلا بعد سقوط الوحدة إثر انقلاب عبدالكريم النحلاوي عام 1961، وكان قبل ذلك قد خطط مصطفى حمدون الذي كان أحد أتباع أكرم الحوراني، في نهاية عام 1958 للإطاحة بعبدالناصر، لكن الحوراني رفض ذلك، حيث اقترح الحوراني والبيطار وعفلق على عبدالناصر تشكيل قيادة جماعية، تتألف منهم لأجل حكم الإقليم السوري، لكن عبدالناصر أجابهم: " ليكن معلوماً بأنه لا يمكن تغيير أسلوبي في العمل ..... ولن يسمح لأحد يتجاوز حدوده ....... ومن لا يعجبه فليتقدم بالاستقالة" ، كما كانت نتائج الاتحاد القومي وسقوط البعث فيها بحصوله على أقل النسب، ضمن الانتخابات الفردية، حيث أتهم قادة البعث نظام الوحدة بتزوير الانتخابات، كل هذه الأشياء جعلت الوزراء البعثيون يستقيلون من الحكومة المركزية والحكومة القطرية ( الإقليمية ) وهم (عبدالغني قنوت، مصطفى حمدون، جمال الصوفي، صلاح البيطار، رياض المالكي)، ونائبه أكرم الحوراني الذي كان يلح على عبدالناصر، لعدم إصدار عفو عن السجناء السياسيين السوريين الذين حكموا قبل الوحدة ومنهم نجل الرئيس الأسبق هاشم الأتاسي الذي اتهم بتورطه في عملية التيه وهو الدكتور عدنان الأتاسي ، وهذا ما أكده عبدالناصر نفسه، وعلى هذا الأساس كانت الوحدة حركة وصولية لإنقاذ الوضع الداخلي لحزب البعث في سوريا بسبب فشله في إكتساب ثقة الجماهير التي أخذت تقاومه قبل الوحدة، ولولا خطأ البعث بالسعي لإلغاء النظام الديمقراطي في سوريا لما قبل أي حزب أو سياسي بشروط مصر في الوحدة على الاطلاق، فكان البعث سبباً في توريط سوريا بوحدة غير مدروسة هيمنت مصر خلالها على سوريا بشكل كان أشبه بإحتلال دولة لأخرى، وهذا ما حذا بقادة البعث أن يؤيدوا حركة المقدم عبدالكريم النحلاوي في سبتمبر 1961، فوقع الحوراني والبيطار على وثيقة الانفصال ، وقال عفلق في ذلك "الانفصال شر لابد منه" وكان هناك تنسيق مع قادة الانقلاب وجرت انتخابات برلمانية في سوريا عام 1961، وسقط صلاح الدين البيطار، أمام منافسه عضو الحزب القومي السوري عصام المحايري، مما حذا بالبيطار إلى الإساءة لأهل مدينة دمشق واتهام الانتخابات بأنها مزورة، وأخذ البعث يبث الدعايات والمقالات والمنشورات التي تندد بالنظام والحكومات المتعاقبة (بشير العظمة، خالد العظم)، وأصبح البعث يهاجم كل الذين أيدوا الانفصال وخاصة الرئيس ناظم القدسي، رغم أن معظم البعثيين قد أيدوا الانفصال ، وتشكل تيار من خلال البعث لكنه انفصل عنه سمي بالناصريون، الذين دعوا لإعادة الوحدة مع مصر على ما كانت عليه، وقادوا المظاهرات ضد النظام.
وفي المؤتمر الخامس للحزب عام 1962 عمل الحوراني على إبعاد المحامين عن الحزب على أساس أنهم يخططون لإعادة بناء الحزب على أسس جديدة، مما حذا بقيادة الحزب لطرده من الحزب في 22 سبتمبر 1962، كما قرر تسليم صلاح جديد قيادة اللجنة العسكرية البعثية بدلاً من محمد عمران، وكان قائد لانقلاب قد سرح ثلاث وستين ضابطاً أكثرهم من جماعة الحوراني، والبعث، بشكل عام، ولم يعترض البرلمان على ذلك، وكان منهم صلاح جديد، وجاسم علوان، مما حذا بالضباط المسرحيين أن يعدوا العدة للإطاحة بالنظام على أن يكون قائدهم العقيد أمين الحافظ، لكن التحركات المشبوهة له، جعلت النظام يقرر نقله ملحقاً عسكرياً، إلى الأرجنتين، لكن ظل على علاقة معهم وينسق للانقلاب المزمع القيام به، وقد جرى تنسق بين البعث وعبدالناصر على الانقلاب عن طريق أحد الناصريين وهو الدكتور سامي الجندي، ووافق عبدالناصر على تنفيذ الانقلاب وعلى بيانه الأول قبل إذاعته، وهذا ما أحدث فيما بعد تمرد جاسم علوان في حلب وبدر الأعسر في حمص ولؤي الأتاسي في دير الزور عام 1962 عقب الانقلاب الثاني لعبدالكريم النحلاوي، والذي بنتيجته عقد مؤتمر حمص.
ورغم انقسام البعث أواخر عام 1962 والذي لم يكن يضم سوى 75 عضواً منهم 25 عضواً في القيادة، قبل انضمام اللجنة العسكرية للتنظيم، ليصبح بعد ذلك تيارين هما: التيار اليميني وهو حليف القيادة القومية ويمثله محمد عمران، والتيار اليساري وهو حلف القيادة القطرية ويمثله صلاح جديد ، لكن كان هناك ثمة انقسامات أخرى موجودة هي:
1- جماعة العفلق والبيطار.
2- جماعة الحوراني الذين سموا أنفسهم بالاشتراكيون العرب مشكلين حزباً جديداً.
3- جماعة الوحدويون الاشتراكيون وسموا أنفسهم بالناصريون على أساس ولاءهم لعبدالناصر.
4- جماعة سامي صوفان.
5- اللجنة العسكرية البعثية بقيادة محمد عمران.
6- الجماعات المتفرقة التي لم تحل نفسها أثناء الوحدة.
ثم عمل البعث الموالي للقيادة القومية على استقطاب العميد زياد الحريري، الذي كان قائداً لقوات الجبهة، والعقيد لؤي الأتاسي، الذي كان ملحقاً عسكرياً في الولايات المتحدة، فقام النظام باعتقال لؤي الأتاسي وزجه بالسجن، ثم استقطبوا العميد محمد الصوفي وكان يشتغل قائد اللواء الخامس، وخططوا لعمليات اغتيالات قبل وبعد الانقلاب، وتخوفاً منهم، من أتباع العقيد عبدالكلايم النحلاوي، عمدوا إلى استقطاب النحلاوي في 11 يناير 1963 واتفقوا معه على انقلاب يقوده هو، لكنهم تخلوا عنه، بل وأفشلوه من خلال تدخل زياد الحريري ضده، مما حذا أن تصبح جماعة النحلاوي في السجن، وبذلك ضمن البعث عدم وجود منافسين له في الجيش، وقد تواكب ذلك مع قيام الناصريين بإثارة الاضطرابات والمظاهرات قبيل انقلاب زياد الحريري في 8 مارس 1963، معلنين معارضتهم للانتخابات المفترض القيام بها في منتصف 1963، بعد أن أعلن رئيس الحكومة خالد العظم - بعد نيل حكومته ثقة البرلمان في سبتمبر 1962-، عن حل البرلمان القديم وإجراء انتخابات برلمانية جديدة خلال عام واحد، مع تعويض المالكين للأراضي وأصحاب المصالح الذين تضرروا بالتأميم والإصلاح الزراعي، لكن البعث والناصريين شنوا هجومهم عليها واعتبروها رجعية وضد الحركات الديمقراطية، مما حذا بالحكومات إلى منع نشاط حزب البعث ومنع صحيفته "البعث" من الصدور، وحكم على صلاح البيطار بالسجن لمدة شهر، كما منعت جريدة الوحدة الناطقة باسم الناصريين ذوي الأصول