أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - سعيد مضيه - احترام مشاعر الجمهور وعقله















المزيد.....

احترام مشاعر الجمهور وعقله


سعيد مضيه

الحوار المتمدن-العدد: 2222 - 2008 / 3 / 16 - 11:42
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


المناظرة التي أجراها برنامج " الاتجاه المعاكس"، على فضائية الجزيرة بين السيد طلعت رميح والدكتورة وفاء سلطان نموذج لتضليل الوعي وتغييب الحقيقة. كثرت المداخلات بشأن المناظرة وتضاربت المواقف من المتناظرين ومدير البرنامج. فالرأي والرأي الآخر المطروحين في المناظرة، وهذا شعار الفضائية، يجافيان الحقيقة الموضوعية. ومعظم الآراء المتناظرة على الفضائية، إن لم يكن جميعها، تطرح رؤى متضاربة ، لكن غير موضوعية. ناهيك عن تعمد مقدم البرنامج تحريض المتناظرين وإلهاب المناظرة بالانفعالات، الأمر الذي يحط من قيمة الحوار، بينما هو –الحوار- أحد وسائل الديمقراطية وأدواتها.
حالما برزت الدكتورة على الشاشة، وشت ملامحها بتحفز صدامي. بدأت الدكتورة مرافعتها بحديث مدسوس على الرسول هو من مخلفات حقبة التخلف في الثقافة العربية – الإسلامية. ومن المعلوم أن الإمام أنس بن مالك جمع في مسنده ألفا وسبعة أحاديث ، بينما بلغ عدد الأحاديث في أواخر العصر الأموي عشرات الآلاف. والدكتورة تستمد معلومتها عن الإسلام ، كما يبدو، من الموسوعة الإسلامية لبرنارد ليويس، ذلك الأكاديمي المسخر لتسفيه الشعوب الإسلامية وتبرير السيطرة الكولنيالية عليها وعلى أقطارها. وقد ناقش أفكاره مطولا الراحل إدوارد سعيد في دراسته عن الاستشراق. وعنه يستقي أفكارهم الليبراليون الجدد العرب والغربيون، امثال دانييل بايبس وكنعان مكية وفؤاد عجمي ومجدي خليل وزياد العسلي. وبدل أن يفضح المناظر السلفي الافتراء ويمسكها متلبسة، فقد تبنى الفرية واعتبرها مقدسا إسلاميا. والسلفيون بطبيعتهم يرفعون فكرهم إلى مستوى النص المقدس ولا يحسنون الحوار وهم قطعوا دابر المناظرات، وحرّموها منذ العصر الوسيط.
في زحمة الفتاوى المتناقضة والمستندة إلى اجتهادات فقهية وأحاديث مدسوسة، نشط اتجاه مستنير بين الدعاة الإسلاميين يطالب بتنقية فقه العصر الوسيط مما يتناقض مع النص القرآني. وكان الأحرى بمدير الندوة أن يقدم احد ممثلي هذا الاتجاه للرد على طعون الليبراليين الجدد ضد الإسلام، خاصة وأن الهجوم على الإسلام كدين ومضمون ثقافة قومية بات أحد المهمات الأكاديمية والثقافية لليبراليين الجدد من العرب والغربيين. فهذا التوجه يستجيب لمسعى العولمة في تحطيم الكيانات الحضارية للشعوب، وأحد نماذج صراع الحضارات الذي بشرت به العولمة؛ جاء رد السيد رميح قاصرا عن تحدى العولمة والتعامل المتكافئ معها. حقا ، فالصمود بوجه العولمة ينهض به القيم العقلانية للتراث، تلك القاعدة التي تنبني عليها الثقافة الوطنية الديمقراطية المتساوقة مع معطيات العلوم العصرية، وإبداع التكنولوجيا المتطورة ومواكبة ثورات الإعلام والتواصل. فلا اللوذ بالتراث السلفي، ولا التوسل بثقافة الغرب يوفران المناعة بوجه العولمة. التصدي للعولمة بتم بعقل مبدع للعلوم ومبتكر للتقاني، عقل يتعامل مع آليات الديمقراطية ويحترم حقوق الإنسان وويعلي مكانة الجماهير ويتقن التعامل مع آلية النفسية الاجتماعية. بات التمييز بين عناصر التراث واستلهام العقلاني والإنساني منها مهمة الثقافة الوطنية الديمقراطية، وملهم التغييرات التقدمية للحياة الاجتماعية.
يكمن الخطأ في منهجية مقدم البرنامج في تغييب النقد، الذي يشكل جوهر الحوار. فبالنقد يتم التعرف على نقاط الالتقاء ويجري التقريب بين المواقف. هنا يكمن مغزى الحوار وتتحقق أهدافه. لا ينحصر الخطأ في مقاطعة هذا المناظر أو ذاك ، مثلما لوم بعض الكتاب ممن قيموا البرنامج، ولا في عدالة الزمن المقتطع للمتحدثين، إنما يختزل في الجوهر بتوجيه الحوار في دهاليز الشحن العاطفي ومتاهات المناكفة المنقطعة عن فكر الحياة ومتطلبات المرحلة.

