أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - راندا شوقى الحمامصى - بعض من المبادئ البهائية















المزيد.....


بعض من المبادئ البهائية


راندا شوقى الحمامصى

الحوار المتمدن-العدد: 2218 - 2008 / 3 / 12 - 02:11
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


استقلالية البحث عن الحقيقة :

ان أحد مصادر الصراع الرئيسية في العالم اليوم هو أن الكثير من الناس ينقادون نحو مختلف التقاليد والحركات والأفكار انقياداَ أعمى دون بحث وتمحيص . فالله جل وعلا وهب كل إنسان العقل السليم والقدرة المناسبة للتمييز بين الحق والباطل . فإذا فشل الإنسان في استعمال قدراته العقلية واختار لنفسه قبول بعض الأفكار والآراء دون تفحصها ليس عن قناعة بها أو خوفا من معتنقيها ، يكون عندئذ قد أهمل دوره الخلقي الرئيسي كإنسان يعيش على هذا الكوكب .

علاوة على ذلك ، عندما يتصرف الإنسان بهذا الشكل يصبح عادة متشددا ومتطرفا في أفكاره وتقاليده ويكون غير متسامح مع من يخالفه في الفكر والرأي . وموقف كهذا يمكنه ان يجر صاحبه إلى الصراع . وقد شهد لنا التاريخ صراعات عديدة بل سفك دماء حول اختلاف رأي في الأمور الدينية البسيطة أو حتى في تغيير جزئي لتفسير بعض المسائل العقائدية .

إن البحث الشخصـي عن الحقيقة يؤدي إلى أن الفرد يعرف السبب في تمّسكه بفكرة أو عقيدة معينة . يعتقد البهائيون بأنه طالما أن هناك حقيقة واحدة فإن جميع الناس ستكتشف بالتدريج جوانبها والأوجه المختلفة لها ، وفي نهاية المطاف سيصلون إلى فهم مشترك واحد شريطة أن يكونوا فعلا باحثين عن الحقيقة بكل صدق وإخلاص . وفي هذا الصدد يقول حضرة عبد البهاء :
" الحقيقة واحدة ولا تتعدد . وما الاختلافات الظاهرة بين الشعوب والقبائل إلا بسبب جنوحهم نحو التعصب فإذا ما بحث الناس عن الحقيقة بتجرد فسيجدون أنفسهم في اتحاد تام".

ويقول أيضا :
" ان الحقيقة التي تجعلنا نتخيل أنفسنا على حق والآخرين على باطل ما هي إلا أعظم العقبات في طريق الوحدة ، والوحدة ضرورية ان أردنا الوصول إلى الحقيقة ذلك لان الحقيقة واحدة".

ترك التعصب والأوهام :

أعطى حضرة بهاء الله اهتماماَ خاصاَ بمشكلة التعصب . فالتعصب يعني تمسك عاطفي قوي بفكرة أو رأي معين بغض النظر عن مطابقته للعقل والمنطق . إن التعصب بشكله المعروف يبرز للوجود عندما ينتمي فرد إلى جماعة يعتقد بأنها مميزة عن غيرها . فيأخذ هذا الفرد بالتالي موقفا سلبيا تجاه الذين يخالفونه في الرأي دون الاعتبار لما هم عليه من قدرات فردية . فالتعصبات قد تكون عرقية واقتصادية واجتماعية ولغوية أو ما إلى ذلك . فجميعها يؤدى إلى الصراع والنزاع لأنه يولد الفرقة بين مجموعات الناس . أما الكراهية التي نشأت نتيجة ذلك ، فغالبا ما أدت إلى اضطراب اجتماعي وحرب بل إلى عمليات إبادة جماعية . لقد أمر حضرة بهاء الله أتباعه ببذل أقصى الجهد للتخلص من جميع أنواع التعصبات والخرافات الراجعة إلى الطبيعة البشرية التي تؤدي إلى الحقد والكراهية .

