أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عزو محمد عبد القادر ناجي - دور الجيش في عدم الاستقرار السياسي















المزيد.....



دور الجيش في عدم الاستقرار السياسي


عزو محمد عبد القادر ناجي

الحوار المتمدن-العدد: 2212 - 2008 / 3 / 6 - 11:20
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


للجيش في سوريا تاريخ طويل فعلى أرضها كانت المعارك العالمية الكبرى منذ فجر التاريخ بين الحضارات المختلفة، وكانت الكثير من مدنها مراكز لتلك الحضارات، أو حواضر مهمة لها، لكن زادت أهميتها في ظل الدولة الأموية التي كانت مركزها دمشق، فاهتم الأمويون في تنظيم الجيش وأكملوا ما بدأه الخليفة عمر بن الخطاب (رض) في تنظيم الجيش، ثم أدخل الخليفة الأموي عبدالملك بن مروان، نظام التجنيد الإجباري ففتحوا شمال أفريقيا كلها إضافة إلى الأندلس وجنوب فرنسا، وفرضوا الجزية على بلاد الصين والقسطنطينية، بعد أن فتحوا السند وبلاد ما وراء النهر وهي ما تعرف الآن بالتركستان والباكستان وغيرها من المناطق التي نشروا فيها رسالتهم، كما أنهم فتحوا معظم جزر البحر المتوسط، و كانت دمشق مركز الدولة الأيوبية بقيادة صلاح الدين الأيوبي الذي يعد استمراراً للدولة الزنكية التي كانت عاصمتها دمشق أيضاً، فكانت الدولة الأيوبية وريثة عدة دول أهمها الدولة الفاطمية في مصر و الجزيرة العربية و الدولة الحمدانية في حلب و الموصل وعلى هذا الأساس وحدت الدولة الإسلامية بعد أن تقسمت إلى دويلات عديدة، -وقد أيد الخليفة العباسي هذه الوحدة وأقر صلاح الدين على هذه المناطق- وبعد ذلك هزمت الصليبيين في حطين وأخرجتهم من البلاد التي احتلوها بعد ذلك، وكانت الدولة الحمدانية في حلب والتي امتدت لمسافات شاسعة له الدور الأكبر في حماية الدولة الإسلامية من الغزوات البيزنطية، وعلى أرض الشام هزم المغول بعد تحالف أمراء الدولة الأيوبية في الشام مع مماليك مصر في معركة عين جالوت، لكن ضعف مركزها في ظل الدولة العثمانية التي اتسمت بالتخلف والجهل مما أثر على مركزها، وعادت الروح إليها عندما أصبحت مركز الجيش الرابع التركي بقيادة جمال باشا السفاح خلال الحرب العالمية الأولى، ثم دخول الأمير فيصل بن الحسين دمشق عام1918 والذي عمد إلى بناء جيش وفرض التجنيد الإجباري، وتشكلت أول وزارة دفاع في المنطقة العربية في 2 مايو 1920، وكان أول وزير للدفاع هو يوسف العظمة الذي استشهد في معركة ميسلون والتي على إثرها دخل الفرنسيون دمشق في 1920، وفي عهد الانتداب الفرنسي شكلت فرنسا جيشاً في سوريا سمته جيش الشرق المختلط، وهو يجمع بين أبناء كل سوريا المنتدبة من قبل الفرنسيين بما في ذلك أبناء لبنان، رغم أن فرنسا اعتمدت مبدأ انتقاء الموالين لها، وخاصة من الأقليات الأرمنية والشركسية وغيرهم من الأقليات الأخرى، لكن هذا لا يعني أن الأقليات كانت الأكثرية الشعبية في الجيش فقد كان معظم ضباط الجيش بعد الاستقلال منها - والدليل على ذلك أن مؤتمر حمص للمصالحة الوطنية في عام 1962 كان يضم 36 ضابط منها مقابل (5) فقط من الأقليات أي أن نسبة هؤلاء الضباط كانت حوالي 88 بالمائة بالنسبة لمجموع الأقليات.
وقد كان تدخل الجيش السوري للسياسة من أهم العوامل التي ساهمت في عدم الاستقرار السياسي في سوريا، بسبب اتصال بعض السياسيين ممن ينتسبون إلى الأحزاب بالعسكر كونهم أداة مهمة للتغيير السياسي، كما عمل بعض السياسيين الآخرين على إدخال طلاب المدارس العسكرية والشرطة ضمن أحزابهم، بحيث يكونوا تابعين لهم بعد تخرجهم، كما فعل ذلك عضو الحزب القومي السوري وعضو حزب الشباب ثم حزب العربي الاشتراكي ثم أحد قادة حزب البعث العربي الاشتراكي وهو النائب أكرم الحوراني، رغم أن المسؤولين عن الطلاب في الكليات العسكرية كانوا يعملون على صهر الطلاب في بوتقة واحدة واندماج واحد، بحيث تسودهم ثقافة الأخوة والاحترام، خاصة أن الطلاب في مراحلهم الدراسية لم يكتمل نضجهم السياسي، لكن الحوراني يقول في ذلك ليبرر عمله في تسييس الجيش:" كنت أسأل نفسي، هل نترك الجيش للرجعية لتنفيذ مؤامراتها، بعد أن أصبح الجيش أهم ساحة من ساحات الصراع بين القوى التقدمية، والاستعمار؟ هل نعتبر الجيش قطاعاً من قطاعات الشعب، وهذا يقتضي تنظيماً حزبياً عالياً؟" ويقول أيضاً "الجيش هو الشعب والشعب هو الجيش", فكان الحوراني هو عراب الانقلابات العسكرية في سوريا، قبل انقلاب عام 1966.