البعثية، وزادت مظاهرات البعث والناصريون مطابين بالوحدة الفورية، مما حذا بالنظام إلى اعتقال البعض منهم، وقد تواكب ذلك مع استقالة الوزراء الاشتراكيون الثلاث مع اثنين من الإخوان المسلمين وواحد من حزب الشعب، عقب انقلاب البعث في العراق في 8 مارس 1963، وكان ميشيل عفلق والحوراني على علم وتنسيق في هذا الانقلاب، حيث أكد ميشيل عفلق أن اللجنة العسكرية البعثية في سوريا مستعدة لمساعدة الانقلابيين، وأن انقلاب سوريا وشيك،كما أن التشكيلة الوزارية برئاسة البيطار موجودة، وبالفعل ما هو إلا شهر واحد حتى قام زياد الحريري بانقلابه مع الضباط الناصريون والمستقلون حيث كان زياد الحريري ولؤي الأتاسي -الذي كان في السجن- وحدويان مستقلان، أما محمد الصوفي، وراشد القطني، وفواز محارب وجاسم علوان، ومحمد الجراح فناصريون، وكانوا أساس الانقلاب، أما ضباط البعث وخاصة اللجنة العسكرية فكان دورها ثانوياً، وقد استغل البعث الخلاف بين المستقلين المحايدين، والناصريين، فانضم أولاً للناصريين الذين انتصروا على المحايدين، ثم قاموا بعد ذلك بتصفية الناصريين إثر انقلاب جاسم علوان في 18 يوليو 1963، حيث فشل الانقلاب، وبذلك أبعد الناصريون والمحايدون المستقلون عن الحكم، وانفرد البعث بالسلطة، ثم انشق البعث إلى تيارين إحداهما يساري ويمثل القيادة القطرية برئاسة حمود الشوفي ويميني وتمثله القيادة القومية، كما ظهرت مع انقلاب 8 مارس 1963 تيارات متعددة كل منها تدعي أحقيتها في قيادة المجتمع والدولة وهذه التيارات هي:
1- القوميون العرب الذين نشأوا في أحضان الجامعة الأمريكية في بيروت التي استغلت عواطفهم لتحقيق مخططات الغرب.
2- الجبهة المتحدة التي تمشي مع التيار المنتصر دائماً.
3- الاتحاد الاشتراكي، وهم أنصار النظام المصري.
إضافة للبعث والناصريون الذين كان معظمهم من الطلاب وصف الضباط الذين لم يكتمل وعيهم السياسي أو الثقافي.
وبعد انقلابي البعث في العراق وسوريا أصدرت القيادة القومية لحزب البعث البيان التالي: " نريد أن نكون في سوريا والعراق الحزب الحاكم لا حزب الحاكم " ، لكن الحوراني عارض النظام الجديد بقيادة حزبه الجديد ، مما حذا بنظام أمين الحافظ إلى اعتقاله واتهامه بالجاسوسية.
وكان أول خلاف نشأ بين البعثيين والناصريين عام 1963 في حكومة صلاح البيطار الأولى، حيث كان الخلاف حول عدد المقاعد في الحكومة، فاندلعت المظاهرات ضد البعث ووصلت إلى القصر الجمهوري فقمعهم الرئيس لؤي الأتاسي، خاصة بعد أن أصدرت حكومة صلاح الدين البيطار عام 1963 حكماً على 140 مواطناً سورياً بالحرمان من الحقوق المدنية والسياسية بتهمة مساهمتهم في انقلاب النحلاوي عام 1961 وأهمهم (عبدالكريم النحلاوي، أكرم الحوراني، معروف الدواليبي، مأمون الكزبري .....) وعندما شكل سامي الجندي الحكومة في 10 مايو 1963، حدث الخلاف بن الناصريين والبعثيين على عدد المقاعد فسقطت الحكومة بعد ثلاثة أيام من تشكيلها، فعاد البعث وشكلها من خلال صلاح الدين البيطار، وأبعد عنها كل الناصريين، وشغل فيها أمين الحافظ منصب وزير الداخلية ونائب رئيس الحكومة، وكان هذا هو سبب انقلاب جاسم علوان في 18 يوليو 1963 ، والذي أتاح للبعث –بعد فشله- الانفراد في السلطة، ثم حاول البعث استقطاب زياد الحريري لضمه للبعث لكنه رفض، لذلك عملوا على بعثه بمهمة للخارج، وبعد خروجه، عملوا على تصفية مؤيديه، فحينما رجع سرحوه من الجيش، وقد أكد محمود رياض أن هدف القيادة القومية للبعث في سوريا والعراق كان استغلال الوحدة للتخلص من القوى الوحدوية المنافسة والسيطرة عل كلا القطرين، من خلال اعتمادهم أسلوب الإبعاد تجاه منافسيهم، وبسبب سياسة البعث بحق انقلابيي 18 يوليو 1963، وتنفيذ حكم الإعدام بحق ثلاثين ضابطاً، ندد الرئيس لؤي الأتاسي بذلك، مما حذا بنائبه أمين الحافظ للانقلاب عليه في 27 يوليو 1963، وقد تميزت فترة حكم الرئيس أمين الحافظ بالاضطرابات فحدثت صدامات بين طلاب بعثيين وطلاب أكراد في حلب صيف 1964، ثم حدثت صدامات بين طلاب بعثيين وناصريين، ، ففي 7 فبراير 1964 قام طالب بعثي في حماه وكتب على جدار مدرسة عثمان الحوراني" لا حكم إلا للبعث "، فشتم طالب آخر البعث وكتب " لا حكم إلا لله "، فاعتقلت السلطات الطالب الآخر، وقام وزير التربية والتعليم شبلي العيسمي بنقل مدرسي الدين من المدرسة، فأضربت المدينة كلها، فتدخل الجيش وضرب مواقع المعارضة وبلغ حصيلة القتلى 40 شخصاً، ولم يتنهي القصف إلا بأوامر الرئيس أمين الحافظ في 16 نوفمبر 1964 وعلى إثر ذلك قال أمين الحافظ: " نحن نقول للمتآمرين ومن خلفهم، ما هي إلا أياماً قليلة حتى نسحقهم ومن معهم، وسيعلم المتآمرون أي منقلب ينقلبون " .
وعلى إثر ذلك أعلنت دمشق وحلب وحمص واللاذقية وباقي المدن السورية، الإضراب العام، واستمر الإضراب ثلاثة أيام، فتدخل الحرس القومي بقيادة العقيد حمد عبيد وقتل 80 شخصاً في دمشق وحطم أبواب المخازن والحوانيت، وأصدر الرئيس أمين الحافظ خمسة مراسيم في 3 إبريل 1964 فيها الكثير من الظلم والعسف وإحالتهم إلى المحاكم العسكرية، مما حذا بالجبهة الوطنية الديمقراطية التي تشكلت لمعارضة حزب البعث بعد انقلابه وصرحت بما يلي: " إن حزب البعث قد خلق الفتنة الطائفية في البلاد، واستغل جيشه العقائدي بتهديم الجوامع على المصلين وسحق المواطنين الأشراف الذين كانوا دائماً حرباً على المستعمر" .
كما عمل البعث السوري على العمل لتحقيق الوحدة العراقية السورية عام 1963 بعد التقارب السوري ، إلا أنه بعد أن سقط البعث العراقي نهاية عام 1963 تبخرت آمال البعث السوري في هذه الوحدة ، بعد قبوله- البعث العراقي - الاعتراف بالكويت وترسيم الحدود معها مما دعا البعض أن ذلك يعد دليلاً على علاقة البعث العراقي بالولايات المتحدة وبريطانيا، ثم انقسم البعث السوري إلى 6 كتل متناقضة كل منها يعادي الآخر بطريقة غير مباشرة وذلك خلال حكم الرئيس أمين الحافظ وهذه الكتل هي:
1- تكتل القيادة القومية ويمثلها عفلق والبيطار.
