أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العمل المشترك بين القوى اليسارية والعلمانية والديمقرطية - كميل داغر - إجابات أولية على طريق لقاء اليسار















المزيد.....



إجابات أولية على طريق لقاء اليسار


كميل داغر

الحوار المتمدن-العدد: 2221 - 2008 / 3 / 15 - 10:13
المحور: العمل المشترك بين القوى اليسارية والعلمانية والديمقرطية
    


ينعقد في أواسط هذا الشهر لقاء طال انتظاره لليسار اللبناني، «من أجل بحث المرحلة الجديدة من الأزمة المستعصية التي يمر بها وطننا منذ قيامه، وارتباطاتها العربية والدولية، بحيث يتم الوصول إلى تحديد السبل للخروج منها، مع أهمية دور اليسار في تحقيق ذلك»، كما جاء في نص الدعوة التي وجهها الحزب الشيوعي اللبناني. وهذا المقال، المقتضب بالضرورة، يحاول أن يقدم بعض الإجابات الأولية بخصوص نقاط أساسية واردة في الدعوة. على أمل ألا تحدث أي مستجدات، أكانت موضوعية أو ذاتية، تحول دون ثبات اللقاء المذكور في موعده، وعلى أمل أن يجري التعامل أيضاً بأقصى الجدية معه، ومع خروجه باستنتاجات وتوجهات متقدمة، وآليات عمل فاعلة لوضع هذه التوجهات موضع التنفيذ.
هذا وقد كانت الدعوة واضحة في تعيين مكمن الخطر الأساسي على بلدنا ومنطقتنا، في المرحلة الراهنة وما بعدها، المتمثل في المشروع الأميركي-الإسرائيلي، المسمَّى بالشرق الأوسط الجديد، وفي طرح الحاجة إلى اكتشاف أشكاله المتجددة، مع استجلاء وظيفة اليسار (وحلفائه) في التصدي له ودحره.