لكن لابد لأي انقلاب عسكري أن يكون نتيجة لعوامل عديدة أدت إليه فيكون هو رد فعل لهذه العوامل، إضافة لما يحدثه تدخل العسكر في إحداث الأزمات الحكومية وسقوط الحكومات، فانقلاب حسني الزعيم في 29 مارس 1949، كان من أسبابه تردي أداء الجيش في حرب فلسطين عام 1948 حيث سببت خيبة أمل وشعور بالإخفاق على المستوى الشعبي، كون الشعب كان ينظر لجيشه على أنه المحقق لتطلعات وأهداف الشعب بعد أن فرض الرئيس شكري القوتلي التجنيد الإجباري في سوريا عام 1948، وأصبحت الجندية واجباً مقدساً على الجميع، لتحقيق الأمن الخارجي والداخلي، خاصة بعد الاضطرابات في فلسطين بسبب وعد بلفور وماجره عليها من قيام دولة إسرائيل بتأييد الأمم المتحدة عام 1947، وقد شكك بعض أعضاء البرلمان السوري في أعقاب حرب فلسطين عام 1948 في نزاهة بعض قادة الجيش، واتهام البعض منهم بالفساد والسرقات، حيث شكل البرلمان لجنة للتحقيق في ذلك، وحوكم وزير الدفاع أحمد الشرباتي خلال حرب فلسطين، بسبب الخطة التي عهد بها لبعض الضباط وقد رفضها قائد الأركان اللواء عبدالله عطفة، مما حذا بوزير الدفاع إلى الاستقالة بعد خمسة أيام من بدء حرب فلسطين، فتسلم وزارة الدفاع رئيس الحكومة جميل مردم بك إضافة لمنصبه، وعمل لإبعاد قائد الأركان عن الأركان، وتعيين حسني الزعيم بدلاً منه والذي عمل على تطبيق خطة وزير الدفاع الخاطئة، والتي بسببها قتل الكثير من الجنود السوريين، حتى سميت المنطقة التي حورب فيها بمقبرة الجيش السوري، رغم أن الجيش السوري لم يهزم في تلك الحرب بل احتل بعض المناطق الاستراتيجية مثل مستوطنة كعوش، وكانت خطة قائد الأركان عبدالله عطفة، الاستيلاء على الساحل الفلسطيني السهل، ومنع الإمدادات للجيش الإسرائيلي، لكن لم تنفذ خطته، إضافة لقضية الضابط فؤاد مردم بك ابن أخو رئيس الحكومة جميل مردم بك، حيث عهدت إليه قبيل حرب فلسطين بقليل، باستيراد شحنة الأسلحة من إيطاليا إلى سوريا، لكن ذهبت الشحنة إلى إسرائيل، وكان هذا الضابط على علاقة بجاسوسة يهودية يوغسلافية اسمها بلماس، مما حذا بالرئيس شكري القوتلي لتقديمه للمحاكمة، كما أن الحكومة السورية تورطت بصفقة طائرات إيطالية ، تبين أنها قديمة وتسخن بسرعة، حيث ظهر ذلك خلال عرض عسكري أمام الجمهور، فسقطت إحدى هذه الطائرات وأودت بحياة عشرين متفرجاً وجرح آخرين، كل هذه الفضائح وغيرها كان لها تأثير سيء على الشعب السوري خاصة أن قائد الأركان الجديد وهو حسني الزعيم ، كان سجله مليئاً بالفساد منذ زمن الانتداب الفرنسي ، فقد اختلس مبلغ (3000) ليرة سورية، فحكم عليه عام 1942 بـ 10 سنوات سجن ، وقد أطلق سراحه الرئيس شكري القوتلي بعد الاستقلال، إضافة إلى استشراء الفساد في تموين الجيش وخاصة فضيحة السمنة الفاسدة، مما أدى لاستهتار الشعب السوري بقيادة الجيش، وتعرض الضباط للإهانات بسبب ذلك، حتى أنه أصبح الصبية في الشوارع يمسكون أنوفهم حينما يمر أحد الضباط، وقام زعيم الحزب التعاوني الاشتراكي والنائب في البرلمان فيصل العسلي ، بالتنديد بحسني الزعيم، وقيادة كتلة برلمانية تدعو لعدم زيادة ميزانية الجيش، بسبب الفساد، وأعتقل رئيس تموين الجيش العقيد أنطوان البستاني، وأرسل من سجنه رسالة لحسني الزعيم يهدده فيها بأنه سيكشف جميع شركائه، إذا لم يتصرف حسني الزعيم ويحل الموضوع، كما أن تعديل الدستور السوري عام 1947 للتمديد لرئيس الجمهورية لمرة واحدة فقط بسبب حرب فلسطين والأوضاع المتردية الأخرى خلال تلك الفترة، أثار استياء الجيش، وكان الجيش قد عهد إليه لقمع المظاهرات خلال حرب فلسطين مما حذا بحسني الزعيم الذي كان مديراً للأمن إضافة للأركان ، إلى الشعور بقدرة الجيش على التغيير، فاستغل بعض الطموحين هذه الظروف لإحداث انقلاب عسكري يطيح بنظام الحكم ، فقام مستشار الرئيس شكري القوتلي وهو محسن البرازي وكان أميناً لشؤون القصر، بتشجيع حسني الزعيم على انقلابه، وكان له الدور الأكبر في إعادته قبل ذلك إلى الجيش وتعيينه قائداً للأركان، وهذا سر تعيينه رئيساً للحكومة بعد انقلاب حسني الزعيم، رغم أنه اعتقله لعدة أيام عقب الانقلاب حتى لا يقال أنه متآمر على الرئيس شكري القوتلي، كما شجعه أيضاً النائب في البرلمان وعضو اللجنة البرلمانية المكلفة بالتحقيق في حرب فلسطين، وهو أكرم الحوراني على ذلك، حيث كان يختلي به كثيراً، وقد استاء الجيش أكثر عندما لم يهتم الرئيس شكري القوتلي لمذكرة الضباط التي أرسلوها إليه، بسبب تهجم النائب فيصل العسلي عليهم في البرلمان، حيث عهد للبرلمان بذلك مما حذا بالضباط إلى التذمر وعدم تنفيذ الأوامر، فاجتمع حسني الزعيم -مستغلاً هذه الظروف- في القنيطرة مع بعض الضباط وأبرزهم صديقي الحوراني وهما بهيج كلاس الذي أصبح نائباً لحسني الزعيم بعد انقلابه، وأديب الشيشكلي الذي أصبح مديراً للأمن، وأكرم الحوراني الذي أصبح مستشاراً لحسني الزعيم، كما تولى رئاسة اللجنة التي كلفه بها الزعيم للتحقيق في مساوئ الحكم السابق، والتي لم تجد أي اتهام للرئيس شكري القوتلي، وكان الذي ساعد على الانقلاب ما كان منتشراً في صفوف الجيش من فوضى في تنظيمه وارتباط بعض فروعه بعدة وزارات، مما جعلها مفككة ومنفصلة عن بعضها البعض وعن القيادة، وهذا أدى إلى اختلافات في التدريب وعدم تناسق وانسجام في نظام الجيش.
