أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - قراءات في عالم الكتب و المطبوعات - عبد الحسين شعبان - خالد علي الصالح- على طريق النوايا الطيبة: تجربتي مع حزب البعث















المزيد.....



خالد علي الصالح- على طريق النوايا الطيبة: تجربتي مع حزب البعث


عبد الحسين شعبان

الحوار المتمدن-العدد: 2213 - 2008 / 3 / 7 - 09:21
المحور: قراءات في عالم الكتب و المطبوعات
    


ـ[1] ژ5 كتـب وقـراءات
خالد علي الصالح
علـى طريـق النوايـا الطيبـة: تجربتـي مـع حـزب البعـث
(بيروت: رياض الريس للكتب والنشر، 2000). 286 ص.
عبد الحسين شعبان
كاتب وأكاديمي عراقي.
«خالد علي الصالح» يموت وحيداً ومكسوراً ومنسيّاً
ـ 1 ـ
ربما شَعَرَ خالد علي الصالح باقتراب منيّته، فسارع الى تدوين سيرته، تلك التي ظلّ يروي فصولاً منها عبر عشرات السنين بصورة مباشرة إلى الناس على حدّ قوله. ويضيف في مقدمة كتابه: على طريق النوايا الطيبة الصادر عن دار رياض نجيب الريس في تشرين الأوّل/أكتوبر عام 2000: «ظننت أنّها قد تفيد. وقد حفزني بعض الإخوة على نشرها، وكنت أعتقد بأن وقتها قد مضى».
لكن مذكراته المنشورة جاءت أكثر راهنية من أحداث كانت قد وقعت، بحكم إعادة تناولها ومحاولة تأصيلها من جهة، وبسبب الاختلافات حولها والروايات المتناقضة بشأنها من جهة أخرى، فقد تمّ تناول تلك الأحداث على لسان عدد من الذين عاصروها، وفي سير ذاتية تمّ نشرها مؤخراً، وفي أطروحات ومؤلّفات، الأمر الذي أعادها إلى الواجهة، وبخاصة الجدل والسجال حولها، بل التناقض والتصارع إزاءها، ابتداء من ثورة 14 تموز/يوليو 1958، ومروراً بالصراع القومي ـ الشيوعي، وأحداث الموصل وحركة الشواف عام 1959، ومحاولة اغتيال عبد الكريم قاسم، وانتهاء بأحداث 8 شباط/فبراير 1963 الدموية المأساوية وما آلت إليه الحركة الوطنية بجميع أطرافها، وكذلك الموقف من القضية الكردية والعلاقات بين القوى والأطراف السياسية اليسارية والقومية والإسلامية في ما بعد.
يبدو أن خالد علي الصالح أحسّ بدنو أجله حين كتب في مقدمة سيرته الذاتية: «إنّني لا أعرف كم في العمر من بقية، ولا أدري ماذا يخفي لي القدر، إذا كان في العمر بقية!...».
وبعد عام ونيف من هذا التاريخ، غيّب القدر خالد علي الصالح، وحيداً ومكسوراً ومنسيّاً، على ساحل من سواحل الإسكندرية في مصر.
هكذا تمكن «الذئب» الذي يترصد الضحية من افتراسها بعد طول مطاردة. وكأننا بذلك نستذكر شاعرنا الأثير الجواهري الكبير حين يقول:
ذئبٌ تَرَصَّدَني وفوق نيوبه
دمُ إخوتي وأحبتي وصحابي
يظل الموت هاجساً يؤرق البشر، ويترصدهم، ويداهمهم كلّ يوم، ويدخل بيوتهم من دون استئذان ويخطف أحبتهم، كونه الحقيقة الوحيدة المطلقة التي لا مجال لردّها: { كل نفس ذائقة الموت... }[(1)]، كما يقول القرآن الكريم { كل من عليها فان. ويبقى وجهُ ربك ذو الجلال والإكرام }[(2)].
إنّه الهاجس الدائم للبشر منذ الخليقة. وحين فكر غلغامش في الخلود، لم يكن ذلك سوى البحث عن فكرة تتجاوز حقيقة الموت والفناء.
يقول الجواهري:
يظل المرءُ مهما أخطأته
يد الأيام طَوْعَ يد المصيب
مع الغربة والـمَنافِـي التي فيها يطول الزمهرير، على حدّ تعبير الشاعر الكبير مظفر النواب، يصبح الموت شيئاً عادياً أحياناً. لقد تآلفنا معه وتعايش معنا، نفقد الواحد بعد الآخر، الى درجة أنّه أصبح شيئاً روتينياً هادئاً وعاصفاً في آن، مثل المرض والشيخوخة والجنون، ومثل الميلاد والحب وتعاقب الفصول وجريان دجلة والفرات... ومع ذلك فريحهُ العمياء تكاد تقتلع الجذور.