2- تكتل صلاح جديد وقد أيده البعض مثل أحمد المير وعبدالكريم الجندي.
3- تكتل محمد عمران ، ويسعى للوحدة مع مصر على أساس أنه ناصري.
4- تكتل القيادة القطرية ويمثلها نورالدين الأتاسي، ويوسف زعين، وإبراهيم ماخوس وهي مؤيدة لصلاح جديد الذي يتظاهر بالماركسية رغم تكتلاته الطائفية.
5- تكتل سليم حاطوم ، ويمثله حمد عبيد، وفهد الشاعر، ومنصور الأطرش، وشبلي العسيمي.
6- تكتل أمين الحافظ، ويمثله الضباط الذين يخضعون لقرارات القيادة القومية.
وقد حاولت القيادة القطرية استدراج الرئيس أمين الحافظ إلى صفها، لكنه رفض ذلك، وقد طرد الأمين العام للقيادة القطرية لحزب البعث في سوريا حمود الشوفي، وأمين القيادة القطرية للبعث العراقي علي صالح السعدي، من الحزب في المؤتمر القومي السادس، ونعتوا بالرجعية والانتهازية، لكن ظل الرئيس أمين الحافظ يخضع لقرارات القيادة القومية، بينما صلاح جديد الذي عين قائداً للأركان بعد فشل انقلاب جاسم علوان، ظل يخضع للقيادة القطرية، وعلى ذلك رأى أمين الحافظ ضرورة عدم خوض أي معركة مع إسرائيل بدون الاستعداد عسكرياً ومادياً لذلك، في ظل عدم التوازن معها، لكن صلاح جديد أخذ يبعث فدائيين تابعين لمنظمة فتح الفلسطينية، للقيام بعمليات داخل إسرائيل، بدون علم الرئيس أمين الحافظ، لكن عند علم الرئيس أمين الحافظ بذلك، حدث الصراع بين القيادة القطرية والقيادة القومية، فحلت القيادة القطرية، وشكل الحكومة صلاح الدين البيطار في 22 ديسمبر 1966 وأخرج منها جميع الموالين للقيادة القطرية المنحلة، التي يؤيدها صلاح جديد وهم ( نور الدين الأتاسي، جميل شيا، فايز الجاسم )، لكن انقسام القيادة القومية على نفسها إلى كتل جعلت قراراتها غير مرنة، وهذه الكتل هي:
1- جماعة ميشيل عفلق وصلاح الدين البيطار.
2- جماعة أمين الحافظ العسكريين.
3- جماعة إبراهيم ماخوس المتواطيء مع صلاح جديد والقيادة القطرية المنحلة.
وفي 27 ديسمبر عين الرئيس أمين الحافظ ثلاثة في مجلس الرئاسة التي تشكل كبديل عن اللجنة العسكرية وهم شبلي العيسمي وأحمد الخطيب وعبدالفتاح البوشي، ثم أصدر وزير الدفاع محمد عمران، قراراً بتسريح عدداً من الضباط وهم سليم حاطوم، وعزت جديد، وأحمد سويداني، وإقصاء (30) عضو بمن فيهم أعضاء القيادة القطرية المنحلة، وأصبح مجلس قيادة الثورة، ذو أكثر يمينية ثم صدر مرسوم بتسريح نسبة كبيرة من الضباط اليساريين وإبعادهم للخارج، ثم صدر مرسوم آخر في 21 فبراير 1966 بنفي كل من سليم حاطوم وعزت جديد وأحمد سويداني إلى خارج البلاد، لكن صلاح جديد رفض ذلك على أساس أنهم من مؤيديه، واتفق مع سليم حاطوم على تنفيذ انقلاب 23 فبراير 1966، فضربوا القصر الجمهوري بالمدافع وكان عدد القتلى والجرحى كبيراً، وبالتالي أصبحت القيادة القطرية المنحلة هي نفسها مجلس قيادة الثورة، وعين نورالدين الأتاسي رئيساً له، ورئيساً للجمهورية كما كلف يوسف زعين بتشكيل الحكومة، وأصبح كل من صلاح جديد وعبدالكريم الجندي، ويوسف زعين، وحافظ الأسد، أعضاء في مجلس قيادة الثورة، وأكد النظام الجديد على الإشتراكية العلمية كمنهج اقتصادي سياسي للنظام، كما أعلن الرئيس نور الدين الأتاسي عن حرب شاملة ضد إسرائيل، مما أدى لعمليات انتقامية من جانب إسرائيل، رغم أن مقررات الجامعة العربية عام 1964 دعت إلى تجنب أي عمليات عسكرية تجاه إسرائيل، حتى لا تعطى إسرائيل فرصة لشن هجمات انتقامية ضد الدول العربية، لكن نظام الأتاسي الذي يسيره صلاح جديد من وراء الستار، لم يقبل ذلك وصرح بتصريحات عدائية ودعم العمليات الفدائية ضد إسرائيل من خلال سوريا، وهذا ما تم من خلال تصريحات الرئيس نور الدين الأتاسي ورئيس الحكومة يوسف زعين، مثل التصريح الذي أدلى به الرئيس نور الدين الأتاسي قبل حرب يونيو 1967وقال فيه: "سنطعم الأسطول السادس لأسماك المتوسط" وبعد هزيمة النظام في حرب يونيو 1967 عاش النظام انهيار قوته العسكرية، وفر القسم الأكبر من الطبقة الحاكمة من دمشق ونقل احتياطي الذهب والعملات الصعبة، ومقر بعض الصحف إلى حلب، وتوزع المسؤولون في الحزب والدولة على بعض المدن السورية بذريعة تنظيم المقاومة الشعبية، وتعبئة الطاقات لحرب شعبية طويلة الأمد، مما أحدث فراغاً في السلطة وأجهزة الأمن، مما حذا بالرئيس نور الدين الأتاسي إلى القول عقب الهزيمة: " إن الهدف الأول للعدوان الاستعماري الصهيوني على الوطن العربي هو التصدي لمسيرة الثورة العربية، وإسقاط الأنظمة التقدمية" .
وعمل صلاح جديد على جعل زكي الأرسوزي الأب الشرعي لحزب البعث رغم أنه يرى الجاهلية مثله الأعلى ويسميها المرحلة العربية الذهبية، إضافة لتفضيله الكلام بالفرنسية ووصفه لكل سياسيي وحكام سوريا بالخونة، باعتباره ذو نزعة هدامة للمجتمع، وكان قد ترك العمل السياسي منذ عام 1944، ورغم أنه من لواء الإسكندرونة إلا أنه أصبح يتدخل في نسيج المجتمع السوري ليحدث شرخاً في المجتمع، فأخذ يشبه الأكراد بالجرذان، وبذلك خالف ميشيل عفلق الذي اعتبر الأكراد من أصول عربية وإن كل من سكن الوطن العربي فهو عربي، رغم أن عفلق أعلن في 11 مارس 1970، أنه يؤيد الأكراد وضرورة إعادة الاعتبار لهم، ورغم تأييد العراق للبيان إلا أن الرئيس نورالدين الأتاسي ندد بالبيان، واعتبره لصالح إقامة إسرائيل ثانية على جزءاً من الأرض العربية، كما أنه بعد الانقلاب البعثي الثاني في العراق في 17 يوليو 1968، أصبح النظامان السوري والعراقي على عداء تام، حيث أثبتت نظرية الضد النوعي في تجارب الهلال الخصيب، أنها أفضل الأسلحة لمنع الوحدة وإبعاد خطرها، بعد فشل القوى اليمينية والشيوعية في كل من سوريا والعراق لإعاقة الوحدة، بينما نجحت الحركات القومية الذين تسكن في أعماقهم نظرية المؤامرة، وتواطؤ الآخرين المخالفين لهم ضدهم، وهذا ما أكده صلاح الدين البيطار عقب انقلاب صلاح جديد في فبراير 1923 بقوله: " لقد تأكد لنا أنه لم يعد هناك ثورة ولا ثورية، بل الجهالة والجاهلية التي تفهم الثورة على أنها قمع الشعب بالدبابات