أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سعد محمد رحيم - موضوعة -السأم- في الأدب الروائي















المزيد.....

موضوعة -السأم- في الأدب الروائي


سعد محمد رحيم

الحوار المتمدن-العدد: 2221 - 2008 / 3 / 15 - 06:01
المحور: الادب والفن
    


كتّاب كثر جعلوا من ( السأم ) ثيمة لكتاباتهم الفكرية والإبداعية، ولاسيما أولئك المحسوبين على التيار الوجودي، أو المهتمين بالأفق الوجودي للحياة الإنسانية. ذلك أن السأم معضلة وجودية وعلامة وعَرَض لمرض غامض، يخص الكون النفسي والفكري للإنسان، ليس من السهل تسميته وحتى تحديده، يعاني منه مجتمعنا المعاصر، ويغدو مع غليان الوعي موقفاً من العالم والوجود. وها هو عمر الحمزاوي بطل رواية ( الشحاذ ) لنجيب محفوظ يستيقظ بعد عماء ربع قرن بوعي يتفتح ليملأه بالتقزز من كل شيء. وهو الذي تحوّل من ثائر متحمس يهتم بالشأن العام ويفكر بتغيير بلده والعالم إلى محام برجوازي ناجح، ثري ومستقر بالمعايير المدنية التقليدية، حيث جعله السأم، من دون سابق إنذار، يعتزل عالمه المترف بما فيه عمله وأسرته وأصدقاؤه، ويستغرق في حالته النفسية المستجدة، مفكراً بذاته وماضيه.. من يكون وكيف صار في هذا الوضع، ولماذا؟. فالسأم هو الوجه الآخر للإحساس باللاجدوى، وبالفتور.. إن العالم في نظر الإنسان الذي تملّكه السأم، فاتر، لا طعم له ويبعث على الغثيان. ورواية ( الغثيان ) لسارتر تكاد تكون مقالة طويلة في هذه الموضوعة. فبطله غير قادر على المواءمة والتواصل مع محيطه الذي يجده بيئة طاردة، وقد يتسع هذا المحيط ليكون بمساحة الكون.
ويرتبط السأم بالوعي، بالوعي الذي يدرك مدى عجزه عن زحزحة الأشياء عن مكانها إلى حيث يعتقد أنها يجب أن تكون، أو تغييرها. فحين تهتز بوصلة المرء وتضيع عنده الغاية. حين يصل إلى قناعة أنه لا يعرف ماذا عليه أن يفعل على وجه التحديد، فإذاك يستحوذ عليه السأم ويطبع حياته بطابعه. وأحياناً يلجأ الإنسان بدافع السأم إلى اتخاذ قرارات خطيرة أو تضييع فرص سانحة قد لا تتكرر في حياته.
والسأم، كما نوّهنا، هو إفراز للبيئة الطاردة للإنسان حين يجد هذا الإنسان نفسه غير قادر على التلاؤم معها وكذلك على الهرب منها. ولا يتمكن السأم من الإنسان الذي يشعر بالخطر والتهديد، بل على العكس فقد يلجأ إلى المغامرة وإلى ما يجعله في مرمى الخطر والتهديد كي يغادر رتابة حياته، ويتخلص من سأمه. وهناك من البشر من لا يطيق البقاء في مكان واحد، فتراه دائم الترحال، هذا هو شأن أبطال روايات إبراهيم الكوني، أولئك الذين يجوبون الصحارى، بحثاً عن جنة مفقودة، يعانون التعب والعطش ويوشكون على الموت، وحالما يصلون إلى واحة ما ويأخذون قسطاً من الراحة ويرتوون يعاودون الكرّة ثانية، ويمضون ثانية إلى المجهول، متفادين سأم البقاء في مكان واحد حتى وإن كان يوفر لهم مقوِّمات العيش.
عالج ألبرتو مورافيا موضوعة السأم في رواية شهيرة له بهذا الاسم. وكذلك فعل كولن ولسن في بعض من أعماله، أبرزها ( ضياع في سوهو ). وفي رواية ( الغريب ) لألبير كامو يصبح السأم منطلقاً قدرياً لأفعال سلبية تتوج بجريمة قتل. أما بطل رواية ( كانت السماء زرقاء ) لإسماعيل فهد إسماعيل فإنه تحت وطأة السأم لا غيره يقرر الهرب مع عدد من الضباط الفارين إلى خارج العراق إثر انقلاب عسكري على الرغم من أنه ليس من رجال العهد السابق أو العهد اللاحق كما يقول هو. وفي روايات شهيرة مثل ( مدام بوفاري ) لفلوبير و ( آنا كارنينا ) لتولستوي يلعب السأم، ومحاولة الخروج من رتابة الحياة، الريفية الضيقة في الرواية الأولى، والبرجوازية الباردة في الرواية الثانية، دوراً كبيراً في تبديل المصائر وتحريك الأقدار. ونرى كلتا الشخصيتين، في الروايتين الآنفتي الذكر، كيف ستدفعان الثمن غالياً، بسبب الموانع الثقيلة التي أطاحت بهما من علياء أحلامهما إلى الأرض الصلدة القاسية للواقع بمواضعاته، وما يبث من عوامل إحباط.
