أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - جمال كريم - قبلة ابن خلدون البراغماتية ليست معيارا اخلاقيا !















المزيد.....

قبلة ابن خلدون البراغماتية ليست معيارا اخلاقيا !


جمال كريم

الحوار المتمدن-العدد: 2230 - 2008 / 3 / 24 - 04:33
المحور: الادب والفن
    


قد اكون التقيت بالشاعر بيان الصفدي ـ في بغداد ـ قبل اكثر من ربع قرن، لقاءات لم نعد نتذكرها نحن الاثنين، اذ ربما، التقيته في احد مقاهي شارع الرشيد الثقافية، كالزهاوي او حسن عجمي او البرلمان الزائل، الذي ظلت عمارته ووجوه رواده من الكتاب والمثقفين، شاخصة في حاضنة الزمن وترتيب الاحداث ـ اعني الذاكرة ـ وقد اكون التقيته في بورصة المتنبي الثقافية، وقد لم نلتق، مطلقا، لكننا بلا شك، التقينا في صنعاء، خلال تسعينيات القرن المنصرم، خاصة بعد ان اضحت صنعاء، احدى، المحطات الامنة، للثقافة العراقية المهاجرة، ابداعا سرديا وشعريا ودرسا اكاديميا، بعد ان انسدلت ستائر الحروب الدموية الكارثية، في عراق سلطة ألاستبداد .
في صنعاء التقيته وتعرفت اليه عن كثب، شاعرا وناقدا ومثقفا نقديا من خلال اربعاءات اتحاد الادباء او من خلال مقالاته في الصحف والمجلات اليمنية، لكن، سرعان ما باعدتنا المنافي، مرة اخرى، اذ تلقفني الشمال الافريقي في طرابلسه القصي، في حين تلقف الصفدي محط، اجهله الى اللحظة، لكنني، بالتأكيد، التقيته، ثانية، عبر مقاله المنشور في مجلة الكويت في عدهها "232" والذي حمل عنوانا مزدوجا " لماذا قبل ابن خلدون يد تيمورلنك؟" و "شاعر خارج من تابوت"، وهو يروي حكايتين، واحدة مدونة يستلها من الموروث والثانية شفاهية معاصرة تصبح مدونة في متن مقاله، وقبل الخوض في محمول الحكايتين أود الاشارةالى تجربة سياسية ائتلافية في العراق، بين حزب السلطة الحاكم الذي هو حزب البعث وحزب معارض هو الحزب الشيوعي العراقي، اضافة الى احزاب وطنية اخرى، وقد انبثق هذا الائتلاف الجبهوي عام 1973، غير انه سرعان ما انهار انهياره الدموي البشع والفظيع مع بدايات عام 1979 والذي اطلق عليه العراقيون بعام "الحملة" حيث اختزل عمر التحالف الى علاقة بين احزاب وطنية ودولة امنية قمعية قادرة على ابعاد وقتل الجميع، وعلى هذا يمكننا القول، ان هذا التحالف كان فخا تصفويا للحركات الوطنية العراقية بلا استثناء، فقد شهد العراق خلال سنوات الائتلاف الخمس، احتدامات خفية وازمات تمهيدية مفتعلة، بين الحزب الحاكم من جهة والمؤتلفين، احزابا ومنظمات مهنية من جهة اخرى، كان من بينها حملة الاعتقالات الواسعة التي طالت الاحزاب الوطنية -العراقية، عامة، وكان من بين المعتقلين الشاعر الشعبي ـ كما كان معروفا انذاك ـ كريم العراقي، وكانت ذريعة الحزب الحاكم لتلك الاعتقالات، هي خرق حظر التنظيمات السياسية داخل المؤسسة العسكرية والتي كانت حكرا له. يذهب الصفدي في مفتتح مقاله إلى ان كريم العراقي قد " نجا بأعجوبة، هي اقرب