وضمن آثاره الكتابية التي تتعلق بالأخلاق ، انزل حضرة بهاء الله في : " الكلمات المكنونة " ما يدعونا إلى التأمل في رشح منها :
" يا أبناء الإنسان هل عرفتم لم خلقناكم من تراب واحد لئلا يفتخر أحد على أحد وتفكروا في كل حين في خلق أنفسكم إذا ينبغي كما خلقناكم من شيء واحد أن تكونوا كنفس واحدة بحيث تمشون على رجل واحدة وتأكلون من فم واحد وتسكنون في أرض واحدة وحتى تظهر من كينوناتكم وأعمالكم وأقوالكم آيات التوحيد وجواهر التجريد هذا نصحي عليكم يا ملأ الأنوار فانتصحوا منه لتجدوا ثمرات القدس من شجر عز منيع".

اتفاق الدين والعلم :
من أحد الأسباب الرئيسية للنزاع والصراع في العالم اليوم هو الفكرة العامة بأن هناك تعارضا أساسيا بين العلم والدين , وأن الحقيقة العلمية تناقض الدين في بعض جوانبه ، وأن على الإنسان أن يختار بين تمّسكه بالدين وإيمانه بالله أو أن عالما خاضعا للعقل والمنطق .

فالتعاليم البهائية تؤكد على الاتحاد الجوهري بين العلم والدين . وقد أشار حضرة عبد البهاء إلى هذا الموضوع ضمنيا في بيانه السابق بأن الحقيقة واحدة وغير قابلة للتجزؤ ، فلا يمكن لأمر ما أن يكون خطأ من الناحية العلمية وصحيحا من الناحية الدينية . كما شرح حضرته هذا الموضوع بشكل مسهب في الفقرة التالية :
" إذا كانت الآراء والمعتقدات الدينية مغايرة للمفاهيم والمقاييس العلمية فان ذلك يعتبر ضربا من الأوهام والخيال ، ذلك لأن عكس المعرفة هو الجهل ومولود الجهل خرافات وأوهام ولابد من وجود التوافق والاتفاق التام بين الحقيقة الدينية والعلم . ومن المستحيل الإيمان بمسألة تخالف العقل والمنطق لان فيها يكون التأرجح والتردد ".

أكد حضرة بهاء الله بأن الطاقات الفكرية والعقليـة للإنسان هي مواهب من الله العلي القدير ، والعلم هو نتاج الاستخدام المنظم للقوى العقلية . وعليه فإن الحقائق العلمية هي حقائق مكتشفة بينما الحقائق الدينية هي حقائق منزلة وهي التي أرانا الله إياها دون ان نكتشفها بأنفسنا . ويؤمن البهائيون بأن الله الواحد الأحد هو الذي أنزل الحقائق الدينية وهو الذي أوجد الفكر والعقل من أجل الاكتشافات العلمية . وعليه لا تناقض بينها لان موجدها جميعها واحد
أما التناقض الظاهري بين العلم والمعتقدات الدينية التقليدية فهو من صنع الإنسان المعرض للخطأ والغطرسة . وعلى مر القرون تخلل مختلف الأنظمة الدينية تحريف وتغيير بالتدريج مما عكر صفاء تلك التعاليم والمبادئ الأساسية التي أتى بها مؤسسو الأديان . ومع مرور الزمن أصبح من الصعب التمييز بين ما هو محرّف وما هو أصيل ، وعلى نفس المنوال نرى أن النتائج المستقاة من بعض مدارس العلم والمعرفة غير الرصينة أصبحت أكثر جاذبية وشعبية من النتائج الحاصلة من الأبحاث العلمية الدقيقة والمعتبرة مما أدى ذلك إلى تشويش الحقيقة . وقد أكد حضرة عبد البهاء بأن الدين والعلم في الواقع مكمّلان لبعضهما البعض . وفي سياق هذا الموضوع قال حضرته :
" الدين والعلم جناحان يطير بهما الإنسان إلى العلي وبهما تترقى الروح الإنساني . فمن المستحيل الطيران بجناح واحد ، فإذا ما طار الإنسان بجناح الدين وحده فسرعان ما يقع في مستنقع الوهم والخرافة ، وإذا ما طار بجناح العلم وحده فسيقع في وهدة المادية التي تحول دون تقدمه . ان جميع الأديان في وقتنا الحاضر قد وقعت ضحية التقاليد والأوهام بعيدا عن حقيقة التعاليم التي جاءت بها وعن ثمار الاكتشافات العلمية لهذا العصر ".
وفي فقرة أخرى من خطب حضرة عبد البهاء في أوربا وأمريكا أكد حضرته بأن نتيجة توافق العلم والدين هي تقوية وتعزيز الدين وليس ضعفه مثلما يتخوفه المدافعون عن الدين :
" لهذا يجب على الدين والعلم أن يتطابقا . إن جميع هذه التقاليد التي لدى الأمم نظرا لكونها مغايرة للعلم والعقل فأنها سبب للخلاف والوهم لهذا يجب أن نتحرى حقيقة كل موضوع وإن تحقق ذلك فإن جميع الأديان تصبح ديناَ واحداَ لأن أساسها حقيقة واحدة ، والحقيقة الواحدة لا تتجزأ".

