أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - كامل النجار - لو شاء الله لما فعلوه















المزيد.....

لو شاء الله لما فعلوه


كامل النجار

الحوار المتمدن-العدد: 2217 - 2008 / 3 / 11 - 11:31
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


القوانين الوضعية في البلاد المتحضرة تقول إن الشخص الذي يشهد جريمة في ساعة ارتكابها ولا يتدخل لوقفها أو التبليغ عنها، رغم مقدرته على ذلك، يعتبر شريكاً في الجريمة وينال نفس عقاب المجرم، ويصف القانون الإنكليزي مثل هذا الشخص بأنه Aiding and abetting crime. وأعتقد أن كل إنسان عاقل لا بد أن يوافق على محتوى هذا القانون، الذي بدونه تصبح محاربة الجريمة في غاية الصعوبة.
ولكن الجماعات الدينية المؤدلجة تعتبر أن كل جريمة تُرتكب بحق البشر باسم الإله عملاً مقدساً لا يُعاقب مرتكبه، بل يؤجر عليه. فلو أخذنا حروب بني إسرائيل في أرض كنعان لتبين لنا أنها كانت جرائم فظيعة لم تستثنِ النساء ولا الشيوخ ولا الأطفال الرُضع، بل حتى الحيوانات ذُبحت وأحُرقت باسم "يهوه". وكان "يهوه" يقود جيش بني إسرائيل بنفسه في بعض تلك المعارك. وبدل إدانة هذا العمل الإجرامي، يكبّر بنو إسرائيل للإله "يهوه" الذي نصرهم على أعدائهم.
ورغم أن الكتاب المقدس المسيحي يخلو من آيات العنف والقتل، فإن رجالات الكنيسة الكاثوليكية، وعلى رأسهم البابا أنسنت، قد استغلوا اسم الإله لشن الحروب الصليبية الدموية لاسترجاع الأراضي المقدسة من المسلمين. وكان الجنود الصليبيون يرفعون صليبهم يهللون ويكبرون كلما قتلوا وذبحوا أعداءهم.
وقبل مجيء الإسلام ارتكب العرب في الفترة التي تُعرف ب "الجاهلية" جرائم فظيعة بمباركة إله السماء، كما تخبرنا كتب التراث وكما يخبرنا القرآن. فكتب التراث تخبرنا بأنهم كانوا يدفنون بناتهم أحياء. والقرآن يقول لنا (وكذلك زيّن لكثير من المشركين قتل أولادهم شركاؤهم ليردوهم وليلبسوا عليهم دينهم ولو شاء الله ما فعلوه) (الأنعام 137). وكرر نفس الآية في سورة الأنعام، الآية 137). فإله السماء كان يجلس فوق عرشه يتفرج على طفلة رضيعة يدفنها إعرابي في رمال الصحراء، وهي حيةً تصرخ، لأن الشيطان قد زيّن لهم قتل أولادهم، فلا يحرك الإله ساكناً لمنع هذه الجريمة النكراء، بل يعترف بأنه لو شاء لمنع الشيطان من أن يزيّن لهم هذه الجريمة النكراء، ولما قتلوا أولادهم، ولكنه لم يشأ. لماذا لم يشأ؟ لأن الشيطان كان يريد أن يرد المشركين ويُلبس عليهم دينهم، وأراد الإله أن يختبرهم. فما هو دين المشركين الذي حاول الشيطان أن يردهم عنه؟ هل كان الشيطان مسلماً فأراد أن يردهم عن عبادة الأصنام؟
ثم يزيدنا القرآن ألماً على ألم عندما يقول (وإذا الموءودة سُئلت بأي ذنب قُتلت) (التكوير 8). فإله السماء الذي جلس على عرشه وتفرج على الرضيعة تُقتل دون أن يحرك ساكناً لمنع هذه الجريمة، يزيد الطين بله ويسأل الموءودة لماذا قُتلت، بينما كان الواجب أن يسأل القاتل لماذا قتلها، ويسأل نفسه لماذا لم يوقف قتل تلك البريئة؟ فهو لا شك شريك في هذه الجريمة.
ويكرر علينا القرآن في عدة آيات أن الله لو شاء لجعل كل الناس أمةً واحدةً ووضع حداً لكل هذه الاختلافات والحروب بين الأديان والطوائف. فالقرآن مثلاً يقول:
(ولو شاء ربك لجعل الناس أمةً واحدةً ولا يزالون مختلفين. إلا من رحم ربك ولذلك خلقهم وتمت كلمة ربك لأملأن جهنم من الجنة والناس أجمعين) (هود 118-119) الله خلق الناس ليختلفوا ويقتتلوا حتى يملأ جهنم من الجن والإنس. فالشخص الذي يبرمج جهاز الكمبيوتر يكون مسؤولاً عما يسببه ذلك البرامج من ضرر لأي شخص أو أشخاص. والإله الذي يخلق الناس مختلفين، عن عمد، حتى يتقاتلوا ولكي يبر بالقسم الذي اتخذه ليملأ جهنم منهم، يكون مسؤولاً عن خلقه
(تلك الرسل فضلنا بعضهم على بعض منهم من كلم الله ورفع بعضهم درجات وآتينا عيسى بن مريم البينات وأيدناه بروح القدس ولو شاء الله ما اقتتل الذين من بعدهم من بعد ما جاءتهم البينات ولكن اختلفوا فمنهم من آمن ومنهم من كفر ولو شاء الله ما اقتتلوا ولكن الله يفعل مايريد) (البقرة 253). فلو شاء الله لمنع الاقتتال بين الناس ولكن لأن الله يفعل مايريد، كان لابد للناس أن يختلفوا في أديناهم ويقتتلوا ويذبحوا بعضهم بعضاً، والله يجلس فوق عرشه لا يحرك ساكناً. فالذي لا يمنع قتل إنسان، وهو قادر على المنع، شريك في الجريمة.
