أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - رياض الأسدي - سبخة العرب














المزيد.....

سبخة العرب


رياض الأسدي

الحوار المتمدن-العدد: 2219 - 2008 / 3 / 13 - 10:00
المحور: دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
    


العراق مهد الثقافة العربية، ومنبع اللغة العربية للعالم العربي والإسلامي كله، ومدارس النحو في الكوفة والبصرة, وبغداد كانت منبرا حرا للمعرفة الإنسانية؛ وهذه الأخيرة مدرسة بغداد كونت واحدة من المدارس الفكرية واللغوية المنسية، مثلما كانت (الحيرة) منبع الترجمة والثقافة في العالم القديم عن السريانية زمنا طويلا قبل الفتح الإسلامي. فمفهوم الثقافة العربية لا يعني الكتابة بالعربية على أية حال.
وهو العراق من عِرق و( أرك أو أوروك) مهد مدرسة الرأي والعقل وحرية التفكير والفرق الفلسفية والدينية طوال قرون كثيرة، حتى قيل قديما من أراد أن يكون له رأيا فليأت البصرة؛ وهذه حقيقة تاريخية لا تزعج أحدا.. فقد كان العراق قبل وبعد الإسلام مركز الحضارة الشرق أوسطية القديمة والوسيطة، وإذا ما أحس احد ما بنوع من (الغرابة) في ذلك فليراجع أية مكتبة عامة قريبة من داره وليتصفح أي مرجع قرب يديه، هذا إذا بقي لدينا ثمة مكتبات عامة في العراق يرتادها الناس في هذه الأيام السود، ليدرك بسهولة هذه الحقيقة وهي تسير في التاريخ وتسير على الأرض في الوقت نفسه.
لكن ريحا تشبه الحاصد الأسود بمنجل ذهب،هبت، زعازع،
لتصفّر الحرث والنسل، ولتحول الأرض إلى سباخ لا نهاية لها،
سباخ في إثر سباخ
ريح دائمة. قرونية. طويلة
مثل ليل سرمدي
ولا يبدو ثمة نهاية قريبة
ريح لا تورث إلا الفناء
وتحول الاخضرار الدائم إلى سباخ تاريخية عميقة.
فلتاريخ السباخ في البصرة حكاية مهمة حيث كان العبيد الذين يجلبون من شرق أفريقيا يعملون في كريها في العصر العباسي الثاني ليحولوا البصرة إلى بساتين وحدائق وأنهارا وبمئات الآلاف من أولئك المساكين الذين نصب لهم تجار النخاسة مصائد من شباك أو من حفر عميقة كمصائد الحيوانات تماما، حتى قضى مئات الآلاف منهم في رحلة القدوم على البصرة أو في هذه المهنة الرهيبة: كري السباخ في البصرة. وكانوا لا يمنحون إلا قليلا من التميرات الزهدي التي تزهد بها الناس، وبعض خبز الشعير الأسود كلّ يوم وبوجبة واحدة، وهم يعملون تحت السياط السود وسط الشمس المحرقة والريح العاصفة: هذا ما كان يدعوه البعض منا (بفينيسيا الشرق) ويتباهى به إلى اليوم!
وكان أول من أرّخ لسباخ البصرة المرحوم الدكتور فيصل السامر في كتابه المهم( ثورة الزنج) لذلك أعود لأدعو جامعة البصرة ومدينة البصرة – إن كانت مدينة مدنية باقية بعد- إلى الاحتفاء بهذا العالم وإرثه الثقافي الكبير وتقديمه للعالم- إن كان ثمة رمق ثقافي باق!- إلى جانب السياب والبريكان والفراهيدي وصمخان تابلاين دوبه النفطي! ولمن يسأل عن الموروث الثقافي الذي خلفه لنا السيد صمخان تابلاين فعليه مراجعة سجلات تهريب النفط العلني - على عينك يا تاجر - غير المكتوبة طبعا حيث إن الأخير هو الأهم في تاريخ (سبخة البصرة المعاصرة) وفي هذه المرحلة التاريخية القاحلة، فعن أية ثقافة نتحدث وعن أية حرية فكرية؟
سبخة عمي سبخة!
وفي البصرة ثمة منطقة شعبية كبيرة تدعى(سبخة العرب) خرج من هذه المنطقة شبه القاحلة العشرات من المثقفين والشعراء والكتاب التنويريين وهم يعرفون تماما أنهم من (سبخة العرب) المظلمة وهم يحنون إلى (سبختهم) مهما بعدت بهم الشقة وتناوشتهم المسافات البعيدة. ويبدو أن (سبخة العرب) لا توجد في البصرة وحدها فقد تحول العراق مهد العروبة والإسلام والثقافة الإنسانية كله إلى (سبخة عرب كبرى) تمتد من الشمال إلى الجنوب. مبارك. لم تعد لدينا في الوقت الحاضر ثمة سبخة واحدة للعرب في البصرة، فثمة سباخ لا حدّ لها في بغداد والموصل والديوانية وذي قار والرمادي.. حيث تمتد السباخ كموجات رملية متصاعدة إلى عمق الصحراء بعد أن تحولت مدينة الرمادي إلى خرائب (سبخية) بفعل التكفيريين والجيش الأميركي من المارينز. وأصبح العراق كلّه سبخة طويلة وعريضة ومجنونة لا تحتمل العيش ولا احد يتمنى البقاء فيها، وهاهي ملايينهم من المهجرين والمهاجرين والشاردين واللاعنين يوم خلقهم الله عراقيين تغادر السباخ للنجاة بجلودها وحدها بعد أن يئست من كلّ شيء.
وكلّ ما يتمناه المرء هنا في العراق أن لا تنتقل عدوى (السباخ) العراقية إلى البلدان المجاورة لكي لا يكتب عن هذه المرحلة بأنها كانت (سباخية) بامتياز ومن الدرجة الأولى، ثم أصبحت طامة عامة، وان السباخ أصبحت المعلم الرئيس للحياة في العراق وما جاوره من بلدان. لكن الأمنيات شيء وما يحدث على الأرض شيئا آخر طبعا.