وفي الغالب فإن شخصيات كثر من هذه الروايات تحمل وعياً حاداً بالواقع يتسم باللامبالاة والتذمر والرفض والسخرية، ويكون سلوكها سلبياً. ذلك أنها تهتم بقضية المعنى في هذا العالم. وإذ يغدو المعنى ملتبساً، أو وهماً لا يقدر على الإمساك به، فلذا تجد نفسها محبطة وذات إرادة واهنة، وغير راضية بالمرة. وذلك هو نموذج المثقف منذ بدايات القرن العشرين.. المثقف الذي يبصر خللاً فادحاً في كيان العالم يعتقد أنه من الصعب أو ربما من المستحيل إصلاحه. ولهذا فإنه سيلجأ إلى المتع العابرة، أو التوحد منطوياً على مرارته الخاصة، وحسّه العالي بالتهكم طالما انه غير قادر على أن يغيّر من الأمر شيئاً. وفي رواية ( ثرثرة فوق النيل ) لنجيب محفوظ نلتقي بشخصيات سلبية منغمسة في اللهو وتعاطي المخدرات، تسخر من نفسها ومن العالم خارج العوّامة التي تلتقي فيها والتي هي مكان عيش لبعضها. نقرأ في الرواية: " التقط من النافضة عقب سيجارة من السجائر التي دخنها أثناء الجلسة، بقي منها الفلتر البرتقالي وعقب أبيض مضغوط فتأملها طويلا ثم أعادها إلى موضعها وسط مجموعة من الهاموش الهالك... وخطر له أن يتسلى بعدّ النجوم ولكن أعوزتهُ الهمة. إذا لم يكن في النجوم من يعنى برصد كوكبنا ودراسة أحوالنا الغريبة فنحن ضائعــون... وترى كيف يفسر الراصد مجلسنا الضاحك... سيقول ثمة تجمعات دقيقة تنفثُ غبارا مما يكثر في الغلاف الجوي للكواكب وتصدر عنها أصوات مبهمة لا يمكن فهمها مادمنا لم نصل بعد إلى معرفة أي فكرة عن تكوينها... ومن العجيب أن هذه التجمعات تختفي لتعود من جديد ويتكرر الحال على ذلك المنوال دون هدف واضح مما يرجح معه الرأي القائل بعدم وجود حياة بالمعنى الصحيح على الأقل.. وحسر الجلباب عن ساقيه المشعرتين وضحك بصوت عال ليرى الراصد ويسمع .. وقـــال : بل لنا حياة، وقد أوغلنا في الفهم حتى أدركنا اللامعنى وسوف نوغل أكثر وأكثر ولا أحد يستطيع التكهن بما يكون". لا شك أن هذا الصوت صادر من نفس هائمة، مخدّرة، يعصرها السأم.
يطغي السأم حين يفكر الإنسان أنه ليس في مكانه المناسب، وليس في زمانه الملائم، مع التأكيد أنه لا يعرف أيضاً أين هو ذلك المكان المناسب والزمان الملائم. ولعل السأم هو الذي دفع بكيرتز بطل رواية ( قلب الظلام ) لكونراد، لتقمص دور الإله، إزاء الحشود القبلية المأخوذة بالغريب، وبالسلطة القاهرة، بنمط حياتها البدائي، في ذلك الصقع البعيد، في أحراش إفريقيا.
يخبرنا بطل رواية السأم لمورافيا أنه تألم دوماً من السأم الذي لا يعني عنده مثلما هو عند الآخرين عكس التسلية، بقدر ما تشير التسلية إلى الشرود والنسيان. ففي بعض مظاهره فإن السأم يشبه التسلية "بما يخلّفه من شرود ونسيان ينتميان طبعاً إلى فئة خاصة جدا" ويقول "إن السأم في نظري هو حقاً نوع من النقص أو عدم التلاؤم أو غياب حسّ الواقع... ولقد سبق أن لاحظت أن السأم يثوي بصورة خاصة في عدم التواصل . وإذ كنت عاجزاً عن التواصل مع أمي التي كنت مفصولاً عنها كما كنت مفصولا عن أي شيء آخر فقد كنت محمولا على نحو ما أن أقبل سوء التفاهم هذا، وأن أكذب عليها...".
لا ينبع السأم من فراغ.. إنه نتاج وضع اجتماعي، تاريخي. وفي بعض الأوقات يكون حالة نفسية مؤقتة ( أو مستديمة )، خاصة بفرد ما، وقد يكون ظاهرة اجتماعية مرتبطة بعوامل تاريخية وبيئية، وإفرازاً لإطار زماني/ مكاني بعينه. لكنه يتخذ بعدا وجودياً ويسم رؤية الفرد إلى العالم بميسمه. ولهذا غدا موضوعة رئيسة، في الرواية المعاصرة، إلى جانب الموضوعات الكبرى التقليدية التي عالجها الروائيون، مثل الحب والجريمة والمغامرة والحرية والموت.



