أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المغرب العربي - رحال السعيدي - تيد المنظف و تيد الملوث















المزيد.....

تيد المنظف و تيد الملوث


رحال السعيدي

الحوار المتمدن-العدد: 2212 - 2008 / 3 / 6 - 11:20
المحور: اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المغرب العربي
    


تيد معروف بكونه مسحوق للغسيل والتنظيف، هذه البضاعة تنتجها شركة أمريكية ولها صيت ذائع في عالم مساحيق الغسيل والنظافة ويتم تسويقه في أغلب بلدان العالم. شركة تيد تنفق ملايين الدولارات سنويا فقط من اجل الإشهار، خصوصا في تواجد بضائع منافسة، لها مكانتها داخل السوق. غير أن شركة تيد بدأت تعبر عن قلقها المتزايد من تناقص نفوذ بضاعتها في السوق المغربية، فالمغاربة أصبحوا غير مهتمين بهذا المسحوق بالرغم من أن الشركة قد أقدمت على إدخال تحسينات عديدة خصوصا الحبيبات الزرقاء والصفراء، التي تقول بأنها تضمن نظافة أكيدة وأكثر فعالية. فأين يكمن إذن سر ابتعاد المغاربة عن هذا المسحوق؟ أهو الغلاء وارتفاع الأسعار المترافق مع تجميد الأجور؟ بكل تأكيد أن هذا عامل أساسي يجعل من الجماهير الشعبية التي تُعتبر المستهلك الأساسي لهذه المادة تبحث عن مواد اقل كلفة حتى وإن كانت فعاليتها في التنظيف أقل. لكن هذا العامل وحده لا يفسر لنا ابتعاد المغاربة عن استعمال هذه المادة إذا ما علمنا الاستقرار النسبي في مبيعات باقي مواد التنظيف المنافسة لتيد. فهذه الأخير لم تعرف ذات الانكماش الحاد الذي عرفته مبيعات تيد. فكيف إذن يمكن تفسير هذه الظاهرة؟
من اجل توضيح الأسباب عقدت شركة تيد اجتماعا طارئا واستثنائيا لتدارس هذه الوضعية التي وصفتها بالكارثية على مستوى السوق المغربية، وأقرت ضرورة إجراء تحقيق وبحث في الموضوع. فماذا وجدت يا ترى؟ في إطار هذا البحث اكتشفت شركة تيد بالمغرب وجود بضاعة أخرى تحمل ذات الاسم: تـــــيـــد* . والأدهى من ذلك فهذه البضاعة المغربية ليست مسحوقا للغسيل والتنظيف، بل إنها على العكس من ذلك تماما فهي بضاعة للتلويث والاتساخ. فكل من أراد أن يتلوث أو يتسخ يكفيه اقتناء هذه البضاعة، وهي سوف تقوم بكل ما يلزم لذلك دون آلة ولا حتى ممسحة. بل إن تيد – الملوث قد استفاد من شركة مسحوق تيد ـ المنظف وما أدخلته من تحسينات على بضاعتها عبر الحبيبات الزرقاء والصفراء، فتيد – الملوث قد أٌنتج منذ البداية بهذه التكنولوجيا وضم منذ إنتاجه خمس حبيبات وليس اثنان وفقط وبخمسة ألوان، لكنها جميعا مشتقة من اللون الأصفر، وقد أصبح فيما بعد بأربع حبات، وتوضح الوقائع الحالية أن شركة تيد الملوث تتجه نحو الاستغناء عن إحدى الحبيبات والاحتفاظ بثلاثة فقط. فعندما أدخلت شركة مسحوق تيد الحبيبات الصفراء والزرقاء فلأن تفاعل هذه الحبيبات يخلق مجالا مغناطيسيا يركز الحبيبات البيضاء، وينتج الحرارة مسهلا بذلك عملية التنظيف، في حين ان حبيبات تيد الملوث لا تتفاعل مع بعضها البعض، بل تتآكل فيما بينها وتنتج البرودة بدل الحرارة، بل إنها تبطل حتى الحرارة التي قد تظهرها من حين إلى آخر تلك الحبة الصفراء القادمة من أصول حمراء. لكن وبالرغم من أن أعضاء مجلس إدارة شركة تيد- الملوث يقدمون بضاعتهم تارة بوصفها أثاث داخل المشهد السياسي المغربي وتارة أخرى يسطون على وظيفة تيد ويعتبرون تيد"هم" هو أيضا منظف من الفساد والرشوة وباقي الأوساخ الاجتماعية، فإن شركة تيد ـ الملوث لم تنجح إلى حدود اليوم في خداع الجماهير.
أولا لأن الجماهير لها من التجربة ما يكفي ليقيها نسبيا من مثل هذه الدعايات الانتهازية أيام كانت "الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية" وحزب الاستقلال يتقنان فن هذه المهنة الوسخة. وثانيا لأن ثمن هذا التيد ـ الملوث المغربي مكلف جدا، فمن أجل اقتناءه يجب أن يدفع المشتري ليس بضع دراهم، بل يجب أن يدفع مقابله التزاما بالتنازل على كرامته وكبريائه، والتزاما بمصافحة جلاديه، والتزاما بان يناضل من اجل بقاء الوضع على ما هو عليه وعدم تجاوز الخطوط الحمراء التي يحددها النظام.