1. الشرق الأوسط الجديد ودور اليسار
حين نشر شيمون بيريز كتابه «الشرق الأوسط الجديد»، في أوائل تسعينيات القرن الماضي، كان بديهياً أن الرئيس الحالي لدولة إسرائيل، وزير خارجيتها آنذاك، يدرك مذاك مأزقها التاريخي، وأنها لن تستطيع الاستمرار في حالة حرب دائمة مع محيطها العربي والاسلامي. كتب يومئذ: «في الماضي، كان الجنود هم الذين يتعرضون للخطر وقت الحرب. أما الآن فإن المناطق الآهلة بالسكان أضحت هي الهدف الرئيسي. وأي استخدام للصواريخ الباليستية في الحرب القادمة من شأنه أن يحول الشرق الأوسط إلى مقبرة».
ومن الواضح أن حرب تموز/آب، التي وصفها بيريز ذاته، لدى اندلاعها في العام 2006، بأنها حرب حياة أو موت بالنسبة لإسرائيل، والتي شهدت للمرة الأولى سقوط آلاف الصواريخ في مناطق هذه الأخيرة السكنية، لم تكن أكثر من نسخة أولية لحرب قادمة (يعتبر عديدون أنها وشيكة)، وقد تؤكد «النبوءة» القاتمة جداً لأبي القنبلة النووية الإسرائيلية!
تحسباً لهذا الاحتمال المريع، ليس فقط لأعداء الدولة الصهيونية، بل لها هي أيضاً، بدا الزعيم الإسرائيلي – الذي تنقَّل مراراً بين مسؤوليات الحرب، وزيراً للدفاع، والدبلوماسية، وزيراً للخارجية – يتوق إلى إرساء سلام مع أولئك الأعداء، في ما سماه شرقاً أوسط جديداً، ولكن من دون تنازلات إسرائيلية جدية، وبالمقابل مع مكاسب جمَّةٍ للإسرائيليين، في منطقة عدا كونها صاحبة موقع استراتيجي عالمي عظيم، تعوم على الثروة الأعظم في عالمنا الحالي. شرقاً أوسط جديداً تتوطد فيه علاقات ثنائية ومتعددة، وتنشأ فيه صناعات إقليمية، لترقى بعدها إلى سوق مشتركة إقليمية يكون لإسرائيل فيها موقع طاغ ٍ، انطلاقاً من تفوقها العلمي والمعرفي. وقد كان معبِّراً جداً كلام إسحق شامير، رئيس الوزراء الإسرائيلي، في أيلول 1991، وخلال الإعداد لمؤتمر مدريد للسلام، حين شدد على أن على الأميركيين أن يتذكروا، إذا كانوا يريدون التوصل حقاً إلى سلام بين إسرائيل وجيرانها العرب، «أن إسرائيل ليست مجرد دولة في الشرق الأوسط، وأنها خمسون بالمئة»!!
في تلك الفترة بالذات، بدا كما لو أن مشروع شرق أوسط جديد هو مشروع إسرائيلي، بالدرجة الأولى، تغلب عليه فكرة سلام يضمن الهيمنة الإسرائيلية على الوطن العربي التاريخي. في حين أن التطورات التي تلت انهيار الاتحاد السوفييتي ومعسكره، وبروز الولايات المتحدة كالقطب الأوحد، عالمياً، غذت تصوراً أكثر تعقيداً لفكرة الشرق الأوسط الجديد، إذ يضمن لإسرائيل موقعاً أساسياً فيه، فهو يُبقي للإمبريالية الكبرى الهيمنة المطلقة، ولا سيما بعد أن أعادت هذه الأخيرة الاعتبار، في مطلع الألفية الجديدة، لوظيفتها الاستعمارية المباشرة، عبر احتلالها لدولة عربية نفطية أساسية كالعراق، الذي ترافق مع الحديث الصريح عن كونه سيتلازم مع إعادة صياغة الشرق المذكور على أسس جديدة. وقد بات واضحاً من عملية تمزيق البلد المذكور، إلى عناصره الطائفية والقومية، أن هذا بالضبط هو المصير الذي تريد واشنطن أن تعيد، على أساسه، صياغة كامل المنطقة، تسهيلاً لإحكام سيطرتها على ثرواتها، وذلك بذريعة إرساء الديمقراطية فيها! وفي هذا الإطار بالذات، تود واشنطن تصفية الصراع العربي-الإسرائيلي، واستبداله بصراع عربي-إيراني، عبر تغذية التناقض المذهبي بين الدول العربية ذات الغالبية السنية، من جهة، وما وصفه الملك الأردني، في تاريخ سابق، بالهلال الشيعي، الذي تشكل إيران، الحلقة المركزية فيه. وانطلاقاً من ذلك، تحديداً، نفهم مضمون زيارة الرئيس بوش الأخيرة لبلدان الخليج، مع عروض تسليحية بعشرات المليارات من الدولارات لأجل مواجهة الدولة المشار إليها، المهدَّدة في آن ٍ باحتمالات جدية لحرب إسرائيلية-أميركية ضدها، بحجة منعها من تطوير سلاح نووي، وفي الواقع وبوجه أخص، بهدف وضع حد لتوجهاتها الذاتية لإحداث تنمية متقدمة، وتطوير قدراتها الصناعية، ومن ضمنها تطويع الطاقة النووية للاستخدام السلمي، مع ما قد يشكله ذلك من نموذج للاحتذاء به من جانب دولٍ أخرى في العالم الثالث، من بينها أكثر من دولة عربية بالذات، بالتلازم مع السعي أيضاً إلى استعادة السيطرة على الثروات الطبيعية لتلك الدول. وهو ما سبق أن حصل، إلى هذه الدرجة أو تلك، مع العراق، وكلَّفه حربين «عالميتين» عليه، بقيادة واشنطن، تلازمت الثانية مع إخضاعه للاحتلال، والبدء بتفتيته منذ الأسابيع الأولى التي تلت هذا الأخير.
إن عملية التفتيت هذه هي ما تسعى واشنطن إلى إحداثه في لبنان أيضاً، عبر حلفائها وأتباعها فيه، وبالطبع بدعم جدي من أنظمة عربية عديدة، كالمملكتين السعودية والأردنية، ومخابرات كل من هاتين الأخيرتين. وإذا كان ما جرى التركيز عليه، في مرحلة أولى، إنما هو تأجيج تناقضات مذهبية سنية-شيعية، وذلك على امتداد السنوات الثلاث الأخيرة التي تلت اغتيال رفيق الحريري، فلقد بدا أن ثمة مسعىً أيضاً، كما ظهر في مجزرة مار مخايل (الشياح) قبل أسابيع قليلة، لتفجير اقتتال شيعي-مسيحي أيضاً. ومن الواضح أنه إذا كان حزب الله يبذل جهوداً جدية للغاية لإحباط هذين المسعيين، اللذين يستهدفان سلاحه بصورة أساسية، بما هو سلاح مقاوم، فهذه الجهود قد لا تكون كافية لدرء هذا الخطر وإفشاله بالفعل، ولا سيما لأنه ليس الحزب هو الفاعل الأساسي الوحيد في الساحة الشيعية (حيث تشاركه في الفعل فيها «حركة أمل»، التي يصعب ضبطها والممكن جر أجزاء أساسية فيها إلى مواجهات مذهبية خطيرة)، ولكن أيضاً لأن الحزب محكوم، أيّاً يكن، بواقعه وفكره المذهبيين، وبرؤية مذهبية لكامل الحياة والسلطة السياسيتين في البلد.
من هنا الأهمية القصوى لدور اليسار اللبناني، بمقدار ما يستطيع أن يوحد صفوفه على أساس برنامج علماني ديمقراطي متقدم، من جهة، وفي الوقت ذاته اقتصادي-اجتماعي، من جهة أخرى، يركِّز على تعبئة أوسع الجماهير المفقرة، على أساس مصالحها الاجتماعية التي تستهدفها الطبقة الحاكمة بأبشع عملية نهبٍ لقوة عملها، ومستوى معيشتها؛ كما يركز أيضاً على استقطاب شريحة واسعة من الطبقات الوسطى، التي ينحدر وضعها الاقتصادي يوماً بعد يوم، فضلاً عن أجزاء أساسية من الإنتلجنسيا الرافضة للتذيل للقوى السياسية المذهبية والطائفية، في أي من أجنحة الصراع الدائر حالياً، ضمن الطبقة البرجوازية المسيطرة. وبالطبع، مع التمييز، في الوقت عينه، بين برنامج وتوجهات الجناحين المشار إليهما، في ما يخص المسألة الوطنية وسلاح المقاومة، وقضية المواجهة مع إسرائيل والإمبريالية العالمية، بحيث يجري التأكيد على الانخراط، وإن من مواقع نقدية، في هذه المواجهة، جنباً إلى جنب مع القوى التقليدية المعادية للدولة الصهيونية والإدارة الأميركية.