ورغم تأييد البعض مثل رجال الدين وحزب البعث لهذا الانقلاب ، إلا أنهم انقلبوا بعد ذلك ضده، حيث سرت شائعات في أوساط الشعب والجيش تقول أنه يريد القضاء على القومية العربية، وتشكيل فرق أجنبية في الجيش السوري، بعد أن أفسد معاهدة الهدنة مع إسرائيل بقبوله إعادة الأراضي الاستراتيجية التي استولى عليها الجيش السوري خلال حرب 1948، إلى إسرائيل، وحولها لمنطقة منزوعة السلاح، وتشرف عليها الأمم المتحدة، وحاول اللقاء مع رئيس وزراء إسرائيل ديفيد بن غوريون، ففسر الضباط ذلك على أنه اعتراف بإسرائيل، كما أنه تقرب من تركيا وفرنسا وما سببوه لسوريا من مآسي في تآمرهم على الأراضي السورية وخاصة كليكيا ولواء الإسكندرونة، إضافة لخيانته قضية الوحدة مع العراق ، حيث ناصبها العداء، ثم تسليمه لزعيم الحزب القومي السوري أنطون سعادة ، الذي دعاه للجوء السياسي إلى سوريا، ثم سلمته للحكومة اللبنانية التي أعدمته على الفور، ثم إبعاده لأكرم الحوراني وأديب الشيشكلي كونهما في الحزب القومي السوري، وكان لهما أصدقاء بين ضباط الجيش، فحرضوهم على الانقلاب ضده، خاصة بعد سلسلة الاعتقالات التي سادت حكمه بعد تولي المقدم إبراهيم الحسيني الموالي للولايات المتحدة، رئاسة المكتب الثاني (المخابرات العسكرية)، والذي ملأ سجن المزة بالمعتقلين السياسيين، وإهانته وقتله لبعضهم، كما أشيع عن حسني الزعيم التهور والانتساب للماسونية، وسجله السيء خاصة بعد قبوله بخطة وزير الدفاع أحمد الشرباتي ورفضه خطة قائد الأركان عبدالله عطفة، ثم إعلان نواب البرلمان السوري بعدم التعاون معه بعد انقلابه مما حذا به إلى حل البرلمان، ثم أخذ يحيط نفسه بهالة من العظمة، وأعطى لنفسه رتبة مارشال أي مشير، كل هذه العوامل جعلت الضباط يؤيدون انقلاب الزعيم سامي الحناوي في أغسطس 1949، والذي قوبل بارتياح شعبي وحزبي، وكان أول مرسوم له بعد تسلم السلطتين التشريعية والتنفيذية، تعيينه لعديله أسعد طلس أميناً عاماً لوزارة الخارجية (بناءاً على طلبه)، وتسريح أعوان حسني الزعيم، ثم أصدر مرسوماً، عين بموجبه هاشم الأتاسي رئيساً للحكومة وعهد إليه بتشكيلها، بعد أن وجه دعوته لرجال السياسة للحضور يوم الانقلاب، وقد برر سامي الحناوي انقلابه ، بأنه جاء كحركة تصحيحية لمسار انقلاب 30 مارس 1949 بسبب خيانة الأهداف التي تنكر لها، وهي مبدأ الاتحاد مع العراق، فجعل الجيش مراقباً لقرارات الحكومة لتحقيق هذه الأهداف، التي آمنت بها الحكومة أيضاً، فتشكل مجلس تأسيسي وفق انتخابات حرة عملت من أجل الوحدة مع العراق، وأعلن سامي الحناوي في 8 أكتوبر 1949 بالتصريح التالي: " إن الجيش وإن كان يرحب بأي اتحاد بين الدول العربية، إلا أنه يترك مثل هذا الأمر إلى الحكومة، وهو ينفذ ما يطلب منه فقط " ، لكن أديب الشيشكلي الذي أعاده اللواء سامي الحناوي إلى الجيش وسلمه قيادة اللواء الأول عارض الوحدة مع العراق على أساس أنه كان أولى بالعراق الوحدة مع الأردن كون العائلتين الحاكمتين هاشميتين، كما عارض الحوراني ذلك على أساس أن الضباط السوريين سيفقدون مراكزهم بسبب أن الجيش العراقي أكثر تدريباً من الجيش السوري، وأن الجيش السوري سيكون تحت رحمة الجيش العراقي، بالرغم من أن الحكومة والمجلس التأسيسي كله - ماعدا الحوراني- كانوا مع اللواء سامي الحناوي، ولم تكن هناك أي قطيعة بينه وبين البرلمان، كما ادعى أديب الشيشكلي والحوراني بعد انقلاب الشيشكلي، من أن سامي الحناوي كان يجبر معارضي الاتحاد مع العراق على القبول، وأن هناك قطيعة بين الجيش والبرلمان (المجلس التأسيسي).
وعمل الرئيس هاشم الأتاسي الذي تولى في أعقاب انقلاب سامي الحناوي على إقرار إتفاقية موقعة من زعماء الأحزاب، وإبعاد الوزراء الانتهازيين واستبدالهم، وأعلن الأحكام العرفية خلال الانتخابات، ثم أعد مشروع الدستور لعرضه على المجلس التأسيسي، فأجريت الانتخابات البرلمانية، وانتخب رشدي الكيخيا رئيساً للبرلمان، وهاشم الأتاسي، رئيساً للجمهورية، بعد أن كان رئيساً انتقالياً مؤقتاً، وعهد لناظم القدسي بتشكيل حكومته، ووضعت مسودة الاتحاد بين سوريا والعراق، وكان بيان الحكومة : " إرادة الشعب السوري بإيجاد اتحاد بين سوريا والعراق "، لكن ليلية اليوم الذي كان مفترضاً أن يتم فيه التصويت في البرلمان على قيام الاتحاد بين سوريا والعراق، قام العقيد أديب الشيشكلي بانقلابه الأول في 24 ديسمبر 1949 ، ولوحق مؤيدي الوحدة مع العراق، واعتقل قائد الجيش سامي الحناوي، وتشكل مجلس عسكري سمي مجلس العقداء بقيادة أديب الشيشكلي، حيث عهد لهذا المجلس بالاضطلاع على القرارات والشؤون المهمة واتخاذ الإجراءات اللازمة بصددها، لكن الشيشكلي أعاد الجيش إلى ثكناته، وأعلن أنه لن يتدخل بالحياة السياسية، وتولى منصب نائب قائد الجيش (الأركان)، رغم أنه ظل هو المسيطر على الجيش من وراء الستار، ثم تشكلت حكومة برئاسة خالد العظم في ديسمبر 1949 وعهد لأكرم الحوراني ، فيها بحقيبة الدفاع، لكنه لم يستمر فيها سوى أقل من شهرين، وبرر ذلك بأنها قيدته عن أعماله.