تساوي حقوق الرجال والنساء :

بينما تذهب العديد من التقاليد والأعراف الدينية والفلسفية إلى الاعتقاد بأن المرأة يجب أن تكون خاضعة للرجل في نواح معينة من الحياة الاجتماعية وحتى ان المرأة في درجة أدنى من الرجل ، فان الدين البهائي يدعو إلى تساوي حقوق المرأة بالرجل . فقد أكد حضرة بهاء الله وحضرة عبد البهاء بأن المرأة لديها القدرات العقلية المساوية للرجل وفي المستقبل تستطيع المرأة إظهار طاقاتها لكي تحقق انتصارات في المجالات الذهنية والعلمية في جميع أوجه الشئون الإنسانية . إن السبب الوحيد الذي عرقل المرأة من أجل الوصول إلى هذا الهدف هو حرمانها من الفرص التعليمية والاجتماعية اللازمة . بالإضافة إلى ذلك فإن الرجال نظرا لقوتهم الجسمية فقد سيطروا على المرأة خلال عقود من الزمن وبذلك منعوا المرأة من تطوير قواها الحقيقية . وفي هذا الصدد يقول حضرة عبد البهاء :
" كان العالم في العهود السالفة أسير سطوة الرجال تحكمه قسوتهم وتسلّطهم على النساء بصلابة أجسامهم وقوة عقولهم وسيطرة شدتهم . أما اليوم فقد اضطربت تلك الموازين وتغيرت واتجه العنف جهة الاضمحلال ، لان الذكاء والمهارة الفطرية والصفات الروحانية من المحبة والخدمة التي تتجلى في النساء تجلياَ عظيما صارت تزداد سموا يومَا فيومَا . ولهذا في هذا القرن البديع جعل شؤؤن الرجال تمتزج امتزاجا كاملا بفضائل النساء وكمالاتهن . وإذا أردنا التعبير تعبيراَ صحيحاَ قلنا ان هذا القرن سيكون قرناَ يتعادل فيه هذان العنصران : الرجل والمرأة تعادلا اكثر ، ويحصل بينهما توافق أشد".

ووجه هام من وجوه الوحدة العالمية سيكون الحصول على مزيد من التوازن بين الرجل والمرأة في تأثيرهما على المجتمع . وفي الواقع ، فأن زيادة تأثير المرأة في المجتمع سيؤدى إلى الحد من الحروب وإقامة السلام الدائم . يقول حضرة عبد البهاء :
" مّرت البشرية في العصور السالفة بمراحل من النقص والفتور لأنها لم تكن كاملة . فالحروب وآثارها قد أصابت العالم بآفاتها . ان تعليم المرأة سوف يكون خطوة جيدة نحو إنهاء الحروب والقضاء عليها ذلك لان المرأة ستستخدم كامل تأثيرها ضد الحرب … وفي الحقيقة فان المرأة ستكون عنصراَ رئيسياَ في تأسيس السلام العالمي والمحكمة الدولية . وبالتأكيد ستعمل المرأة على إنهاء الحروب بين الجنس البشري".

التعليم العمومي :
أوجد حضرة بهاء الله خطوات عملية لتحقيق دعوته في مساواة حقوق المرأة بالرجل ودعا الناس إلى ضرورة تعليم الأطفال وتربيتهم . وإذا كانت المشاكل العائلية أو المالية تعيق ذلك ، إن لم تستطع الجالية تلبية هذه الحاجة فإن أولوية التعليم يجب أن تعطى للإناث دون تردد . هذا العمل يؤدي إلى تحقيق هدفين :
الأول : في مساعدة النساء على التغلب على نقصهن من عدم المساواة في الماضي .
الثاني : طالما ان الأمهات هن المربيات الأوائل في المجتمع ، فإن الجيل القادم سيحصل على أكبر فائدة ممكنة من التعليم المقدم له من الأسرة أو من الجالية .