#سعد_محمد_رحيم (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- أفواه الزمن؛ هذا الكتاب الساحر
- شتائم ملوّنة
- مشكلاتنا ومشكلاتهم
- إيان مكيوان في -أمستردام-
- قصة قصيرة: ضاحية التيه
- هناك مع الوردة حلم زنزانة
- السرد وميثاق التخييل
- ماركس الناقد
- غوايات القراءة: -أن تحسب حصاد السنين بعدد الكتب التي قرأت-
- بحثاً عن ماركس
- رعد عبد القادر ومؤيد سامي: في ذكرى رحيلهما المبكر
- استعادة ماركس
- أسئلة عام جديد
- كاواباتا في ( العاصمة القديمة )
- أحلامنا المؤجلة
- قيم السرد بين كالفينو وإيكو
- حروب المياه
- ( العمى ) لساراماغو
- حفلة التيس؛ فضح البلاغة الرثة للديكتاتورية
- على قلق..


المزيد.....




- مصر.. الفنانة غادة عبد الرازق تصدم مذيعة على الهواء: أنا مري ...
- شاهد: فيل هارب من السيرك يعرقل حركة المرور في ولاية مونتانا ...
- تردد القنوات الناقلة لمسلسل قيامة عثمان الحلقة 156 Kurulus O ...
- مايكل دوغلاس يطلب قتله في فيلم -الرجل النملة والدبور: كوانتم ...
- تسارع وتيرة محاكمة ترمب في قضية -الممثلة الإباحية-
- فيديو يحبس الأنفاس لفيل ضخم هارب من السيرك يتجول بشوارع إحدى ...
- بعد تكذيب الرواية الإسرائيلية.. ماذا نعرف عن الطفلة الفلسطين ...
- ترامب يثير جدلا بطلب غير عادى في قضية الممثلة الإباحية
- فنان مصري مشهور ينفعل على شخص في عزاء شيرين سيف النصر
- أفلام فلسطينية ومصرية ولبنانية تنافس في -نصف شهر المخرجين- ب ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سعد محمد رحيم - موضوعة -السأم- في الأدب الروائي