أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - محمود كرم - حينما تصبح الأيديولوجيا بديلاً عن الإنسان















المزيد.....

حينما تصبح الأيديولوجيا بديلاً عن الإنسان


محمود كرم

الحوار المتمدن-العدد: 2223 - 2008 / 3 / 17 - 08:12
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


كيف يحدث أن تصبح الأدلجة الدينية أو الأصولية المذهبية أو الأيديولوجيا الشعاراتية والهوياتية أقوى من العقل وأثمن من الإنسان وأكبر من الوطن وأمضى من القانون .؟ لأن مَن يحتكم إلى العقل يرفض وصاية الغيبيات والقدريات والأدلجات الدينية ، ويرفض شرور الطائفيات المذهبية وتعصّب الأيديولوجيات العقيمة ، ومَن يؤمن بالإنسان أولاً وقبل كل شيء لا يقبل أن تحتويه الأدلجة الدينية والمذهبية والفكرية ، ومَن ينشد وطناً نقياً وجميلاً خالياً من التشوهات والبشاعات والبذاءات يرفض أن يتم سحقه تحت دعاوي الدفاع عن الأجندات الحزبية أو الدينية أو الطائفية المذهبية أو الأيديولوجية ، ومَن يرتضِ القانون مرجعيةً تنظّم الحياة المدنية الناعمة ، يرفض أن تتم استباحته بسلاح الطائفية الأصولية ، ويرفض التعالي عليه بشعارات الأيديولوجيات الدينية والقومية ..

فحينما تستحوذ العقلية الدينية الطائفية على الإنسان يضيق الوطن في عينيه ، فلا يتسع إلا له وحده ، ويتقازم الإنسان في داخله ، ويستهين بمرجعية القانون ، وحينما تهيمن على الإنسان سلطة الأيديولوجيات الخانقة ، يتبرّمج عقله على الرأي الأحادي ، ويتنرجس افتخاراً بهويته الأيديولوجية يعتدّ بها على حساب إنسانيته ووطنه ..

المؤدلجون من الدينيين يلغون عقولهم في مقابل أن تعبث بها ثقافة الغيبيات والقدريات والشموليات الدينية والمذهبية ، ويهينون أوطانهم في مقابل التعلق بأوهام الخلافة الإسلامية ، وفي مقابل التغنّي بأحلام الأمة الإسلامية ، وفي مقابل السعي لتطبيق نظام الوصاية الفقهية ، ولا يعترفون بالإنسان كائناً صانعاً لوجوده واختياره وقراره وحريته، بل يريدونه حطاماً تتفرد به سلطة اللاهوت الديني تفترسهُ بتعاليمه وباعتقاداته وبيقينياته وبتوجيهاته وبشمولياته ، ويقفزون على القانون لأنه بشري وأرضي وقاصر عن الإلمام بكل شيء ..

وأين الخطأ في أن يحدث ذلك كله .؟ الخطأ يكمن في أن تنتصر الخرافة والوهم على العقل ، وأن تنجح الطائفية المذهبية في تمزيق الوطن ، وأن تسلب الأيديولوجيا حق الإنسان في التفكير والاختيار والوجود والمساءلة ، وأن يصبح التحزب الديني فوق القانون ..

وحينما تجد مجتمعاً تعبث فيه هذه الآفات وتفتكُ به هذه الاعتلالات المزمنة ، ستجد مجتمعاً تتغذى بيئته الاجتماعية والثقافية على الوهم وعلى التوارث اليقيني لاعتقاداته الغيبيّة السالبة لإرادة الإنسان ، وتتغذى على الانقسام المذهبي وعلى تناسل الأيديولوجيات الضيقة والخانقة ، وستجده مجتمعاً يقتات على الموروث الديني كهويةٍ حضورية في المشهد الحياتي ، وستجده رافضاً للحداثة ومنساقاً للتعصب والتزمت والكراهية ، متمسكاً بالماضوية المهلكة المعيقة للتفكير والإبداع والتساؤل ، وستجده مُعلياً من شأن المقدس على حساب الإنسان ، متنرجساً هذا المقدس بوهم الصفاء الأبدي ، ولذلك ليس غريباً والحالة هذه في مجتمعاتنا أن تصبح الخرافة والأوهام والغيبيات فيها بديلاً عن العقل والعقلانية ، وأن تصبح الأيديولوجيا بديلاً عن الإنسان والإنسانية ، وأن تصبح الطائفية المذهبية بديلاً عن الوطن والمواطنة ، وأن يصبح الديني بديلاً عن المدني والمدنية ..