كان هاجس الموت هو الذي استعجل هاني الفكيكي عندما أنجز أوكار الهزيمة باعترافه، كونه الضحية والجلاد في آن، خصوصاً في ظلّ «اختيارات» مفروضة أحياناً، وهو الذي أرق رحيم عجينة حين كتب الاختيار المتجدد ليروي بعض سيرته، وإنْ كان بحذر شديد وليس بمعزل عن ألم شخصي، كاشفاً حكايات ومواقف كان قد اختزنها ولم يستطع أن يفصح عنها في حياته، فوضعها ولو بعد حين بيد القراء تاركاً تفسيرات وتأويلات كثيرة بشأنها. وكذلك كان هو الذي طارد طالب شبيب من منفى إلى منفى ليحطّ على رأسه قبل أن تكتمل روايته عن سيرة حياته: من حوار المفاهيم إلى حوار الدم التي دوّنها مع التلطيف والتخفيف علي كريم. ولم يستكمل صالح دكلة سوى الجزء الأوّل أو المقدمة الأولى لحياته السياسية، وهي الأهم والأكثر رومانسية لديه، حين اختطفته يد المنون. ولعل مصطفى جمال الدين، وهو يستكمل سيرته الشعرية والشخصية في الديوان ، وهو سِفْر أدبي مهم، كان ينتظر أجله بشجاعة، خصوصاً بعد إنجاز مهمته.
وإذا كانت بعض الشخصيات العراقية قد بدأت بتدوين سِيَـرِها الذاتية أو الفكرية أو السياسية مؤخراً، فإن الثقافة العربية ـ الإسلامية تكاد تخلو من تدوين السير الذاتية، حيث لم يشتهر هذا الجنس الأدبي لدى العرب كما اشتهر في الغرب منذ العصر الروماني وفي القرون الوسطى. ولعل اعترافات القديس أوغسطين (354 ـ 430م)، وهي من أقدم السير الذاتية، كانت الأكثر شهرة والأكثر دواماً. وقد استقبل عالمنا العربي والإسلامي مذكرات واعترافات جان جاك روسو بالكثير من الحيرة والاستغراب، وهي المذكرات التي صدرت في نهاية القرن الثامن عشر، مؤرِّخة لمرحلة جديدة من أدب السيرة الذاتية على المستوى الدولي.
ثمت محاولات لإثبات أن أدب السيرة الذاتية موجود في التراث العربي ـ الإسلامي، ويُستدل على ذلك بكتاب السيرة النبوية التي وضعه محمّد بن إسحاق، وما بدأه سلمان الفارسي أو ما سجله أبو حيان التوحيدي في كتاب الأغاني الذائع الصيت أو كتاب: الصداقة والصديق ، أو ابن الجوزي في كتابه: لفتة الكبد إلى نصيحة الولد ، أو ابن حزم الأندلسي في كتابه عن العشق، والذي هو بعنوان: طوق الحمامة ، أو كتاب الغزالي: المنقذ من الضلال ، أو أسامة بن منقذ في كتابه: الاعتبار . وتعتبر هذه الباقة من المراجع الأولى والغنية التي تناولت هذا اللون الأدبي أو قاربته.
وهناك من يضيف إلى ذلك كتب الجاحظ والمسعودي واليعقوبي في رحلاتهم، ووصفهم مشاهدات وأحوال، وتعبيرهم عن معارف زمانهم التي دوّنوها في كتبهم، بل إن البعض يذهب أبعد من ذلك حين يعتبر شعر المتنبي والمعرّي وأبي نواس تسجيلاً للسيرة الذاتية من خلال «الأنا»، وهو ما تخالفه الكاتبة سوسن الأبطح في معرض نقدها كتاب تهاني عبد الفتاح شاكر: السيرة الذاتية في الأدب العربي ، والذي تعتبره «ينتمي إلى صنف من الأبحاث يريد أن يلعب بالنار دون أن يحترق»، وذلك في محاولة للبقاء في «المنطقة المحايدة» وتجنب الصراحة والبوح والشجاعة في الاقتراب من «جمر النفوس الملتهبة»[(3)].
ـ 2 ـ
ويكتسب كتاب تهاني عبد الفتاح شاكر أهمية خاصة، حيث يسلط الضوء على ثلاث تجارب للسيرة الذاتية، وهي: فدوى طوقان وجبرا إبراهيم جبرا وإحسان عباس، وتعكس هذه التجارب المتميزة علاقة كلّ منهم بالمكان والزمان اللذين كانا لدى طوقان تجارب سلبية، في حين كان شارع الأميرات مهبط وحي جبرا، وظل المنبع الرئيسي لما أبدعه وأنتجه هذا المثقف المتميز في السنوات اللاحقة، كما كانت البئر الأولى تجسيداً لعلاقاته العائلية وطفولته وبدايات تكوّنه.
وإذا كان أدب السيرة ليس متداولاً في العالمين العربي والإسلامي، وهو نوع جديد من الأجناس الأدبية، فإن هناك بعض الاستثناءات المهمة في القرن الماضي، خصوصاً تدوين سيرة حياة جورجي زيدان وسلامة موسى وأحمد أمين وغيرهم. لكن هذه الاستثناءات ظلت محدودة إلى درجة كبيرة.
ثمت أسباب موضوعية، وأخرى ذاتية، لغياب هذا الصنف الأدبي، وهي ناجمة في الأساس عن غياب فسحة الحرية وضعف تقاليد الصراحة والإفصاح والبوح، وكذلك انعدام تقاليد الاعتراف بالخطأ على رغم أنّه «فضيلة» على حدّ قول العرب.
أما ارتكاب المعاصي والذنوب وغيرها من صفات الضعف الإنساني، ومن طبائع البشر في كلّ زمان ومكان، فلا بد من أن يسدل حولها ستار كثيف، وأن يقال عكسها أحياناً من صفات الزهد إلى الورع إلى التقوى، وبخاصة بعد الوفاة، انسجاماً مع الحديث الشريف: «اذكروا محاسن موتاكم»! ولكن قد يأتي لغرض مختلف مع مضمونه الحقيقي.