الى الخيال.." ويبدو ان هذا المذهب قد بناه الصفدي، اصلا، على رواية شفاهية مصدرها ـ هو الشاعر كريم العراقي ـ اما بالنسبة للشاعر جمال جمعة والذي لا اعرف ما سبب طرافة عيشه في الدنمارك!! ـ على حد تعبير الصفدي او كما تبدى له ذلك ـ فأنه ، بلا شك، لم يكن شاعرا شعبيا بل كان تفعيليا حرا بدأ مشواره الشعري من خلال اوراق الاثنين في جريدة طريق الشعب، وبالتأكيد لم يحظ بأعاجيب الخيال الانقاذية عندما قرر ان يعبر الحدود بعد ان تعسكر قسرا في مطلع الثمانينيات بعد تخرجه من جامعة البصرة واثناء اندلاع الحرب الدموية الكارثية بين العراق وايران، وكان من يتجاسر ـ آنئذ ـ على مثل هذا العبور ويقع في يد السلطة القامعة فان تصفيته ان لم تكن على خط الحدود فانها ستكون داخل احد المعتقلات وخلال بضع ثوان!!، ولكل ما تقدم اقول: كلاهما نفذ بجلده، اعني كريم العراقي وجمال جمعة، دون ان ننسى المفارقة الزمنية بين نفوذيهما ودون ان ننسى ايضا، ان الطاغية مع اعتقال الاول كان سيدا ثانيا، ومع هروب الثاني اصبح رئيسا مطلقا!! ومع رئاسته اشتد القمع والرعب والقهر، بتعبير اخر ترأست هذه الاساليب كل مظاهر الحياة الاخرى، وبرزت على الساحة العراقية بقوة اكثر من اية فترة اخرى، ثم ان الشاعر جمال جمعة ، لم يكن، انذاك، شاعرا مادحا او ممجدا مرتزقا لسلطة" الاب ، الدكتاتور، القائد" او ممن اسبغوا عليه صفات الانبياء والقديسين ولم يكن، ايضا، في غير الشعر، ممن اشعلوا ابخرتهم الموبوءة ليسمموا فضاء الثقافة والفكر العراقيين، بل هو لن يكون في هذين السربين مطلقا، وسعى بتأن الى تأسيس مكانة لنفسه في بنية الخطاب الثقافي العراقي المهاجر، شاعرا ومحققا للمخطوطات العربية المحرمة ـ سعى الى كل ذلك بهدوء وصمت وقطيعة قصدية مع اصفياء طفولته وصباه المخلصين، اما الشاعر كريم العراقي فان السنة اللهب التي طالت المدونات والمرئيات في مؤسسات الثقافة والاعلام خلال انهيار النظام الدكتاتوري او تلك التي انتهبها لصوص الداخل او الخارج، اقول: كل ذلك لم يكن كافيا لازاحة ما في الذاكرة الجمعية من حقائق، فقصائد المدح والتمجيد والتعبئة ما زالت ماثلة ،في الوقت الذي كان العراقيون يساقون الى حرب مروعة وقذرة جعلتهم ينزفون دماءهم طوال ثمانية اعوام. وفي ظل متغيرات اقليمية ودولية شاملة تدعونا نحن المثقفين الى البحث الجاد عن مفكرة ثقافية جديدة فاعلة ترقى الى مستوى التغيرات السياسية والاقتصادية والاجتماعية في العالم وفي الوقت الذي ندعو، فيه، الى موت "المثقف السلبي او الانتهازي" الذي جعل الانفاق اكثر ظلاما وسوداوية بحيث اسلمتنا مظاهر التخلف من تراجع الى تراجع ومن جهل الى جهل ومن يباب الى يباب فهل يمكن ان نتحدث عن المفكر او المثقف الذي يقبل ايدي الطغاة والجبابرة..؟ وكيف يمكن ان نبرر هذه الفعلة التي تدنس سمعة المفكرين والمبدعين قبل ان تدنس شفاههم؟ يتهيأ لي ان الصفدي في مقاله يحاول اقناعنا ان ذلك وفي لحظات تاريخية ممكن ومسوغ ومبرر او كأنه يشرع لمعيارية اخلاقية تبيح حصول ذلك، مسميا الانتهازية والخنوع بالليونة والدهاء والاحتيال بحثا عن النجاة!! وبناء على دعوته في الربط بين الحكايتين: حكاية ابن خلدون مع تيمورلنك وحكاية الشاعر كريم العراقي مع صدام حسين.. اجد من الضرورة تفكيك الحكايتين من اجل وصفهما وتحليلهما بموضوعية عقلانية وكشف محفزات وجودهما ان كانت ثمة محفزات تدعونا الى تبني مواقف لا مبالية تجاه مهاميز الطغاة التي اذلتنا بوحشية ومرارة طول القرون الماضية. فاذا كان المفكر او المثقف يضع اوليات ومفكرة وجوده فوق كل الشروط الانسانية لوجوده وفوق كل القيم والمعايير الاجتماعية السائدة من اجل نجاته وتحقيق مآربه فقط، فان ذلك يعد استثناء اخلاقيا يؤدي الى انحرافات خطيرة في هيكلية البنى الاجتماعية والفكرية والمعرفية ، والمخاطر تكون اشد واعظم اذا ما روجنا لمثل تلك الحكايا والمواقف وبحثنا في ايجاد ذرائع ومسوغات لمثل تلك الشناعات، وسأضع بين يدي القارىء نصوصا ومواقف مقارنة ما بين ابن خلدون والشاعر كريم العراقي، "ودخلت عليه بخيمة جلوسه متكئا على مرافقه..فلما دخلت عليه فاتحت بالسلام واوميت ايماءة الخضوع، فرفع رأسه، ومد يده اليَّ فقبلتها، واشار بالجلوس فجلست حيث انهيت، ثم استدعى من بطانته الفقيه عبدالجبار بن النعمان من فقهاء الحنفية بخوارزم فأقعده يترجم ما بيننا"، ان هذا المقبوس يعد اعترافا مباشرا من ابن خلدون نفسه تجاه تيمورلنك واظن ان دلالته جلية واضحة ولا تحتاج الى مزيد من التأويل او التحليل سوى ترتيب افعال السرد: دخلت/ فاتحت/ اوميت/قبلت. كأنني في حلم.. وجدت نفسي كأنني خارج من تابوت، احسست انها فرصتي الوحيدة للحياة، فرحت اهذي كالمجنون بكلمات التمجيد والشكر وان دمي سيكون فداء" ان هذه المدونة هي في الاصل سردية شفاهية شافه بها كريم العراقي بيان الصفدي، وهي مثل النص السابق، تماما، لا تحتاج الى مزيد من التأويل والايضاح في دلالتها الوصفية، فهي تكشف عن مثول الشاعر كريم العراقي امام الطاغية الاكبر، بل هي، مواجهة، سوريالية غرائبية، بين الشاعر والضحية من جهة وبين الطاغوت الجلاد من جهة اخرى، لكن السوريالية والغرائبية تكون اشد واكبر عندما تتغنى الضحية بأفعال جلادها وجلاد شعبها الدموي" بعدها صار كريم العراقي اهم من كتب كلمات الاغاني التي تمجد صدام حسين و "قادسيته" تحديدا " لقد اضحى الشاعر الضحية، في السابق، بين عشية وضحاها، الشاعر المدلل الذي ينعم بمكرمات وهبات الدكتاتور، وشيئا فشيئا، تأقلم وتكيف مع تطور وعيه السلبي الذي دافع عن برامج النظام بقصائد مغناة ظلت تصدح بها حناجر المطربين حتى تسرطنت..!! وربما لو كان المؤرخ السياسي والفيلسوف الاجتماعي ابن خلدون ـ 1332 ـ 1406 ـ شاعرا غنائيا لاطرب تيمورلنك بقصائد غنائية تمجيدية، صاخبة، لكن بالتأكيد لم يكتب لها البقاء والحياة، وانما ستعيش في ارجاء مرحلتها الاستثنائية.