العدالة الاقتصادية – الحد من الغنى الفاحش والفقر المدقع :
إن مبدأ وحدة الجنس البشري الذي تصوره حضرة بهاء الله هو مبدأ قائم على العدالة . ومن الأمثلة الملفتة للنظر لحالة اللاعدالة في العالم اليوم هو عدم التوازن في الشئون الاقتصادية وفي الأمور المادية . هناك نسبة قليلة من الناس يملكون ثروات طائلة وهذه الأقلية تتحكم في الوسائل الرئيسية للإنتاج والتوزيع بينما نلاحظ إن غالبية سكان العالم يعيشون في فقر مدقع وبؤس شديد . حالة اللاتوازن هذه موجودة بين الناس وبين الشعوب حيث إن هناك بعض الشعوب الصناعية تملك ثروات طائلة بينما بعض الشعوب الأخرى مازالت فقيـرة وغير متقدمة . وفوق ذلك فإن الهوة بين الغني والفقير أخذة في الاتساع في كل سنة مما يدل على أن الأنظمة الاقتصادية الحالية غير قادرة على إيجاد عدالة متزنة . لقد أكد حضرة بهاء الله على ان اللاعدالة الاقتصادية مرض أخلاقي وغير مقبول لدى الله عز وجل . ومما ذكره حضرة عبد البهاء :
"عندما نرى بأن الفقر قد تحّول إلى حالة من الحرمان فأن ذلك دلالة على أن هناك نوع من الاستبداد والطغيان ".

كما قال حضرة بهاء الله في الكلمات المكنونة :" يا ابن الإنسان انفق مالي على فقرائي لتنفق في السماء من كنوز عز لا تفنى وخزائن مجد لا تبلى ولكن وعمري إنفاق الروح اجمل لو تشاهد بعيني ".

وفي سورة البيان قال حضرته أيضا :
" لا تحرموا الفقراء عما أتاكم الله من فضله وأنه يجزى المنفقين ضعف ما أنفقوا أنه ما من إله إلا هو له الخلق والأمر يعطي من يشاء ويمنع عمن يشاء وأنه لهو المعطي الباذل العزيز الكريم ."

من الأسباب الرئيسية المؤدية إلى فقدان العدالة الاقتصادية لاشك إنها المنافسة الشديدة وغير الشريفة . وبالرغم من أن المنافسة المحدودة كانت دون شك وسيلة تشجيعية لدفع الإنتاج خلال فترة من التاريخ عندما كانت وسائل وطرق الإنتاج أقل تطوراَ ونمّواَ ، ولكن اليوم يجب أن يحل محلها التعاون والتآزر . إن الموارد البشرية والمادية المتوفرة لدينا يجب أن توظف لمصلحة الجميع وعلى المدى البعيد وليس لمصلحة طبقة محدودة من الناس ولفترة قصيرة . ولا يمكن تحقيق هذا الهدف دون التعاون البناء بدل من المنافسة والمضاربة واعتباره أساساَ للنشاط الاقتصادي المنظم .

يجب أن يسود التعاون بين جميع طبقات الجامعة . وقد شرح حضرة عبد البهاء بأنه حتى المشاريع الفردية يجب أن تعكس تلك المشاركة بين العامل وصاحب العمل بأن يأخذ العامل بالإضافة إلى راتبه ، نسبة معينة من الأرباح . وبهذه الطريقة نلاحظ أن العمال وأصحاب العمل يعملون معا في مشروع تعاوني مشترك ، ولا تضارب في مصالحهم المشتركة . إن النظام الحالي الذي يستحوذ فيه صاحب العمل على جميع الأرباح يؤدي إلى حدوث نزاع وصدام بينه وبين العمال مسبباَ اختلالا اقتصادياَ وظلماَ واستغلالا في اغلب الأحيان . وبالنسبة للمنافسة ، وسعيا وراء السلطة والقوة يقول حضرة بهاء الله :
" عندما يبحث الناس عن التعالي والامتياز يخرب العالم بل يقفر … ومما لاشك فيه فان الإنسان مخلوق نبيل وفيه نشاهد آية الحق . أما إذا رأى نفسه أعلم وأرجح وأفضل وأتقى وأرفع من الآخرين فهذا هو الخطأ الكبير ".