إن غياب ثقافة التسامح والحوار والتنوع والتعددية وهيمنة النزعات الواحدية الإطلاقية والفكر الشمولي وصفات البطولة والقدسية والقوة على القادة والزعماء، هي التي تقف أحياناً وراء غياب نقد ذاتي موضوعي ومراجعة حقيقية للتجربة الشخصية في أدب السير الذاتية بشكل عام.
ولا شكّ في أن التنكر للفردانية واستصغار الجزيئات وازدراء التفاصيل يعود إلى بقايا التأثيرات القبلية، فالفرد لا يجد نفسه إلا مع «الجماعة»، حيث لا تنظر القبيلة إلى الحياة الخاصة إلا باعتبارها جزءاً من حياتها. وهكذا تذوب فردانيته في إطار القبيلة التي تصنع خصائصه ومميزاته الفردية وتوظفها، وتمنحه بدلاً منها طابع حياة وسمات القبيلة ككل.
وهذا الأمر ينسحب أحياناً على حياة: التجمّع، والحزب، والمنظمة التي يراد لها النطق باسم المجموع، لاغية التمايزات الكبيرة بين الأفراد والخصائص البشرية والإنسانية الباهرة، وهو ما تلمسته لدى قراءة كتاب خالد علي الصالح، حين يتماهى هو، مثل أقرانه مع الحزب، الى درجة تضيع معها ملامحه الخاصة، وليصبح جزءاً من كلّ هو الأهم والأوّل، بل الأخير أيضاً، ضمن نظام شمولي كُلاّني لا أهمية فيه للتفاصيل والجزيئات، إذ تتقدم إلى الواجهة أهمية الكيان، المجموع، الكل.
والأمر ليس سمة خاصة لدى خالد علي الصالح، بل كان سمة لمرحلة كاملة، تجدها في كتاب سلام عادل: سيرة مناضل الذي أعدته ثمينة ناجي يوسف رفيقته وزوجته، وكتاب أوكار الهزيمة لهاني الفكيكي، ومذكرات زكي خيري، وعزيز الحاج، وبهاء الدين نوري، وباقر إبراهيم، وهي مذكرات أغلبها لسياسيين في الدرجة الأولى، وغيرهم.
إن أدب السيرة هو حفر في الذاكرة بمعول معماري ماهر، بل إنّه تنقيب في الآثار باستعانة جيولوجي متمكن وجولة عميقة الغور في نفس وفكر وروح الكاتب. وهي لا تعني استعادة أحداث عاشها الكاتب فحسب، بل سَبْـر أغوار تلك الأحداث بشيء من التأمل والمراجعة والنقد الشامل، للمحمول الفكري والسياسي، وتطور وجهة نظر الكاتب ودرجة تعبيره عن فردانيته. ولا أدب سيرة من دون فردانية، وإلا سيصبح جزءاً من كتابة تاريخية لحركة أو مجموع أو مجتمع.
إن أدب السيرة يختلف عن اليوميات والمذكرات، وما عُرف بأدب الاعتراف، وخصوصاً أن النصّ وعملية السرد والاسترجاع للواقعة التاريخية تأخذ بُعداً آخر، مختلفاً أحياناً، ولا يغدو كاتب النصّ متفرجاً على الأحداث أو مدوّناً لحوادث أو مارّاً بمحطات سريعة من دون توقف كافٍ، بل متداخلاً فيها من جهة الاسترجاع الفكري، بما تجسده الملكات الفكرية والعقلية، كالذاكرة والخيال واستنطاق الواقعة ومحاكمتها، وكذلك في قوة الاستعادة النفسية لتقليب جوانب الذات وإعادة قراءة مكنونات النفس، وما استقر في الأعماق على نحو جديد، وربما شديد الحساسية وكثير التأمل.
ويبقى البعد الأخلاقي، الذي يتسع أو يتقلص باتساع أو ضيق الوجدان والضمير، وخصوصاً أن السيرة المكتوبة تتخذ التصريح والنقد والتقييم في الكثير من الأحيان أو التلميح والإيحاء والاستنتاج.
وبحسب كازنتزاكي، يتوجّب على الإنسان الشريف أن يكافح الجميع ويتجرع كلّ أنواع السموم التي يقدمها الأصدقاء والأعداء.
ـ 3 ـ
لقد انشغلت مند سنوات طويلة نسبياً بالقراءة والكتابة والتعليق على هذا الجنس الأدبي. وتلقيت بتذوق وبمتعةِ قارئٍ وشغفٍ ومسؤوليةِ باحثٍ كتابَ خالد علي الصالح الذي عرفته منذ سنوات طويلة، لكن معرفتي به لم تكن عميقة. ولا أذيع سراً إذا قلت إنّها تعمقت من خلال رحلتي مع كتابه.
إن اهتمامي بالفكر السياسي، وبخاصة في الجانب السوسيولوجي والإنساني، إضافة إلى الوجهة القانونية والحقوقية، جعلتني أتابع عن كثب السِّيَـر والمذكرات الذاتية لشخصيات كان لها دور كبير في الدولة العراقية أو سواها، سواء أكان دوراً رسمياً أم غير رسمي، سياسياً أم غير سياسي، ثقافياً أم فكرياً، وذلك بالارتباط مع مشاكل وأزمة الدولة العراقية، وبالارتباط مع العقل السياسي العراقي، ومع تطور الفكر السياسي والاجتماعي.