ليس هذا وحسب، بل إنها لمهمةٌ أساسية لليسار أن يضطلع بإعادة إحياء المقاومة الوطنية التي كان أول من بادر إليها في أواسط أيلول 1982. وهو أمر تزداد إلحاحيته مع اقتراب البوارج الأميركية من السواحل اللبنانية، ومع التهديد الذي بات ينذر الآن بقرب شن إسرائيل حرباً جديدة على لبنان. وهو بذلك لا يكون يؤدي فقط وظيفة طالما اضطلع بها الشيوعيون، في شتى البلدان، من مواقع طليعية، لتحرير بلدانهم من الاحتلال، بل يساهم أيضاً في نزع السمة الطائفية عن السلاح المقاوم، التي ربما كانت إحدى نقاط الضعف الأساسية التي تسهِّل على قوى التبعية والخيانة في البلد مسعاها المحموم لأجل تجريد الوطنيين الإسلاميين منه.
أكثر من ذلك، ورداً على الدعاوة واسعة الانتشار، القائلة بأنه لا يجب تحميل الشعب اللبناني أعباء مقاتلة إسرائيل، في حين تستنكف كل الدول العربية عن الاضطلاع بهذه المهمة – وهي دعاوة لا يحتكرها اليمين المحلي وحسب، بل شاركت فيها مراراً أطراف في اليسار اللبناني – فإننا نعتقد، على العكس، أن ذلك يرتِّب على الوطنيين والثوريين اللبنانيين مسؤوليات إضافية إلزامية:
أولاً، على المستوى الوطني البحت، ولا سيما أن ثمة أراضي لبنانية لا تزال تحت الاحتلال، ناهيكم عن الأسرى الذين تستمر إسرائيل في احتجازهم منذ عشرات السنين، وعن جثامين الشهداء الباقية لديها، فضلاً عن اعتداآتها المتواصلة، المتمثلة بوجه خاص بالتحليق اليومي لطيرانها العسكري في الأجواء اللبنانية، وامتناعها عن تسليم خرائط بأماكن الألغام المزروعة، على امتداد الحدود الوطنية. علماً بأن الدولة الصهيونية تمتلك أطماعاً فعلية في المياه اللبنانية، وتمنع المواطنين الجنوبيين من استخدام مياه العديد من الأنهار الحدودية النابعة في الأراضي اللبنانية، كالحاصباني والوزاني.
هذا من جهة، ومن جهة أخرى، لأن الجيش اللبناني لم يُعَدَّ يوماً لصد العدوان الصهيوني، وكانت مهماته منحصرة دائماً في الداخل، وفي معظم الأحيان دفاعاً عن مصالح رأس المال المسيطر، والسلطات السائدة، وفي مواجهة الجماهير الشعبية الكادحة. ليس لأن أفراده يفتقرون، بالضرورة، إلى الشجاعة، أو المشاعر الوطنية، بل لأن الحكومات المحلية المختلفة لم تكن تمتلك إجمالاً استرانيجية قتالية وطنية، وكانت أقرب بذلك إلى التخاذل الدائم، إذا لم يكن إلى الخيانة. ولقد كان مخزياً إلى أبعد الحدود، على سبيل المثال، أن تكون القوات المسلحة المحلية امتنعت على امتداد الثلاثين سنة الأخيرة، التي شهدت حروب إسرائيل العدوانية المتكررة على لبنان، واحتلالها أراضيه، عن إطلاق رصاصة واحدة على المحتلين. على العكس، فبدلاً من ذلك، بلغ الذل والتخاذل، في الحرب الأخيرة، صيف عام 2006، حدود تقديم الشاي لجنود الاحتلال وضباطه داخل ثكنةٍ للقوات المسلحة اللبنانية!
ثانياً، على المستوى القومي، حيث أن أي فصل بين الصعيدين الوطني والقومي لا يمكن إلا أن يكون مصطنعاً تماماً، ويتناقض بصورة جذرية ليس فقط مع مصالح الشعوب العربية ككل، بل أيضاً مع مصالح الشعب اللبناني الوطنية البحتة. بالمقابل، فبقدر ما تكون هنالك مقاومة لبنانية باسلة تكبد العدو – أكان يتمثل بالجيش الإسرائيلي بالذات أو بالبوارج والجيوش الأميركية – أفدح الخسائر، وتصمد ببطولة في وجه عدوانه، بقدر ما يمكن أن يسهم ذلك في تعميم روح المقاومة في أكثر من قطر عربي، مع الوقت، وفي حفز قيام معارضات وطنية، هنا وهناك، قد تتمكن لاحقاً من إطاحة أنظمة التبعية والعمالة، تمهيداً لتصفية الهيمنة الإمبريالية على الثروات القومية، من جهة، واستعادة الشعب الفلسطيني، من جهة أخرى، حقوقه الوطنية وتمكينه من تقرير مصيره بحرية على أرضه التاريخية، فضلاً عن تمكين الشعب العراقي من تصفية الاحتلال العسكري الأميركي، في وقتٍ يعلن فيه مسؤولون أميركيون أن هذا الاحتلال قد يدوم مئة سنة!! بمعنى آخر، إلى حين تنضب آخر نقطة نفط عراقية!
ومن الواضح أن الغضب الهستيري على حزب الله، الذي تملَّك ملوكاً ورؤساء عرباً عديدين، سواء في الخليج أو في مصر بالذات، خلال حرب تموز-آب 2006 الماضية، لم يكن ناجماً إطلاقاً عن حرصهم على لبنان، وباقي البلدان العربية، بل عن رعبهم من احتمال انتقال شرارة التمرد وعدوى المقاومة إلى شعوبهم. ولأجل ذلك، وصلت بهم الخيانة حدَّ الاتصال سراً بالحكومة الإسرائيلية لمطالبتها، كما أعلن رئيسها أولمرت في حينه، بالمضي في حربها حتى النهاية، وإلى حين التمكن من القضاء على ... حزب الله!
إن شرارة التمرد تلك يمكن أن تنتقل حقاً، وإذا فعلت، فهي لن تحرق السهل فقط، كما كان يقول الزعيم الصيني ماو تسي تونغ، بل عروشاً عديدة يحول بقاؤها إلى الآن دون إنجاز مهام الثورة العربية، التي من المؤسف جداً أن يكون اليسار العربي فشل إلى الآن في الاضطلاع بعبئها، لا بل حتى في طرحها جدياً على جدول أعماله. ولن يكون من قبيل المبالغة أو العبث، بالتالي، اعتبار أن إحدى أرقى مهام اليسار اللبناني لعب دور مركزي في تسليط الضوء ساطعاً على أمراض اليسار العربي ونقد نقاط ضعفه التاريخية، باتجاه تجاوزها، والتجمع معه حول مطالب أساسية تدمج بين المهام الديمقراطية والاجتماعية الوطنية ومهام التحرر القومي وبناء الاشتراكية.
وهي مهام لن يمكن التنطح لإنجازها، أو حتى البدء بإنجازها، إلا بمقدار ما يتمكن هذا اليسار من الانغراس عميقاً، في شتى مواقع وجوده، وبصورة عضوية ، في طبقات بلدانه العاملة وسائر فئات المنتجين والمنتجات من كل الأعمار بما في ذلك على صعيد الأحداث، وفي العمل اليدوي كما الذهني، وفي شتى مجالات الإنتاج في الصناعة كما في الزراعة والخدمات، فضلاً عن السعي الدائب أيضا لتنظيم الفئات المهمشة، ولا سيما العاطلين عن العمل، والشغيلة الموسميين، ذكوراً وإناثا.