وعمل الشيشكلي باعتباره أصبح المتحكم من وراء الستار بالجيش،على إثارة الأزمات الحكومية، تمهيداً لوصوله إلى الحكم بانقلاب آخر، من خلال الأزمات الحكومية وعدم الاستقرار الحكومي،وعندما حاول بعض نواب البرلمان التنديد بتدخل الجيش في الحياة السياسية مثل الدكتور منير العجلاني، اتهم بالخيانة، وحوكم على أساس أنه خطط لاغتيال الشيشكلي، وعندما شكل الحكومة خالد العظم في مارس1950 وتعهده بالمحافظة على النظام الجمهوري المستقل، ودعم ميثاق الأمن الجماعي الذي اقترحته مصر، وإبعاد سوريا عن مشروع الهلال الخصيب، بارك الجيش هذه الحكومة.
ثم شكل ناظم القدسي الحكومة عام 1950 لكن ظهر خلاف بين وزير الداخلية رشاد برمدا ، وبين وزير الدفاع فوزي سلو الذي عينه الجيش، حيث كان الخلاف على من يسيطر على قوات الدرك، مما أدى لاستقالة وزير الداخلية رشاد برمدا، ثم أخذ الشيشكلي في إثارة التناقضات بين الأحزاب بتشجيع الحزب الوطني على إقصاء حزب الشعب على الوصول إلى السلطة، وإثارة الصراع بين السياسيين المدنيين على الحكم، وتصارع الأحزاب الراديكالية مع المحافظة، مما حذا بحكومة ناظم القدسي إلى الاستقالة في مارس 1951، بسبب خلافها مع الجيش، وحدثت الأزمة الحكومية التي استمرت أسبوعين، حيث شكل بعد ذلك القدسي حكومة جديدة استمرت يوماً واحداً، لكنها استقالت بسبب خلافها مع الجيش، فشكل الحكومة معروف الدواليبي في نوفمبر 1951 عملت على طرح سياسة محايدة برفضه برامج الأمن الإقليمي التي طرحها الغرب، وكان مقرراً إقصاء الشيشكلي عن الجيش في اليوم التالي لإنهاء تدخله في الحكومات والأزمات الحكومية، إضافة إلى ما قررته الحكومة بنقل الإشراف على القوات المسلحة كافة، وأجهزة الأمن إلى الحكومة، وضع منظمات الدفاع الوطني (الدرك)، تحت تصرف الحكومة بما في ذلك المكتب الثاني، وجعل رئيس الجمهورية هو القائد الأعلى للجيش والقوى المسلحة، لكن الشيشكلي رفض ذلك كله على أساس أن ذلك سيسمح لها فعلاً بإقصائه عن منصبه، فوجه إنذاراً إلى الحكومة، لكن معروف الدواليبي لم يستجب للإنذار، مما حذا بالشيشكلي إلى القيام بانقلابه في اليوم التالي أي في 29 نوفمبر 1951.
وقد تميزت الفترة بين انقلابي الشيشكلي الأول والثاني ، بتدخلات الحوراني والشيشكلي في الحكومات فاستغلا نفوذهما من أجل الثراء، وظهرت فضائح محاولات شراء السلاح من فرنسا، وبلغت الفروق حوالي 15 مليون ليرة سورية، مع أن هذه الأسلحة كانت غير فعالة وقديمة، فكان الشيشكلي والحوراني لهما نصيباً كبيراً في هذه الصفقات، كما استغلا سلطتهما مستغلين مبدأ الإصلاح الزراعي الذي يدعو له الحوراني لنهب أراضي الجزيرة السورية من الأملاك العامة وأحياناً الخاصة، وأصبح كل من يهتف باسم الحوراني والشيشكلي من أقاربهما وأصدقائهما يفعل ذلك، كما طالب الجيش بأن يكون الحوراني رئيساً للحكومة، لكن البرلمان رفض بالإجماع على ذلك، كما تدخل الشيشكلي في البرلمان حاثاً إياه على دفع رواتب الضباط ليكسب ولاءهم أكثر، مما حذا بموظفي الدولة المدنيين، أن يطالبوا بنفس الزيادة، مما أحدث اضطرابات كثيرة في أنحاء الدولة، وبعد انقلاب الشيشكلي الثاني عين فوزي سلو رئيساً لجمهورية، رغم أنه ظل الحاكم الفعلي -من وراء الستار- بعد أن استقال رئيس الجمهورية هاشم الأتاسي، كما سقطت الحكومة وحل البرلمان، وأعتقل أعضاء الحكومة وبعض أعضاء البرلمان، وأصبح فوزي سلو والشيشكلي يحتفلون سنوياً بيوم الانقلاب وسمياه بالحركة التصحيحية، كما أخذا يدعوان الدول العربية للمشاركة فيه، وأصبح الشيشكلي ينفق الملايين في زياراته للمحافظات، حيث يساق الناس إلى استقباله، فيكون له الشعراء والهاتفون والمصفقون والراقصون، ثم أجرى الشيشكلي استفتاء في 10 يونيو 1953 للموافقة على الدستور الجديد ، وانتخابه رئيساً للجمهورية بطريقة الاستفتاء، حيث انتخب بنسبة 99.9، وأقر الدستور بنفس النسبة، ثم شكل حكومة برئاسته في 15 يونيو 1953، ثم أبعد فوزي سلو عن الحكم، وشكل تنظيماً سياسياً سماه حركة التحرير العربي ليتخذ منه متكئاً لحكمه، في 30 يونيو 1953، وقد ضم كل مؤيديه، ثم أصدر مراسيم بمنع التجمعات العرقية والدينية، ومنع أفراد الجيش من الدخول في الأحزاب وكذلك الطلاب، وابتعد عن أصدقائه في الجيش بسبب اهتماماته الأخرى، مما أسخط الجيش، خاصة بسبب عزل واعتقال عدد من الضباط ذوي الصلة بالسياسيين، وكان لذلك أثراً في انقلاب مصطفى حمدون الذي قام بانقلابه السلمي في 25 فبراير 1954، بعد أن اندلعت