أتذكر أنّني توقفت طويلاً وأنا أدوّن سيرة الجواهري الكبير في أوائل الثمانينيّات[(4)]. وانشغلت بذلك كثيراً. وكنت قد قرأت قبل ذلك في السبعينيّات مذكرات بابلو نيرودا: أشهد أنّني قد عشت ، وقلت في نفسي: ماذا سيكتب الجواهري على نطاق علاقته بالشعر، وهو السؤال «الخاطرة» الذي فاجئني به الجواهري وكأنه يقرأ هواجسي الداخلية. وإذ بي أكتشف عالماً بلا حدود ينفتح أمامي وفضاءً من الشعر يكاد يطبع كلّ شيء، وكأنه امتداد لسيرة المتنبي «وألْفُ مسيحٍ دونَها صُلِبا».
تلقيت باهتمام كتاب خالد علي الصالح، وكنت أبحث عن فردانيته. أين خطّ الائتلاف والاختلاف مع الجماعة؟ أين الوصل والفصل؟ أين اكتشف ذاته ومتى؟ ولماذا تأخر في التعبير عنها؟ وكيف ساهمت الثقافة السياسية «الستالينية» السائدة في تطويع الفرد لصالح الجماعة وإلغاء خصوصياته أحياناً؟
لماذا سكت عندما اكتشف أن مسؤوله الحزبي وأمينه العام لاحقاً، حسبما ينقل، يسرق اشتراكات وتبرعات الأعضاء والأصدقاء، وذلك حين صارحه رفيقه الآخر بأنها كانت تصرف على موائد القمار؟ ثمّ هل إن هذه الرواية صحيحة، وهو ما يذهب إليه مع رفيقه كريم شنتاف، حسبما يذكر، في حين يشوبها الكثير من الشك بحسب رفاق آخرين، وهم أحياء، إذ لا يؤيدون ما ذهب إليه خالد علي الصالح على رغم اتفاقهم أحياناً على اندفاعات، وربما «تهوّرات» وعدم حصافة «الأمين العام»، لكنهم لا يطعنون في الذمة المالية أو الشخصية؟ وهو رأي قيادات وكادرات بعثية متقدمة آنذاك، حين ظلت تعتبره رمزاً قيادياً بمواصفات تلك الأيام.
وتساءلت مع نفسي: هل كان لخالد علي الصالح أن يذكر ذلك؟ ألم يكن بإمكانه تجاوز تلك الواقعة أو سواها، وخصوصاً أن الرجل رحل عن دنيانا؟
وماذا سيؤثر في المذكرات لو تخلصت من باب التقريع والقدح الشخصي؟ وتلك المؤاخذات كانت لديّ وأنا أقرأ مذكرات بهاء الدين نوري، إذ على أهميتها وشجاعتها، وهو ما يحسب لبهاء الدين نوري دائماً، تناولَتْ في ثلاثة مواقع إساءات لم يكن لها مبرر لشخصيات وقيادات كان يمكن انتقادها من زاوية سياسية وفكرية وليس من باب القذف أو إثارة اتهامات أخلاقية ضدها. وأخيراً ما هي العبرة والدلالة؟
ولكن سؤالاً آخر يواجهني وأنا أسوق مثل هذه التساؤلات، فالكاتب إن أغفل هذه الحادثة أو تلك الواقعة وهذه المعلومة التي أثرت في سيرته وحياته، بل لعل بعضها ترك جرحاً في نفسه، فماذا سيبقى من أدب الاعتراف والمراجعة والقراءة الارتجاعية للماضي؟
ألم يسكت كثيرون، لأسباب ومبررات مشابهة، عن تصرفات وأعمال شائنة وارتكابات، بسبب ما يسمّى بـ «الضبط الحزبي» و«الالتزام» وعدم نشر الغسيل الوسخ، لكي لا يستفيد منه العدو أو الخصم ويوظف ضدّ الحركة؟ ألم يتغافل البعض عن ارتكابات أو ارتهانات أو تواطؤات خارجية أو داخلية، بحجة الوصول إلى «الهدف»؟ وأي هدف هذا الذي يتم فيه غضّ الطرف عن اعتبارات إنسانية وأخلاقية ووطنية أحياناً؟
أوليس كشف هذه العيوب وجعلها درساً وعبرة للأجيال القادمة كفيلاً بعدم تكرارها؟ أليس في ذلك فائدة للحركة أو التيار، خصوصاً إذا كانت الوقائع صحيحة وموثوقة وأمينة؟ وفي ذلك أيضاً كشف للذين ارتكبوا أو أخطأوا أو سكتوا وبرروا أو خلطوا الحقائق والأوراق لارتكابات جسيمة وانتهاكات صارخة وتصرفات لاأخلاقية وإساءات وسلوكيات غير مقبولة؟
توقفت مع النقد الذاتي والمراجعة الانتقادية للنفس التي وردت على لسان خالد علي الصالح، فوجدتها قليلة جداً ولا تكاد تذكر أحياناً مقارنةً بحجم الانتقاد ضدّ الآخرين، فربما تلك سمة من سمات البشر حين تلقي جميع الأخطاء أو أغلبيتها الساحقة على الآخرين. ليس هذا فحسب، بل كان بعض انتقاداته المريرة والجارحة أحياناً مصحوباً بالأسى والمرارة، وربما الكراهية أحياناً، الى درجة أنك تتلمس المعاناة الحقيقية للكاتب، وكأن الحدث قد وقع بالأمس، وليس قبل عقود من الزمان.