ويبّين لنا حضرة عبد البهاء بأن التعاون يمنح المجتمع حياة مثلما يعيش الكائن الحي بتعاون أجزاء جسمه المختلفة المكونة له . حيث تفضل حضرته :
" في عالم الوجود جميع الكائنات لها علاقة مع بعضها البعض ومن هذه العلاقة يحصل التعاون والتعاضد ، وهذا التعاون والتعاضد هو سبب البقاء والحياة ، وأن استبعد التعاون والتعاضد ولو لدقيقة واحدة مـن حقائق الأشيـاء تنحـل جميع الكائنات وتصبح هباء منثورا ".
وفي إطار نظام اقتصادي قائم على التعاون فان التعاليم البهائية تقبل الملكية الفردية والحاجة إلى مبادرة اقتصادية فردية . أضف إلى ذلك فان المبادئ البهائية حول الاقتصاد لا تشير إلى ضرورة أن يكون لجميع الأفراد دخل متساو . فهناك تباين في طبيعية الاحتياجات ثم القدرات بين إنسان وآخر ، وهناك بعض أنواع من الخدمة للمجتمع مثل التعليم يحصل أفراده على مكافأة وتعويض اكبر من الخدمات الأخرى .
وعلى أي حال يجب تنظيم جميع تلك المستويات في الدخل ضمن حدود محددة . فمن جانب يجب أن يكون هناك حد أدنى للدخل يفي بمتطلبات الإنسان ورفاهيته . وان لم يستطع دخل الفرد تلبية احتياجاته الضرورية لأي سبب كان (مثل العجز أو غيره) فيجب على هذا الفرد أن يحصل على تعويض من المال العام . ومن جانب آخر يجب أن يكون هناك حد أقصى للدخل أيضا . فمن خلال إيجاد نظام ضرائبي متطور ووسائل أخرى يمكن الحد من تراكم ثروة ضخمة للفرد خارج حدود معينة . وطبقا لبيان صريح من قبل حضرة عبد البهاء لا مكان " لمليونير " في مجتمع قائم على المبادئ البهائية لأنه يصبح من المستحيل جمع ثروة طائلة لا ضرورة لها .
أما بخصوص التباين في الرواتب فسوف يستمر ليمّكن المجتمع من دعم جهود فئات مثل الأطباء والمزارعين وتشجيعهم على أداء وظائفهم الهامة لمجتمعهم . ألا أن هذه الفروقات يجب ان يكون لها حدود وضوابط معينة للتأكد من عدم حرمان طبقة معينة من الحد الأدنى للراتب وأيضا عدم السماح لبعض الفئات امتلاك ثروات ضخمة . وعلى ذلك فإن المبادئ البهائية الخاصة بالاقتصاد تحتوي على عناصر مشابهة للأنظمة الحالية ولكنها تتضمن رؤية نحو إيجاد نظام اقتصادي جديد وفريد من نوعه قائم على توزيع عادل للسلع والخدمات ، ولا نظير له في رؤيته العالمية.

الأساس الروحي للمجتمع :
في بحثنا للقضية الاقتصادية والاجتماعية تجدر الإشارة بأن حضرة بهاء الله وحضـرة عبد البهاء قد أكّـدا بأن إعادة تنظيم الأنشطة الاقتصادية من اجل الحد من تضارب المصالح ما هو إلا جزء من حل المشكلة . إن اصل مشكلة اللاعدالة الاقتصادية هو الأطماع البشرية . وعليه ، يتحتم علينا أساساَ تغيير المفاهيم والمواقف . فإذا ما بقى الإنسان على أطماعه وأنانيته وغير ناضج غارقا في الماديات مفتقرا إلى الروحانيات فان افضل الأنظمة الاقتصادية وأكملها سوف لا يعمل بكفاءة . إن الحل الأمثل والمرضي للأزمة الاقتصادية العالمية الحالية يكمن في إيجاد تغيير جذري في عقول الناس وقلوبهم ، وهو لا يأتي إلا عن طريق الدين وفي هذا الصدد يقول حضرة عبد البهاء :
" ان الأسس التي تقوم عليها الأحوال الاقتصادية برّمتها إلهية في طبيعتها ، ولها ارتباط بعوالم القلب والروح ".