وتفاديا لهذا اللبس لدى المغاربة قررت شركة مسحوق تيد ـ الغسيل أن تنظم حملة تحسيسية ودعائية لفائدة بضاعتها ليس عبر الصور والإعلام، بل داخل الأحياء ومباشرة مع المواطنين لتريهم منافع بضاعتها وتحذرهم من التقليد، واضعة علامة تجارية واضحة ومتميزة وكبيرة على علبة بضاعتها. في هذا الوقت وللاستفادة من إبداعات الشركات الرأسمالية سوف يقوم مجلس إدارة تيد الملوث هو أيضا بإقرار ضرورة القيام بحملة تحسيسية موازية تتخللها دعاية "مكثفة" لفائدة بضاعتهم، لكنهم وجدوا أنفسهم لا يملكون من الإمكانات المالية ما يسمح لهم بالقيام بهذه الحملة، خصوصا وان قانون تنظيم الشركات (الأحزاب) كان مجحفا في حقهم، إذن كيف يستطيعون الخروج من هذا المأزق؟ خصوصا وان المنافسة شديدة مع باقي البضائع الأخرى داخل السوق، وما يزيد الطين بلة أنهم مقبلون على " رهان كبير" سوف يوضح مكانة بضاعتهم لدى المغاربة، أي رهان الانتخابات.
في هذا السياق سوف يجد مجلس إدارة شركة تيد الملوث ضالته مع الارتفاع الفاحش في ثمن المواد الاستهلاكية وبداية الاحتجاجات الشعبية على الغلاء و تبلور وظهور تنسيقيات مناهضة الغلاء والدفاع عن الخدمات الاجتماعية، وسوف ينضمون إليها، بل إنهم سوف يكونون السباقين والمبادرين أيضا إلى تأسيسها في العديد من المناطق في محاولة منهم لاستغلالها من اجل الدعاية لبضاعتهم بأقل تكلفة ممكنة، وفي الوقت نفسه التهيئ المسبق للاستحقاقات المقبلة. خصوصا وان هاته التنسيقيات تسمح بالتواصل المباشر مع الجماهير الشعبية على مشاكل تعتبر من أهم الهموم اليومية لها. لكن موظفي شركة تيد ـ الملوث ليست لهم من مصلحة طبعا سوى مصالحهم الشخصية أي راتب أخر الشهر لذلك تجدهم في أغلب الحالات غير قادرين حتى للترويج لما يقولونه بمحادات الجماهير وحتى وإن فعلوا ذلك فلا يتعدى توزيع البلاغات وما شابه على طريقة مروجي إشهارات المدارس الخاصة.
ولا يستطيعون التواصل مع الجماهير خصوصا أن هذه الأخيرة تعبر لهم بشكل واضح، حتى قبل أن تقرأ البلاغ : إذا كان الأمر يتعلق بالانتخابات فاغربوا عن وجهنا. هكذا فقد أصبح كل العاملين تقريبا في شركة تيد ـ الملوث مقتنعون بأن التنسيقيات لم تعد مجالا ممكنا لترويج بضاعتهم والدعاية لها، فأصبحوا يبتعدون عنها يوما بعد آخر ولم يعد حضورهم سوى رمزيا يحاولون من خلاله تكريس التمثيلية السياسية والكوطا. وهو ما رفضه بشكل مطلق وكلي العديد من المناضلين والمناضلات الذين انخرطوا في الدعاية ضد ارتفاع الأسعار وتردي الخدمات الاجتماعية، ما دامت تمس وتدخل في صلب هموم الجماهير بالإضافة إلى أن الاحتكاك اليومي بالجماهير والتواصل معها على أرضية هذه الهموم والمشاكل قادر على الرقي ولو كميا في الوقت الحاضر، بتحركات الجماهير نحو الأمام.
إن من واجب من يعتبر نفسه مرتبطا بمعانات الجماهير وهمومها أن يرقى بهذا النضال إلى الأمام نحو الأمام كميا ونوعيا، وأن يضيف إلى الدعاية ضد الغلاء وضد تردي الخدمات الاجتماعية الدعاية ضد تلويث وعي الجماهير وتشويه نضالاتها ضد تلويث وعي الجماهير بالنضال الحضاري والسلمي، ضد تلويث وعي الجماهير بقدرة النضال المؤسساتي والانتخابي، ضد تلويث وعي الجماهير وتحركاتها بالتوافقات مع النظام القائم، ضد تلويث حركة الجماهير بالحسابات السياسية الضيقة، وتحديد سقف نضالاتها بما يمليه النظام من إملاءات.
إن النظام القائم ماض في تقتيل الجماهير واستنزافها، والانتهازية ماضية في تخريب نضالات الجماهير وتشويه وعيها. وهو ما يفرض على المرتبطين بمصالح الشعب المغربي المضي قدما في إنماء هذه التحركات والرفع من الوعي لدى الجماهير ومقاومة الاستغلال والاضطهاد ومحاصرة الانتهازية بشتى تلاوينها، ومن اجل ذلك لا بد من الاستفادة من كل الأشكال التي يفرزها الصراع الطبقي للتواصل مع الجماهير على أرضية مشاكلها وهمومها اليومية. غير أن هذا النضال يظل هامشيا بل وحتى بدون جدوى إذا لم يربط بالنضال العام الهادف إلى تحرير الشعب المغربي من كل أنواع الاستغلال والاضطهاد وهو ما يفرض في الوقت الراهن النضال ضد تشويه نضالات الجماهير واحتوائها وإفساد وعيها وتلويثه بأوهام النضال "المؤسساتي" و"الانتخابي" والنضال" الحضاري والسلمي" و"دولة الحق والقانون"، وباقي مشتقات هذه البضائع المنهية الصلاحية.