مظاهرات في الحرم الجامعي، فانتهك حرمته الجيش، وآذى الطلاب والأساتذة، مما أدى لاستقالتهم، ثم مظاهرات حلب التي سقط على إثرها الكثير من الضحايا، رغم أنه كان باستطاعة الشيشكلي إنهاء التمرد، لكن تخوفه من تدخل العراق لصالح المتمردين، أو تدخل إسرائيل مستغلة الموقف، وتخوفه من انشقاق الجيش، كل ذلك جعله يؤثر الاستقالة وينسحب من البلاد إلى لبنان حيث لجأ إلى السفارة السعودية، لكن الجيش دعم رئيس البرلمان مأمون الكزبري ليكون رئيساً للجمهورية , كما ينص الدستور بذلك، لكن المعارضة رفضت ذلك فحل البرلمان، وأجمعت المعارضة على عودة الرئيس هاشم الأتاسي، واستقال الرئيس مأمون الكزبري، وأصبح الجيش كله كتلة متراصة وراء قائد الانقلاب الفعلي عدنان المالكي، فكان صمام أمان الجيش ومحور توازناته، وقد ساءت علاقته بالبعث بعد سقوط أخيه في انتخابات 1954، حيث اعتبر أن البعث هو المسؤول عن سقوطه، فأخذ يبعد بعض البعثيين عن مراكزهم في الجيش، ويضع معارضين لهم، لكن البعث استغل مقتله وصور أن الخونة أرادوا النيل من البعث في شخصية المالكي ، رغم أنه لم يكن بعثياً ولم يعمل لصالح البعث، لكن البعث عمل على تصفية خصومه طريقاً لوصوله إلى السلطة فكونوا -من خلال الحوراني- كتلة عسكرية تخلصوا خلالها من قادة الانقلاب مثل قائد منطقة حلب العقيد فيصل الأتاسي ، و قائد منطقة الجنوب العقيد محمد القباني ، والمقدم محمد دياب وغيرهم.
وبعد اغتيال المالكي في 22 إبريل 1955 تفكك الجيش إلى 20 كتلة عسكرية، كل واحدة منها لها زعيمها، وكل واحد منهم يتوقع أن تجرى استشارته قبل أي قرار، وهذا مما أفسح المجال للتدخلات المصرية في سوريا بشكل أساسي، إضافة للتدخلات الأخرى، وجرى بعد ذلك توزيع الأدوار على العسكريين والمدنيين، ثم أشاع الحوراني لحلفائه العسكر، أن الاتحاد مع مصر سيكون الضمانة ليتخلصوا من السياسيين المدنيين، وسيتيح لهم الرئيس المصري جمال عبدالناصر تشكيل لجنة قيادة ثورة سوري على غرار المصري، لذلك تشجعوا للذهاب إلى القاهرة في 12 يناير عام 1958 بقيادة قائد الأركان عفيف البرزي، تاركين وراءهم نائب قائد الأركان أمين النفوري، ورئيس المكتب الثاني عبدالحميد السراج، حيث كانوا قبل ذلك قد شكلوا مجلس قيادة ثورة برئاسة عفيف البرزي وكان يجتمع معهم الملحق العسكري المصري عبدالمحسن أبو النور، وبعد اجتماع الضباط الـ 14 في مصر مع جمال عبدالناصر قال أحدهم وهو أمين الحافظ معبراً عن
رأي الضباط : " إننا نضع أنفسنا تحت تصرفك يا سيادة الرئيس، ولك أن تتصرف بنا كما تشاء، وإن بامكانك أن تجري كل التنقلات التي تريدها في صفوفنا من فيق إلى أسوان، وإن الاستعمار أقام جداراً بيننا وقد جئنا لنهدم هذا الجدار".
وعلى إثر ذلك تشكلت لجنة عسكرية سورية مصرية برئاسة عفيف البرزي عن الجانب السوري، وعبداللطيف البغدادي عن الجانب المصري، وأكد منظر البعث ميشيل عفلق عن دور البعث في هذا الانقلاب بقوله: " الحزب بالدرجة الأولى عمل الوحدة،والعنصر العسكري نحن وجهناه " وكان عبدالحميد السراج قد زار قبل ذلك مصر عدة مرات والتقى بعبدالناصر بحجة إطلاعه على الأوضاع في سوريا، وهكذا أصبحت الساحة السياسية للبعث بعد القضاء على الحزب القومي السوري في سوريا، ولا أدل على التدخل المصري في سوريا أن الرئيس شكري القوتلي مع قائد الأركان توفيق نظام الدين لم يستطيعا إجراء التنقلات في الجيش، فكان تدخل مصر في العصيان -عصيان قطنا- بشكل كبير، لوقف هذه التنقلات، كما أصبح الحوراني يسخر حكومة صبري العسلي عام 1956 لصالح البعث من خلال حلفائه في الجيش، فصار يغلق ما يريد من صحف، ويسرح من يشاء من الضباط الغير موالين له، وصار أعضاء حزبه يشتبكون مع الأحزاب الأخرى بدعم الجيش، وهذا ما يؤكده اللواء راشد الكيلاني بقوله:
" عاد ضباط الجيش المسيسون مرة أخرى إلى التدخل في الحياة السياسية بشكل فاضح، بحيث أصبحت حفنة من الضباط المسيطرين على السلاح يعملون للوصول إلى القيادات التي يريدونها، ويعلنون عن مواقفهم السياسية بشكل سافر، ويسعون إلى التأثير على الحكومات بين حين وآخر، وفي نفس الوقت كان السياسيون يستغلون بعض هؤلاء الضباط لتقوية مواقفهم، وبقيت الأمور تسير على هذا الشكل حتى وقت قيام الوحدة مع مصر، وذلك لسيطرة الجيش ولعدم وجود شخص قوي فيه يملي رأيه على الساسة، بل كانت هناك مجموعات من الضباط لكل منها ارتباطاتها السياسية مع إحدى الفئات، وكان هؤلاء يستطيعون في كل وقت، التهديد بانقلاب يطيح بالوضع القائم".