وتبرز هذه المسألة على نحو شديد حين يتناول غدر رفاق، وضياع مستقبل، وعدم تقدير لتضحيات وسجون، واقتراباً من ذلك الذئب الذي ظلّ يترصده حتّى صرعه وهو في عزلته «المجيدة» بعيداً عن ساحة الحدث الرئيسيّة.
ـ 4 ـ
ويروي خالد علي الصالح حوار ميشال عفلق في فندق «بغداد» بعد ثورة 14 تموز/يوليو 1958 مباشرةً مع قيادة قطر العراق، المؤلّفة من: فؤاد الركابي، شمس الدين كاظم، كريم شنتاف، حازم جواد، صالح شعبان، علي صالح السعدي، سعدون حمادي، عبد الله الركابي، وخالد علي الصالح، وكيف وصفهم «المفكر والفيلسوف» بالأطفال، خصوصاً معارضة القيادة العراقية لحزب البعث حلّ الحزب في سوريا، باعتبار تلك المعارضة «تصرفاً صبيانياً»، ولكنه يقول إن الجميع سكت عن مناقشته بمن فيهم الأمين العام آنذاك فؤاد الركابي، ثمّ كيف دخل معه في مناقشة حادة حين خاطبه: «لقد بعثنا اثنين من أعضاء القيادة إليكم لكي نتلقى منكم تفسيراً أو تبريراً لحلّ الحزب ولم نتلق أي ردّ يقنعنا بحلّ الحزب. ولهذا عارضنا الحلّ...». ثمّ يضيف: «هل تعتبر دفاعنا عن وجود الحزب واستمراره تصرفاً صبيانياً؟». وبالعودة إلى رأي عفلق حول وحدة سوريا ومصر، فإنه يقول إن عفلق نبّهنا لأول مرة من الخطر الشيوعي حين قال: «إن وحدة سوريا مع مصر جاءت إنقاذاً لسوريا من خطر الشيوعيين» (ص 76 ـ 77).
وحول دور الفرد، يسأل الصالح ميشال عفلق بشأن فصل أكرم الحوراني، فيجيب عفلق: أخبرت الرئيس بذلك، فرد عليه الصالح: ومن هو الرئيس؟ وهنا يواجهه عفلق بدهشة شديدة: إنّه الرئيس عبد الناصر، فيقول الصالح: هل قبلتم عبد الناصر في الحزب؟ فيقول عفلق: لا... إن عبد الناصر أكبر من الحزب، وهو ضمانة الوحدة، وهو القائد الحقيقي للمسيرة الثورية.
وحول التصرف الفردي أيضاً تماحك الصالح مع عفلق بخصوص عبد الله الريماوي، الى درجة أنّه عندما غادر الاجتماع خاطبه د. سعدون حمادي: أنت الآن أقوى رجل في الحزب، فسأله: لماذا؟ فقال: بحكم مسؤولياتك. ويعدّد له أمين قيادة بغداد... الخ، ولكنه يعزو ذلك إلى مجادلة عفلق، حيث يقول: إنّه لا يرغب في أن يكون «إمّعة»، إذ كانت سمة المسايرة هي السائدة على حدّ تعبيره. وبغضّ النظر عما ورد في كلام الصالح، لكن سمة المداهنة وعدم الاعتراض و«احترام» رأي القيادات كانت صفة مشتركة لملاكات وقيادات الأحزاب الشمولية بشكل عام، وهي الماركسية والقومية والإسلامية.
لقد تركت تلك الأحداث والمناقشات، وبخاصة بعد فترة من اغتيال عبد الكريم قاسم أثرها الكبير في نفسه، خصوصاً الصراع البعثي القومي ـ الشيوعي. ويتحدث كيف غادر سراً لحضور مؤتمر للقيادة القومية، ويتأسف لعدم مقابلة الرئيس جمال عبد الناصر، وهو الذي تأثر لاحقاً بالاتجاه الناصري، وذلك في إحدى زياراته الى القاهرة عندما سأله عبد المجيد فريد، مدير مكتب الرئيس عبد الناصر: ألا تريد أن تقابل الرئيس؟ فأجابه بالنفي. ويقول: ظهرت الدهشة على وجهه، فقال لي: لماذا؟ قلت: إنّني سافرت من العراق إلى سوريا عبر الحدود سراً، وأنا عائد إلى العراق خلال أيام وبالطريقة نفسها، ولا أدري ماذا ينتظرني في الطريق في أثناء عودتي، ولا هناك في العراق. وأخشى أن أقع في أيدي السلطات، ولا أدري ماذا سيحل بي، هل سأقاوم التعذيب أم لا، ولا أريد لاسم الرئيس أن يرد بصورة مباشرة في أي قضية تتعلق بصراعنا مع الشيوعيين وعبد الكريم قاسم. وسكتُّ وغادرت القاهرة من دون أن أرى عبد الناصر، وضاعت مني الفرصة نهائياً.