#رحال_السعيدي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- في العلاقة بين تيد المنظف وتجمع اليسار الديمقراطي -تيد المن ...
- تيد المنظف و تيد الملوث


المزيد.....




- كوريا الشمالية: المساعدات الأمريكية لأوكرانيا لن توقف تقدم ا ...
- بيونغ يانغ: ساحة المعركة في أوكرانيا أضحت مقبرة لأسلحة الولا ...
- جنود الجيش الأوكراني يفككون مدافع -إم -777- الأمريكية
- العلماء الروس يحولون النفايات إلى أسمنت رخيص التكلفة
- سيناريو هوليودي.. سرقة 60 ألف دولار ومصوغات ذهبية بسطو مسلح ...
- مصر.. تفاصيل جديدة في واقعة اتهام قاصر لرجل أعمال باستغلالها ...
- بعد نفي حصولها على جواز دبلوماسي.. القضاء العراقي يحكم بسجن ...
- قلق أمريكي من تكرار هجوم -كروكوس- الإرهابي في الولايات المتح ...
- البنتاغون: بناء ميناء عائم قبالة سواحل غزة سيبدأ قريبا جدا
- البنتاغون يؤكد عدم وجود مؤشرات على اجتياح رفح


المزيد.....

- عن الجامعة والعنف الطلابي وأسبابه الحقيقية / مصطفى بن صالح
- بناء الأداة الثورية مهمة لا محيد عنها / وديع السرغيني
- غلاء الأسعار: البرجوازيون ينهبون الشعب / المناضل-ة
- دروس مصر2013 و تونس2021 : حول بعض القضايا السياسية / احمد المغربي
- الكتاب الأول - دراسات في الاقتصاد والمجتمع وحالة حقوق الإنسا ... / كاظم حبيب
- ردّا على انتقادات: -حيثما تكون الحريّة أكون-(1) / حمه الهمامي
- برنامجنا : مضمون النضال النقابي الفلاحي بالمغرب / النقابة الوطنية للفلاحين الصغار والمهنيين الغابويين
- المستعمرة المنسية: الصحراء الغربية المحتلة / سعاد الولي
- حول النموذج “التنموي” المزعوم في المغرب / عبدالله الحريف
- قراءة في الوضع السياسي الراهن في تونس / حمة الهمامي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المغرب العربي - رحال السعيدي - تيد المنظف و تيد الملوث