وأين الخطأ في أن يتحيّز المجتمع بشكل نهائي وقطعي لاعتقاداته وتفسيراته وأحكامه في التعصّب المذهبي والتحزب الديني والطائفي والأيديولوجي ، مؤكداً عليها من خلال نمذجتها وفرضها والتمظهر والتمسرح والاستعراض بها ، بالطبع فهي في حسابهم ليست خطأً يجب التنبّه له وتلافيه والرجوع عنه ، بينما في حسابات المنطق والعقل خطأ لا تستقيم معه الحياة وترفضه الإنسانية العقلانية ، ولكنها في نظر تابعيها ومتبنّيها والمؤمنين بها ليست خطأً على الاطلاق ، بل تمثل الحقيقة التي لا جدال فيها ولا اعتراض عليها ، حيث يصبح الاعتقاد الديني المشحون بنبرة التوجس من الآخر مسلكاً معتاداً في الذهن والفعل والتوجه ، وثقافةً في العقل الجمعي ، ومؤسِساً للهوية الدينية الجمعية التي تُجذر في المجموع وعيهم العدائي التلقائي للآخر ، أياً كان الآخر ، ويكمن الخطأ أيضاً في أن تصبح الطائفية المذهبية لدى هذه المجتمعات استحضاراً للماضوية التاريخية الخاصة بكل طرف فيها ، وهي التي يجب أن تنتصر وتسود وتسيطر في النهاية ، وهي التي لها الحق المطلق في احتكار الحقيقة واحتكار الوطن واحتكار الإنسان ، وهي الأنموذج الذي يجب أن يحتذى به ، لاغيةً بفعل استرجاعاتها التراكمية لموروثاتها التلقينية واليقينية والخطابية والثأرية وعي الإنسان بحاضره ، فالمطلوب منه أي من الإنسان في هذه الحالة عدم الخروج من ماضيه الذي توارثه رغماً عنه ، وقد يكون ماضياً قبيحاً ، ولكنه لا يراه كذلك ..

والأمة التي تعيش فقط في ماضيها لا تستطيع أن تصنع حاضراً يتفتّح على المستقبل ، بل على العكس من ذلك ترى في استدعاء الماضي انتصاراً لهويتها المذهبية التوارثية الطامسة للعقل والمدمرة لكينونة الإنسان الذاتية والهادمة لمساحة الوطن في داخله ، ولذلك تبقى هذه المجتمعات خائبة وتعيسة ورديئة وفاقدة للجمال والموهبة والحب والهدوء والوقار الثقافي ، لأنها تحتكم للخرافة وتستهوي الوهم وتستلذ بالطائفية وتنتشي بالأدلجة وتستعذب الفوضى والتخلف والصخب والدمامة ..

ومَن يرَ في الطائفية المذهبية وفي الأدلجة الدينية والفكرية وفي ماضوياته الاحترابية قوةً وبريقاً وجمالاً والتذاذاً أرفع من العقل وأثمن من الإنسان وأكبر من الوطن ، سيبحث عن ذاته وكيانه وتاريخه ومجده وانتصاراته في نماذجَ بشرية دينية وقومية أصولية ومؤدلجة استفرغتها في المشهد السياسي والاجتماعي والثقافي مناخات التعصب الطائفي والديني والقومي والماضوي ، سيبحثُ عن قوته متفاخراً ومزهواً بها في بشاعة الإرهاب الديني وفي نزق الصراعات العبثية الصاخبة ، وسيبحثُ عن بريقه في كراهيات ماضوياته المذهبية الاحترابية ، وسيبحثُ عن لذته في استفراغاتهِ لموروثاته التعصبية ، وسيبحثُ عن جماله في الأدلجات الدميمة ، وسيبحثُ عن وطنه بين خرائب صراعاته الطائفية ، وسيعثر في النهاية على عقله وإنسانيته وقد تلطخا في أوحال الطائفية والأدلجة والكراهيات ..

الطائفيون والمؤدلجون الدينيون السائرون في غمار الأصوليات الهوياتية والطائفية والخطابية ، عادةً ما تدفع بهم رغبة متخمة بنشوة الاعتداد الهوياتي الديني المؤدلج للتسلط والاحتكار والاستحواذ ، وتدفع بهم رغبةٌ مترعة بشهوة التحكم والسيطرة للافتراس والعداء والتحارب ، فهي الرغبة التي تساوي ما في داخلهم من مستويات إيمانية يقينية وغيبية بمعتقداتهم وتعاليمهم وتوجهاتهم ، وهي الرغبة ذاتها التي تستبدل بالعقل الوهم والخرافة ، وتستبدل بالإنسان الأيديولوجيا ، وتستبدل بالوطن المشاريع الطائفية ، وتستبدل بالقانون الفوضى والعبث والهمجية ، إنها الرغبة التي تصنع من كل هذا الحطام المتكوّم في طريقها ، تصنع منه أصناماً ونصوصاً وعقائدَ ومقدسات لتبقى في حضرة كل ذاك الحطام منتعشةً بالخنوع والاستسلام والخدَر ، ألا ترونهم يعلنون الانتصار بالموت وبالخراب على الحياة ، ويشوهان بهما ألقها وجمالها هنا وهناك ، فهي الرغبة التي تمنح صاحبها لذة الافتتان برعشة الانتصار الزائفة ..

