أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - فيصل زوهار - الأسطورة عند كامبل















المزيد.....

الأسطورة عند كامبل


فيصل زوهار

الحوار المتمدن-العدد: 2202 - 2008 / 2 / 25 - 05:23
المحور: الادب والفن
    


الأسطورة ليست مجرد قصص وحكايات خرافية ترمز إلى وجود مندثر تشكلت في عمقه صراعات الإنسان وتشوفاته وأسئلته منذ القدم، كما أنها ليست فقط مادة تصلح للبحث العلمي بعيداً عن الواقع الإنساني اليوم الذي يعاني فيه الفرد من اضطراب الروح وخلاء الرؤية من الجدوى. فالأسطورة ترتبط في العمق بالوجود الإنساني على مستوى الروح، ثمة تجاذب غامض وتجاوب يحتاج إلى الإصغاء والتأمل للقبض على المفتاح حيث أن ” الأساطير هي مفاتيح القوى الروحية للإنسان ” وإذا كانت تقدم للإنسان الحديث نوعاً من الدعم الروحي ليحقق التوازن فإن ذلك لا يعني العودة بها إلى شكل من أشكال الدين بل هي المعرفة التي تسعف الكائن الإنساني في المعترك الحياتي وتساعده في اكتشاف الامتداد الروحي الذي يربطه بالجذر الإنساني. إنها بحسب كامبل ” صيغة مجازية لقوى روحية كامنة في الوجود البشري. وهي تبعث الحياة فينا كما في العالم ” على أن ثمة نوعين من الميثولوجيا أحداها ترتبط بالفرد خاصة وعلاقته بالطبيعة وتوجد عادة في المجتمعات الزراعية، أما الأخرى فهي ذو بعد سوسيولوجي وتشدُّ أتباعها ضمن حدود صارمة وتكون في مجتمعات تتسم بطابع الانغلاق كما في المجتمعات البدوية المترحلة. وإذا كانت الرؤية إلى الطبيعة كمنفى أو مكان فاسد، محل للشر والبلاء، هي وليدة الفكر اللاهوتي منذ أن غادر الإنسان الأبدية وبدأ الصراع وحتى الأزمنة الحديثة التي لم يتمكن فيها هذا الفكر من التكيف مع ضرورات الحياة ومقاومة رفض الآخر وإبادته، ومن هنا تنبع الحاجة إلى نوع من الميثولوجيا الكونية التي تحـقـق الانسجام والتناغم للفرد في علاقته مع الطبيعة والكون وليس في علاقته مع الطائفة أو المجتمع الصغير الذي يعيش فيه.

يشير كامبل أن تسارع الأزمنة الحديثة وتبدلها يقف عائقاً ضد تشكل الأسطورة ومع ذلك بإمكان كل فرد أن يخلق أسطورته الخاصة التي تنسجم مع حاجته الداخلية. وهنا لا بد أن تحقق الأسطورة أربع وظائف هامة : الأولى ” الوظيفة السرية ” بمعنى الإقرار الداخلي بمعجزة الكون والكائن، ثم الخشوع أمام السر العميق الذي تمنحه الميثولوجيا أبعاداً ليتجلى في كل الأشياء والموجودات وهنا تكمن الهزَّة الوجودية للميثولوجيا إذ بلا السر يخسر الإنسان الميثولوجيا كلها. الوظيفة الثانية عن علاقة الميثولوجيا بالعلم الذي لابد أن يعطي لهذا السر دائماً بعداً جديداً كلما تولَّد السؤال من السؤال. أما الوظيفة الثالثة فهي اجتماعية تحقق للفرد انسجاماً مع المكان الذي هو فيه. والوظيفة الرابعة والأخيرة ذات بعد تربوي تعلم فيه الأسطورة طرق العيش وطرق التكيف وطرق الرؤية والحياة.

إن جوزيف كامبل يتشوَّف إلى ظهور الأساطير الأكثر عمقاً وشمولية، تلك التي تنظر إلى الكون والأرض ككل متكامل، إلى أخوة الإنسان وأمومة الطبيعة، دون التحيز إلى فئة أو نوع أو عرق.