2. مهام مترابطة
يطرح نص الدعوة نفسه إلى لقاء اليسار، بين ما يطرح، مشكلة تتعلق بكيفية الربط بين مقاومة الاحتلال ودعم فلسطين وبناء الوحدة العربية، من جهة، وقضايا التنمية والتقدم التقني والعدالة الاجتماعية، والتطور السياسي والديمقراطية، من جهة أخرى.
وهي مسألة لم تكن تتخذ هذا الطابع الإشكالي في تاريخ سابق، وإجمالاً، في معظم بلدان العالم، على رغم التفاوت الواضح في تطورها، وذلك بسبب موازين القوى الطبقية على المستوى العالمي بعد انتصار ثورة أكتوبر في العام 1917، وما تلا ذلك من تطور كثيف لنضالات الطبقة العاملة وما أمكن أن تحققه من مكاسب وانتصارات، بنتيجة الأزمات الخانقة والمتواصلة على صعيد المجتمعات الرأسمالية. كانت الشروط الموضوعية لقيام ثورات اشتراكية ناضجة ً في عدد واسع من الدول ، وهو ما كان يصفه المفكر الماركسي المجري، جورج لوكاش، بحالية الثورة. وكان ثمة اعتقاد راسخ بان الشيء الوحيد الذي ينقص لأجل تغيير العالم إنما هو العامل الذاتي، المتمثل بالأحزاب الثورية الجماهيرية، المرتبطة بفكر الطبقات العاملة ومصالحها، وبالتالي بالبرنامج الذي يضمن قيادتها لعملية التغيير.
إن انهيار الاتحاد السوفييتي والمعسكر الذي كان يزعم بناء الاشتراكية جاء يضغط باتجاه إعادة النظر بعمق في مسألة حالية الثورة، ولا سيما في السنوات القليلة الأولى التي تلت ذلك التحول المذهل وأتاحت للكثيرين أن يكرروا وراء فرانسيس فوكوياما، كالببغاوات، جزمه الأبله بنهاية التاريخ .
غير أن هذا الأخير لم ينته، وواصل مسيرته بدأب وبصورة لا تقل انتظاماً. وبقي القانون الذي تحدث عنه ماركس وإنجلس في مطلع بيانهما الشيوعي، في ما يتعلق بصراع الطبقات، يفعل فعله بلا انقطاع. وسرعان ما عادت تتعدل موازين القوى مجددا لغير صالح الإمبراطورية الأميركية، ولغير صالح رأس المال المعولم. نزل الملايين إلى الشوارع في عواصم العالم ضد الحرب، وتجمعت الشبيبة العاملة من شتى البلدان، في سياتل وبورتو اليغري وبومباي، ضد النيوليبرالية. ومجدداً، بات يمكن الحديث عن التغيير الثوري، وعن قيادة الطبقة العاملة لهذه السيرورة . إن قيادة الطبقة العاملة بالضبط، على المستوى العربي العام، وفي هذا القطر أو ذاك، بما فيه لبنان، هي الكفيلة بالربط بين المهام الواردة أعلاه. وفي ما يخص لبنان بالذات، هي التي يمكن أن تعيد ضبط البوصلة الطبقية، بحيث لا تبقى المذاهب والطوائف تقود حركة الجماهير، وتشطر البلد شطرين، وتهدد بتكرار حروب أهلية سابقة لم يجن البلد منها سوى الكوارث، ومئات الألوف من القتلى والجرحى والمشوهين، عدا الدمار في كل مكان والديون الخيالية، والتخلف الذريع في الوعي وانقسامات سياسية قاتلة لا علاقة لها على الإطلاق بالمصالح الفعلية للناس. علماً بأنه فيما يحدث هذا التقاطب المخيف، تتراجع أوضاع الناس الاجتماعية بصورة مذهلة، وتمضي الطبقة الحاكمة في نهبها لخزانة الدولة، بلا حساب، وفي آن معاً لأوسع شريحة من المنتجين والمستهلكين، الذين تنهار غالبية ساحقة منهم إلى مستوى الفقر، وحتى إلى ما دونه بدرجات.
لقد نجحت البرجوازية المحلية في العقود الأخيرة في ضرب الأدوات الأساسية للنضال الطبقي، وفي مقدمتها الاتحاد العمالي العام والهيئات النقابية، بما فيها الروابط الطلابية، واتحاد طلبة الجامعة اللبنانية، التي كانت تضمن، قبل ذلك، ولو جزئياً، قيادة التحركات الشعبية ضد الغلاء، وانهيار مستوى المعيشة، وكبت الحريات، وغير ذلك من تجليات الهجمة السلطوية على مصالح الناس الاجتماعية والوطنية. وان عودة حقيقية لليسار إلى واجهة الصراع الاجتماعي والسياسي في البلد لا مفر من عبورها بإعادة بناء الجسم النقابي وضمان استقلاله عن أجهزة الدولة ، وفي آن معاً عن الطبقة البرجوازية السائدة، ولا سيما جناحها المالي. ولكن في غضون ذلك وبالتلازم معه، لا بد من أن يجد هذا اليسار، وفي القلب منه الحزب الشيوعي اللبناني، موقعاً أساسياً له، ولجماهيره التاريخية - بما في ذلك كل الذين انسحبوا في أزمنة سابقة من تجربته، ولا سيما في العقدين الأخيرين – في العمل المقاوم، وفي كسب أوسع الجماهير، من شتى الطوائف، لقضيته ولقضية حماية سلاحه، وذلك بالتعاون والتنسيق الوثيقين مع المقاومة الإسلامية في حزب الله. ذلك أن المعركة القادمة ستكون بالغة الضراوة، وطويلة الأمد، في عصر نعيش إرهاصاته الأولى، هو عصر الاهتزاز العميق للتفوق الإسرائيلي ( على المستوى الإقليمي)، وفي الوقت عينه، وهذا هو الأهم، عصر بداية انهيار الإمبراطورية الأميركية. وانخراط اليسار اللبناني في هذه المعركة لن يضعه فقط في صدام مع اليمين المحلي، والسلطة المحلية القائمة، أو على الأقل جناح أساسي منها، بل أيضاً مع النظام العربي المسيطر (وفي القلب منه بوجه أخص المملكة السعودية والحكم المصري)، هذا النظام الذي يشكل صمام الأمان الإقليمي لاستمرار الدولة الصهيونية، من جهة، ولبقاء الهيمنة الإمبريالية على الوطن العربي، من جهة أخرى. وهو واقع لا بد من أن يلعب دوراً مؤثراً في تعزيز الشروط الموضوعية والذاتية في آن معاً لوحدة عمل اليسار العربي، ولتبادل التأثير العميق بين مكوّناته الإقليمية، مع موقع خاص وأساسي في عملية تبادل التأثير هذه لليسار اللبناني، ليس فقط بنتيجة أدائه العملي، بل أيضاً بنتيجة إشعاعه الفكري والبرنامجي، الذي يتجاوز الإطار الوطني المحدود إلى الأفق القومي، عبر إيلائه أهمية جوهرية لمسألتين في برنامجه يفترض أن تكونا مركزيتين ، ألا وهما القضية الفلسطينية (وتأمين الدعم الأقصى للشعب الفلسطيني لتمكينه من ممارسة حقه في تقرير مصيره) وقضية الوحدة العربية.
وبخصوص المسألة الأولى، يتأمن هذا الدعم، لبنانياً، بمقدار ما تتأمن الشروط التالية:
- استمرار الصدام مع إسرائيل والإمبريالية العالمية وتأمين ظروف ومقومات هذا الاستمرار العربية والدولية.
- حماية السلاح الفلسطيني في المخيمات وإحباط مؤامرة نزعه التي كان آخر تجلياتها تدمير مخيم نهر البارد، علماً بان إعادة إعمار هذا المخيم الفورية يجب أن تكون مطلباً مشتركاً للجماهير اللبنانية والفلسطينية .
- تأمين الوحدة النضالية بين السكان المحليين، على اختلافهم، ومن ضمنهم اللاجئون الفلسطينيون، وبالتالي وحدة السلاح المقاوم، اللبناني والفلسطيني.
- الضغط الجدي والدائم لأجل انتزاع الحقوق المدنية الكاملة للشعب الفلسطيني على الأرض اللبنانية، بالتلازم مع الدعم غير المشروط لحقه في العودة، تنفيذاً للقرار الأممي رقم 194 الصادر عام 1948.
- الضغط لأجل تبني الدولة اللبنانية مطلب سحب الاعترافات العربية بإسرائيل وقطع العلاقات معها بشتى أشكالها، وفي الوقت نفسه لأجل أن يصبح هذا المطلب نقطة مركزية في برنامج قوى اليسار والتقدم والديمقراطية في شتى البلدان العربية.