والعجز عن استخدام العقل بانشغاله وانفتاحه على المستجد والمختلف والمتغير والمتنوع ، والعجز عن الخروج به من شرور الأدلجات والأصوليات الدينية والماضوية والطائفية ، ألا يعني ذلك في المقابل العجز الكامل عن اجتراح صيغ التعايش مع الحداثة والإنسانية والتعددية والمنطق والجمال والإبداع ، إنه العجز الذي يبرر لصاحبه شبقه الشعوري المغرم بحالتهِ الدينية التي ينصهر فيها قبولاً وافتتاناً ورضىً ، وهو الشبق الذي يُبقيه على تواصل حميمي مع أوهامه وشروره وطائفيته ومعتقداته المؤدلجة ، وانطلاقاً من ذلك يزداد المؤدلج الديني والطائفي إيماناً بتعاليمه ومعتقداته وثوابته وتوجهاته ، لأنها تحقق له نشوة الانتصار على الحياة وعلى الآخر وعلى الجمال والتقدم بالصراخات والبذاءات والتوبيخات والتحقيرات ، أوَليس قاموسه يتدافع متفجّراً بالتعنيفات والعداوات واللعنات والتهديدات والترهيبات ، ومَن لا يستطيع التطهّر من أدران الدمامات الطائفية والأصولية في أعماقه ، لا يستطيع أن يبني عالماً من الجمال والحب والتسامح والإستقامة ، لأن واحدةً من أكثر اشتراطاته في الحياة تنفيذاً وسعياً ، احتكاره للحقيقة والتاريخ والحياة والإنسان ، احتكاره لكل ذلك وفقاً لحساباته في الوصاية والحاكمية والتوجيه والتسلط والاستحواذ ، وهو الاشتراط الذي يمنحه يقيناً مطلقاً بسلامة وعظمة وصفاء قناعاته ومسلّماته وتوجهاته ..

علينا أن نعترف بأن المجتمعات التي تؤمن بالعقل وترفض الخرافة والوهم ، وتؤمن بالإنسان وتسمو به على الأدلجة ، وتؤمن بالوطن وترفض الطائفيات الأصولية الانقسامية ، وتؤمن بالقانون وتنبذ العبث والفوضى والهمجية ، هي مجتمعات متحضرة تتخلق بجمال العقل والإنسان ، وتزهو بالحب والتسامح والإبداع والنظافة ، لأنها صانعة لكل ذلك في بيئتها النظيفة التي تأبى التلوث والاختناق بشرور الأدلجات الطائفية والأصوليات المذهبية والدينية والعقائدية والهوياتية ..





#محمود_كرم (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ثقافة السؤال في الفكر الإنساني
- الإنسان حيوان يقيني
- الحياة عُرفت بالتنوع وثقافة الاختلاف
- حلميَ الموشّى بزهر الندى
- حمّوديات
- المثقف الحر في مواجهة التخلف والأدلجة
- تلك الأنثى الحُلم
- الموروث الديني وثقافة الخوف
- عن حق الإنسان في التفكير والاختيار
- العقل وصراع المفاهيم
- أيها الألم كم أنتَ جميل !
- التعصب الديني وصناعة الكراهية
- الرفض .. جمال الموهبة وشجاعة التمرد
- تجربتي مع الأيديولوجيات الدينية ( 4 ) الأخيرة
- تجربتي مع الأيديولوجيات الدينية ( 3 )
- تجربتي مع الأيديولوجيات الدينية ( 2 )
- تجربتي مع الأيديولوجيات الدينية ( 1 )
- الكاتب العربي .. أين يقف .؟
- العقل في معركة التحرير
- أشخاص ومواقف


المزيد.....




- الأردن يدين سماح شرطة الاحتلال الإسرائيلي للمستوطنين باقتحام ...
- طلاب يهود بجامعة كولومبيا: مظاهرات دعم فلسطين ليست معادية لل ...
- مصادر فلسطينية: أكثر من 900 مستعمر اقتحموا المسجد الأقصى في ...
- مئات المستوطنين يقتحمون المسجد الأقصى تحت حراسة إسرائيلية مش ...
- سيبدأ تطبيقه اليوم.. الإفتاء المصرية تحسم الجدل حول التوقيت ...
- مئات المستوطنين يقتحمون باحات الأقصى في ثالث أيام عيد الفصح ...
- أوكرانيا: السلطات تتهم رجل دين رفيع المستوى بالتجسس لصالح مو ...
- “خليهم يتعلموا ويغنوا ” نزل تردد قناة طيور الجنة للأطفال وأم ...
- فيديو خاص عيد الفصح العبري واقتحامات اليهود للمسجد الأقصى
- “ثبتها الآن” تردد قناة طيور الجنة 2024 Toyor Aljanah لمشاهدة ...


المزيد.....

- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - محمود كرم - حينما تصبح الأيديولوجيا بديلاً عن الإنسان