والمدافع والمخابرات والسجون والضرب والإرهاب والتعذيب" ، كما أكد ذلك أيضاً الامين القطري للبعث العراقي علي صالح السعدي -بعد طرده من الحزب في المؤتمر القومي السادس مع الأمين القطري للبعث السوري حمود الشوفي- بقوله: " لقد انتهى حزب البعث تاريخياً وموضوعياً " ، إضافة إلى محاولات القيادة القطرية في عهد الرئيس أمين الحافظ التآمر على القيادة القومية، فعمل صلاح جديد على اجتذاب أمين الحافظ لصفهم مما حذا بالرئيس أمين الحافظ إلى الرد عليه قائلاً" "أرفض أن أكون واجهة إلا للحزب " ، وهذا مادعا البعض للقول أن قيادة الحزب كانت مصلحية وغير جديرة بحكم الشعب، وقد انقسم البعث في ظل حكم نور الدين الأتاسي، إلى تيارين بعد هزيمة حرب 1967، فكان التيار الأول يميني واقعي(برغماتي) ويمثله وزير الدفاع اللواء حافظ الأسد الذي كان وزيراً للدفاع خلال هذه الفترة، والتيار الثاني كان تيار صلاح جديد اليساري الماركسي، مع استبدال كلمة البروليتاريا بكلمة القوميون، وحدث الصراع بين التيارين، فرأى الأسد ضرورة التقارب مع السعودية ومصر لتحقيق نوع من التضامن العربي وضرورة قبول قرار الأمم المتحدة رقم (242) ورفض الحرب الشعبية، وإقامة جبهة من الأحزاب الداعية للسلطة، والاعتراف بوجودها مع إقامة هيئة تمثيلية مثل مجلس الشعب ، وانتخاب الرئيس مباشرة من قبل الشعب من خلال الاستفتاء، وإصدار دستور للبلاد ، والتقارب مع الغرب للإستفادة من منجزاته واتباع منهج الحياد الإيجابي ، وأولوية تسليح الجيش ، وأولوية الجيش على الحزب بحيث يكون الحزب تابعاً للجيش باعتباره سر وجوده لكن كان رأي صلاح جديد هو ضرورة توسيع أجهزة الأمن مع إعداد جيش شعبي يعتمد على الفلاحين والعمال، ورفض القرار 242، ورأى ضرورة معاداة الأنظمة الرجعية العربية بنظره أي الغير اشتراكية، وضرورة الحرب الشعبية، والموافقة على إقامة جبهة وطنية تقدمية بشرط رفض الأحزاب اليمينية أو البرجوازية أو الدينية باعتبارهم يمثلون الرجعية، وأولوية الحزب على الجيش على افتراض أن سبب هزيمة 1967 كان بسبب عزل الحزب عن الجيش والشعب، فرأى ضرورة قيادة الحزب للشعب وللجيش أي للدولة بشكل عام، وليس قيادة الجيش للدولة، وبذلك على حسب رأيه يبتعد النظام عن الديكتاتورية، وبسبب هذا الصراع قام وزير الدفاع اللواء حافظ الأسد بالتحالف مع غرف التجارة والصناعة التي أعلنت وقوفها إلى جانبه بعد أن وعدها بإدخالها في السلطة، كما وعد الشيوعيين بإشراكهم بالسلطة من خلال الجبهة الوطنية التقدمية التي سيقيمها، ووعد الناصريين بالعمل لتوحيد مصر وسوريا، ووعد بأنه سيقبل بقرارات مجلس الأمن وخاصة القرار 242 ، وأنه سيلحق المقاومة الفلسطينية بالجيش السوري ، كما وعد الشعب السوري والمؤسسات الديمقراطية بأنه سيعيد الحريات السياسية والاقتصادية، وأنه سينهي الطائفية التي تبنى نهجها صلاح جديد ، وعلى هذا الأساس قوبلت حركته في 16 نوفمبر 1970 بتأييد شعبي واسع ، خاصة بعد أن اتجه للوحدة مع مصر وليبيا والسودان، وتقربه من الشيوعيين والبعثيين من مؤيدي القيادة القومية التي يتبعها الرئيس أمين الحافظ، وتقربه من الدول العربية اليمينية، وإنهائه لعزلة سوريا .......الخ، وتعيينه لأحمد الخطيب رئيساً للجمهورية من خلال مجلس الشعب ، ثم أيده مجلس الشعب للرئاسة ، وفاز باستفتاء شعبي ليصبح رئيساً للجمهورية ، ثم أقام الجبهة الوطنية التقدمية على أن تخضع لقرارات حزب البعث ، وهي تشمل كل القوى السياسية في سوريا ، إضافة إلى أن الحكومة ضمت كل فئات الشعب السوري ، وهذا يؤكد أن النظام لم يكن طائفياً كما يدعي البعض ، رغم ادعاء البعض ذلك كون انتماء رئيس الدولة لطائفة بعينها ، بل على العكس من ذلك ، ألغيت الطائفية التي انتهجها صلاح جديد بعد الحركة التصحيحة واكتسبت تأييداً جماهيرياً لم تسبقها له حركة ، أو انقلاباً ، أو ثورة في تاريخ سوريا ، وصححت مسار الحزب بعد الارتباطات المشبوهة لبعض أعضاء القيادة القومية ، إضافة إلى اللاعقلانية التي انتهجها نظام الأتاسي/جديد من خلال الدعوات الماركسية التي لا تتوافق مع طبيعة المجتمع السوري .
7- الحزب التعاوني الاشتراكي :
أسسه فيصل العسلي عام 1948 ويهدف إلى الوحدة العربية والإسلامية من خلال تأسيس جيش قوي قادر على ذلك، مع إنشاء المزارع التعاونية، والاهتمام بالتصنيع لرفع المستوى المعاشي للشعب، وتأميم المرافق العامة بما يضمن الفائدة للمالك والدولة بصيانة حق المالك ومصادرة التملك غير المشروع، ومعظم برنامج الحزب مستمد من مبادئ وأهداف الحزب القومي السوري.
وقد كان لهذا الحزب دوراً في الحياة السياسية السورية، فقد وجه زعيم الحزب فيصل العسلي هجوماً لاذعاً في البرلمان على حسني الزعيم متهماً إياه بالفساد، ونظم حملة لتخفيض رواتب الجيش، مما حذا بحسني الزعيم بعد انقلابه إلى اعتقال فيصل العسلي في سجن المزة، حتى قيام سامي الحناوي بانقلابه، فأطلق سراحه، وقد أيد الحزب الوحدة مع العراق التي دعى إليها حزب الشعب، ونال بعض المقاعد في برلمان 1950، لكن بعد الانقلاب الثاني للشيشكلي 1951، قام باعتقال بعض السياسيين خاصة عام 1953، ومنهم فيصل العسلي، نتيجة معارضته لديكتاتورية الشيشكلي، وبعد سقوط الشيشكلي دعى الحزب إلى التقارب مع العراق، لكن أثار ذلك معارضة الحوراني للحزب الذي اتهمه بالفاشية، خاصة أن الحزب اكتسب تأييد الرئيس شكري القوتلي له، وقد نال في انتخابات 1954 مقعدين في البرلمان، أي ضعفي مقاعد الحزب الشيوعي، وهذا يدل على أنه كان ذو تأييد شعبي أكثر بكثير من الحزب الشيوعي، لكن حل الأحزاب بنتيجة الوحدة مع مصر في أعقاب انقلاب عفيف البرزي عام 1958، جعل أعضاء الحزب تتفرق عنه، بعد حله، حتى أنه بعد الانفصال على إثر انقلاب النحلاوي عام 1961، لم يحصل على مقاعد في البرلمان الجديد عام 1961 وانتهى بشكل نهائي في أعقاب قرار مجلس قيادة الثورة بقيادة الرئيس لؤي الأتاسي، بحل جميع الأحزاب السياسية، وبذلك انتهى الحزب وابتعد عن الساحة السياسية، عام 1963.