يقول ” شيء واحد تعلمنا إياه الأساطير، ذلك إنه من أعماق الجحيم ينطلق صوت الخلاص. واللحظة السوداء العظمى هي تلك اللحظة التي تتشكل في قلبها الرسالة الحقيقية للتحول. ومن أشد اللحظات حلكة ينبجس الضياء ” إن جوهر الأساطير يظل في العمق واحداً، بوصفها نتاج علاقة الإنسان في صراعه من أجل الوجود، وتظل الخبرة كامنة داخل الإنسان قابلة لأن تمده بالقدرة على التغير والمواجهة. إن الميثولوجيا بكل تاريخها الطويل ليست شيئاً يحاك خارج الإنسان، بل هي الموجود داخل الإنسان، كل التصورات الميثولوجية عن المطلق وعن الخير والشر عن الجحيم والنعيم، كلها في الداخل. إنها كما يرى كامبل التعبير عبر المجاز والرمز عن طاقات الجسد في صراعه ليس مع خارجه فقط بل وأيضاً مع طاقاته الداخلية. فكل عضو من الجسد له أسطورته الخاصة وصراعه مع بقية الأعضاء، فالإنسان عمق لانهائي تكمن داخله كل الميثولوجيا، وهذا أيضاً ما يراه ( يانغ ) وقبله أسطورة الأوبانيشاد الهندية في القرن التاسع قبل الميلاد. من هنا تكون العلاقة وثيقة بين الأسطورة والحلم ففي كل حلم ” هنالك موضوع ميثولوجي أساسي ” بما أن الأحلام إشارات تصل من أعماقنا المظلمة لتدعم وجودنا الواعي. إن الحلم بحسب كامبل أسطورتنا الخاصة، كل يحلم أسطورته، في حين أن الأسطورة حلم المجموع. ومتى ما حدث انسجام بين حلم الفرد الشخصي وأسطورة المجتمع فهو في حالة توازن مع محيطه، والعكس يعني المغامرة، وأيضاً المرض النفسي، وفي هذه المنطقة يتواجد الكثير ممن تعارضت أساطيرهم الخاصة مع أسطورة المجتمع : فنانون، عباقرة، أبطال، أولئك الذين عليهم دائماً المجابهة والخوض في الظلمات.

لم تكن الميثولوجيا وثيقة الصلة بالباطن الإنساني فحسب بل أيضاً بالعقل منذ أن وعى الإنسان حقيقة وجوده على الأرض وأدرك : ” أن جوهر الحياة يتجلى في أنها تأكل ذاتها. الحياة تعيش على الأحياء ” هكذا كان على الإنسان لكي يبقى أن يأكل غيره من الكائنات أن يحيا على موت غيره، وحتى يتقبل العقل البشري هذا البُعد للوجود قدمت الميثولوجيا شكلاً من تصالح العقل مع الحياة عبر الكثير من الشعائر التي تعتمد بشكل أساسي على طقوس القتل. إن محاولة الإنسان صياغة تصوراته عن المتعالي تأتي دائماً وفق مستويات وعيه فهو الذي يحيا الحياة بتناقضاتها ويفكر تحت شروط هذه المتناقضات ومن هنا تأتي الأسطورة في محاولة الإنسان الاقتراب من الأبدية والتفكير في المتعالي، حتى وإن كان المطلق يتجاوز كل تفكير والسر يتعالى على كل مقولات الفكر، ويظل الإنسان دائماً يتشوف إلى المجاز الأول ما قبل الزمن، إلى الطهارة وما قبل الوعي والمعرفة، إلى الجنة.

أهمية الميثولوجيا بالنسبة لكامبل تكمن في بعدها المجازي إذ في المجاز تكمن الحقيقة، وكل موضوعات الأسطورة ورسائلها ليست سوى نتائج الترحال إلى الداخل والغوص في العمق الباطن للإنسان فإذا كانت الرموز في الخارج فإن انعكاساتها دائماً في الداخل ولا شيء مطلقاً خارج المجاز لذلك تأمل الوجود في العمق يظهر أن الحياة ” ليست أكثر من سرٍّ مرعب ” لكن الارتكاس غير ممكن ” موقف طفولي أن تقول لا للحياة مع كل آلامها، أو أن تقول أن هذا الشيء يجب أن لا يكون ”. وللأسطورة بعد جمالي يحقق الإنسان عبره الانسجام بين الروح والجسد وبين الداخل والخارج، لذا يظل الفن أقرب الظواهر إلى الأسطورة والفنانون ليس لهم من وظيفة سوى ممارسة الأسطورة، أي أسطرة العالم والبحث في اللامرئي وهنا ضرورة أن يعي الفنان كامل الميثولوجيا الإنسانية والقيمة القصوى التي تكمن وراء الصمت حيث المنبع المجهول، ما قبل الكلمة، السر الذي يتجاوز المعرفة. على أن كامبل دائماً ما يفصل بين الميثولوجيا وبعض التصورات اللاهوتية عن الطبيعة والإنسان والوجود التي تغرِّب الكائن ليقيم على أرض ليست سوى مسرح للشرور، المنفى ومستودع الخراب حيث يظل الإنسان تحت وطأة الخوف والكذب، لا يقيم العلاقة الروحية المتأملة والآمنة مع الطبيعة كرحم أزلي وكتجلي لعظمة المطلق.