وكنتيجة حتمية لهذا التصرف الإلهي نجد أغلب الحروب الدائرة الآن بين البشر سببها الأديان. فالمقابر الجماعية في البوسنية وكرواتيا سببها الحرب بين الصرب الذين يتبعون الكنيسة ال Orthodox، والكرواتيين الذين يتبعون الكنيسة الكاثوليكية، ومسلمي البوسنية. عشرات الآلاف من الأرواح أزهقت باسم إله السماء رغم أن العرق الإثني لسكان دول البلقان لا يختلف كثيراً. وفي الحرب الأهلية اللبنانية في الثمانينات من القرن المنصرم قُتل المئات في الحرب بين المسيحيين والمسلمين، خاصةً في صبرا وشاتيلا، ودُمرت بيروت باسم إله السماء. والحروب العديدة بين الهند وباكستان، خاصة في منطقة كشمير، سببها الدين. والحرب في أيرلندا الشمالية بين الكاثوليك والبروتستانت، مع أنها سياسية المحتوى إلا أنها كانت لاختلاف المعتقد. والمليشيات العراقية التي قتلت مئات الآلاف من العراقيين، سببها الاختلاف بين السنة والشيعة. ولو شاء الله ما اختلف جميع هؤلاء الناس وما اقتتلوا بسببه.
ويبدو أن إله السماء فرض القتال على الناس ولم يكونوا راغبين فيه:
(كُتب عليكم القتال وهو كره لكم وعسى أن تكرهوا شيئاً وهو خيرٌ لكم وعسى أن تحبوا شيئاً وهو شرٌ لكم والله يعلم وانتم لا تعلمون) (البقرة 216). فإله السماء كان يعرف أن أهل المدينة لا يريدون القتال وقد كرهوه، ولكنه كتبه عليهم وٌنعهم بأن القتال فيه خيرٌ لهم، وهو الغنائم. فهو نوع من الرشوى ليقاتلوا إنابةً عنه.
(ألم تر إلى الملأ من بني إسرائيل من بعد موسى إذ قالوا لنبي لهم أبعث لنا مَلِكاً نقاتل في سبيل الله قال هل عسيتم إن كُتب عليكم القتال ألا تقاتلوا قالوا ومالنا لا نقاتل في سبيل الله وقد أخرجنا من ديارنا وأبنائنا، فلما كُتب عليهم القتال تولوا إلا قليلاً منهم والله عليم بالظالمين) (البقرة 246). فحتى الذين أُخرجوا من منازلهم لم يريدوا القتال، فلما كتبه الإله عليهم هربوا إلا قليلاً، فسمي الإله الذين هربوا "ظالمين"
(ألم تر إلى الذين قيل لهم كفوا أيديكم وأقيموا الصلاة وآتوا لزكاة فلما كُتب عليهم القتال إذا فريق منهم يخشون الناس كخشية الله أو أشد خشيةً وقالوا ربنا لم كتبت علينا القتال لولا أخرتنا إلى أجل قريب) (النساء 77). ويظهر هنا كره الناس للقتال رغم أن إله السماء كتبه عليهم، فسألوه لماذا كتبه عليهم. وطبعاً لو شاء الله لما اقتتلوا.
(يا أيها النبي حرّض المؤمنين على القتال إن يكن منكم عشرون صابرين يغلبوا مائتين وإن يكن منكم مائة يغلبوا ألفاً من الذين كفروا) (الأنفال 65). فالإله الذي يجلس فوق سبع سموات طباقاً ويعرف أن الناس لا يريدون القتال، يشجعهم عليه ويقول لهم إن الواحد منهم يغلب عشرة من الذين كفروا.
والغريب أن إله السماء استعمل نفس الإغراء مع بني إسرائيل عندما قال لهم:
(وَأَجْعَلُ سَلاَماً فِي الأَرْضِ فَتَنَامُونَ وَلَيْسَ مَنْ يُزْعِجُكُمْ. وَأُبِيدُ الْوُحُوشَ الرَّدِيئَةَ مِنَ الأَرْضِ وَلاَ يَعْبُرُ سَيْفٌ فِي أَرْضِكُمْ. وَتَطْرُدُونَ أَعْدَاءَكُمْ فَيَسْقُطُونَ أَمَامَكُمْ بِالسَّيْفِ. يَطْرُدُ خَمْسَةٌ مِنْكُمْ مِئَةً وَمِئَةٌ مِنْكُمْ يَطْرُدُونَ رَبْوَةً وَيَسْقُطُ أَعْدَاؤُكُمْ أَمَامَكُمْ بِالسَّيْفِ.) (سفر لاويون، الإصحاح 26، الآيات 6-8)
فهل هذه صورة إله رحيم عادل يحب مخلوقاته وقد فضّل الإنسان على جميع المخلوقات؟ إله يقول للناس (ومن قتل نفساً بغير نفسٍ أو فسادٍ في الأرض فكأنما قتل الناس جميعاً)؟ هذا الإله يحتضن من يقتل الآخرين باسمه ويجعلهم شعبه المختار لأنهم ساعدوه في إبادة الكنعانيين، وعندما فقدت الأسباط مقدرتها على الإبادة الجماعية مع مرور الوقت، تخلى عنهم الإله واحتضن خير أمةٍ أخرجت للناس لأنها تذبح وتقتل من لا يعبده على الطريقة الإسلامية أو تفرض عليه الجزية عن يدٍ وهم صاغرون. ويبدو أن الإله قد بدأ التخلي عن خير أمة لأنه وعدهم بالنصر على أعدائهم ولم يتحقق لهم ذلك على مدى القرون الماضية، وما زال اليهود يسيطرون عليهم، رغم أن القرآن أخبرهم أن اليهود (كلما أوقدوا ناراً للحرب أطفأها الله) ولكنهم يرون بأم أعينهم أن نار الحرب مازالت تستعر. وقد علل الشيخ القرضاوي عدم نصرة المسلمين بأنهم لم يعودوا مؤمنين، بل هم مسلمون فقط، والله لا ينصر إلا المؤمنين. وياله من إله.