8- حركة التحرير العربي:
أسسها الرئيس أديب الشيشكلي ليحكم من خلالها، متخذاً منها سنداً شعبياً لحكمه بعد أن حل جمع الأحزاب في 6 إبريل 1952 في سوريا، وقد نادت بوحدة الوطن العربي من المحيط إلى الخليج، مع احترام حق الملكة الفردية وحق الدولة في تأميم ما تريد عند الضرورة، وضرورة الإصلاح الزراعي من خلال التعاونيات الزراعية مع التعويض العادل، وإتباع استراتيجية الضرائب التصاعدية، وفيما يخص السياسة الخارجية رأت أن تكون المصلحة السورية فوق كل اعتبار مع العمل على تحرير الشعوب العربية، ونبذ كل أشكال الاستعمار، والعمل على تحقيق السلام في العالم، وقد قال عنها الرئيس أديب الششكلي :
" إن حركة التحرير العربي ليست حزباً جديداً يضاف إلى قائمة الأحزاب القديمة ليشوش الأمة، ويجزأ قواها، إنه محاولة صادقة مخلصة لجميع العناصر الطيبة من جميع الأحزاب، والطبقات لصهرهم في قالب واحد قوي، قادر كلياً على استعادة ثقة الأمة، وإعطاء البلد صوتاً يصغى إليه ويحترم" ، ويلاحظ أنها استمدت معظم أفكارها من أفكار الحزب القومي السوري كون أديب الشيشكلي كان عضواً في الحزب القومي السوري، وقد سيطرت على البرلمان الذي شكله الشيشكلي فكانت أغلبية المقاعد من نصيبها بينما لم يمنح الحزب القومي السوري سوى مقعداً واحداً، لكن رغم ذلك ظل الشيشكلي موالياً للحزب القومي السوري، وكان أحد قادة الحزب وهو عصام المحايري من مرافقي الشيشكلي، وقد وعده بأن يجعل من سوريا " بروسيا العرب " وقلعتهم الفولاذية، التي ستنطلق منها شعلة الحرية لكل أنحاء الوطن العربي، وقد حدثت صدامات بينها وبين حزب البعث الذي أخذ يضرب مكاتبه بالقنابل والمفرقعات إبان حكم الشيشكلي، كما حدثت اشتباكات عديدة بين جماعة الحوراني وأعضاء من حركة التحرير، خلال هذه الفترة، لكن بعد سقوط حكم الشيشكلي عام 1954، سقطت معه هذه الحركة.
وسادت أعضاء هذه الجماعة الكثير من الاضطرابات، بعد الانقسامات التي حدثت في صفوف حكومة صبري العسلي عام 1954، حيث طالبتهم الحكومة برد الرواتب التي تقاضوها خلال فترة حكم الشيشكلي، مما حذا بهؤلاء الأعضاء على تشكيل حركة التحرير مرة أخرى، والضغط على الحكومة، مما كان لذلك أثراً على سقوط الحكومة في يوليو 1954، وبعد ذلك نشأت صدامات بين أعضاء حركة التحرير وأعضاء حزب البعث في معرة النعمان عام 1954، بنتيجة إثارة حزب البعث للاضطرابات بين عمال النسيج، وقد اعتقل على إثر ذلك 35 شخصاً من الطرفين ، وبعد سقوط الحكم الديمقراطي عقب انقلاب عفيف البرزي عام 1958 حلت حركة التحرير مع باقي الأحزاب، ولم ترجع بعد سقوط حكم الوحدة عام 1961، وبذلك انتهى دورها على الساحة السياسية قبل غيرها.
كانت تلك هي الأحزاب الرئيسية التي كان لها تأثيرها على عدم الاستقرار السياسي خلا مدة الدراسة، لكن هذا لا يعني أنه لم تكن هناك أحزاب غيرها بل كانت هناك بعض الأحزاب الصغيرة التي لم يكن لها أي دور في المسرح السياسي، أو كانت أحزاباً مرحلية نشأت وفق ظروف معينة وانتهت بانتهاء هذه الظروف.