لقد ظل المكان دائماً منذ بدايات الحياة الإنسانية ملتصقاً بالتجربة الروحية للإنسان، فالتصورات الميتافيزيقية للإنسان في الصحراء غيرها في الغابات مثلاً، كما أن تلك التصورات تختلف باختلاف مراحل التطور الإنساني. ويرى كامبل أن أساليب الحياة الحديثة أثرت على الإنسان وأدت إلى ظهور مشاكل من قبيل الضجر والملل والاغتراب، كما أحدثت فجوة بين العقل والجسد وفراغاً في الروح، على أن ذلك لا يعني النظر سلبياً إلى العلم فالعلاقة بين العلم والميثولوجيا ليست علاقة صراع، العلم يتقدم الآن إلى الحافة القصوى التي سبق للأسطورة عبورها لتذهب بعيداً إلى ذلك المنبع المتعالي الذي لم يصله العلم ” عندما يشاهد عالم الفيزياء جسيمات أصغر من الذرة فهو يرى أثراً على الشاشة. هذه الآثار تأتي وتذهب، ونحن نأتي ونذهب، والحياة وكل ما فيها يأتي ويذهب، الطاقة هي الطاقة المكونة لكل الأشياء، العظمة الأسطورية تتكلم عن ذلك ”. إن قصص المعلمين الكبار عبر التاريخ الذين تركوا آثاراً خالدة في تحولات الروح الإنسانية وإن بدت مختلفة في الظاهر إلا أنها في العمق متشابهة على مستوى رحلة الروح في الكشف والتعالق مع السر. بحسب كامبل فإن بإمكان الميثولوجيا أن تمنح الإنسان الحديث ليس فقط الانسجام والتوازن الداخلي بل وأيضاً الشجاعة على الوجود وعلى الموت كشكل من أشكال الحياة وليس كنقيض وهنا يكمن مغزى قصة صلب المسيح وقصة أوديب مع أبي الهول ” أبو الهول في قصة أوديب له شكل أنثوي بجناحي طائر، وجسد حيوان، أما الصدر والرقبة والوجه فهي لامرأة، وهو يمثل قدر الحياة. وقد أرسل وباءً اجتاح الأرض، ومن أجل أن يرفع هذا الوباء يجب أن تُحل الأحجية التي يطرحها : ما الذي يمشي على أربع أرجل، ثم على رجلين، ومن ثم على ثلاث ؟ والجواب هو الإنسان … وليست أحجية أبي الهول سوى صورة عن الحياة ذاتها في أزمنة الطفولة، النضج ومن ثم الشيخوخة فالموت. عندما نكون قد واجهنا وقبلنا أحجية أبي الهول بلا خوف، لم يعد للموت من سلطان علينا وفي الوقت ذاته تختفي لعنة أبي الهول ”. إن في عدم الخوف من الموت استعادة لفرح الحياة، شجاعة في مواجهة الوجود وهنا أيضاً يكمن مغزى كل مغامرات المعلمين الكبار عبر التاريخ.



#فيصل_زوهار (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295





- مواجهة ايران-اسرائيل، مسرحية ام خطر حقيقي على جماهير المنطقة ...
- ”الأفلام الوثائقية في بيتك“ استقبل تردد قناة ناشيونال جيوغرا ...
- غزة.. مقتل الكاتبة والشاعرة آمنة حميد وطفليها بقصف على مخيم ...
- -كلاب نائمة-.. أبرز أفلام -ثلاثية- راسل كرو في 2024
- «بدقة عالية وجودة ممتازة»…تردد قناة ناشيونال جيوغرافيك الجدي ...
- إيران: حكم بالإعدام على مغني الراب الشهير توماج صالحي على خل ...
- “قبل أي حد الحق اعرفها” .. قائمة أفلام عيد الأضحى 2024 وفيلم ...
- روسيا تطلق مبادرة تعاون مع المغرب في مجال المسرح والموسيقا
- منح أرفع وسام جيبوتي للجزيرة الوثائقية عن فيلمها -الملا العا ...
- قيامة عثمان حلقة 157 مترجمة: تردد قناة الفجر الجزائرية الجدي ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - فيصل زوهار - الأسطورة عند كامبل