عبدالله الداخل
الحوار المتمدن-العدد: 2229 - 2008 / 3 / 23 - 04:17
المحور:
الادب والفن
سألني صديقٌ يوماً :
- "أية َقصيدة تتذكر أكثر من غيرها؟"
فأجبتُ على الفور:
-" ’أمتعة‘، قصيدة اسمها: ’أمتعة‘."
-" ’أمتعة‘؟ "
-"نعم. ’أمتعة‘. لمحمد سعيد الصكَار."
-"لماذا؟"
-"لأنني، منذ صغري، أتوقف مليّـاً عند القصة القصيرة بحثا عن الرمز، وهذه القصيدة القصيرة هي في الوقت ذاته قصة قصيرة رمزية، لقد قرأتـُها مراتٍ كثيرة: استظهرتـُها؛ وهي تـُذكـّرني بقصة قصيرة لكَوركي يجادلـُهُ فيها بعضُ شخصيات قـصصه عن عجوز وزوجتهِ يقتلهما البرد، وتذكرني أيضاً بـ "دكروري" الذي ينقل الثلج على كتفه ويضيع في عاصفة رملية في الصحراء، في قصة قصيرة لمحمود تيمور."
قال الصديق:
-"أنا أتذكر من قصائد الفنان الصكَار ’تأملاتِــهِ‘."
فسألتـُه:
-" أيّا منها؟"
قال:
-" الأولى:
يأخذني الحُـلم،
ونسيرُ معا ً
عندما أعثرُ يبتسم،
وعندما يعثـرُ أبكي."
قلتُ:
-"جميل! يذكـّرني بجبران؛ للصكَار إناراتٌ متميزة وسْط َالشعر العربي الحديث، وكثيرٌ منها كالبروق التي تـُطفئ مصابيح الدار!"
قال:
-"إسمع:
حتى عندما تكون الشمسُ عمودية ً
في السماء،
أرى ظلا ًّ يتبعني ؛
عند منتصف المسافة
يستيقظ هاجسُ التلفت الى الوراء ؛
إلى أين تنوي الذهاب؟
كل الطرق مفتوحة
وهذا فخُّ الضياع ؛
الكلمات
ليست بحاجة الى حرائق
لكي تشتعل ؛
في الحرب
تتوهج ألوانٌ في الزمان
وتنطفي ألوانٌ في الروح ؛
الحقيقة لا تموت
لكنها قد تـُدفن
وبعضُ الحقائق المدفونة
لا يُحشر حتى في يوم القيامة."
فصحتُ متذكراً:
-" ولكنك تجد "أمتعتـَه" في نفس الكتاب، في ’أيام عبد الحق البغدادي‘. هذا الرجل الهادئ، العميق، ملئٌ بالصواعق!"
-"ذكـّرْني. ذكـّرني"
-"حسناً؛ إسمع ’الأمتعة‘ بكاملها:
وصيحَ بهم
’ خففوا محاملـَكم حين تأتونَ مكة ‘ !
خفـَّتْ محاملـُهم؛
صار سِقـْطـُ المتاع تلولا.
ولكنه وحدَه
ظلَّ يحمل أمتعة ً أثقلتـْهُ؛
طفولتـَه،
وصباه،
وأيّـامَ بستانه؛
كيف يتركها نـُهبـة ً للرمال؟
وصيح به:
" وَيْـكَ خـفـّـف "
فما اسطاعَ.
كان ثقيلَ الخـُطى؛
دحرجوه عن السرج،
وانصرفوا.
ظلَّ في الرمل،
ضعضعه التعبُ المُـرُّ،
لفَّ عباءتـَه،
وتوسَّـد أمتعة ً أثـقلـَتـْه،
ونـام. "
قال:
-" أرى الترميز رائعاً؛ ولكنْ: من استعمال كلمتـَيْ ’وَيْـكَ‘ و’اسطاعَ‘ بهذا الشكل أفهم حقيقة ً مهمة عن هذا الرجل: قدرته على توظيف تمَكـُّـنِه التام من العربية، قديمها وحديثها، في الفكر المعاصر؛ إنّ لكلماتِه حُرية َالإنفجار خارج نصها والقفز من صحراء قريش وشارع المتنبي الى ’مقاهي مونبارناس وتوتنكَهام رود‘ لتطل على الذين "يحملون علبهم معهم؛ يفتحونها، ويجلسون فيها، ويتكلمون". ألا ترى معي أنه يقف بثبات في الصف الأمامي؟"
قلتُ:
-"بل في الصف الأمامي المتقدم جدا."
#عبدالله_الداخل (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