المراجع :

• حسن الحكيم ، "مذكرات: صفحات من تاريخ سوريا الحديث، 1920 – 1958"، (بيروت: دار الكتاب الجديد، 1965).

• عز الدين دياب، "التحليل الاجتماعي لظاهرة الانقسام السياسي في الوطن العربي"، (القاهرة: مكتبة مدبولي، 1993).

• شفيق عبدالرزاق السامرائي،المشرق العربي ، بغداد ، وزارة التعليم العالي والبحث العلمي ، 1980.
• حسن الحكيم، ، "خبراتي في الحكم"، (عمان: إدارة مجلة الشريعة، 1978).
• محمد سهيل العشي،"فجر الاستقلال في سوريا: منعطف خطير في تاريخها"، (بيروت: دار النفائس، 1999).
• خلدون حسن النقيب، ""الدولة التسلطية في المشرق العربي المعاصر"، ط2، (بيروت: مركز دراسات الوحدة العربية، 1996).
• مطاع الصفدي، "التجربة الناصرية والتجربة الثالثة"، (بيروت: مؤسسة الأبحاث العلمية العربية العليا، 1973).
• خيرية قاسمية،"الرعيل العربي الأول: حياة وأوراق نبيه وعادل العظمة"، (لندن: رياض الريس للكتب والنشر، 1991).