#كامل_النجار (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- وفاء سلطان بين بلدوزر الإسلاميين ونقد العلمانيين
- الجهل بالجنس ولا العلم به
- عماد مغنية وأبومصعب الزرقاوي شهداء
- أكذوبة -لا إكراه في الدين-
- إرهاب إسلامي أم إسلام إرهابي؟
- جناية الغزالي على عقول المسلمين
- من كان منكم بلا خطيئة فليرمها بحجر
- حصيلة ذي الحجة من النفاق
- أحمد صبحي منصور.. وآفة الغرور 3-3
- أحمد صبحي منصور .. وآفة الغرور 2-3
- أحمد صبحي منصور ... وآفة الغرور 1-3
- من قال لستُ أدري فقد أفتى
- الأديان وتخدير أحاسيس الإنسان
- مشيخة الأزهر والموروث الكهنوتي
- فهمي هويدى ودروس في الكراهية
- هل كان محمد مرسلاً لجميع البشر؟
- الجنة وما أدراك ما الجنة
- من لا يشك ليس إنساناً
- المال هو قلب الإسلام الحقيقي
- ماهو الوحي، ولمن يوحي الإله؟


المزيد.....




- تونس.. وزير الشؤون الدينية يقرر إطلاق اسم -غزة- على جامع بكل ...
- “toyor al janah” استقبل الآن التردد الجديد لقناة طيور الجنة ...
- فريق سيف الإسلام القذافي السياسي: نستغرب صمت السفارات الغربي ...
- المقاومة الإسلامية في لبنان تستهدف مواقع العدو وتحقق إصابات ...
- “العيال الفرحة مش سايعاهم” .. تردد قناة طيور الجنة الجديد بج ...
- الأوقاف الإسلامية في فلسطين: 219 مستوطنا اقتحموا المسجد الأق ...
- أول أيام -الفصح اليهودي-.. القدس ثكنة عسكرية ومستوطنون يقتحم ...
- رغم تملقها اللوبي اليهودي.. رئيسة جامعة كولومبيا مطالبة بالا ...
- مستوطنون يقتحمون باحات الأقصى بأول أيام عيد الفصح اليهودي
- مصادر فلسطينية: مستعمرون يقتحمون المسجد الأقصى في أول أيام ع ...


المزيد.....

- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - كامل النجار - لو شاء الله لما فعلوه