أما بخصوص المسألة الثانية، مسألة الوحدة العربية، فيجب أن تعود إلى واجهة برنامج اليسار اللبناني، وانطلاقاً من ذلك إلى واجهة برامج شتى مكونات اليسار العربي، وذلك على أساس المطالب الانتقالية التالية:
- الضغط لأجل تحويل الجامعة العربية إلى أداة فعالة لحل الخلافات سلماً بين أعضائها، وتطبيق المعاهدات المعقودة في إطارها في فترة صعودها بوجه أخص، ولا سيما معاهدة الدفاع المشترك، ومقاطعة إسرائيل والشركات المتعاملة معها.
- العمل على إلغاء الحواجز الجمركية بين الدول العربية، وعلى إقامة سوق عربية مشتركة، تمهيداً لتوحيد العملة، والدخول تالياً في سيرورة توحيدية شاملة، ولا سيما في ظل العولمة الرأسمالية الراهنة والحاجة إلى احتواء الأضرار الجسيمة التي تلحقها بالاقتصادات الوطنية، وبقدرة بلداننا على إحداث تنمية ذاتية حقيقية وسيطرة جدية على ثرواتها. وهي سيرورة تتضمن كذلك اعتماد تأشيرة عربية ، وإنشاء المشاريع المشتركة على صعيدي الصناعة والزراعة، وحل مشكلات المياه والري على مستوى عربي شامل، وإنشاء مصرف قومي يتغذى من تحويل أموال النفط والغاز إلى الاستثمار والتنمية في الوطن العربي، ويكون بين أهدافه في الوقت ذاته تحرير الشعوب العربية من الديون الخارجية ومن سيطرة البنك الدولي وصندوق النقد الدولي والمؤسسات المالية المعولمة.
- الضغط لإجبار الحكومات العربية على أن تضع في أعلى جدول أعمالها، في الأمم المتحدة والمنظمات الدولية المختلفة، مسألة نزع سلاح الدمار الشامل الإسرائيلي، ولا سيما السلاح النووي، كما لأجل تقديمها شتى أشكال التضامن الفاعل للشعب الفلسطيني، لأجل ممارسة حقه الكامل في تقرير مصيره، وعلى طريق ذلك تقديم أقصى الدعم المادي والمعنوي لمقاومته، في شتى أماكن وجوده داخل فلسطين التاريخية، فضلاً عن توفير مقومات صموده في وجه آلة القتل والتدمير الإسرائيلية، المدعومة أميركياً.
- الضغط لإعادة الاعتبار لاستخدام سلاح النفط، وذلك لأجل حماية المصالح الحيوية للشعوب العربية وإحباط الهجمات الإمبريالية التي تستهدفها.
- العمل على إحباط مشاريع الإدارة الأميركية لإقامة ما تسميه تارة الشرق الأوسط الجديد، وطوراً الشرق الأوسط الأكبر أو الكبير، والضغط في آن لتفكيك القواعد العسكرية التي تقيمها في العديد من البلدان العربية، ولوقف المناورات العربية الأميركية المشتركة، وكامل التسهيلات التي تقدمها الأنظمة العربية لآلة الحرب الأميركية.
- دعم حق الشعب العراقي في فرض انسحاب فوري للقوات الأجنبية من العراق، وفي استعادة سيادته وسيطرته الكاملة على ثرواته.
- السعي لأجل حل قضية الأقليات القومية عن طريق تمكينها من ممارسة حقها في تقرير مصيرها، بما في ذلك الانفصال، مع تشجيع بقائها وعدم لجوئها إلى هذه الخطوة القصوية، وذلك عن طريق تأمين المساواة التامة بينها وبين الأكثرية العربية وضمان كل حقوقها المدنية والثقافية والديمقراطية. وضمان حق ممارسة الجميع، من شتى الملل والأديان، معتقداتهم الدينية بالكامل، وفي الوقت عينه ضمان الفصل التام بين الدين والدولة.
- السعي لإرساء علاقات تضامن وتنسيق وثيقة بين قوى اليسار والتقدم والديمقراطية في شتى البلدان العربية، فضلاً عن بلورة نقاط برنامجية ذات طابع انتقالي تتضمن السعي المشترك لإنهاء السيطرة الإمبريالية على الثروات العربية، ولأجل إحداث تصنيع متقدم للمنطقة على أساس المصالح الفعلية للمواطنين، سواء كمنتجين للثروة الاجتماعية أو كمستهلكين، مع مراعاة دقيقة لحماية البيئة ، وإرساء الأسس الضرورية للتحول الوحدوي الاشتراكي، بالتعاون والتضامن مع شعوب العالم الأخرى.