• أكرم الحوراني، "مذكرات أكرم الحوراني"، 4أجزاء، (القاهرة: مكتبة مدبولي، 2000).
• باتريك سيل،"الصراع على سوريا: دراسة للسياسة العربية 1945 – 1958"، ترجمة: سمير عبده ومحمود فلاحة، (بيروت: دار الكلمة للنشر، 1980).
• سلمى الحفار الكزبري،" لطفي الحفار 1885-1968 : مذكراته ، حياته ، وعصره " ،لندن ، رياض الريس للكتب والنشر ، 1997 .
• أسعد الكوراني،"ذكرات وخواطر مما رأيت وسمعت وفعلت"، (لندن: رياض الريس للكتب والنشر، 2000).
• صلاح العقاد،"المشرق العربي 1985-1958: العراق، سوريا، لبنان"، (القاهرة: معهد البحوث والدراسات العربية ومطبعة الرسالة، 1966).
• ديفيد وليش،"سوريا وأمريكا"، (ليما سول (قبرص) :، دار الملتقى للطباعة والنشر، 1985).
• عادل أرسلان،"مذكرات الأمير عادل أرسلان"، (بيروت: دار الكتاب الجديد، 1964).
• مطاع الصفدي، "التجربة الناصرية والتجربة الثالثة"، بيروت، مؤسسة الأبحاث العلمية العربية العليا، 1973
• بشير فنصه ، "النكبات والمغامرات: تاريخ ما أهمله التاريخ من أسرار الانقلابات العسكرية في سوريا"، (دمشق: دار يعرب، 1996).
• موسى الشابندر،"ذكريات بغدادية: العراق بين الاحتلال والاستقلال"، (لندن: رياض الريس للكتب والنشر، 1993).
• فارس قاسم الحناوي،"صراع بين الحرية والاستبداد"،(دمشق: دار علاء الدين، 2000).
• حمدان حمدان،أكرم الحوراني : رجل للتاريخ ، بيروت ، بيسان للنشر والتوزيع ، 1996.
• مصطفى السباعي، "من روائع حضارتنا"، ط2، بيروت، دار الإرشاد للطباعة والنشر والتوزيع، 1968.
• شمعون بيريس، "مستقبل إسرائيل: حوارات أجراها روبرت ليتل"، ترجمة محمد نجار، عمان، الأهلية للنشر والتوزيع، 2000
• سعد جمعة،"مجتمع الكراهية"، (عمان، الأهلية للنشر والتوزيع والإعلان، 2000).
• موشيه ماعوز، "سوريا وإسرائيل"،"سوريا وإسرائيل: من الحرب إلى صناعة السلام"، ترجمة: لينا وهيب، (عمان: دار الجليل للنشر، 1998).
• عبدالسلام العجيلي،"ذكريات أيام السياسة"، ج2، (لندن: رياض الريس للكتب والنشر، 2000).
• شبلي العيسمي، "الوحدة العربية من خلال التجربة"، بيروت، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، 1971
• سامي أيوب، "الحزب الشيوعي في سوريا ولبنان 1922 – 1958"، بيروت، دار الحرية للطباعة والنشر، 1959.
• محمد طلب هلال، "دراسة عن محافظة الجزيرة من النواحي القومية والاجتماعية والسياسية (وثيقة)، (بيروت: دار كاوا للنشر والتوزيع، 2001).
• زهدي الفاتح، "لورانس العرب"، بيروت، دار النفائس، 1971
• سمير عبده، "حدث ذات مرة في سوريا"، (دمشق: منشورات دار علاء الدين، 2000).
• ممدوح محمود مصطفى منصور،"الصراع الأمريكي السوفياتي في الشرق الأوسط"، (القاهرة: مكتبة مدبولي، 1995).
• محمود رياض،"مذكرات محمود رياض"، جزأين، (القاهرة: دار المستقبل العربي، 1986).
• محمود صادق، "حوار حول سوريا" ، (لندن: دار عكاظ، 1993).
• هنري لورانس،"اللعبة الكبرى: المشرق العربي والأطماع الدولية"، ط2، (بنغازي: دار الكتب الوطنية، 1993).
• حبيب عيسى،"السقوط الأخير للإقليميين في الوطن العربي"، (بيروت: دار المسيرة، 1978).
• أبو خلدون ساطع الحصري، "العروبة بين دعاتها ومعارضيها"، ط2،بيروت ، مركز دراسات الوحدة العربية.
• يوسف الحكيم، "سوريا والعهد الفيصلي"، ط2، بيروت، دار النهضة للنشر، 1980.
• أندرو راثمل،"الصراع السري على سوريا 1947-1961"، ترجمة: محمد نجار، (عمان: الأهلية للنشر والتوزيع، 1997).
• أنتوني ناتنج، "ناصر"، ط2، (القاهرة: مكتبة مدبولي، 1993).