لدى تعرض الباحثة وفاء سلطان للدين الإسلامي، في كتاباتها ومشاكساتها كافة، فإنها تتجنب المقارنة العلمية المنطلقة من رؤية اجتماعية تاريخية. تحدثت في مناكفتها للخصم – لا ينطبق ما تشارك به في برنامج الاتجاه المعاكس على فحوى الحوار– فاستهلت هجومها بالادعاء ان الإسلام يفتقر إلى دينامية التطور، على الضد من الديانتين المسيحية واليهودية. وهذا تجن مقصود، وبالإمكان توجيه الحوار النقدي بما يدحض الافتراء. فالتطور حدث في المجتمعات الأوروبية على قاعدة ثورة صناعية متعددة المراحل تطور خلالها العلم والفكر الاجتماعي والفلسفة و مبادئ حقوق الإنسان، وجرى خلال التطورات المتفاعلة إصلاح ديني. اما المقارنة بين نصوص الدين في مسارها التاريخي فتبرز تفوق الإسلام كدين على الديانتين التوحيديتين السابقتين؛ ولم يخل تاريخ الديانتين من ممارسات مدانة وفق العرف الحقوقي الراهن. والسبب يعود إلى استبداد العصر الوسيط.
لم يبلغ تطور الحياة الاقتصادية والاجتماعية في المجتمعات الإسلامية مرحلة تسمح بتجريد سلطة الحكم وفصلها عن شخص الحاكم، كي تضبط بالدستور والقوانين. و من ثم لم تتوصل الاجتهادات الفقهية إلى حد الفصل بين السلطات الثلاث- التنفيذية والتشريعية والقضائية؛ وأقصى ما بلغه الفقه الديني في شئون الحكم – ابن تيمية والغزالي ثم الماوردي- يدور حول صفات الخليفة وخصاله والعدالة والحقوق . يختزل الفقه الإسلامي الحقوق ب "حق الإمام على الجماعة هو الطاعة، وحق الجماعة على الإمام هو العدالة". أما حقوق الفرد السياسية فلا نكاد نجد لها أثراً في الفكر الديني عموما؛ واستنباط حقوق الأفراد لم يتم في إطار التشريع الديني، مع أن الأديان جميعها ، وبالأخص الدين الإسلامي انطوت على مبادئ إنسانية تعز الإنسان وتحفظ كرامته وتدعو إلى نماذج من العدالة الاجتماعية. وقد نشبت ثورات فكرية واجتماعية في العصر الوسيط استلهمت الدعوات الإنسانية للدين، منها ثورة الفلاحين في ألمانيا في القرن السادس عشر وثورة الزنج والقرامطة وحركة المعتزلة في عهود إسلامية مختلفة. لكن أيا منها لم تستشرف أفق الخلاص من الاستبداد السياسي. كان قائد الثورة يمارس الاستبداد حيال أعوانه ومناصريه.
احترام المشاعر الدينية للأفراد وأتباع الطوائف جزء من حقوق الإنسان، وهي واجبة ليس من منطلقات أخلاقية مجردة، إنما هي طريق الديمقراطيين إلى التغيير. فمن المستحيل إنجاز التغيير، اجتماعيا او اقتصاديا او سياسيا، ما لم تدعمه حركة شعبية، قائمة على تفاعل القوى الديمقراطية مع المزاج الشعبي أولا ثم تكييف حاجات الجماهير ومصالحها مع مقتضيات التغيير التقدمي للمجتمع ثانيا. القوى المحافظة تزيف وتحرف المصالح والحاجات وتطرحها بشكل مشوه يضلل الجماهير ويحرف توجهاتها واتجاه حركتها. وقد مهر الإعلام المعادي في تزييف حاجات الجماهير كجزء من تزييف الوعي الاجتماعي. الطائفية سخرت الدين لشرذمة المجتمع، فأقحمت المجتمعات المعاصرة في الصراعات على أسس طائفية، نزعت عن مواطنين صفة المواطنة، وغيبت الصراع الاجتماعي . ونسمع الكلام الكثير عن العزة والكرامة مقطوعا عن مشروع التحرر من التبعية و الاحتلال المباشر وإشاعة الديمقراطية وبناء الاقتصاد المتطور وتنمية الحياة السياسية والاجتماعية والثقافية. كما نجد بين رموز المحافظة المرتبطة بالامبريالية رجال دين يطرحون الفتاوى وتتناقلها الجماهير بدون تمحيص. وكذلك في مرحلة العولمة نجد طروحات ترفض العولمة وأخرى تستسلم لها؛ ويجهل الطرفان، الرافض والقابل، سبل وطرائق التعامل المتكافئ مع العولمة باعتبارها قدرا يستحيل تجاهله.