وبالطبع، فان هذه المهام، التي تتجاوز الساحة الوطنية الضيقة إلى الأفق القومي، لا يمكن الفصل بينها وبين المهام الوطنية البحتة المتعلقة بقضايا التنمية المستدامة والتقدم العلمي والتقني، والعدالة الاجتماعية، والتطور السياسي والديمقراطية ، وكل ما يمكن أن يشكل رافعة في تجاوز أزمات النظام الطائفي اللبناني، الرأسمالي المتخلف والتابع.

3. نحو برنامج انتقالي وطني
لقد أوحى نص الدعوة بأهمية اكتشاف شروط الرد على أزمة النظام اللبناني الطائفي باتجاه تجاوزها، ملمّحاً إلى إمكان الاستناد في ذلك إلى جوانب من البرنامج المرحلي للحركة الوطنية ، في سياق رؤية نقدية لاتفاق الطائف.
وفي الواقع، إذا كان هذا الأخير والبرنامج المنّوه به يتضمنان بصورة جزئية، نقاطاً إصلاحية للنظام المذكور، ولا سيما انطلاقاً من مطلب إلغاء الطائفية السياسية، في حين يزيد البرنامج الإصلاحي المرحلي مسألة الزواج المدني الاختياري، إلا أن ذلك يبقى قاصراً إلى حد بعيد عن ملامسة الجوهر الذي بدونه سوف يصمد هذا النظام، كما فعل في العقدين الأخيرين، لا بل سيزداد ترهلاً وتعفناً وإنتاجاً لشروط تجدد الحرب الأهلية.
إن ذلك يحفز بالضرورة استجلاء رؤية برنامجية اكثر جذرية، تمتلك طابعاً انتقالياً، ولا تقتصر على الإصلاح السياسي والإداري، بل تتجاوزه إلى بدء سيرورة للتغيير الاقتصادي والاجتماعي هي الوحيدة القادرة على إنتاج ظروف الانتقال بالإصلاح السياسي والإداري إلى التنفيذ، عبر الإفساح في المجال أمام إزاحة القوى السياسية التي تحجز هذا التطور وتشّله وتعيقه منذ العام 1990.
فعلى الصعيد الاقتصادي، الذي يشهد تدهوراً سريعاً في مستوى معيشة أوسع الجماهير، يتزايد إمساك البرجوازية المصرفية والمالية بمفاصل الاقتصاد اللبناني، وانتهاج سياسة استدانة خطيرة تضع البلد بكامله تحت رحمة الشركات الأجنبية المعولمة، والبنك وصندوق النقد الدوليين، بعد أن فاقت الديون الخمسين ملياراً من الدولارات؛ ويتعرض جزء أساسي من هذه الديون للنهب والهدر على يد الطبقة البرجوازية السائدة وحلفائها في السلطة السياسية، من أسياد الطوائف وأمراء الحرب وأزلامهم؛ وتنتهج السلطة المذكورة سياسة اقتصادية، عبّرت عنها بوضوح الورقة الإصلاحية المشهورة لحكومة السنيورة الملتزمة بالاتفاقات الدولية التي كان آخرها ذلك المُقر في مؤتمر باريس 3 . وهي سياسة بين أهم بنودها خصخصة أجزاء حاسمة من القطاع العام المحلي، ضمن ظروف تؤكد أن هذه العملية ستندرج هي الأخرى في سياسة نهب المال العام ذاتها، بحيث لن تؤدي إطلاقاً إلى إطفاء الدين العام، ولا حتى الفوائد التي تتراكم عليه، كما يزعم دعاة هذه الخصخصة والقائمون على تسويقها ووضعها موضع التنفيذ. علماً بأن كل ذلك يجري تحميل أعبائه للجماهير الواسعة التي يتزايد إفقارها يوماً بعد يوم، في وقت نعرف فيه أن الحد الأدنى للأجور لم يتغير منذ العام 1996، على الرغم من التضخم الزاحف باستمرار، ولا سيما في السنوات الأخيرة.
إن هذا الواقع يتطلب إعادة نظر جذرية في السياسة الاقتصادية في اتجاه التدابير التالية:
أ – الحؤول دون المضي في سياسة الخصخصة، والعمل على حماية القطاع العام وإخضاعه لرقابة مشددة يشارك فيها العاملون فيه، فضلاً عن المحاسبة الصارمة لحالات الفساد والهدر في شتى الإدارات والمؤسسات العامة، وفي الوقت عينه إحباط التوجهات الحكومية لتطبيق البرامج الاقتصادية والمالية النيوليبرالية.
ب – اعتماد الضريبة التصاعدية على الدخل، وإنزال اشد العقوبات بالتحايل على الضريبة من جانب أرباب العمل وأصحاب المهن الحرة والتجار وأصحاب الدخول المرتفعة.
ج – وقف الاستدانة، وفرض تحقيق شامل لكشف حقيقة صرف عشرات المليارات من الدولارات المستدانة، مع ما رافق هذه العملية من نهب، وتحديد القوى المسؤولة عن ذلك ومحاسبتها الدقيقة على نهبها وهدرها، واستعادة الأموال المنهوبة مع فوائدها. فضلاً عن ضرورة استعادة الأملاك البحرية وغيرها من الأملاك العامة من تحت سيطرة مستثمريها غير الشرعيين الحاليين، بعد إجراء تسوية لصالح خزينة الدولة تأخذ بالاعتبار الأرباح المحققة سابقاً من استثمارها.
د – إعادة الاعتبار لدور الحركة النقابية، في مواجهة الدولة وأرباب العمل، مع إعادة نظر جذرية في هيكليتها، ضمن هذه الغاية، والسعي لضمان انغراسها في الوسط العمالي وقطاعات الإنتاج، والتزامها النضالي بالقضايا الشعبية والوطنية. هذا مع الضغط لأجل الكف عن تحميل الشغيلة، وكامل الفئات المعسرة وزر الأزمة المسؤولة عنها الطبقات السائدة، وتالياً تطبيق سياسة اجتماعية قائمة على اعتماد السلم المتحرك للأجور، وتأميم المنشآت المهددة بالإفلاس والإقفال، وتسييرها من جانب عمالها وموظفيها، كما حصل خلال الأزمة الأرجنتينية، قبل سنوات. فضلاً عن الضغط لاعتماد الرقابة العمالية في شتى مرافق الإنتاج.
أما على الصعيد السياسي ، فيقتضي اعتماد برنامج انتقالي يتضمن الإجراءات الآتية:
أ – الدعوة إلى انتخاب جمعية تأسيسية، على أساس غير طائفي، تعيد النظر جذرياً في الدستور اللبناني الحالي نحو تجاوز اتفاق الطائف، وتحقيق فصل حقيقي بين الدين والدولة، واعتماد الزواج المدني الاختياري، بصورة مؤقتة، تمهيداً لتجاوزه إلى قانون مدني للأحوال الشخصية ، في مهلة لا تتجاوز السنوات العشر بعد ذلك. على أن يتضمن الدستور الجديد، الذي تقره الجمعية المذكورة، تحقيق المساواة التامة بين المرأة والرجل، في شتى الميادين، ومن ضمنها قوانين الإرث والعمل، والعقوبات، والجنسية؛ وعلى أن ينص أيضاً على ضمان ممارسة الحريات الديمقراطية ، عبر تأمين شروطها المادية، ولا سيما بخصوص حرية التعبير والأعلام التي يجب ضمانها بمشاركة الدولة في تمويل الصحافة الحزبية ، من دون قيد أو شرط.
وعلى أن يشدد هذا الدستور أيضاً على قمع أي إعاقة من أي طرف كان لعمل المجلس الدستوري، مع إعطاء هذا المجلس حق المبادرة، تلقائياً، إلى دراسة كل القوانين التي يصوّت عليها المجلس النيابي، والبت بدستوريتها، أو العكس.
ب – وضع قانون للانتخابات النيابية، يلحظ النسبية والدائرة الكبرى، وخفض الاقتراع إلى 18 سنة، وجعل الاقتراع في مكان الإقامة الفعلية، وإعطاء النساء حصة لا تقل عن 30% من مقاعد المجلس النيابي.
ج – تعزيز التعليم الرسمي الابتدائي والثانوي، والجامعة اللبنانية، مع رصد موازنة جدية للأبحاث، على طريق تمكين البلد من الالتحاق بالتقدم العلمي، وبالتالي استعادة الأدمغة المهاجرة، وتطوير اقتصاد منتج في كل المجالات يسهم في حل مشكلة البطالة والهجرة حلا جذرياً.
د – الضغط لأجل تأمين الشروط الضرورية لقيام قضاء مستقل تماماً عن السلطتين التشريعية والتنفيذية، ويتمتع بأكبر قدر ممكن من النزاهة ونظافة الكف، مع إتاحة المجال واسعاً أمام المتقاضين لملاحقة القضاة المرتشين والفاسدين وكف أيديهم وإنزال أقصى العقاب بهم.
في كل حال، إن هذه بعض الأفكار الأساسية التي يمكن أن تشكل مدخلاً لإغناء الحوار الذي سيبدأ يومي السبت والأحد القادمين، 15 و16 آذار الجاري، على أن يتمكن لقاء اليسار من اختيار لجنة متابعة تمتلك الكفاءة والحيوية وما يكفي من الحوافز المعنوية لأجل إنضاج شروط قيام حالة يسارية متقدمة منغرسة في الوسط الجماهيري، وقادرة على تشكيل بديل متقدم للقوى المذهبية المرتبطة بالنظام الطائفي الرأسمالي اللبناني التابع، في مرحلة هي الأشد خطورة في تاريخ لبنان، وكامل المنطقة العربية.