هذا المبدأ يبدو أنه جيد وصالح ليس للاقتصاد فحسب بل لجميع الأنشطة والمشاكل الإنسانية . فالتعاليم البهائية تؤكد على أن طبيعة الإنسان روحية في جوهرها ، ولا يمكن إيجاد حل دائم وشامل للمشاكل الإنسانية دون أخذ هذه الحقيقة بعين الاعتبار . وكل شيء بالأساس مرتبط بالهدف الروحي لوجود الإنسان ، وهو معرفة الخالق عز وجل ومحبته ثم تطوير القيم والفضائل الروحية لديه .

ولهذا السبب جاءت آثار حضرة بهاء الله وحضرة عبد البهاء لتشمل بهدايتها جزءا كبيرا من الأنشطة الإنسانية . ولا يمكن وضع حد فاصل بين الجوانب الدنيوية والدينية للحياة . وان أردنا لحياتنا أن تنجح فعلينا أن ننظر إلى جميع جوانبها من منظور روحاني . ونظراَ لأن الدين عبارة عن استمرارية للهداية الإلهية للعالم البشري ، ويعتبر ذا بعد روحاني خاص وأهمية خاصة للإنسان ، فان الدين السماوي يمكن أن يكون قاعدة للمجتمع وإن المساعي الإنسانية لحل مشاكل العالم دون الرجوع إلى الدين وإلى المشيئة الإلهية ستؤول بالفشل . بالنسبة لهذا الموضوع يقول حضرة شوقي أفندي :
" لقد ذهبت الإنسانية ويا للأسف بعيداَ في ضلالها وأصابها انحطاط هائل إلى درجة يصعب معها إنقاذها ، إذ لا جدوى من جهود لا تأييد لها والتي يبذلها أشهر القادة ورجال الدولة البارزين مهما كانت نواياهم خالصة ، ومهما بلغت أعمالهم من الإعداد والتخطيط … فلا جدوى من أي خطط تأتي نتيجة حسابات اكثر زعماء السياسة أهمية ولا فائدة من العقائد التي يسعى أصحاب النظريات الاقتصادية تقديمها ولا جدوى من أي مبادئ يحاول دعاة الإصلاح والأخلاق من خيرة القوم غرسها في النفوس ما لم توفر في نهاية الأمر القاعدة الصحيحة التي يمكن أن يبني عليها صرح المستقبل لعالم مشتت الأفكار والحواس".

لغة عالمية إضافية :
إن تعدد اللغات وهو ما يتصف به عالمنا المتحضر اليوم يعتبر عقبة رئيسية أمام وحدة العالم . فعلى مستوى الاتصالات الفعلية فان وجود لغات متعددة يجعل من الصعب تدفق المعلومات بشكل يسيـر ويجعل من الصعب على الفرد المتحدث بلغة واحدة أن يحصل على منظور عالمي لأحداث العالم . هناك توجه من قبل بعض الفئات أو الشعوب نحو التمسك بلغتها وثقافتها وبالتالي اعتبارها افضل واحسن من غيرها . هذه النظرة الفوقية أو الغلو في الوطنية عادة ما تؤدي إلى الصراع .

ولهذا فليس من العجب أن نرى ان الحل الذي طرحه حضرة بهاء الله لوحدة الجنس البشري يتضمن تبنّي لغة عالمية إضافية . حيث دعا حضرته إلى تعلم لغة أخرى واحدة في جميع المدارس التعليمية في العالم . وبذلك وخلال جيل واحد يستطيع الكل أن يتعلم بالإضافة إلى لغته الأصلية لغة عالمية أخرى مشتركة . هذه اللغة العالمية يمكن أن تكون لغة مخترعة مثل لغة الاسبرانتو أو من إحدى اللغات المتداولة . ومن محاسن اختيار إحدى اللغات الموجودة ، هو وجود نسبة من شعوب العالم يتحدثون بها ويتعلمونها بينما من محاسن اختراع لغة جديدة هو حيادية هذه اللغة وأيضا إعطاء الفرصة لإيجاد قواعد لغوية بسيطة وسهلة .
يؤمن البهائيون بأهمية اختيار لغة عالمية إضافية إلى جانب اللغة الوطنية ، ولكنهم لا يرجّحون لغة معينة على لغات أخرى سواء كانت هذه اللغة موجودة أم مخترعة . إن اختيار هذه اللغة سيتم بواسطة لجنة دولية من الخبراء ويتم إقرارها من قبل شعوب العالم . كما أكد حضرة بهاء الله بان اللغة العالمية ستكون لغة إضافية ومساعدة بمعنى إنها سوف لن تحل محل اللغات الموجودة . إن مبدأ " الوحدة والاتحاد في التنوع والتعدد " يجب أن يطبق في مجال اللغات المختلفة كما هو مطبق في الشئون الأخرى . ونظراَ لأن هناك ضغوطا مختلفة على الاقليات اللغوية تهدد بذوبانها بين اللغات السائدة والمسيطرة في المجتمع فان وجود لغة عالمية إضافية سيساعد تلك اللغات الأقلية في حفظ وجودها وبالتالي حفظ ثقافة الاقليات.