#رياض_الأسدي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- العشرة المبشرون..!
- لماذا ننشر كتبنا هنا؟
- انهض أيها القرمطي
- فتاح باشا
- حرب عالمية أقتصادية على الأبواب؟؟
- تعالوا إلى الطفولة العراقية في غينس
- العراق وتركيا : من الخاسر في النهاية؟
- الستراتيجية الاميركية بعد سبتمبر 2007
- بكالوريا
- بندورا بغداد
- جَردة الموت (آمرلية ) هذه المرة
- نظرية الفوضى البناءة
- اليانكي
- الدب الروسي ورقصة العرضه
- تبغدد.. إلى هيلاري: متى تحكمنا نساؤنا؟
- الغاء الآخر.. نظرة في التاريخ القديم
- تقريربيكر هاملتون:محاولة نظر ناقصة
- الحرب على العراق مقدمة لحرب عالمية ثالثة؟
- القدامة العربية بين الديمومة وظاهرة التقليعة الفكرية
- حديث إلى كريم مروة والظاهرة العراقية


المزيد.....




- نقل الغنائم العسكرية الغربية إلى موسكو لإظهارها أثناء المعرض ...
- أمنستي: إسرائيل تنتهك القانون الدولي
- الضفة الغربية.. مزيد من القتل والاقتحام
- غالانت يتحدث عن نجاحات -مثيرة- للجيش الإسرائيلي في مواجهة حز ...
- -حزب الله- يعلن تنفيذ 5 عمليات نوعية ضد الجيش الإسرائيلي
- قطاع غزة.. مئات الجثث تحت الأنقاض
- ألاسكا.. طيار يبلغ عن حريق على متن طائرة كانت تحمل وقودا قب ...
- حزب الله: قصفنا مواقع بالمنطقة الحدودية
- إعلام كرواتي: يجب على أوكرانيا أن تستعد للأسوأ
- سوريا.. مرسوم بإحداث وزارة إعلام جديدة


المزيد.....

- تاريخ البشرية القديم / مالك ابوعليا
- تراث بحزاني النسخة الاخيرة / ممتاز حسين خلو
- فى الأسطورة العرقية اليهودية / سعيد العليمى
- غورباتشوف والانهيار السوفيتي / دلير زنكنة
- الكيمياء الصوفيّة وصناعة الدُّعاة / نايف سلوم
- الشعر البدوي في مصر قراءة تأويلية / زينب محمد عبد الرحيم
- عبد الله العروي.. المفكر العربي المعاصر / أحمد رباص
- آراء سيبويه النحوية في شرح المكودي على ألفية ابن مالك - دراس ... / سجاد حسن عواد
- معرفة الله مفتاح تحقيق العبادة / حسني البشبيشي
- علم الآثار الإسلامي: البدايات والتبعات / محمود الصباغ


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - رياض الأسدي - سبخة العرب