وزاد من تقسيم الجيش إضافة إلى تقسيمه أن الحوراني عمل على تجميع من أسماهم بالضباط التقدميين (اليساريين)، واتهام الآخرين (اليمينيين) بالرجعيين ، وبالتالي العمل على التخلص منهم بتعاونه مع السراج، فتخلص من شوكت شقير، ثم توفيق نظام الدين وغيرهم ، ولإحكام السيطرة المصرية المبطنة، كان السفير المصري محمود رياض على اتصال بكل قادة الكتل العسكرية المتنافرة بعد اغتيال المالكي، فعلى سبيل المثال هدد كل من السراج والبرزي عام 1956 حكومة صبري العسلي بضرورة التوقيع على الميثاق المصري السعودي المشترك، وإلا فإنهم سيقومون بانقلاب، وشجعت مصر ذلك، وكان الحوراني قد هدد بضرب أنابيب النفط للشركة البريطانية العراقية لو تعرضت مصر للعدوان الثلاثي وذلك قبل العدوان بأيام قليلة، وبالفعل قام السراج بضربها ومهد هذا العمل لقيام مجلس قيادة عسكري جديد عام (1957) برئاسة عفيف البرزي يضم قادة الكتل العسكرية، وكان له الدور الأكبر في الضغط على الرئيس شكري القوتلي بقبول الوحدة مع مصر بدون أي شروط، كما كان هذا المجلس قد حدد أهدافه بحماية استقلال سوريا, والمقصود بذلك عزلها عن العراق والحيلولة دون انضمامها للأحلاف العسكرية وخاصة حلف بغداد، ومراقبة تصرفات الحكومة، وأصبحت قرارات حكومة صبري العسلي عام 1957 متأثرة بهذا المجلس، فالوحدة مع مصر بهذا الشكل لم يكن يرضى بها أياً من السياسيين أو الأحزاب، لكن التنافر في الجيش الذي لم يكن فيه سوى ضابطين مواليين للبعث من قادة الكتل، هو الذي جعل الوحدة مع مصر بهذه السهولة، وبعد الوحدة عمل جمال عبدالناصر على حل الأحزاب، وإبعاد الجيش عن السياسة، وتفكيك المجلس العسكري السوري، وتقريبه للبعض على حساب الآخرين والتمييز بين الضباط المصريين والسوريين خلال حكم الوحدة لصالح الضباط المصريين ، ولم يقتصر ذلك على الضباط بل تعداهم إلى المدنيين، فأعطوا مناصب أقل من الموظفين المصريين ، وأخذ بعض الضباط المصريين يمارسون أوامرهم كما لو كانوا محتلين ، إضافة إلى فضائح الاختلاس والتهريب من قبل عبدالحكيم عامر الذي عين نائباً لعبدالناصر في سوريا، ثم حدث الصراع بين وزير الداخلية عبدالحميد السراج ونائب عبدالناصر في سوريا عبدالحكيم عامر، مما حذا بعبدالناصر إلى نقل السراج إلى مصر وإعطائه منصب نائباً له، وإعطاء صلاحياته لعبدالحكيم عامر، فبدأ بعملية تطهير ما تركه السراج فأمر بنقل عدداً من مؤيدي السراج إلى مصر وتسريح بعضهم، مما حذا بالسراج إلى الاستقالة في 20 سبتمبر 1961، وبسبب ما أحسه العسكريون من جور نظام الوحدة على الشعب السوري، واضطلاع كاتم أسرار المشير عبدالحكيم عامر المقدم عبدالكريم النحلاوي عن نية القيادة المصرية تسريح عدداً من الضباط السوريين ونقل آخرين إلى مصر، وكان منهم عبدالكريم النحلاوي، وكان النحلاوي يقود تكتلاً عسكرياً دمشقياً، ويخطط لانقلابه منذ ثلاثة أشهر، وقام به بالفعل في 28 سبتمبر 1961، ولم يلق الانقلاب مقاومة تذكر فقد حدث تمردين في حلب واللاذقية لكن أجهضا على الفور، ثم عمل النحلاوي على تسريح 120 ضابطاً من الجيش من جماعة الحوراني ، ونقل 160 آخرين إلى مناصب مدنية وكان من الذين سرحهم، صلاح جديد، ، وأعاد الحكم للمدنيين، ورغم تعيينه للواء عبدالكريم زهر الدين قائداً للأركان إنه ظل مسيطراً على الجيش، ومدافعاً عن النظام، وقد لاقى انقلابه تأييد معظم ضباط الجيش والسياسيين مثل (شكري القوتلي، خالد العظم، أكرم الحوراني، سلطان الأطرش، صبري العسلي)، وقد أرسل النحلاوي وفداً عسكرياً إلى مصر لإعادة الوحدة معها على أسس صحيحة، ثم اعتقل كل من حيدر الكزبري، وفيصل سري الدين، ورئيس المكتب الثاني العقيد محمد الزعبلاوي، بتهمة أخذ رشوة من الملك حسين وأبعدهم عن الحكم، وشكل مجلس الأمن القومي، لكن مقررات مؤتمر حمص أبعدته إلى خارج البلاد كملحق عسكري في الخارج، بعد أن خانه عبدالكريم زهر الدين، حيث أكمل ما بدأه عبدالكريم النحلاوي، وكان من أسباب عدم الاستقرار خلال فترة الانفصال عن مصر، أن ضباط الانفصال لم يكونوا على وفاق مع بعضهم، وهكذا كان المجلس القومي الذي يرأسه الرئيس ناظم القدسي يجعل للعسكريين رأياً في تقرير قرارات الحكومة باعتبار أن هذا المجلس يجمع قادة النظام المدني وقادة الجيش.