ويقول إنّه جاء للقاء عفلق في القاهرة، فإذا به يجده قد سافر إلى بور سعيد، ومن هناك إلى بيروت حتّى اقتفى أثره، وذلك خلال المؤتمر القومي الذي سيعقد هناك.
وفي الوقت الذي يبدأ تأثر خالد علي الصالح بعبد الناصر، إذا بعفلق ينتقل للتنديد بدكتاتورية عبد الناصر، وكيف أنّه أطلق أجهزة المخابرات، ولا توجد أي صورة للديمقراطية في دولة الوحدة على حدّ تعبير عفلق (ص 111).
إن مرارة خالد علي الصالح تكاد تفوح من بين طيّات كتابه وتطفح من داخل صفحاته، خصوصاً حساسيته من الغدر والتنكر والتنصل والمشاطرة والجحود وظلم ذوي القربى «الفكرية» ورفاق الدرب.
ها هو الطغرائي حين يردد قبل قرون:
أعدى عدوِّك أدنى مَن وَثِقْتَ به
فحاذِرِ الناسَ وأصْحَبْهم على دَخَلِ
لعل تلك إحدى السمات المشتركة التي تلمستها وأنا اقرأ كتب السِّيَـر والمذكرات بشكل عام، لكنّها في كتاب خالد علي الصالح كانت صارخة وحادة، لم تجدها لدى قراءة مذكرات موسى الشابندر أو مذكرات أحمد مختار بابان أو مذكرات فؤاد عارف أو مذكرات محسن دزئي أو مذكرات عبد العزيز التويجري ذكريات وأحاسيس نامت على عضد الزمن .
أما مذكرات خالد بكداش: يتحدث، ونايف حواتمة: يتذكر، وجورج حاوي، وكذلك عزيز محمّد وعامر عبد الله (على رغم عدم اكتمالها) المنشورة على حلقات في صحف ومجلات ودوريات، فإنها اتخذت طابعاً سياسياً وفكرياً أكثر من كونها مذكرات شخصية، وإنْ كانت تتعلق بالتطور الشخصي والطفولة ومرحلة النضج، كما هي مذكرات كريم مروّة المشوّقة، وكذلك مذكرات فواز طرابلسي: الفتى الأحمر الجميلة والجريئة. والقسم الأوّل من مذكرات زكي خيري، وبخاصة عن بغداد الطفولة، الذي اتسم بعذوبة وانسيابية على رغم الطابع التبريري الذي اتسمت به المذكرات ومحاولة القبض على الحقيقة حيثما مال مالت معه.
إن مذكرات جبرا إبراهيم جبرا: البئر الأولى و شارع الأميرات ، وكذلك مذكرات إدوارد سعيد: خارج المكان ، هي من أجمل وأعمق ما قرأت، خصوصاً السيرة الفردية والتشخصن وأنسنة الحدث بعيداً عن آراء ومسلمات مسبقة؛ ومذكرات محمّد شكري كثيرة البوح الى درجة اعتُبرت من الأدب المكشوف عند البعض، وهي أقرب إلى اعترافات بذلك الضعف الإنساني وهشاشة النفس البشرية، وبسبب البوح تعرضت إلى هجوم شديد، لكنّها عكست في الوقت نفسه ارهاصات أديب تحدّث على سليقته ومن دون حواجز كبيرة، وكأنه يتحدث أمام المرآة وحده؛ ومذكرات فيصل حوراني جمعت السياسي بالثقافي، وقدمت مراجعة لفترة زمنية عاصفة، وبخاصة في الستينيّات والسبعينيّات.
واتسمت مذكرات كامل الجادرجي أيضاً بالنقد الشديد للآخرين، في حين نحت مذكرات محمّد مهدي كبّة: ذكرياتي في صميم الأحداث ، وكذلك مذكرات عبد الكريم الأزري: ذكريات في تاريخ العراق ، منحى آخر حين اعتمدت الوصف والابتعاد قدر الإمكان عن الذم والنقد أحياناً، كمن روى أو سمع أو عرف أو شارك أو ساهم. وذهبت مذكرات عبد الكريم فرحان: حصاد الثورة بالاتجاه الآخر، حين تعرضت يده لبعض الشخصيات.
أما مذكرات عزيز الحاج، فإنها، وبخاصة في طبعتها الأخيرة، كانت مزيجاً من نقد الآخر، والتبرير والتسويغ، ونقد الذات. وهناك كتابات جمعت بين المذكرات أو الكتابة عن سِيَـر شخصية للآخرين، كما هو كتاب عباس بغدادي: بغداد في العشرينيّات ، وإسماعيل عارف عن أسرار ثورة 14 تموز/يوليو وتأسيس الجمهورية في العراق ، أو كتاب جعفر أبو التمن لخالد التميمي، أو كتاب سعد صالح لستار جبار الجابري، أو سعد صالح ودوره السياسي والوطني لعلي كاشف الغطاء.
وهنا عودة إلى الطغرائي، فهؤلاء جميعاً غادروا دنيانا الفانية:
ترجو البقاء بدارٍ لا ثبات بها
فهل سمعت بظلٍّ غير مُنتقلِ
ـ 5 ـ
عندما أتحدّث عن خالد علي الصالح، فإنما أتحدّث عن مرحلة سياسية وفكرية وثقافية كاملة، شهدت صراعاً لاعقلانياً، وبخاصة بين القوميين والشيوعيين، وبدرجة أقل مع الإسلاميين، دفع ثمنه الشعب العراقي باهظاً، إذ إنَّ سيادة نزعات التفرد والهيمنة قد فجرت الصراع، ومعها شعارات وتعويلية دولية أو إقليمية، أدت إلى عمليات عنف وعنف مضاد.