• أبو خلدون ساطع الحصري، "الإقليمية، جذورها وبذورها"، بيروت، مركز دراسات الوحدة العربية، 1985
• محمد الغزالي، "حقيقة القومية العربية وأسطورة البعث العربي"، (القاهرة: دار نهضة مصر للطباعة والنشر والتوزيع، 1998).
• أديث وائي، إيف، بينروز،"العراق: دراسة في علاقات الخارجية وتطوراته الداخلية1915 – 1975"، ترجمة: عبدالمجيد حسيب القيسي، (بيروت: دار الملتقى، 1989).
• هاني الفكيكي،"حقيقة القومية العربية وأسطورة البعث العربي"، (القاهرة: دار نهضة مصر للطباعة والنشر والتوزيع، 1998).
• سامي الجندي،"البعث"، (بيروت، دار النهار للنشر، 1969).
• سعد الدين ابراهيم، "مصر تراجع نفسها"، القاهرة، دار المستقبل الجديدة، 1993.
• إيمان راسخ.، "حزب البعث العربي الاشتراكي"، ط2، بغداد، دار الحرية للطباعة، 1977
• أمين أسبر،"تطور النظم السياسية في الشرق الأوسط"، (القاهرة: مكتبة نهضة الشرق، 1984).

• نيقولاوس فان دام ، "الصراع على السلطة في سوريا: الطائفية والإقليمية والعشائرية في السياسة 1961-1995"، ط2، (القاهرة: مكتبة مدبولي، 1995).

• صلاح بدر الدين، الحركة القومية الكردية في سوريا ، بيروت ، رابطة ، كاوا للثقافة الكردية ، 2003.
• شاهد على العصر، أمين الحافظ. http://www.Aljazeera.net،
• ممدوح محمود، مصطفى منصور، "الصراع الأمريكي السوفياتي في الشرق الأوسط"، القاهرة، مكتبة مدبولي، 1965
• حردان التكريتي، "مذكرات وزير الدفاع العراقي الأسبق حردان التكريتي"، طرابلس، المنشأة العامة للنشر والتوزيع والاعلان ، 1983.



#عزو_محمد_عبد_القادر_ناجي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- العشائرية وخصوصية الشعب والعوامل الشخصية وصراع الأجيال وتأثي ...
- العامل الاقتصادي والطبقي ودوره في عدم الاستقرار السياسي في س ...
- الطائفية والعرقية ودورهما في عدم الاستقرار السياسي في سوريا
- دور الجيش في عدم الاستقرار السياسي
- انقلابات عسكرية هزت استقرار سوريا
- عدم الاستقرار الحكومي ( الوزاري ) في سوريا
- العوامل الخارجية المؤثرة على الاستقرار السياسي
- انقلابات عسكرية فاشلة لكنها أدت لعدم استقرار سياسي في سوريا
- الصراع البريطاني الأيرلندي على أيرلندا الشمالية بين عامي 198 ...
- السيرة الذاتية لحكام السودان منذ المهدية حتى الآن
- مفهوم عدم الاستقرار السياسي في الدولة
- أثر التمايز الاجتماعي في عدم الاستقرار السياسي في الدولة( ال ...
- مفهوم عدم الاستقرار السياسي
- دور الجيش في عدم الاستقرار السياسي في الدولة
- علاقة صندوق النقد الدولي بالمؤساسات الاقتصادية الدولية
- الفقر فى أفريقيا: أبعاده والإستراتيجيات الموضوعة لإختزاله (ا ...
- من أجل وحدة الوطنية و استقرار السياسي


المزيد.....




- تحليل لـCNN: إيران وإسرائيل اختارتا تجنب حربا شاملة.. في الو ...
- ماذا دار في أول اتصال بين وزيري دفاع أمريكا وإسرائيل بعد الض ...
- المقاتلة الأميركية الرائدة غير فعالة في السياسة الخارجية
- هل يوجد كوكب غير مكتشف في حافة نظامنا الشمسي؟
- ماذا يعني ظهور علامات بيضاء على الأظافر؟
- 5 أطعمة غنية بالكولاجين قد تجعلك تبدو أصغر سنا!
- واشنطن تدعو إسرائيل لمنع هجمات المستوطنين بالضفة
- الولايات المتحدة توافق على سحب قواتها من النيجر
- ماذا قال الجيش الأمريكي والتحالف الدولي عن -الانفجار- في قاع ...
- هل يؤيد الإسرائيليون الرد على هجوم إيران الأسبوع الماضي؟


المزيد.....

- تاريخ البشرية القديم / مالك ابوعليا
- تراث بحزاني النسخة الاخيرة / ممتاز حسين خلو
- فى الأسطورة العرقية اليهودية / سعيد العليمى
- غورباتشوف والانهيار السوفيتي / دلير زنكنة
- الكيمياء الصوفيّة وصناعة الدُّعاة / نايف سلوم
- الشعر البدوي في مصر قراءة تأويلية / زينب محمد عبد الرحيم
- عبد الله العروي.. المفكر العربي المعاصر / أحمد رباص
- آراء سيبويه النحوية في شرح المكودي على ألفية ابن مالك - دراس ... / سجاد حسن عواد
- معرفة الله مفتاح تحقيق العبادة / حسني البشبيشي
- علم الآثار الإسلامي: البدايات والتبعات / محمود الصباغ


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - عزو محمد عبد القادر ناجي - الحزبية والصراع الحزبي في سوريا