إن تغييب التراث العقلاني لم يأت محض الصدفة، وليس وليد قصور ذهني؛ فهو قضية اجتماعية تاريخية. إنه نهج استهل بالردة عن عقلانية الفقه الإسلامي، وازدهار الاجتهاد ومبدأ المناظرة واحترام الاجتهادات المخالفة، كما تجلى زمن الأئمة الأربعة العظام في العصور الإسلامية الأولى. ثم درج التحيز ضد العقلانية على سطح الحياة الاجتماعية منهجا ثقافيا دأبت عليه مناهج التعليم وأجهزة السلطة المستبدة عبر عهود الظلام؛ وحرصت الإدارات الكولنيالية في العصر الحديث على إدراجه في مناهج التربية المدرسية والجامعية. حقا فالجامعات المنتشرة في ربوع البلدان العربية والإسلامية تغيب كل إبداع عقلي في أسلوب التدريس ومناهجه. وبينما الجامعات في البلدان المتقدمة تتعهد العقول المبدعة وتنشط مختبرات البحث العلمي في شتى مجالات الحياة وأنماط المعرفة، فإن الجامعات العربية تتعهد ملكات الحفظ والنسخ، إي التطفل على قرائح الغير والنسخ عن السلف والإذعان لمشيئة السلطة، السياسية والفكرية.
والسر في ذلك يكمن في طبيعة الرسملة العربية؛ إذ لم ترتق إلى الرأسمالية بما تنطوي عليه من إضافة إبداعية للقيم المادية والعلمية والفكرية. وبطبيعة نشاطها الاقتصادي لم تتعهد البحوث والابتكارات، لأنها تنتهز فرص الوكالات والمقاولات. ويقال أن انهيار البورصة في يوم 22 كانون الثاني 2008 كلف دول الخليج العربية خسائر فاقت المئة مليار دولار في يوم واحد، لأن المال العربي لا يستثمر في مصانع وعمليات إنتاج، بل يخزن في البنوك الأجنبية. إنه نمط الحكم ، ونمط الاقتصاد الذي ترعاه الامبريالية الأمريكية التي لا تفوت وفاء سلطان فرصة دون الإشادة بجمائلها . استمرت البرجوازية العربية تدخر أموالها في البنوك بدل توظيفها في مؤسسات منتجة، وتطوير علاقات الإنتاج والقوى المنتجة. العقلانية تتطلب نهجا نهضويا ترعاه دولة ديموقراطية عصرية، وثقافة عقلانية، ومؤسسات فاعلة في المجتمع المدني، وانفتاح كامل على الثقافات الإنسانية دون عقد أو مركب نقص.
كان التعرض لطروحات الدكتورة وفاء سلطان، بالتسفيه او بالإشادة، خطأ وغير لائق. فما تطرحه لا يخرج عن فكر الليبرالية الجديدة الذي يتوجب معارضته بالفكر الديمقراطي . ان الدعوة للتغيير الاجتماعي دعوة ديمقراطية المحتوى والوسيلة، تقوم على مبدا احترام الرأي والرأي الآخر. والفكر الوطني الديمقراطي يستوعب المبادئ الإنسانية في الدين والتراث ويضم الفكر الحداثي التقدمي للتيارات القومية والإسلامية المستنيرة والماركسية. وما يحسم الصراع الفكري على الساحة هو القدرة على استقطاب الجماهير من خلال التغلغل في نفسيتها وتخليصها من حالة الضياع والحيرة، والفوز بثقتها وتربيتها سياسيا وفكريا، لتمكينها من فهم واستيعاب المتغيرات السياسية. وما أروع قولة الدكتور قاسم حسين صالح في مقالته الرائعة (الحوار المتمدن 27/1/2008) أن "حسم الأمر في انتخاب ’البديل المنقذ‘ هو الناخب العراقي ، وان من بين أهم عوامل فــوزه هو ’المدخل السيكولوجي للفرد العراقي الذي يحقق الاقتناع الذاتي لديه‘ وليس التنظير الفكري والرطن بالسياسة".