لكن تلك المرحلة، على كلّ ما عليها من ملاحظات ونواقص وثغرات ومثالب، كانت تمتاز بالصدقية، فحتى الأخطاء والعيوب كانت صميمية.
امتاز خالد علي الصالح ورفاقه ومجايليه من قيادات وملاكات تلك المرحلة بالشجاعة والجرأة وعدم التردد وتقديم النفس واسترخاصها دفاعاً عن مُثل وقيم اعتقد هو وزملاؤه من شتى التيارات بصدقها، وعادوا بعد سنوات من المعاناة ليكتشفوا بأنها تحولت إلى شيء آخر ولأهداف أخرى. وكم عانى بعض هؤلاء عندما شاهدوا أن حصاد عملهم وتضحياتهم تذهب إلى الغير كصيد سهل في الداخل أو الخارج، خصوصاً بدعم جهات دولية وإقليمية.
لكن عيوب تلك المرحلة كانت تتسم بسيادة العنف وغياب ثقافة الحوار والاعتراف بالآخر، وبخاصة بعد ثورة 14 تموز/يوليو 1958 التي كانت ثمرة تعاون وطني. وكانت الثقافة السائدة آنذاك هي ثقافة «الحرب الباردة» ذات النزعة الاستئصالية، الإلغائية، الإقصائية إلى أبعد الحدود، مع ممارسة للعزل، ليس ضدّ العدو أو الخصم أحياناً، بل ضدّ الرأي الآخر، حتّى وإن كان ضمن الفصيل أو التيار أو الحزب نفسه. ومع أن هذه الثقافة ظلّت سائدة، خصوصاً بين السلطة والمعارضة، إلا أنّها تكاد تختبئ تحت الرماد بين بعض الأطراف التي يجمعها مشترك التعرض للقمع، ولكن سرعان ما تظهر تلك النزعة التسلطية حتّى داخل الحزب الواحد أو المجموعة المصغّرة، فتحاول الاستئثار والانفراد بإقصاء المعارضة أو الرأي الآخر عن طريق العزل أو بمحاولة الهيمنة والتحكّم أو باستخدام السلاح أحياناً.
ولكن من إيجابيات تلك المرحلة، السمة الوطنية العامة، وهي المشترك الذي تحرّكت فيه القوى مجتمعة، باستثناءات قليلة، وربما عابرة، مثلاً انقلاب 8 شباط/فبراير 1963، وذلك أحد دروس التجربة الماضية الذي ينبغي أخذه بنظر الاعتبار، إذ لا يمكن بغير الفضاء الوطني والاعتبار الإنساني والوسيلة الديمقراطية واحترام حقوق الإنسان حلّ مشكلات الدولة العراقية المستعصية والمزمنة والطويلة الأمد التي زادتها حربان مدمرتان وحصار دولي جائر واحتلال بغيض. ولا يمكن تحت أية ذريعة تبرير التعاون مع القوى الخارجية والانصياع لإرادتها، وهو الوجه الأكثر قبحاً الذي يقابل تبرير الاستبداد أو تمجيده، فلا الطغيان الداخلي ولا القهر الخارجي يمكن تبريرهما مهما كانت الحجج أو الذرائع أو المسوّغات.
إن الأجواء المتقاربة التي عاشها «مناضلو» ذلك الجيل، سواء العمل السري، أو شبه العلني، على رغم التناقض والصراع، كانت تشكل مشتركاً وساحة للاختلاف والاتفاق ولتبادل الرأي، وهو ما أدركناه في وقت متأخر مع الأسف الشديد. وهو ما كشف عنه خالد علي الصالح أيضاً بحرقة شديدة. إن ذلك هو أحد أقيم الاستنتاجات من كتب السيرة، وأعني المراجعة، خصوصاً حين تتوقف عند التجربة لنقدها بقراءة ارتجاعية للماضي، وبنقد ذاتي وكشف للأخطاء والثغرات. ولذلك كنت متحمساً عندما سألني الصديق أحمد الحبوبي إذا كنت أجد في ما كتبه: ليلة الهرير ما يستحق النشر، وعندما اطلعت عليه هتفت من أعماقي، إنّه ما نريد يا أبا غسان، خصوصاً عندما أضاء جوانب من ذلك الضعف الإنساني الباهر ونزوات لجلادين محترفين وضحايا بلا حدود.
وعندما صدر الكراس الصغير الحجم، الكبير المحتوى، ذكّرني بـ ليلة لشبونة لأريش ماريا ريمارك بِكُلّ تداعياته الدراماتيكية. وقد سرى مثل النار في الهشيم وتلقفته الأيدي والأقلام، وهو ما سأفرّغ له حيّزاً بعد حين، كما هو كتاب: سلاماً يا غريب لعبد الغني الخليلي الذي عكس تجربته ومعاناته بأسلوب رشيق وقلم جميل بما فيها مأساة التهجير البالغة القسوة في الثمانينيّات.