وجها الظهور الإلهي :
من أجل الفهم الجيد للتعاليم البهائية من الضروري بمكان أن نستوعب ونفهم الدور الذي يلعبه أي ظهور سماوي في تاريخ البشرية . في توضيحهما لمفهوم استمرار الهداية الإلهية أوضح وشرح حضرة بهاء الله وحضرة عبد البهاء بان كل دعوة سماوية لها هدفان رئيسيان . الهدف الأول : هو العمل على زيادة معرفتنا بالله سبحانه وتعالى والإيمان بإرادته المطلقة ومشيئته النافذة للبشرية ثم زيادة معرفتنا بالآخرين وبأنفسنا . ولكن كل ظهور سماوي يأتي في مكان وزمن معين وفي مرحلة من مراحل التطور الاجتماعي عندما تكون البشرية في مواجهة مشاكل معينة ولها احتياجات خاصة . وعلى ذلك فان الهدف الثاني لأي دعوة سماوية هو هداية الجنس البشري للطرق العلمية ومنحه العلم اللازم والضروري لمواجهة التحديات المعاصرة .

إن الفرق الوحيد بين الهدفين هو أن الأول هو هدف عام بينما الثاني هدف خاص . في الحالة الأولى يوجه المبعوث السماوي رسالته إلى العالم البشري حول مواضيع عالمية وجوانب مختلفة للحياة مثل معاناة الإنسان وولادته ومماته وظواهر مثل الخوف والحب . فالخبرات التي يكتسبها الإنسان من هذه الجوانب المختلفة للحياة تعتبر من مقومات حياته بغض النظر عن مكانه أو زمانه . أما في الحالة الثانية ، فالرسول الإلهي يخاطب الجنس البشري بأبعاد معينة يختص بالمكان والزمان ، وعلى ذلك فإن الحدود والأحكام الإلهية التي نزلت من اجل تلبية متطلبات كل عصر لها جانبان . الجانب الأول هو عام أو ابدي والجانب الآخر هو اجتماعي أو مؤقت . وقد شرح لنا حضرة عبد البهاء هذين الجانبين للدين بما يلي :
" كل دين من الأديان الإلهية المقدسة التي نزلت حتى اليوم منقسم إلى قسمين : أحدهما الروحانيات وهي معرفة الله وموهبة الله وفضائل العالم الإنساني والكمالات السماوية ، وهذا القسم يتعلق بعالم الأخلاق وهو الحقيقة والأصل . وجميع أنبياء الله دعوا الناس إلى الحقيقة ، فالحقيقة هي محبة الله ومعرفة الله وهي الولادة الثانية ، والحقيقة هي الاستفاضة من الروح القدس وهي وحدة العالم الإنساني ، وهي الألفة بين البشر وهي المحبة والصداقة وهي العدل وهي المساواة بين البشر . وقد روّجها وأسسها أنبياء الله جميعا . ومن ثم فالأديان الإلهية واحدة . والقسم الثاني من الدين متعلق بالجسمانيات وهو فرعي وليس أساسيا ويحدث فيه التغيير والتبديل بحسب مقتضيات الزمان . فالطلاق مثلا جائز في شريعة التوراة وليس جائزا في شريعة السيد المسيح . وفي شريعة موسى كان السبت وفي شريعة المسيح نسخ ذلك الأمر . فجميع هذه الأمور تتعلق بالجسمانيات ولا أهمية لها وهي تتغير وتتبدل حسب مقتضيات الزمان … وخلاصة القول أن هذا القسم الذي يتعلق بالعالم الجسماني يحدث فيه التغيير والتبديل تبعا لمقتضيات الزمان".