على اية حال، ما زلت استغرب حتى هذه اللحظة واتساءل عن ماهية الاعجوبة التي نجا بمخيالها كريم العراقي، دون ان تشمل هذه الاعجوبة الخيالية الشهداء بشار رشيد وجماعته على سبيل المثال وشهداء اخرين من مختلف الحركات الوطنية الاخرى، انني، هنا، اود ان اهمس باذن صديقي الصفدي بأنه ليس هناك ما هو "اقرب الى الخيال" بل هناك فعل ورد فعل، هناك نظام شمولي دكتاتوري كان يسعى وبكل وسائل القمع والعنف للحفاظ على مصالحه السياسية وايضا على وجوده مستخدما كل اساليب القسر حتى لو ادى ذلك الى اعلان الحرب ضد الشعب. وهذا ما حصل فعلا، بل لقد تحول العراق الى معتقل كبير ومسرح لحروب دموية غير مجدية، لا لشيء، الا لتحقيق خرافات القائد الاسطورية !!
لكن على الرغم من آلة القمع والقتل والتنكيل التي تسلح بها النظام فان الشعب العراقي بكل مكوناته الاجتماعية والسياسية والوطنية تصدى لكل تلك الاساليب واعلن في اكثر من مناسبة وانتفاضة، رفضه لكل الوان القهر والظلم بما في ذلك زج العراقيين بمختلف انتماءاتهم السياسية في معسكرات الاعتقال بدليل قول الدكتاتور الذي كان سيدا نائبا انذاك! للشاعر كريم العراقي:
"ـ هذا انت الذي دوخونا بيك؟"(4)"؟"
اسائل صديقي الصفدي مرة اخرى، من يكون اولئك الذين دوخوا رأس السلطة..؟
ان السؤال يمكن صياغته بالشكل التالي كيف يمكن لرأس السلطة الدكتاتورية القمعية ان يدوخ؟ سؤال يعرف اجابته بيقين العراقيون الوطنيون الذين عايشوا تلك الحقبة وافخاخها القذرة قبل الصفدي وقبل شاعر راح يهذي "كالمجنون بكلمات التمجيد والشكر وان دمي سيكون فداءه" كما جاء في حوار الشاعر كريم العراقي المقموع مع "السيد "النائب" رأس السلطة القامعة انئذ باختصار استشف من خلال الحوار ان هناك عقدا على المبايعة لكنها كما يبدو مبايعة اجبارية بين الشاعر والجلاد، ربما لا تتسم هذه المبايعة بالاستثنائية التاريخية من كون تاريخنا العربي مليئا بمثل هذه المبايعات. نعود الى قبلة، او بتعبير ادق مبايعة ابن خلدون لتيمورلنك، حيث نفهم من اعتراف ابن خلدون نفسه انه كان يطمع بلقاء تيمورلنك اذ انه كان يخشى على حياته وقد تكون هذه الخشية جد طبيعية ومن حقه ان يمارس كل قدراته في الدهاء من اجل الخلاص ـ تجدر الاشارة، هنا الى حرص ابن خلدون على ملاقاة تيمورلنك بنفسه في حين كان الشاعر كريم العراقي مجبرا على ملاقاة صدام حسين وبصحبة سيافيه وجلاديه ـ غير انه سلك طريقا اخلت في الاقل، بشيء من سمعته الاخلاقية، لا الفكرية او المعرفية. على اية حال، فلما تواردت الانباء بان تيمورلنك قد اتجه بجيوشه صوب دمشق بعد ان خلف حرائق ودخان حلب وراءه، حتى وصلت الانباءمن مصر فما كان من الناصر فرج الا ان جهز جيشا لملاقاة تيمورلنك وجيوشه "واصطحب معه القضاة الاربعة وجماعة من الفقهاء والصوفية ومنهم ابن خلدون ولا ريب، ان المؤرخ لم ترقه هذه المفاجأة التي ذكرته بما عانى في المغرب من تلك المهام السلطانية الخطرة بل يقول لنا صراحة انه حاول الاعتراض والتملص لولا ان غمره بشبك حاجب السلطان" بلين القول وجزيل الانعام" (5).

