أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - خالد درويش - اسماء الريح














المزيد.....

اسماء الريح


خالد درويش

الحوار المتمدن-العدد: 2207 - 2008 / 3 / 1 - 06:05
المحور: الادب والفن
    



"للرّيح أسماء"، همست كأنّها تبوح بمكنون يؤرّقها. جثت على ركبتيها، رفعت يديها وتمتمت بابتهال مكتوم. وظلّت تبتهل الى أن تحول المصباح المتدلّي من السقف الى قمر(كرة خضراء مضيئة بتضاريس قمرية). نهضت راضية، انحنت فتدفقت ضفائرها الكستنائية على كتفيها. استدارت وانسحبت بهدوء جم عبر الباب المفتوح وبيدها ثلاث وردات (ظهرت فجأه): وردة للريح وأخرى للريح والثالثة لقبر أمّها.
في آن معا أخذت أصغي الى وقع خطواتها وهي تهبط الدرج ثلاثا ثلاثا، وأراها عبر النافذه وهي تبتعد في الطريق الترابي الأصفر الطويل. كانت تمشي وئيدا، تبتعد وتتضاءل فيما راح وقع خطواتها على الدرج يخفت ثم يتلاشى في اللحظات التي غابت فيها عن ناظري.
سمعت دربكة خافتة. التفتّ، فإذا بها؛ بظلالها عارية خلف ستارة شفّافة تنقر على وعاء نحاسيّ وتقهقه بشكل هستيري. صمتت قليلا ثمّ راحت تنشد بصوت شجي:
"لرّيح أسماء مكتوبة في دفتر الأزل"
وكان جسدها، ظلالها تتلوّى برقصة فاتنة لا تخلو من إغراء.
كانت لا تزال ترقص وتنشد خلف الستارة حين ظهرت عبر النافذه وهي تمشي في الطريق الترابي الأصفر الطويل ساهمة وحزينة. كانت مشيتها الوئيدة المتثاقلة في الأصفر الطاغي المفعم بالفراغ والمرارة تدلّ على حزنها وتثير حزني.
توقفت عند أوّل المقبرة. إستدارت يمينا وسلكت مسارب عشوائيّة الى قبر أمّها. قرفصت عنده، سوّرته بحصى كي لا يخفس ترابه مطر وشيك تنذر به سحابة في الأفق. غرست وردتي الريح في تراب القبر وعادت الى تراب الطريق. كنت عند النافذة اراقبها مستغرقا حين حطّت يدها على كتفي وهي تتمايل ببقايا تلك الرقصة الفاتنة وتدندن بذات النشيد، نشيد الريح. لم تكن عارية تماما كانت تغطي بعض جسدها القمحي بوشاح من حرير بنفسجي باهت. قلت متسائلا مستهجنا:
"أأنت هنا!"
فردّت وهي تشير عبر النافذة إليها وهي تترك الطريق الترابيّ الأصفر وتتّجه الى بقايا بقايا كنيسة متداعية عند سور المقبرة:
"أنا هنا وأنا هناك".
شعرت بميل نحوها إمتدت يدي الى عنقها. كان لجسدها الصغير رائحة تراب بعثت في أرجائي نشوة عارمة. وحين هممت بتقبيلها تغضّن وجهها وتعكّر صفاء عينيها وابتعدت عنّي بحركة محمومه ثم أغرقت المكان بقهقهات مجلجلة.
دارت حول جذع سنديانة كبيرة، ركضت الى بركة ماء على في الجوار، تأمّلت وجهها في مرايا الماء الراكد ثمّ عادت الى السنديانة وضمّت بعض جذعها بذراعيها وقالت ضاحكة:
"لن تتمكّن منّي. هيّا، هيّا ،حاول!".
اقتربت منها، حاولت الإمساك بها وكانت عيناها الزرقاوان متيقظتان وجسدها متحفّزا للإفلات. أمسكت بأصابعها ولكنها سرعان ما تملّصت وهربت وهي تضحك الى مكان آخر. ناورت من جديد فناورت، ركضت خلفها بين غرف البيت عبر ممرّ ضيّق ما لبث أن تحوّل الى ممرّ بين مقاعد حافلة في الطريق الى المدينة. تجاوزت بخفّة سنجاب سلال الفاكهة والطيور وحقائب الركّاب، غافلتني واختبأت في المقعد رقم 62. فتّشت عن مقعد يحمل الرقم 62، انتابني بعض الحرج من مسافرين يغطّ بعضهم في النوم ويتأمّل آخرون ما تبقّى من العمر في التتالي الرتيب للمشهد فيهم ومن حولهم.
لم يكن ثمّة مقعد بهذا الرقم، فالمقعد الأخير في الحافلة يحمل الرقم 43. شعرت بالأحباط، فأين اجد الرقم 62، أين أجدها؟. خطر لي أنها، ربّما تخابثت فوضعت الرقم 62 على مقعد كان يحمل الرقم 6 أو 19 فعدتّ الى أول الحافلة التي سرعان ما تحوّلت الى شارع في الظهيرة. تابعت أرقام البيوت بيتا بيتا: 1، 3، 5، 7... يمينا حيث البيوت التي تحمل أرقاما فردية و 2، 4، 6، 8... من الجهة الأخرى. وكان قلقي يتصاعد بتصاعد الارقام. وقفت بباب البيت الذي يحمل الرقم 62 حائرا، متردّدا فإذا بأغنيتها تأتيني من السطح العالي:
"للريح أسماء مكتوبة في دفتر الأزل".
نظرت الى أعلى فما رأيت سوى امتدادا لجدار شاهق تعلوه كوّة صغيرة بشبك حديديّ.
مرّ بي ساعي بريد على درّاجة هوائيّة مسرعة. تخطّاني عدّة أمتار ثمّ عاد اليّ. سألته عنها ووصفتها له فتناول من كشكول جلد مهترئ تدلّى من حزامه مجلّدا سميكا كتب على غلافه بحروف مذهّبة: "طقوس البحث عن المعنى".
أخذ ساعي البريد يقلّب صفحات مجلّده مقطّبا تارة ومنشرحا تارة الى أن اخذ يدندن بأغنيتها/ أغنية الريح دون أن يرفع نظره وسبّابته الّتي ظلّت تتنقل بين قوائم الأسماء الثلاثية المدوّنة على صفحات المجلّد، فعرفت أنّ الرجل عثر على ضالّتي.
طوى ساعي البريد مجلّده، أعاده الى الكشكول، أسبل جفنيه على عينيه البنيّتين وراح يستظهر:
"ستهبّ الريح،
ريح الجنوب
ويسقط القمر الأخضر
ليضيء الحبّ بمراحله الثلاث:
التجاذب والشهوة واليأس".
تلى عليّ ساعي البريد كلامه ومضى في سبيله يوزّع الرسائل والطرود على الأبواب والشبابيك. وبقيت وحدي أفكّر فيما عساي أن أفعل في الخطوة التالية.