#كميل_داغر (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- - نحن مع توحيد العالم العربي، لكن مع احترام الحقوق المشروعة ...
- ثورة 1789 اللبنانية التي لم تتم!
- من تل الزعتر إلى البارد، مسيرة الخذلان والاضطهاد والقهر
- لبنان والانتخابات الرئاسية في مَهَبِّ الرياح
- المحكمة ذات الطابع الدولي، أبعادها ومحاذيرها
- أفكار حول دور آخر ممكن-رسالة إلى غبطة البطريرك الماروني نصرا ...
- نحو قرار للجمعية العامة بوقف غير مشروط للنار على أساس آلية - ...
- لأجل أن ينتصر الدم على السَّيف
- ورقة للإصلاح أم لتشريع الفساد والظلم الاجتماعي؟
- سياسة حافة الهاوية وافتقاد يسار ثوري فاعل
- ماياكوفسكي سيكون حزيناً
- لئلا تنجح خطة تقسيم العراق وتقزيمه رسالة إلى أصدقاء عراقيين ...
- لبنان: أزمة وطن وأزمة يسار
- اغتيال الحريري وإطلاق الجن قراءة هادئة لشهر هائج
- مقدمة الترجمة العربية ل-النبي المنبوذ-، الجزء الثالث من سيرة ...
- مقدمة الجزء الأول من الترجمة العربية ل -النبي المسلح- الجزء ...
- رداً على المجلس الأعلى للثورة الإسلامية أليس من خيار غير الن ...
- كلنا معنيون بمصير الشعب العراقي
- حكومة الموت وطائر الفينيق