ان ابن خلدون يتعامل مع هذه الحادثة بذكاء المؤرخ وعلميته ويشير الى ذلك في كتابه "التعريف" الذي هو اقرب الى ان يكون جزءا مكملا لكتاب العبر منه الى السيرة الذاتية والتي بدأت عام (803) على حد تعبير ابن خلدون نفسه وكما يذهب الى ذلك بعض الدارسين وفي الوقت الذي دارت فيه المعارك بين الجيشين المتحاربين وقبل بدء المفاوضات وايقاف الاحتراب كان ابن خلدون في المدرسة العادلية مع مجموعة من الفقهاء والعلماء، وقبل ان يشعر السلطان بوجود مؤامرة تحاك ضد سلطانه في مصر وقبل ان يعود تاركا النزاعات والخلافات والصراعات تحتدم في الشام، شعر ابن خلدون، بخطورة الموقف فحاول ان يتدارك طريقا لنجاته "وهنا تغلب المؤرخ نزعة المغادرة كما تغلبه الاثرة فقد خشي ان تقع المدينة في يد الفاتح فيكون نصيبه الموت او النكال. ورأى ان يعتصم بالجرأة. وان ، يغادر جماعة المترددين الى معسكر الفاتح فيستاء منه على نفسه ومصيره" (6). ويعترف بذلك ابن خلدون بصراحة كبيرة "وبلغني الخبر جوف الليل فخشيت البادرة نفسي وبكرت سحرا الى جماعة القضاة عند الباب ـ وطلبت الخروج او التدلي من السور ـ لما حدث عندي توهمات ذلك الخبر (7). نفهم من اعتراف ابن خلدون انه كان عازما على ملاقاة تيمورلنك حتى لو تطلب الامر منه ان يتدلى من السور.!! ثم لنتساءل: الم يكن الاجدر بابن خلدون ان يبحث عن اساليب اخرى للنجاة اذا كان يفكر بالنجاة فحسب؟ كأن يصمت حتى تحين فرصة الخلاص بلا ملق او مداهنة تحسب على فيلسوف وعالم جليل مثل ابن خلدون خاصة وانه كان شاهدا على دمار ومآس ربما ما زالت في ذاكرة المدينة دمشق، "وكان المفهوم ان دمشق قد نجت بالتسليم من بطش الفاتح ولكن التتار احتجوا باستمرار القلعة في المقاومة فشددوا عليها الحصار حتى سلمت ثم اقتحموا المدينة وصادروا اهلها واوقعوا فيها السفك والعبث والنهب واضرموا النار في معظم احيائها. وتكررت المناظر المروعة التي وقعت في حلب، على ان ابن خلدون لم يقطع صلته بالفاتح، بل لبث متصلا به، يتردد لزيارته خلال المحنة (8).. اذن فان ابن خلدون كان يرى كل ذلك ولم يصمت في اقل تقدير بل اخذ يمدح ويمجد. لا بل لم يكتف. بل اصبح نديما وسفيرا لتيمورلنك ويقدم له الهدايا بنفسه، ترى هل كان ابن خلدون يسعى لانتزاع وحشية القتل والدمار، ام كان يسعى لسلامته؟ ام كانت مجرد مواقف شخصية بحتة، كان دافعها النجاة الذاتي؟ ام انه كان يسعى الى التقرب من الملوك والسلاطين والمستبدين؟ ربما لا اكون مخطئا اذا قلت: أنه كان يسعى لتحقيق كل ذلك "ومن ذلك الحين يغدو ابن خلدون شخصية ظاهرة في تاريخ الدول المغربية في هذا العصر، تأخذ بقسط بارز في تطورات هذه الدول وتقلباتها وتشترك احيانا في تدمير عوامل نهوضها او سقوطها، واحيانا تثير بينها ضرام الكيد والتنافس والقتال وكان ابن خلدون لا يزال عندئذ في نحو الثانية والعشرين من عمره ولكن ذكاءه وقوة نفسه وعزمه ووفرة اطماعه واعتزازه بتراث اسرته كانت تحفزه دائما الى طلب المزيد من الجاه والنفوذ والرزق" (9) ، ومن دون السقوط في منطقة المواقف العاطفية والانفعالية،لا بد من التوقف ببعد نظر وعمق عند مثل هذه المواقف او مثل هذه الاشكاليات ان جاز التعبير التي باتت تملأ تاريخنا الثقافي والفكري واخذت تتسرب الى واقعنا المعيش تحت ذرائع وتبريرات يندى لها جبين الفكر الانساني الخلاق، ومن هنا يجب علينا ان لا نقلل من سلبية وخطورة مثل هذه المواقف والترويج في البحث عن مسوغات لها، ان ابن خلدون المؤرخ السياسي والفيلسوف الاجتماعي المولود بتونس في اسرة اندلسية ميسورة والذي بالتاكيد تحصل على مكونات ثقافية ومعرفية لم يرق لها الكثير من اقرانه ومجايليه ينحو هذا المنحى الاخلاقي بالرغم من اتصافه بمهارات سياسية وفكرية وفلسفية قل نظيرها في عصره. تجده حاذقا في تحقيق مآربه ومناورا بارعا في تحقيق ذاته "لم يمض على انتظام بن خلدون في بلاط فاس، عامان، حتى تحركت نفسه الوثابة الى خوض الدسائس السياسية مع ان سيده وحاميه السلطان ابا عفان لم يدخر باعترافه وسعا في اكرامه والعطف عليه، مع انه ولاه رغم حداثته منصب الكتابة واختصه مجلسه المناظرة والتوقيع عنه فانه لم يحجم عن التآمر عليه مع الامير ابي عبدالله محمد صاحب بجاية المخلوع" (10) .
"لكل ما تقدم اقول: نحن العراقيين تعرضنا من قبل النظام الشمولي الى حصارات عقلية صارمة ضربت العراق من اقصاه الى اقصاه، وكذلك الى اغتيالات فكرية لم ينج منها الامن تبنى سياسة النظام التشويهية لمنظومات الفكر والمعرفة والذي اسبغ على جلاده، "القائد الضرورة، قائد التخريب والقتل، قائد الحروب ومعسكرات الاعتقال" صفات الرسل والعباقرة الافذاذ..!!
بقي ان اقول" ان المثقف العراقي مطالب اكثر من أي وقت مضى بأن يتدارك الان وفي المستقبل المشهد وقوانين تبدله الجديدة، والتي قد تدفع البعض منهم مرة اخرى الى قلبة براغمتية فاجرة.
الهوامش
1 ـ الصفدي، بيان مجلة الكويت ـ العدد – 232 ص 49.
2 ـ نفسه ص 48 .
3 ـ نفسه ص 48 .
4 ـ نفسه ص 48 .
5 ـ ابن خلدون ـ حياته وتراثه الفكري ـ تأليف محمد عبدالله عنان المحامي، ط 1 ـ مطبعة الكتب المصرية بالقاهرة ـ 1352 هـ ت 1933م ـ ص 25
6 ـ نفسه ص 81
7 ـ ابن خلدون، التعريف بابن خلدون ورحلته غربا وشرقا، عارضه بأصوله وعلق على حواشيه محمد بن تاتويت الطبنجي ـ القاهرة مطبعة التأليف والنشر ـ 1951م ص 368 .
8 ـ 9 ـ 10 ـ ابن خلدون ـ مصدر سابق ص 83.
11 ـ نفسه ص 36 .