وقد حاول قائد قوات الجبهة العميد زياد الحريري، أن يكسب ثقة الرئيس ناظم القدسي لتعيينه مكان قائد الأركان عبدالكريم زهر الدين، لكن الرئيس رفض ذلك مما حذا بزياد الحريري إلى التواطؤ مع رئيس المكتب الثاني راشد قطيني الذي عينه عبدالكريم زهر الدين قبل أسبوعين، بعد أن كان ملحقاً عسكرياً في الأردن، وقام بانقلابه مع بعض الضباط في 8 مارس 1963، ومما يدل على تواطؤ عبدالكريم زهر الدين في الانقلاب أنه ادعى أنه لم يسمع بالانقلاب إلا بعد وقوعه بفترة طويلة ثم عمل قادة الانقلاب على إعادة من سرحهم الحوراني ومنهم صلاح جديد إلى الجيش بحجة أن تسريحهم كان خطأ، ثم عملوا على تسريح500 ضابطاً معظمهم من التيار اليميني ، ومن أهم كوادر الجيش المدربة والمحترفة وأحلوا محلهم صف ضباب من معلمين وموظفين، وحجتهم في ذلك على أساس أنهم برجوازيين، أو انفصاليين أو رجعيين .... الخ وهذا ما أكده رئيس مجلس قيادة الثورة الرئيس لؤي الأتاسي بقوله :
" حتى الآن صار عندي 300 ضابط مسرح من مختلف الرتب، وماشيين بالتسريح، وأي إنسان لو أشك أنه ممكن ألا يمشي مع الاتجاه، على طول يخرج", وطالت عمليات تسريح ضباط الأمن وطلاب الكلية العسكرية، حتى أنه صرفت دورة بكاملها بحجة أن طلابها انفصاليون، وكان مجلس قيادة الثورة قد أعطى لنفسه جميع السلطات، وحق تصفية الجيش وحله، فجاء في المادة الثامنة من هذا المرسوم : " لمجلس قيادة الثورة مناقشة وإقرار تسليم الجيش العامل والاحتياطي، وتكوينه وتخفيضه، وحله بناءاً على اقتراح مجلس الدفاع ", يرى الحوراني أن الهدف من هذا إشعار الولايات المتحدة أن إتمام مشروع نهر الأردن لن يلاقي أي صعوبة أو تدخل من جانب الجيش السوري الذي سوف يصفى.
وسبب اختلاف الضباط الناصريين المؤيدين للوحدة مع مصر والضباط البعثيين، حدث الصدام بينهما في 18 يونيو 1963 بقيادة جاسم علوان، وكان اختلافهم على مناصب الحكومة، ومقاعد (حقائب) الوزارات، وبعد فشل الانقلاب عملت اللجنة العسكرية البعثية على تسريح 47 ضابطاً ناصرياً وبسبب ذلك استقال وزير الدفاع الفريق محمد الصوفي، ورئيس المكتب الثاني راشد قطيني، ثم تم تسريح قائد الأركان زياد الحريري، وبسبب احتجاج الفريق لؤي الأتاسي، على عمليات الإعدام، قام نائب الرئيس لؤي الأتاسي بانقلابه ضده، وتسلم صلاح جديد قيادة الأركان، وبدأ في التدخل في عمليات التسريح والتنقل على أسس شخصية وطائفية ، مما حذا بالقيادة القومية لحزب البعث العربي الاشتراكي في 22 يناير 1965 إلى انتخاب المكتب العسكري بديلاً للجنة العسكرية، لكن هذا المكتب سيطر على القيادة القطرية نفسها من خلال أمين الحافظ ، وحمد عبيد، وصلاح جديد..، وظل تركيز النظام منصباً على تعزيز وضعه الداخلي أكثر من التركيزعلى التهديد الخارجي والرقي الاقتصادي، وما يدل على أن الجيش كان المسيطر على الحكومة، أن العقيد محمد عمران عرضت عليه رئاسة الحكومة لكنه رفضها، واعتبرها مقدمة لخروجه من السلطة، فالحكومة أصبحت خاضعة للسيطرة العسكرية ومندمجة فيها، وذلك حسب توصيات المؤتمر السادس لحزب البعث العربي الاشتراكي في عام 1963 الذي قرر ما يلي:
"دمج المؤسسات المدنية مع العسكرية لخلق تفاعل أيديولوجي ينتج وحدة في التفكير، ومجابهة مشتركة، وعملية متكاملة لقضايا البناء الاشتراكي، تمنع التقوقع العسكري، وتصهير الجيش والشعب في مصير ثوري مشترك، وإن هذا الجيش هو جيش عقائدي هدفه تحقيق أهداف الأمة العربية من خلال مبادئ وأهداف حزب البعث العربي الاشتراكي، فمسؤوليته هي حماية البلاد من العدوان الخارجي وحماية الثورة من أعدائها، والحزب يغزي الجيش بالروح العقائدية، ويوجهه توجيهاً يتلاءم مع اتجاهات الحزب وخططه".

وعلى إثر التوجه الطائفي في الجيش من قبل وزير الدفاع محمد عمران، عمل الرئيس أمين الحافظ على إبعاد محمد عمران كملحق عسكري في الخارج، كما عملت القيادة القومية على تحجيم دور صلاح جديد بسبب توجهاته الطائفية وقررت استلام السلطة في 19 ديسمبر 1965، وحلت القيادة القطرية الموالية لصلاح جديد، ونددت بالطائفية في الحياة العسكرية، وشكلت حكومة في 22 ديسمبر 1966 برئاسة صلاح البيطار، وعمل الرئيس أمين الحافظ على تحجيم الدور الطائفي في الجيش بالنسبة للموالين لصلاح جديد، مما حذا بصلاح جديد إلى القيام بانقلابه، وعمد إلى تعيين نورالدين الأتاسي رئيساً للجمهورية، ويوسف زعين رئيساً للحكومة، لكنه أعطى المراكز الرئيسية في الجيش لمؤيديه ، ثم عمل على إبعاد مؤيدي الرئيس أمين الحافظ ، ثم حدث الخلاف بين اللواء صلاح جديد وبين وزير الدفاع اللواء حافظ الأسد وكان من أسباب الخلاف هو بسبب وضع الفلسطينيين تحت إمرة الجيش السوري,حتى لا تهاجم إسرائيل المواقع السورية بسببهم، وأيضاً من أسباب الخلاف أن صلاح جديد ينتمي للتيار اليساري المتطرف، أما حافظ الأسد فيميني معتدل ، وبعد ذلك حدثت الحركة التصحيحية بقيادة اللواء حافظ الأسد لإبعاد التيار التيار المتطرف عن الحكم .

المراجع
1. باتريك سيل، "الصراع على سوريا: دراسة للسياسة العربية 1945 – 1998"، ترجمة عبده ، ومحمود فلاحة، بيروت، دار الكلمة للنشر، 1980
2. غسان سلامة، "المجتمع والدولة في المشرق العربي"، ط2، بيروت، مركز دراسات الوحدة العربية، 1999
محمد سهيل العشي، "فجر الاستقلال في سوريا: منعطف خطير في تاريخها"، (بيروت: دار النفائس، 1999).
3. أكرم الحوراني، "مذكرات أكرم الحوراني"، 4أجزاء، (القاهرة: مكتبة مدبولي، 2000).