#خالد_درويش (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- خميس الموتى
- احلام اخرى
- جذور
- الجنة
- منامان
- مرايا
- احلام
- عشر حالات
- قصائد


المزيد.....




- الأسبوع المقبل.. الجامعة العربية تستضيف الجلسة الافتتاحية لم ...
- أرقامًا قياسية.. فيلم شباب البومب يحقق أقوى إفتتاحية لـ فيلم ...
- -جوابي متوقع-.. -المنتدى- يسأل جمال سليمان رأيه في اللهجة ال ...
- عبر -المنتدى-.. جمال سليمان مشتاق للدراما السورية ويكشف عمّا ...
- أمية جحا تكتب: يوميات فنانة تشكيلية من غزة نزحت قسرا إلى عنب ...
- يتصدر السينما السعودية.. موعد عرض فيلم شباب البومب 2024 وتصر ...
- -مفاعل ديمونا تعرض لإصابة-..-معاريف- تقدم رواية جديدة للهجوم ...
- منها متحف اللوفر..نظرة على المشهد الفني والثقافي المزدهر في ...
- مصر.. الفنانة غادة عبد الرازق تصدم مذيعة على الهواء: أنا مري ...
- شاهد: فيل هارب من السيرك يعرقل حركة المرور في ولاية مونتانا ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - خالد درويش - اسماء الريح