#جمال_كريم (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الفيدرالية : نشأتها ونظامها السياسي
- مأزق الدستور- نقد وتحليل 2/2
- دريدا عربيا ...قراءة التفكيك في الفكر النقدي العربي
- المهاجرون ثانية ..
- مأزق الدستور- نقد وتحليل 1-2
- أس البلاء
- د.محمد حسين الاعرجي في -مقالات في الشعر العربي المعاصر -رؤى ...
- الاصغاء وثقافة الحوار
- الكاتب والمفكر فلك الدين كاكه ي : فاضل العزاوي كان يميل الى ...
- الكاتب والمفكر فلك الدين كاكه ي : الموسيقى ستحمل المعنى الاخ ...
- الكاتب والمفكر السياسي فلك الدين كاكه ي:
- في -حامل الهوى-سرديات مشهدية تفضي الى تضاديات شرسة بين الذات ...
- لمحة في خصوصية المكان لدى الروائي فؤاد التكرلي
- خليل الاسدي في(ويظل عطرك في المكان) يروي ما كان ويرى ما كائن ...
- فاديا سعد في روايتها (ما عدت .. انا) الانفتاح على الانا في م ...
- سهيل ياسين في -خطاب عاثر-.. سرديات تبحث عن اليوتوبيا المستحي ...


المزيد.....




- بلدية باريس تطلق اسم أيقونة الأغنية الأمازيغية الفنان الجزائ ...
- مظفر النَّواب.. الذَّوبان بجُهيمان وخمينيّ
- روسيا.. إقامة معرض لمسرح عرائس مذهل من إندونيسيا
- “بتخلي العيال تنعنش وتفرفش” .. تردد قناة وناسة كيدز وكيفية ا ...
- خرائط وأطالس.. الرحالة أوليا جلبي والتأليف العثماني في الجغر ...
- الإعلان الثاني جديد.. مسلسل المؤسس عثمان الحلقة 157 الموسم ا ...
- الرئيس الايراني يصل إلي العاصمة الثقافية الباكستانية -لاهور- ...
- الإسكندرية تستعيد مجدها التليد
- على الهواء.. فنانة مصرية شهيرة توجه نداء استغاثة لرئاسة مجلس ...
- الشاعر ومترجمه.. من يعبر عن ذات الآخر؟


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - جمال كريم - قبلة ابن خلدون البراغماتية ليست معيارا اخلاقيا !