المزيد.....




- الحرب على الاونروا لا تقل عدوانية عن حرب الابادة التي يتعرض ...
- محكمة تونسية تقضي بإعدام أشخاص أدينوا باغتيال شكري بلعيد
- القذافي يحول -العدم- إلى-جمال عبد الناصر-!
- شاهد: غرافيتي جريء يصوّر زعيم المعارضة الروسي أليكسي نافالني ...
- هل تلاحق لعنة كليجدار أوغلو حزب الشعب الجمهوري؟
- مقترح برلماني لإحياء فرنسا ذكرى مجزرة المتظاهرين الجزائريين ...
- بوتين: الصراع الحالي بين روسيا وأوكرانيا سببه تجاهل مصالح رو ...
- بلجيكا تدعو المتظاهرين الأتراك والأكراد إلى الهدوء
- المكتب السياسي للحزب الشيوعي العراقي: مع الجماهير ضد قرارا ...
- بيان تضامن مع نقابة العاملين بأندية قناة السويس


المزيد.....

- مَشْرُوع تَلْفَزِة يَسَارِيَة مُشْتَرَكَة / عبد الرحمان النوضة
- الحوكمة بين الفساد والاصلاح الاداري في الشركات الدولية رؤية ... / وليد محمد عبدالحليم محمد عاشور
- عندما لا تعمل السلطات على محاصرة الفساد الانتخابي تساهم في إ ... / محمد الحنفي
- الماركسية والتحالفات - قراءة تاريخية / مصطفى الدروبي
- جبهة المقاومة الوطنية اللبنانية ودور الحزب الشيوعي اللبناني ... / محمد الخويلدي
- اليسار الجديد في تونس ومسألة الدولة بعد 1956 / خميس بن محمد عرفاوي
- من تجارب العمل الشيوعي في العراق 1963.......... / كريم الزكي
- مناقشة رفاقية للإعلان المشترك: -المقاومة العربية الشاملة- / حسان خالد شاتيلا
- التحالفات الطائفية ومخاطرها على الوحدة الوطنية / فلاح علي
- الانعطافة المفاجئة من “تحالف القوى الديمقراطية المدنية” الى ... / حسان عاكف


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - العمل المشترك بين القوى اليسارية والعلمانية والديمقرطية - كميل داغر - إجابات أولية على طريق لقاء اليسار