من أسباب الصراع الرئيسية بين الأنظمة الدينية المختلفة هو فشل أتباع هذه الديانات في التمييز بين القسمين . ونظرا لان الأحكام الاجتماعية قابلة للتغيير تبعاَ لتطور البشرية ونموها فإن أتباع الديانات يصابـون بخيبة أمل إذا أصروا على اعتبار ان هذه الأحكام والقوانين غير قابلة للتغيير والتجديد . فمثلا قام السيد المسيح عليه السلام بتغيير عدة أحكام وقوانين اجتماعية خاصة باليهود لدرجة أن ذلك أثار حفيظة وسخط المتعصبين اليهود .

طبقا للاعتقاد البهائي فان أهم مشكلة اجتماعية في عصرنا الحاضر هي الفرقة والشقاق . فمبادئ مثل إيجاد لغة عالمية أخرى لهي وسائل عملية وضعت للمساعدة في تأسيس الوحدة العالمية .

ومع كل ذلك فان الوحدة تعبير عن المحبة والألفة . أما الخلاف والنزاع فهو نوع من أنواع الحقد والكراهية . وقد أشار حضرة عبد البهاء بان المحبة هي جوهر وأساس التعاليم التي أتى بها الحق تبارك وتعالى للبشرية وهي مبدأ عالمي جاء في الأديان كلها . وعلى ذلك فان غالبية المشاكل الاجتماعية والمنبثقة أصلا من عدم الوحدة يكون سببها الضعف في الروحانيات . ومن ثم يربط البهائيون الكثير من المبادئ التي جاء بها حضرة بهاء الله (مثل تساوي حقوق الرجل والمرأة) إلى أنها تعبير عن حقيقة روحانية عالمية وعامل رئيسي في حل المشاكل الاجتماعية المعاصرة .



#راندا_شوقى_الحمامصى (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- المفهوم البهائي للذات الإلهية
- الإنسان والعلم والدين
- تعالوا معاً نقول كلمة حق لدعوة الحق
- أثر الدين في المجتمعات
- استقرار السلام العالمي بين البشر
- البشرية بحاجة إلى من يداوى عللها ويبرئ أمراضها فهل يتعظ البش ...
- الحضارات الإنسانية نابعة من النفحات الروحانية
- الإعراض والاعتراض عبر التاريخ
- -دين الله واحد أما شرائعه فمختلفة-
- البهائية لثقافة المعلومة
- استمرار الظهور الإلهي
- -كل الطعام كان حلا لبني إسرائيل إلا ما حرم إسرائيل على نفسه- ...
- الكلمة الإلهية
- التعاليم البهائية في الحياة بعد الموت
- البهائية-ماذا تكون
- جاء رب الجنود-وعاد المسيح فى مجد أبيه- وفاض النبأ العظيم- هب ...
- المظاهر الإلهية
- يَومُ الله
- -هذا دينُ اللهِ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ...-
- وغداً تشرق الشمس


المزيد.....




- وفاة قيادي بارز في الحركة الإسلامية بالمغرب.. من هو؟!
- لمتابعة أغاني البيبي لطفلك..استقبل حالاً تردد قناة طيور الجن ...
- قادة الجيش الايراني يجددن العهد والبيعة لمبادىء مفجر الثورة ...
- ” نزليهم كلهم وارتاحي من زن العيال” تردد قنوات الأطفال قناة ...
- الشرطة الأسترالية تعتبر هجوم الكنيسة -عملا إرهابيا-  
- إيهود باراك: وزراء يدفعون نتنياهو لتصعيد الصراع بغية تعجيل ظ ...
- الشرطة الأسترالية: هجوم الكنيسة في سيدني إرهابي
- مصر.. عالم أزهري يعلق على حديث أمين الفتوى عن -وزن الروح-
- شاهد: هكذا بدت كاتدرائية نوتردام في باريس بعد خمس سنوات على ...
- موندويس: الجالية اليهودية الليبرالية بأميركا بدأت في التشقق ...


المزيد.....

- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - راندا شوقى الحمامصى - بعض من المبادئ البهائية