4. عادل أرسلان، "مذكرات الأمير عادل أرسلان"، بيروت، الدار التقدمية للنشر، 1983
5. أندرو راثمل، "الصراع السري على سوريا 1947-1961"، ترجمة: محمد نجار، (عمان: الأهلية للنشر والتوزيع، 1997).
6. بيير بوداغوفا، "الصراع في سوريا 1945-1966"، لتدعيم الاستقلال الوطني"، ترجمة: ماجد علاءالدين وأنيس المتني، دمشق، دار المعرفة، 1987
7. أسعد الكوراني "ذكرات وخواطر مما رأيت وسمعت وفعلت"، (لندن: رياض الريس للكتب والنشر، 2000).
8. صلاح العقاد، "المشرق العربي، 1945-1958: العراق، سوريا، لبنان"، القاهرة، معهد البحوث والدراسات العربية، مطبعة الرسالة، 1966
9. بشير فنصة، "النكبات والمغامرات: تاريخ ما أهمله التاريخ من أسرار الانقلابات العسكرية في سوريا"، (دمشق: دار يعرب، 1996).
10. حمدان حمدان، "أكرم الحوراني: رجل للتاريخ"، بيروت، بيسان للنشر والتوزيع والإعلام، 1996، ص80،
11. خيرية قاسمية، "الرعيل العربي الأول: حياة وأوراق نبيه العظمة وعادل العظمة"، ييسان، رياض الريس للكتب والنشر،1991
12. هنري لورانس، "اللعبة الكبرى: المشرق العربي والأطماع الدولية"، ط2، بنغازي، دار الكتب الوطنية، 1993، ص167.
13. سامي الجندي، "البعث"، (بيروت، دار النهار للنشر، 1969).
14. ديفيد وليش، "سوريا وأمريكا" ليماسول (قبرص)، دار الملتقى للطباعة والنشر، 1995
15. فارس قاسم الحناوي"صراع بين الحرية والاستبداد"،(دمشق: دار علاء الدين، 2000).
16. موسى الشابندر، "ذكريات بغدادية : العراق بين الاحتلال والاستقلال"، بيروت، رياض الريس للكتب والنشر، 1993، ص133
17. عز الدين دياب، "أكرم الحوراني كما أعرفه"، بيروت، بيسان للنشر والتوزيع والاعلام، 1998، ص60-61، ص80-81
18. أنتوني ناتنج، "ناصر"، ط2، (القاهرة: مكتبة مدبولي، 1993).
19. راشد الكيلاني،" مذكرات راشد الكيالي عسكرياً ودبلوماسياً"، دمشق، منشورات دار مجلة الثقافة، 1990، ص159.
20. محمود رياض، "مذكرات محمود رياض"، ط2، القاهرة، دار المستقبل العربي، 1986
21. أديث وائي، إيف، بينروز ، "العراق: دراسة في علاقات الخارجية وتطوراته الداخلية1915 – 1975"، ترجمة: عبدالمجيد حسيب القيسي، (بيروت: دار الملتقى، 1989).
22. سمير عبده، "حدث ذات مرة في سوريا"، (دمشق: منشورات دار علاء الدين، 2000).
23. بيير بوداغوفا،"الصراع في سوريا 1945، 1966"، ترجمة ماجد علاء الدين وأنيس المتني، (دمشق: دار المعرفة، 1987).
24. أمين أسبر"تطور النظم السياسية في الشرق الأوسط"، (القاهرة: مكتبة نهضة الشرق، 1984)
25. نيقولاس فان دام "الصراع على السلطة في سوريا: الطائفية والإقليمية والعشائرية في السياسة 1961-1995"، ط2، (القاهرة: مكتبة مدبولي، 1995).
26. موشيه ماعوز، "سوريا وإسرائيل: من الحرب إلى صناعة السلام"، ترجمة لينا وهيب عمان، دار الجليل للنشر، 1998،
27. أرييل شارون، "مذكرات أرييل شارون"، ترجمة أنطوان عبيد، بيروت، مكتبة بيسان، 1992، ص43.





#عزو_محمد_عبد_القادر_ناجي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- انقلابات عسكرية هزت استقرار سوريا
- عدم الاستقرار الحكومي ( الوزاري ) في سوريا
- العوامل الخارجية المؤثرة على الاستقرار السياسي
- انقلابات عسكرية فاشلة لكنها أدت لعدم استقرار سياسي في سوريا
- الصراع البريطاني الأيرلندي على أيرلندا الشمالية بين عامي 198 ...
- السيرة الذاتية لحكام السودان منذ المهدية حتى الآن
- مفهوم عدم الاستقرار السياسي في الدولة
- أثر التمايز الاجتماعي في عدم الاستقرار السياسي في الدولة( ال ...
- مفهوم عدم الاستقرار السياسي
- دور الجيش في عدم الاستقرار السياسي في الدولة
- علاقة صندوق النقد الدولي بالمؤساسات الاقتصادية الدولية
- الفقر فى أفريقيا: أبعاده والإستراتيجيات الموضوعة لإختزاله (ا ...
- من أجل وحدة الوطنية و استقرار السياسي


المزيد.....




- نيابة مصر تكشف تفاصيل -صادمة-عن قضية -طفل شبرا-: -نقل عملية ...
- شاهد: القبض على أهم شبكة تزوير عملات معدنية في إسبانيا
- دول -بريكس- تبحث الوضع في غزة وضرورة وقف إطلاق النار
- نيويورك تايمز: الولايات المتحدة تسحب العشرات من قواتها الخاص ...
- اليونان: لن نسلم -باتريوت- و-إس 300- لأوكرانيا
- رئيس أركان الجيش الجزائري: القوة العسكرية ستبقى الخيار الرئي ...
- الجيش الإسرائيلي: حدث صعب في الشمال.. وحزب الله يعلن إيقاع ق ...
- شاهد.. باريس تفقد أحد رموزها الأسطورية إثر حادث ليلي
- ماكرون يحذر.. أوروبا قد تموت ويجب ألا تكون تابعة لواشنطن
- وزن كل منها 340 طنا.. -روساتوم- ترسل 3 مولدات بخار لمحطة -أك ...


المزيد.....

- في يوم العمَّال العالمي! / ادم عربي
- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عزو محمد عبد القادر ناجي - دور الجيش في عدم الاستقرار السياسي