وكنت ألحّ على باقر إبراهيم الموسوي (صدرت مذكراته مؤخراً) وعزيز محمّد وجلال الطالباني ومحمود عثمان وسامي عبد الرحمن وفرانسوا حريري وصلاح عمر العلي وعبد الرزاق الصافي ونوري عبد الرزاق والشاعر كاظم السماوي وستار الدوري ومحمّد بحر العلوم ومهدي الحافظ وأديب الجادر وعبد الإله النصراوي وأحمد الحبوبي وخير الدين حسيب أن ينجزوا مشروع السيرة الذاتية قبل أن يحلّ بنا موعد الغروب. لا يهمّ في ذلك اختلاف الدروب والرؤى والتوجهات والمواقف. ولعل مذكرات لشخصية وطنية كبرى مثل ناجي طالب سيكون لها وقع كبير في التاريخ السياسي العراقي، خصوصاً ممانعته على رغم الضغوط، واعتزاله «المجيد»، وترفّعه منذ نحو أربعة عقود من الزمان.
فالموت يدرك كلَّ ذي رَمَق
كالنوم يدرك كلّ من نَعِسا
جهمٌ يقيم على مدارجنا
وعلى صدى أنفاسنا حرسا
تعيا أزاهير الربى إذا نطقت
بعبير بسمتها إذا عبسا
أخيراً، أتُرانا نردد مع الروائي الكبير عبد الرحمن منيف حين يخاطب الباهي محمّد مودعاً: «ما زلنا نمارس فضيحة الحياة»، أو لنقل مع حكمة ذلك الفلاح التي يرددها الروائي والصحافي أبو كاطع (شمران الياسري) بصراحته المعهودة «بلابوش دنيا» .

الهوامش
ـ[1] القرآن الكريم ، «سورة آل عمران،» الآية 185.
ـ[2] المصدر نفسه، «سورة الرحمن،» الآيتان 26 ـ 27.
ـ[3] الشرق الأوسط ، 4/9/2000.
ـ[4] نُشر جزء منها في: عبد الحسين شعبان، الجواهري: جدل الشعر والحياة (بيروت: دار الكنوز الأدبية، 1997).



#عبد_الحسين_شعبان (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- فرادة الوسطية والاعتدال! سعد صالح نموذجاً
- العراق-إيران: شفط النفط بين التسييس والتدليس!!
- اعلام وارهاب!
- العلم العراقي والرمز المنشود
- مجتمع مدني ولكن !
- قصائد من غوانتانامو!
- في الحالة العراقية: استحقاقات وتحديات!
- الفساد: «المنطقة المحرّمة» بالعراق!
- أديان العراق وطوائفه: عنف الحاضر وتعايش الماضي
- من يضمن حقوق اللاجئين -العراقيين-؟!
- غاندي وروح التسامح واللاعنف
- نفق غوانتانامو الذي لا ينتهي!!
- الحرب الاستباقية واحتكار العدالة: حالة غزة
- أور أو -مدينة القمر- والشبكة العنكبوتية
- جورج حبش: الاستثناء في التفاصيل أيضاً!!
- صورة المجتمع المدني بين التصادم والتواؤم
- دولة مواطنة أم مواطنة دولة ؟!
- المجتمع المدني بين الاقرار والانكار !!
- راية الليبرالية الجديدة!!
- العقدة النفطية في المشكلة العراقية!!


المزيد.....




- روسيا توقع مع نيكاراغوا على إعلان حول التصدي للعقوبات غير ال ...
- وزير الزراعة اللبناني: أضرار الزراعة في الجنوب كبيرة ولكن أض ...
- الفيضانات تتسبب بدمار كبير في منطقة كورغان الروسية
- -ذعر- أممي بعد تقارير عن مقابر جماعية في مستشفيين بغزة
- -عندما تخسر كرامتك كيف يمكنك العيش؟-... سوريون في لبنان تضيق ...
- قمة الهلال-العين.. هل ينجح النادي السعودي في تعويض هزيمة الذ ...
- تحركات في مصر بعد زيادة السكان بشكل غير مسبوق خلال 70 يوما
- أردوغان: نتنياهو -هتلر العصر- وشركاؤه في الجريمة وحلفاء إسرا ...
- شويغو: قواتنا تمسك زمام المبادرة على كل المحاور وخسائر العدو ...
- وزير الخارجية الأوكراني يؤكد توقف الخدمات القنصلية بالخارج ل ...


المزيد.....

- الكونية والعدالة وسياسة الهوية / زهير الخويلدي
- فصل من كتاب حرية التعبير... / عبدالرزاق دحنون
- الولايات المتحدة كدولة نامية: قراءة في كتاب -عصور الرأسمالية ... / محمود الصباغ
- تقديم وتلخيص كتاب: العالم المعرفي المتوقد / غازي الصوراني
- قراءات في كتب حديثة مثيرة للجدل / كاظم حبيب
- قراءة في كتاب أزمة المناخ لنعوم چومسكي وروبرت پَولِن / محمد الأزرقي
- آليات توجيه الرأي العام / زهير الخويلدي
- قراءة في كتاب إعادة التكوين لجورج چرچ بالإشتراك مع إدوار ريج ... / محمد الأزرقي
- فريديريك لوردون مع ثوماس بيكيتي وكتابه -رأس المال والآيديولو ... / طلال الربيعي
- دستور العراق / محمد سلمان حسن


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - قراءات في عالم الكتب و المطبوعات - عبد الحسين شعبان - خالد علي الصالح- على طريق النوايا الطيبة: تجربتي مع حزب البعث