#سعيد_مضيه (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- أجل، إسرائيل بحاجة إلى مبرر
- نموذج لعدوانية العولمة وإرهابها
- الإيديولوجيا كالهواء نتنفسه ولا نشعر به
- السلطة والفصائل تستنكف عن تحريك المقاومة الجماهيرية
- أوضاع الفلسطينيين تتدهور للأسوأ
- التعليم قد يؤدي دور أداة التقدم والديمقراطية 3من 3
- التعليم قد يؤدي دور أداة التقدم والديمقراطية حلقة2
- التعليم قد يؤدي دور أداة التقدم والديمقراطية
- دلالات سياسية لتقرير فينوغراد
- إسرائيل لا تتازم وخياراتها مفتوحة
- غطاء لجرائم الحرب بتفويض أمريكي
- مشاكل التقدم في المجتمعات التابعة
- حكم الشوكة والأمن القومي
- صوت التوحش المتقحم من أدغال الليبرالية الجديدة
- هل تدشن زيارة بوش مرحلة تفكيك المستوطنات؟
- فهلوة مرتجلة
- جردة حساب عام ينقضي
- بؤرة التخلف الاجتماعي
- العجز عن الارتقاء
- منبرللتنوير والديمقراطية ومناهضة العولمة


المزيد.....




- قادة الجيش الايراني يجددن العهد والبيعة لمبادىء مفجر الثورة ...
- ” نزليهم كلهم وارتاحي من زن العيال” تردد قنوات الأطفال قناة ...
- الشرطة الأسترالية تعتبر هجوم الكنيسة -عملا إرهابيا-  
- إيهود باراك: وزراء يدفعون نتنياهو لتصعيد الصراع بغية تعجيل ظ ...
- الشرطة الأسترالية: هجوم الكنيسة في سيدني إرهابي
- مصر.. عالم أزهري يعلق على حديث أمين الفتوى عن -وزن الروح-
- شاهد: هكذا بدت كاتدرائية نوتردام في باريس بعد خمس سنوات على ...
- موندويس: الجالية اليهودية الليبرالية بأميركا بدأت في التشقق ...
- إيهود أولمرت: إيران -هُزمت- ولا حاجة للرد عليها
- يهود أفريقيا وإعادة تشكيل المواقف نحو إسرائيل


المزيد.....

- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - سعيد مضيه - احترام مشاعر الجمهور وعقله